حرب النهروان

البريد الإلكتروني طباعة

حرب النهروان

المعروفة بوقعة الخوارج ، وحصلت الوقعة سنة ٣٧ هـ.

لمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام قتل « المحكِّمة » لعبدالله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس ، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم ، قال المسلمون الذين معه : يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا ؟ سر بنا إلىٰ القوم ، فإذا فرغنا منهم سرنا إلىٰ عدوِّنا من أهل الشام.

فرجع عليه السلام بجنده الذين ذعروا علىٰ أهليهم من خطر الخوارج ، والتقت الفئتان في النهروان ، فلم يبدأهم الإمام عليه السلام بحرب ، حتّىٰ دعاهم إلىٰ الحجَّة والبرهان ، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه ، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم ، لكنَّهم أصرُّوا علىٰ العمىٰ والطغيان ! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليه السلام ، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه ، حتّىٰ لم يبقَ لديهم حجَّة ، وحتّىٰ رجع أكثرهم وتاب ، وممَّن رجع يومذاك إلىٰ رشده : عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم (1). وأبىٰ بعضهم إلَّا القتال !!

وتعبأ الفريقان ، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر ، فقال عليه السلام : « والله ما عبروا ، ولا يقطعونه ، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر » ، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليه السلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه « والله لا يفلتُ منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة » ! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليه السلام ، فأدركوهم دون النهر ، فكبَّروا ، فقال الإمام عليه السلام : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت » (2).

وكان عليٌّ عليه السلام قد قال لأصحابه : كُفُّوا عنهم حتّىٰ يبدأوكم ، فتنادوا : الرواح إلىٰ الجنَّة ! وحملوا علىٰ الناس (3). واستعرت الحرب ، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام استبسالاً ليس له نظير ، فلم ينجُ من الخوارج إلَّا ثمانية فرُّوا هنا وهناك ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليه السلام غير تسعة ، وقيل : سبعة (4).

وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم ، وقد روىٰ جماعة أنَّ عليَّاً عليه السلام كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج ، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة ، علامتهم رجل مُخدَج اليد ، سمعوا ذلك منه مراراً (5).

فقال الإمام عليه السلام : « اطلبوا ذي الثُديَّة » ، فقال بعضهم : ما نجده ، وقال آخرون : ما هو فيهم ، وهو يقول : « والله إنَّه لفيهم ! والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ » وانطلق معهم يفتِّشون عنه بين القتلىٰ حتّىٰ عثروا عليه ، ورأوه كما وصفه لهم ، قال : « الله أكبر ، ما كذبتُ ولا كُذبت ، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قصَّ الله علىٰ لسان نبيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لمن قاتلهم ، مستبصراً في قتالهم ، عارفاً للحقِّ الذي نحن عليه » (6).

وقال عليه السلام حين مرَّ بهم وهم صرعىٰ : « بؤساً لكم ! لقد ضرَّكم من غرَّكم » !

قالوا : يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم ؟

قال : « الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء ، غرَّتهم بالأماني ، وزيَّنت لهم المعاصي ، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون » (7).

فقالوا : الحمد لله ـ يا أمير المؤمنين ـ الذي قطع دابرهم ، فقال عليه السلام : « كلا والله ، إنَّهم نطف في أصلاب الرجال ، وقرارات النساء » (8) !

الهوامش

1. أنظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٣٤٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٩١ ـ ١٩٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

2. نهج البلاغة ، الخطبة : ٥٩ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣.

3. الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣.

4. الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣ ـ ٢٢٦ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٢٠.

5. أنظر أخبار المخدج في : إعلام الورىٰ ١ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

6. أنظر قصَّة مقتل ذي الثُديَّة في : الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٢٠ ، سير أعلام النبلاء « سيرة الخلفاء الراشدين » : ٢٨٢ ، وأخرج مسلم ٣ : ١١٦.

7. الكامل في التاريخ ٣ : ٢٢٣.

8. نهج البلاغة ، الخطبة : ٦٠.

مقتبس من كتاب : [ الإمام علي عليه السلام سيرة وتأريخ ] / الصفحة : 216 ـ 218

 

أضف تعليق

الغزوات والحروب

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية