النكاح بلا ولي وشهود

طباعة

النكاح بلا ولي وشهود

قال الشيخ في « مطلب النكاح بلا وليّ ولا شهود » :

ومنها إباحتهم النكاح بلا ولي ولا شهود ، وهذا هو الزنا بعينه ، قال الحلّي منهم : ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ولا يشترط الشهود في شيء من الأنكحة ، ولو تآمروا علىٰ الكتمان لم يبطل ، انتهى.

عن عمران بن حصين أنّه قال : « لا نكاح إلّا بولي وشاهدي عدل » ... قال بعض السادة : وإذا طرق سمعك ما سردنا عليك من الأحاديث فقد ظهر بطلان مذهبهم في تجويز النكاح بلا ولي ولا شهود والله أعلم (1).

قلت : علىٰ الرغم من أنّ الخلاف في مسائل الفروع أمر طبيعي ، إلّا أنّ إدّعاء الشيخ ـ رغم ذلك ـ لا أساس له من الواقع ، وهو يخالف رأي جمهور الشيعة في هذا الباب ، وإليك جملة من آراء علمائهم :

1 ـ قال الشيخ البحراني قدّس سرّه : الذي عليه المعوّل باستقلال الولي وأنّه ليس لها معه أمر ، ويدلّ عليه جملة من الأخبار ، منها ما يدلّ علىٰ إستقلاله نصّاً بحيث لا يقبل التأويل والاحتمال ، ومنها ما يدلّ علىٰ ذلك ظاهراً كما هو المعتمد في الاستدلال ، فلا يلتفت إلىٰ ما قبله من التأويل والاحتمال.

فمنها : ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن عبدالله بن الصلت ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الجارية الصغيرة زوّجها أبوها ، ألها أمر إذا بلغت ؟ قال : « لا ليس لها مع أبيها أمر » قال : وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر ؟ قال : « ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر ؟ قال : « ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ».

وهي كالأُولىٰ متناً ودلالة (2).

2 ـ قال المحقّق الكركي قدّس سرّه : والولاية الثابتة بالقرابة منحصرة عندنا في قرابة الأبوة والجدودة من الأبوة ، باتّفاق علمائنا ، فلا تثبت للأخ ولاية من الأبوين كان أو من أحدهما ، انفرد أم كان مع الجدّ ، خلافاً للعامّة.

وكذا الولد وسائر العصبات قربوا أو بعدوا ، وكذا لا ولاية للأُم ولا لمن يتقرّب بها ، وهو قول الأصحاب وأكثر العامة (3).

3 ـ واختار السيد الخوئي قدّس سرّه التشريك ، بمعنىٰ : اعتبار إذنهما معاً ، قال : هذا القول هو المتعيّن في المقام ، لما فيه من الجمع بين النصوص الواردة ، ولخصوص ظهور قوله عليه السلام في معتبرة صفوان : « فان لها في نفسها نصيباً » أو : « فان لها في نفسها حظاً » ، فانّهما ظاهران في عدم إستقلالها وكون بعض الأمر خاصّة بها (4).

وكتب الحديث المعتمدة عند الشيعة مليئة بالروايات عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام والتي تكذب مقالة الشيخ محمّد بن عبد الوهاب ، أذكر منها هذه الروايات القليلة ـ طلباً للاختصار ـ :

1 ـ عن سعيد بن إسماعيل ، عن أبيه قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قراباتها ، ولكن تجعل المرأة وكيلاً فيزوجها من غير علمهم ، قال : « لا يكون ذا » (5).

2 ـ عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهن » (6).

3 ـ عن المهلب الدلال ، أنّه كتب إلىٰ أبي الحسن عليه السلام : إن إمرأة كانت معي في الدار ، ثمّ أنّها زوّجتني نفسها وأشهدت الله وملائكته علىٰ ذلك ، ثمّ أنّ أباها زوّجها من رجل آخر ، فما تقول ؟ فكتب عليه السلام : « التزويج الدائم لا يكون إلّا بولي وشاهدين ... » (7).

وأخيراً أختم هذا المبحث بقول الشيخ المفيد في هذا الباب :

وذوات الآباء من الأبكار ينبغي لهنّ ألّا يعقدن علىٰ أنفسهنّ إلّا بإذن آبائهن ، وإن عقد الأب علىٰ إبنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنّة ، ولم يكن لها خلافه ، وإن عقدت علىٰ نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالفت السنّة وبطل العقد إلّا أن يجيزه الأب (8).

الهوامش

1. رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : 36 ـ 38.

2. الحدائق الناضرة 23 / 212 كتاب النكاح.

3. جامع المقاصد 12 / 92 كتاب النكاح في الأولياء.

4. مباني العروة الوثقىٰ 2 / 264.

5. وسائل الشيعة 20 / 270.

6. وسائل الشيعة 20 / 277.

7. وسائل الشيعة 21 / 34.

8. المقنعة : 510.

مقتبس من كتاب : [ لا تخونوا الله والرسول ] / الصفحة : 277 ـ 281