لماذا يضع الشيعة الإماميّة تربة الحسين عليه السلام مع الميّت في قبره ؟

طباعة

لماذا يضع الشيعة الإماميّة تربة الحسين عليه السلام مع الميّت في قبره ؟

إسمح لي ـ أيّها السائل ـ أنْ أهمس في إذنك ولا تكن في غرابة حينما أقول لك : إنّ الشيعة الإماميّة لم تصنع هذا الفعل إعتباطاً وخرافة كما يتصوّره البعض ، بل إعتمدت على الأمور التالية :

أولاً ـ سيرة المصطفى في أمّته :

ويمكن إستفادة هذه السيرة حسب الآتي :

أ ـ وضع الجريدة وما شابهها على القبر لتخفيف العذاب :

قال القرطبي : « ويُستدلّ لهذا القول من السنّة بما ثبت عن ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مَرّ على قبرين فقال : إنّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير ، أمّا أحدهما ؛ فكان يمشي بالنميمة ، وأمّا الآخر ، فكان لا يستبرئ بالبول. قال : فدعا بِعَسِيب رَطْبٍ فَشَقّه إثنين ، ثمّ غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ، ثمّ قال : لعلّه يخفّف عنهما ما لم ييبسا (1) ...

وفي مسند أبي داود الطّيالسي : فوضع على أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال : يُهَوِّن عليهما العذاب ما دام فيهما من بَلْوَاهما شيء.

قال علماؤنا : ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور ، وإذا خفّف عنهم بالأشجار ؛ فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن ، وقد بَيّنا هذا المعنى في كتاب « التذكرة » بياناً شافياً ، وأنّه يصل إلى الميّت ثواب ما يُهدَى إليه .. » (2).

والذي يبدو للباحث الفقهي ، أنّ هذا من المُسَلّمَات عند المسلمين ، فقد ورد شبيه هذا العمل عند الشيعة الإماميّة ، كما أشار إلى ذلك المحقّق السيّد بحر العلوم في منظومته :

     

وسُنَّ للميت جريدتان

 

من سعف النخل جديدتانِ

فالسدر فالخلاف فالرمانِ

 

وبعدها رطب من القضبان

نحو الذراع طول كلٍ والمحلْ

 

تُرْقُوة الميّت وانزل ما نزلْ (3)

ب ـ لباس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمان من عذاب القبر :

فقد وردت الروايات في ذلك في كتب الطوائف الإسلاميّة كالتالي :

1 ـ « لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ألبسها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قميصه وإضجع في قبرها فقالوا : ما رأينا صنعت ما صنعت بهذه ؟ فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبَرّ لي منها ، إنّما ألبستها قميصي لتكتسي من حلل الجنّة ، وإضطجعت ليهون عليها ». هذا مضمون ما روته الكتب الإسلاميّة فراجع (4).

2 ـ وأيضاً صنع شبيه ذلك بصحابته أمثال عبد الله بن ابَيّ ، كما في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ قال : « أتى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدالله بن أبيّ بعدما أدخل قبره ، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه » (5).

ثانياً ـ سيرة أهل البيت عليهم السلام :

فقد وردت الروايات عن أئمّة الهدى عليهم السلام التي منها التالي :

1 ـ عن أبي الحسن عليه السلام يقول : « ما على أحدكم إذا دفن الميّت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين عليه السلام ، ولا يضعها تحت رأسه » (6).

2 ـ الحميري قال : كنت إلى الفقيه (7) أسأله عن طين القبر بوضع مع الميّت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟

« فأجاب ... توضع مع الميّت في قبره ويخلط بحنوطه » (8) والى هذا أشار المحقّق السيّد بحر العلوم بقوله :

     

بطين مولانا الحسين إن وجد

 

وغيره غير السواد إن فقد

وأخلط به حنوطه فقد ورد

 

عن صاحب الزمان في عال السند (9)

وبعد هذا البيان المتقدّم ، هل تكون الشيعة الإماميّة مُلَامَة حينما تضع التربة الحسينيّة مع موتاها في القبور أماناً من عذاب القبر ، تبرّكاً بهذه التربة الزكية ، وقد صنع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم شبيه ذلك بأهل بيته وأصحابه ، وهو المُشَرِّع العارف بالأحكام ؟!

وهل العَسِيب الرّطَب الذي وضعه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في القبرين أفضل من تربة الحسين عليه السلام التي سَلّمَها جبرئيل للمصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟!.

الهوامش

1. راجع البخاري ، الحافظ محمّد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج 2 / 119 ـ 120.

2. القرطبي ، محمّد بن أحمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج 10 / 267.

3. ـ بحر العلوم ، السيّد محمّد مهدي : الدرة النجفيّة / 76.

4. ـ ابن الجوزي ، جمال الدين أبي الفرج : صفوة الصفوة ، ج 2 / 54.

ـ السمهودي ، السيّد نور الدين علي : وفاء الوفاء ، ج 3 / 897 ـ 898.

ـ المجلسي ، الشيخ محمّد باقر : بحار الأنوار / ج 6 / 232.

5. ـ البخاري ، الحافظ محمّد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج 2 / 116 ، وج 7 / 185.

ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علي : السنن الكبرى ، ج 3 / 402.

6. ـ الحرّ العاملي ، الشيخ محمّد حسن : وسائل الشيعة ، ج 2 / 742 « باب 12 ، من أبواب التكفين ، حديث 3 ».

7. ـ المراد به صاحب العصر والزمان ( عج ) المؤلّف.

8. ـ نفس المصدر « الحديث 1 ».

9. ـ بحر العلوم ، السيّد محمّد مهدي : الدرّ النجفيّة / 77.

مقتبس من كتاب : [ تربة الحسين عليه السلام ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 184 ـ 187