إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام

طباعة

إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام

إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الأصول المسلّم بها عند أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم والمخلصين من أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وهذا الأصل لم يبتدعه البشر ، وليس لهم ذلك ؛ لأنّ الله تعالى هو الذي أراد ذلك ، وهو سبحانه وتعالى الذي أمر وحدّد ليطاع وتطبّق إرادته جلّ وعلا.

والنصوص التي تحدّد إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أكثر من أن تحصى ، ولقد ذكرنا العشرات منها من القرآن الكريم ومن الحديث الشريف من صحاح ومسانيد أهل السنّة والجماعة ، وهي موجودة في كتابنا سبيل المستبصرين ، وكتاب محورية حديث الثقلين في العقيدة والأحكام فراجعها هناك.

ولكنّني أذكر هنا ببعض الروايات من عند العامّة تشير إلى إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وروى في المعجم الكبير عن سلمان قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً فمن وصيّك ؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعدُ رآني فقال : يا سلمان. فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : تعلم من وصيّ موسى ؟. قال : نعم ، يوشع بن نون ، قال : لمَ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدّتي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب (1).

وروى العقيلي عن سلمان قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : وصيي عليّ بن أبي طالب (2).

وروى ابن جرير وغيره عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا بني عبد المطلب ! ... إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أنْ يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟. قال : فأحجم القوم عنها جميعا وقلت : ... يا نبيّ الله ! أكون وزيرك عليه ؟. فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا (3).

وروى الطبراني عن عليّ بن عليّ الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شكاته التي قبض فيها ، فإذا فاطمة رضي‌ الله ‌عنها عند رأسه. قال : فبكت حتّى ارتفع صوتها ، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفه إليها فقال : حبيبتي فاطمة ، ما الذي يبكيك ؟ فقالت : أخشى الضيعة من بعدك ، فقال : يا حبيبتي ، أما علمت أنّ الله عزّ وجل اطّلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك ، فبعثه برسالته ، ثمّ اطّلع اطلاعة فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أنْ أنكحك إيّاه يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط لأحد قبلنا ولا تعطى أحداً بعدنا ، أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحبّ المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ ، وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب وعمّ بعلك ، ومنّا من له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما. يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ أنّ منهما مهديّ هذه الأمّة ، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ، ولا صغير يوقر الكبير ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أوّل الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً ، يا فاطمة ، لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ، وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً وأرحمهم بالرعيّة وأعدلهم بالسويّة وأبصرهم بالقضيّة ، وقد سألت ربي عزّوجلّ أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي.

قال عليّ رضي الله عنه : فلمّا قبض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم تبق فاطمة رضي‌ الله ‌عنها بعده إلا خمسة وسبعين يوماً حتّى ألحقها الله عزّ وجلّ به صلّى الله عليه وسلّم. (4)

روى السيوطي في الدر المنثور والمتّقي وفي كنز العمال وغيرهم ، أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما آخى بينه وبين عليّ يوم آخى بين المهاجرين والأنصار قال لعليّ : « والذي بعثني بالحقّ ، ما أخرتك إلا لنفسي ، فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ، ووارثي فقال : يا رسول الله ، ما أرث منك ؟ قال : ما ورثت الأنبياء ، قال : وما ورثت الأنبياء قبلك ؟ قال : كتاب الله وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة ، مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي ، ثمّ تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية ( إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) (5) » (6).
وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، والديلمي ، وابن عساكر ، وابن النجّار قال : لمّا نزلت : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ). وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على صدره فقال : أنا المنذر ، وأومأ بيده إلى منكب عليّ رضي ‌الله ‌عنه فقال : أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون من بعدي (7).

وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) (8) ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على صدر عليّ ويقول : ( لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (9).

وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس في الآية. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : المنذر أنا والهادي عليّ بن أبي طالب رضي ‌الله ‌عنه (10).

وروى الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ : أنت تبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي (11).

وهذا بالإضافة إلى الآيات القرآنيّة كآية التطهير ، وآية المباهلة ، وآية المودّة ، وآية أولي الأمر ، وآيات الطاعة ، وآيات الاقتداء برسول الله ، وآية بلّغ ما أنزل إليك وغيرها ، وكذلك حديث الثقلين المتواتر ، وحديث المنزلة ، وحديث الولاية ، وحديث سفينة نوح ، وحديث باب حطّة ، وغيرها الكثير ، والتي تحتاج إلى مجلّد خاصّ فراجعها واطلبها في الكتب التي أشرنا إليها.

وأمّا القضيّة الأخرى التي تتعلّق بالإمامة ، فهي الدليل المجمع عليه عند كلّ الناس ، فقد أجمع الناس على أنّ هناك صفات معيّنة يجب أن تتوفّر في الإمام والقائد والخليفة ، منها : العلم ومنها : الشجاعة والقوّة ، ومنها : القدرة على استنباط الأحكام ، فمن توفّرت فيه هذه الشروط يجب أنْ يقدّم على غيره وقد كانت كل تلك الأوصاف متجسدة في شخص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، في حين افتقدها الآخرون. وهي الأوصاف التي حدّدها الله تعالى في القرآن الكريم.

قال تعالى في سورة البقرة : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (12).

أمّا بالنسبة للعلم ، فقد شهد القاصي والداني والعدوّ والصديق بعلم أمير المؤمنين عليه السلام ، وتكفينا شهادة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له بذلك ، بل إنّ الله تعالى قد شهد له بذلك.

قال تعالى في سورة الرعد : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (13).

روى الثعلبي عن ابن الحنفيّة قال : ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (14) هو عليّ ابن أبي طالب (15).

وروى الثعلبي في التفسير ، عن أبي جعفر عليه السلام حينما سئل عن الذي عنده علم الكتاب فقال : إنّما ذلك عليّ بن أبي طالب (16).

وروى السيوطي في الجامع الصغير ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم في المستدرك عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (17).

وروى الطبراني ، والحاكم عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه. ورواه الحاكم عن جابر. وأبونعيم عن عليّ (18).

ولقد كان يلجأ لعلمه الخلفاء ، كأبي بكر وعمر ، ممّا يدلّ على أنّه كان أعلم منهما ، وقد شهدا له بذلك ، وأقرّا واعترفا أمام كلّ المسلمين ، خصوصا عندما كان يضع الحلول لمعضلاتهم الكثيرة.

فقد قال المناوي في فيض القدير : إنّ عمر بن الخطّاب قال : لولا عليّ هلك عمر ، واتّفق له مع أبي بكر نحوه. فأخرج الدارقطني عن أبي سعيد أنّ عمر كان يسأل عليّاً عن شيء ، فأجابه ، فقال عمر : أعوذ بالله أنْ أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن ، وفي رواية : لا أبقاني الله بعدك يا عليّ (19).

وأمّا شجاعته وقوّته فحدّث ولا حرج ، فلقد كان عليه السلام السبب الرئيسيّ في انتصار المسلمين في كلّ معاركهم مع الكفّار في بدر وأحد والخندق وفتح خيبر وحنين وغيرها ، في حين أنّ الآخرين لم يكن لهم دور بارز ، وربّما هرب بعضهم من أرض المعركة ، وشجاعته عليه السلام وقوته يضرب بها المثل حتّى هذا اليوم.

وفي كشف الخفاء للعجلوني أنّ الحاكم أخرج عن جابر أنّ عليّاً لمّا انتهى إلى الحصن اجتذب أحد أبوابها ، فألقاه بالأرض ، فاجتمع عليه بعد سبعون رجلاً ، فكان جهدهم أنْ أعادوا الباب ، وأخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع ، وأضاف أنّ السبعة لم يَقْلِبوه (20).

وروى ابن أبي شيبة عن جابر أنّ عليّاً حمل الباب يوم خيبر ... ، وإنّه جرّب فلم يحمله إلا أربعون رجلاً (21).

وأمّا بالنسبة للقدرة الخارقة على استنباط الأحكام وفهم الأقضية ، فيكفي أنْ نذكر شهادة واحدة من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو حديث أقضاكم عليّ (22).

وهكذا أخي الكريم ، فإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر ثابت قطعيّ لا مرية فيه عند من يطيع الله ورسوله ، وعند من يعرف شروط الإمامة ، وعند من له نظرة صحيحة في صحاح ومسانيد العامة وهذا هو الحقّ ، وهو ما عليه أهل البيت وشيعتهم.

الهوامش

1. المعجم الكبير 6 : 221.

 2. ضعفاء العقيلي 3 : 469.

3. تاريخ الطبري 2 : 63 ، تاريخ دمشق 42 : 49.

 4. المعجم الأوسط 6 : 327 ، المعجم الكبير 3 : 57.

 5. الحجر : 47.

 6. الدرّ المنثور 4 : 370 ـ 371 ، كنز العمّال 9 : 167 عن مسند زيد بن أبي أوفى.

 7. الدر المنثور 4 : 45. والآية من سورة الرعد : 7.

 8. الرعد : 7.

 9. الدر المنثور 4 : 45.

 10. المصدر نفسه 4 : 45.

 11. المستدرك على الصحيحين 3 : 122 ، كنز العمّال 11 : 615 ، عن الديلمي.

 12. البقرة : 247.

 13. الرعد : 43.

 14. الرعد : 43.

15. تفسير الثعلبي 5 : 303 ، وأنظر تفسير القرطبي 9 : 336.

16. تفسير الثعلبي 5 : 303 ، وأنظر تفسير القرطبي 9 : 336.

17. الجامع الصغير 2 : 177 ، المعجم الأوسط 5 : 135 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 124.

18. المعجم الكبير 11 : 55 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 126 ، 127 ، حلية الأولياء 1 : 64.

19. فيض القدير 4 : 470.

20. أنظر كشف الخفاء ١ : ٢٣٢.

21. المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٠٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ١١١.

22. راجع الحديث ومصادره في كشف الخفاء ١ : ١٦٢.

مقتبس من كتاب : [ نهج المستنير وعصمة المستجير ] / الصفحة : 389 ـ 395