كيفية بيعة علي عليه السلام لأبي بكر

طباعة

كيفيّة بيعة علي عليه السلام لأبي بكر

قال ابن قتيبة : وإن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إن فيها فاطمة ؟ فقال : وإن !

وفي العقد الفريد وتاريخ أبي الفداء : حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ، ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة.

ثمّ قال ابن قتيبة : فخرجوا فبايعوا إلّا عليّاً ، فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقّاً.

فأتى عمر أبابكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب فادع لي عليّاً ، قال : فذهب إلى علي ، فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبوبكر طويلاً ، فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ! فقال أبوبكر لقنفذ : عد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ ، فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته ، فقال : سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له ، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة ، فبكى أبوبكر طويلاً ، ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا باب فاطمة ، فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟! فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك ، فقال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ، فقال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخا رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي بقبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يصيح ويبكي وينادي : يا ابن أم ، إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.

وما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه فبهذه الصورة : ثمّ دخل عمر فقال لعلي : قم فبايع ، فتلكأ واحتبس ، فأخذ بيده وقال : قم ، فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير ، ثمّ أمسكهما خالد ، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون ، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ، ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميّات وغيرهنّ ، فخرجت إلى باب حجرتها ، ونادت : يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟! والله لا أكلّم عمر حتّى ألقى الله ... .

ثمّ استمرّ ابن قتيبة قائلاً : فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلّماه ، فأدخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما‌ السلام ، فتكلّم أبو بكر ، فقال : يا حبيبة رسول الله ، والله إن قرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي ، وإنّك لأحبّ إليَّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أنّي متّ ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وامنع حقّك وميراثك من رسول الله ، إلّا أنّي سمعت أباك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لا نُورَّث ، ما تركناه فهو صدقة ».

فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : « رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني » ؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثمّ انتحب أبوبكر يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أصلّيها ، ثمّ خرج باكياً فاجتمع إليه الناس ، فقال لهم : يبيت كلّ رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي.

ثمّ ذكر ابن قتيبة كيفيّة بيعته سلام الله عليه وأنّه لم يبايعه إلّا بعد وفاة الزهراء عليها السلام بما يقرب ممّا رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة (1).

ومن أجل أن ابن قتيبة كان من قدماء أهل السنّة رجّحنا كلامه على من سواه فأوردناه بطوله. وإن كان ابن قتيبة استحقّ بسبب كتابه هذا أن يوصف من قِبَلِ ابن العربي بالصديق الجاهل. يعني أن صديقه العاقل هو الذي يكتم الحقائق المخالفة لمذهبه.

الهوامش

1. الامامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 30 ـ 32 ، العقد الفريد : 5 / 13 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 219 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 48 ـ 49 ، وراجع رواية عائشة في صحيح البخاري ، كتاب المغازي : 3 / 142 ح : 4240 ـ 4241 ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : لا نورث ... : 12 / 320 ـ 325 ح : 1759 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 11 ، تاريخ المدينة لابن شبة : 1 / 110.

مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : 45 ـ 48