المبشرون بالجنّة

طباعة

المبشرون بالجنة :

ومما أثار الشبهة في ذهني : أنه قد وردت روايات صحيحة مستفيضة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في بشارة بعض الصحابة بالجنة : كحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وأبي ذر الغفاري ومقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.

بل يوجد من بين هؤلاء من بلغوا إلى درجة من الأهمية حتى كان سبباً لأن يوجب الله على نبيه أن يحبهم ، كما روي عن بريدة بعدة طرق بعضها صحيحة وبعضها حسنة : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنّه يحبهم » ، قيل يا رسول الله سمهم لنا ، قال : « علي منهم » ـ يقول ذلك ثلاثا ـ « وأبوذر والمقداد وسلمان ، وأمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم ».

أخرجه أحمد وابنه عبد الله والقطيعي والترمذي وابن ماجه وأبو نعيم وابن عساكر وغيرهم ، وأخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (1).

وجاء في حديث صحيح مروي عن أنس : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « إن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان ».

وقد روي في ذلك عن علي عليه السلام وحذيفة بن اليمان أيضا (2).

ورغم كل ذلك لم يُروّجوها بين الناس ، وعندما وجدوا رواية واحدة فيها بشارة بالجنة لعشرة أشخاص ـ وجلّهم من الذين كان مدحهم ينفع السلطة الحاكمة وسياستها ـ أذاعوها بين الناس وحفَّظوها صبيانهم ونساءهم ، وحرروها في كتبهم العقائدية بأن المبشرين بالجنة كانوا عشرة نفر ، فلم كل هذا ؟! مع أن الحديث ليس بصحيح ، بل الظاهر أنه وضع في مقابل حديث ( الطير ) وحديث ( أول داخل ) الواردين في حق أمير المؤمنين عليه السلام.

عن أنس بن مالك أنه قال : أُهديَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم طير مشوي ، فلما وضع بين يديه ، قال : « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ، يأكل معي من هذا الطائر » ، قال : فقلت في نفسي : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، قال : فجاء علي ، فقرع الباب قرعاً خفيفاً ، فقلت : من هذا ؟ فقال : علي ، فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على حاجة ! فانصرف ، قال : فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول الثانية : « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » ، فقلت في نفسي : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، قال : فجاء علي فقرع الباب ، فقلت : ألم أخبرك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على حاجة !! فانصرف ، قال : فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول الثالثة : « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر » ، فجاء علي فضرب الباب ضرباً شديداً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إفتح ، إفتح ، إفتح » ، قال : فلما نظر إليه رسول الله ، قال : « اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ » ، قال : فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فأكل معه من الطير.

أخرجه الحاكم ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً ، ثم صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة ....

وقال الذهبي : وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد افردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل.

أقول : وهو مروي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة وعمرو بن العاص أيضاً.

وأخرج ابن المغازلي الشافعي هذا الحديث بعدة طرق ، ثم قال : قال أسلَم : روى هذا الحديث عن أنس بن مالك يوسف بن إبراهيم الواسطي واسماعيل بن سليمان الأزرق والزهري وإسماعيل السدي وإسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة وثمامة بن عبد الله بن أنس وسعيد بن زربي.

وقال ابن سمعانة سعيد بن زربي إنما حدث به عن ثابت عن أنس ، وقد روى جماعة عن أنس منهم سعيد بن المسيب وعبد الملك بن عمير ومسلم الملائي وسليمان بن الحجاج الطائفي وابن أبي رجال المدني وأبو الهندي وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر ويغنم بن سالم بن قنبر وغيرهم. انتهى كلامه.

وأخرجه أبو نعيم الأصفهاني في الحلية ، وقال : رواه الجم الغفير عن أنس.

وأخرجه الكنجي الشافعي بعدة طرق ، ثم قال : وحديث أنس الذي صدرته في أول الباب أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلاً كلهم رووه عن أنس ، وهذا ترتيبهم على حروف المعجم ... ثم ذكر أسمائهم ، فمن أراد فليراجع [ كفاية الطالب ] له.

ورواه ابن عساكر في تاريخه بطرق كثيرة ، وابن عدي في الكامل.

وأورده ابن الجوزي في تذكرته ، ثم قال : قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : حديث الطائر صحيح ، يلزم البخاري ومسلم اخراجه في صحيحيهما لأن رجاله ثقات وهو من شرطهما (3).

وعن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يا أنس ، اسكب لي وضوئي » ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم قال : « يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين » قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، وكتمته ، إذ جاء علي ، فقال : « من هذا يا أنس ؟ » فقلت : علي ، فقام مستبشراً فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق علي بوجهه ، قال علي : يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل ! قال : « وما يمنعني وأنت تؤدّي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي » ، قال أبو نعيم : رواه جابر الجعفي عن أبي طفيل عن أنس نحوه.

وأخرجه ابن عساكر ومحمد بن سليمان من طرق ، والموفق بن أحمد والجويني عن أنس بن مالك (4).

الهوامش

1. سنن الترمذي : 5 / 400 ح : 3739 ، المستدرك : 3 / 130 ، مسند أحمد : 5 / 351 و 356 ، وابن ماجه في المقدمة : 1 / 53 ح 149 ، مناقب علي عليه‌السلام لابن المغازلي / 290 ـ 292 ح : 331 ـ 333 بثلاث طرق ، وحلية الأولياء : 1 / 172 و 190 ، وكفاية الطالب / 82 ، 83 ، مختصر تاريخ دمشق : 10 / 40 و 17 / 366 و 28 / 290 ، المناقب للخوارزمي / 74 و 69 ح : 42 و 54 ، الصواعق المحرقة / 122.

وعن البخاري في التاريخ ، جامع المسانيد والسنن : 19 / 25 ، فرائد السمطين : 1 / 294 ح : 232 ب : 55 ، فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل : 2 / 648 و 689 و 691 ح : 1103 و 1176 و 1181 ، ينابيع المودة / 183.

2. مناقب علي بن أبي طالب لابن أخي تبوك / 436 ح : 21 ، سنن الترمذي : 5 / 438 ح : 3822 ، المستدرك مع تلخيصه وصححاه : 3 / 137 ، الصواعق المحرقة / 125 ، جامع المسانيد والسنن : 19 / 34 و 21 / 307 ح : 685 ، فرائد السمطين : 1 / 293 ح : 231 ب : 55 ، أنساب الأشراف : 2 / 364 ، ينابيع المودة / 126 ، مختصر تاريخ دمشق : 10 / 40 ـ 41.

3. حلية الأولياء : 1 / 63 و 6 / 339 ، المعجم الكبير : 7 / 82 ح : 6437 و 1 / 253 ح : 730 ، المعجم الأوسط : 2 / 443 ح : 1765 و 10 / 171 ـ 172 ح : 9368 ، السنن الكبرى للنسائي ذكر منزلة علي من الله عزوجل : 5 / 107 ح : 8398 ، مجمع الزوائد بعدة طرق : 9 / 125 ، 126 عن أبي يعلى والبزار من أحاديث أنس وعن الطبراني من أحاديث ابن عباس ، كنز العمال : 13 / 166 ـ 168 ح : 36505 ـ 36508 ، المستدرك : 3 / 130 ـ 131 ، سنن الترمذي : 5 / 401 ح : 3742 ، مختصر تاريخ دمشق : 17 / 362 ـ 364 أسد الغابة : 4 / 30 ، ذخائر العقبى / 116 ـ 117 ، الرياض النضرة : ج 3 من مجلد 2 / 114 ـ 115 عن سفينة ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي / 156 ـ 175 ح : 189 ـ 212 ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : 2 / 560 ح : 945 عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، تذكرة الخواص / 44 ، الفصول المهمة / 37 ، مناقب علي لابن أخي تبوك / 435 ح : 18 ، تاريخ بغداد 3 / 171 م : 1215 و 8 / 382 م : 4489 و 9 / 369 م : 4944 و 11 / 376 م : 6232 ، المناقب للخوارزمي / 77 و 107 ـ 108 و 115 ح : 60 و 114 و 113 و 125 ، كفاية الطالب / 125 ـ 134 ، سير أعلام النبلاء الخلفاء / 235 ، مشكاة المصابيح للتبريزي : 3 / 356 ح : 6094 ، تاريخ ابن عساكر : 42 / 245 ـ 258 ، فرائد السمطين : 1 / 209 ـ 215 ح : 165 ـ 167 ب : 42 ، ينابيع المودة / 56 ، جامع المسانيد والسنن : 19 / 42 و 21 / 63 ح : 93 و 22 / 513 ح : 1971 ، المطالب العالية : 4 / 61 ـ 62 ح : 3962 و 3964 ، البداية والنهاية : 7 / 387 ـ 390 ، المؤتلف والمختلف : 4 / 2234 ، مقتل الحسين / 79 ح : 32 ، الكامل لابن عدي : 3 / 280 م : 508 ، تذكرة الحفاظ : 3 / 10 م 962.

4. حلية الأولياء : 1 / 63 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 169 ، مختصر تاريخ دمشق : 17 / 376 ، المناقب للخوارزمي / 85 ح : 75 ، كفاية الطالب / 184 ، تاريخ دمشق : 42 / 303 و 386 ، فرائد السمطين : 1 / 145 ح : 109 ب : 27 ، ينابيع المودة / 313 ، مناقب الامام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان : 1 / 360 ـ 361 و 391 و 394 ح : 290 و 313 و 317.

مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : 55 ـ 60