السيرة الأخلاقيّة العمليّة للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف

طباعة

الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف

وهو صفوة الصفوة من الاُسوة الباقية من رسول الله صلّى الله عليه وآله في طيب الأخلاق ، ومحاسن الفعال ، وعظيم السجايا ، مع الأولياء وغير الأولياء .

ففي قضيّة ياقوت الدهّان نقل المحدّث النوري عن المرحوم الشيخ علي الرشتي تلميذ الميرزا الشيرازي قال : ـ

رجعت مرّة من زيارتي أبي عبد الله عليه السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات ، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج ، رأيت أهلها من أهل الحلّة ، ومن طويريج يفترق ، طريق الحلّة والنجف ، واشتغل الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح ، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم ، عليه آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك ، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه ، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم ، فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً فأخرَجنا صاحب السفينة منها فكنّا نمشي على شاطئ النهر .

فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق ، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه ، وذمّهم إيّاه ، وقدحهم فيه .

فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السُّنّة ، وأبي منهم واُمّي من أهل الإيمان ، وكنت أيضاً منهم ، ولكنّ الله مَنَّ عَليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزمان عليه السلام .

فسألت عن كيفيّة إيمانه .

فقال : اسمي ياقوت وأنا أبيع الدّهن عند جسر الحلّة ، فخرجت في بعض السنين لجلب الدّهن من أهل البراري خارج الحلّة ، فبُعدت عنها بمراحل ، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه ، وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة ، ونزلنا في بعض المنازل ونُمنا ، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً ، وكان طريقنا في بريّة قفر ، ذات سباع كثيرة ، ليس في أطرافها معموة إلّا بعد فراسخ كثيرة .

فقمت وجعلت الحمل على الحمار ، ومشيت خلفهم فضلَّ عنّي الطريق ، وبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش في يومه ، فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة ، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى ، وتضرّعت كثيراً ، فلم يظهر منهم شيء ، فقلت في نفسي : إنّي سمعتُ من اُمّي أنّها كانت تقول : إنّ لنا إماماً حيّاً يُكنّى أبا صالح يرشد الضالّ ، ويُغيث الملهوف ، ويُعين الضعيف ، فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني ، أن أدخل في دين اُمّي .

فناديته واستغثت به ، فإذا بشخص في جنبي ، وهو يمشي معي ، وعليه عمامة خضراء ، قال رحمه الله : وأشار حينئذٍ إلى نبات حافّة النهر ، وقال : كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات .

ثمّ دلّني على الطريق وأمرني بالدخول في دين اُمّي ، وذكر كلمات نسيتها ، وقال : ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة .

قال : فقلت : يا سيّدي أنت لا تجيىء معي إلى هذه القرية ؟ فقال ما معناه : لا ، لأنّه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد اُريد أن أغيثهم ، ثمّ غاب عنّي .

فما مشيت إلّا قليلاً حتّى وصلت إلى القرية ، وكان في مسافة بعيدة ، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم .

فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني طاب ثراه ، وذكرت له القصّة ، فعلّمني معالم ديني ، فسألت عنه عملاً أتوصّل به إلى لقائه عليه السلام مرّةً اُخرى ، فقال : زُر أبا عبد الله عليه السلام أربعين ليلة الجمعة .

قال : فكنت أزوره من الحلّة في ليالي الجُمع إلى أن بقي واحدة ، فذهبت من الحلّة في يوم الخميس ، فلمّا وصلت إلى باب البلد ، فإذا جماعة من أعوان الظّلَمة يطالبون الواردين التذكرة ، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها ، فبقيت متحيّراً والناس متزاحمون على الباب فأردت مراراً أن أتخفّى وأجوز عنهم ، فما تيسّر لي ، وإذا بصاحبي صاحب الأمر عليه السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد ، فلمّا رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه ، وأدخلني من الباب فما رآني أحد ، فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس (1) .

الهوامش

1. جنّة المأوى المطبوع في بحار الأنوار / ج 53 / ص 294 .

مقتبس من كتاب : [ أخلاق أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 83 ـ 85