خرافة الغرانيق

طباعة

خرافة الغرانيق

كان اللازم علينا ضرب الصفح عن تناول هذه الخرافة التاريخية بالبحث لأَنّا قد اعتمدنا في سرد حوادث السيرة النبوية وفق ما ورد في القرآن الكريم ، فما جاء في خلال آياته نذكره و ما لم يرد نتركه إلى كتب السيرة و التاريخ ، غير أنّ هذه القصة لمّا الصقت بساحة القرآن الكريم القدسيّة بالإستناد إلى بعض الآيات الموهمة لذلك كذباً وزوراً ، فصارت ذريعة في الآونه الأخيرة بيد أعداء الدين من المستشرقين ك‍ « بروكلمان » في كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 34 ، وكتاب « الإسلام » لفرويد هيوم ، لزم علينا التطرّق لتلك الخرافة و تحليلها تحليلاً علميّاً مؤيّداً بالبرهان الرصين و الحجّة الدّامغة حتى لا يبقى لمشكك شكّ و لا لمريب ريب إلّا من أخذته العصبية العمياء فانّها داء لا علاج له ، خصوصاً ما نشاهده في المؤامرة الأخيرة التي حاكتها بريطانيا وغيرها من أذناب الكفر العالمي حيث زمّروا و طبّلوا لكتاب « الآيات الشيطانية » لمؤلّفه « سلمان رشدي » ومنحوا له جائزة أدبية في ذلك المجال ، والرجل هندي الأصل بريطاني الجنسيّة والدراسة وقد ترجم الكتاب بإيعاز من الدول المستعمرة إلى أكثر اللغات العالميّة مع أنّه ليس بكتاب أدبي ولا علمي ولا تاريخي ، بل أشبه بأضغاث أحلام نسجها الخيال وروّج لها الإستعمار ، وإليك القصّة على وجه الإجمال :

« جلس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه ، فأنزل الله عليه : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) فقرأه رسول الله حتى إذا بلغ ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ) ألقى عليه الشيطان كلمتين :

« تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى و إِنَّ لَشَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى » فتكلّم بها ثمّ مضى فقرأ السورة كلّها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه ، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود ، فرضوا بما تكلّم به ، وقالوا : قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، إذ جعلت لها نصيباً ، فنحن معك. قالا ( محمد بن كعب القرظي ومحمد ابن قيس ) : فلمّا أمسى أتاه جبرئيل ( عليه السلام ) فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه ، قال : ما جئتك بهاتين ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل !! فأوحى الله عليه : ( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ... ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ). فما زال مغموماً مهموماً حتّى نزلت عليه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّـهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / 52 ) ، قال فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة : إنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم ، فرجعوا إلى عشائرهم و قالوا : هم أحبّ إلينا ، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما يلقي الشيطان » (1).

وتحقيق القوم في تلك القصّة يتوقّف على البحث عن سند الرواية التي أوردها الطبري في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور أوّلاً ، ودراسة متنها وعرضه على العقل والقرآن ثانياً لكي يتجلّى الحق بأجلى مظاهره.

تحليل سند الرواية

إنّ هذه الروايات لايمكن الإحتجاج بها لوجهين :

الأوّل : إنّ أسانيدها تنتهي إلى التابعين الذين لم يدركوا النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).

من أمثال :

1 ـ محمد بن كعب القرظي 2 ـ محمد بن قيس 3 ـ أبو العالية 4 ـ سعيد بن جبير 5 ـ الضحّاك 6 ـ ابن شهاب.

ولم يدرك واحد منهم النبي قطّ وهم قد ساقوا القصّة من دون أن يذكروا الواسطة بينهم وبينه ، وإليك نصوص علماء الرجال في حقّهم :

الف ـ محمد بن كعب القرظي

قال ابن حجر : قال العجلي : مدني تابعي ... ، وقال البخاري : إنّ أباه كان ممّن لم يَثْبُت يوم قريظة فترك ، وما نقل من قتيبة من أنّه ولد في عهد النبي ، لاحقيقة له ، إنّما الذي ولد في عهده ، هو أبوه ، وقد ذكروا انّه كان من سبي قريظة ممّن لم يحتلم و لم ينبت فخلّوا سبيله ، حكي ذلك البخاري في ترجمة محمد ، ويدلّ على ذلك إنّه مات سنة 108 هـ ق وقيل : 117 هـ ق وهو ابن ثمان وسبعين سنة ، وجاء عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من طرق أنّه قال : يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لايدرسها أحد يكون بعده. قال ربيعة : فكنّا نقول : هو محمد بن كعب ، والكاهنان قريظة و النضير ـ إلى أن يقول ـ :

... فكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف ، فمات هو وجماعة معه (2).

ب ـ محمد بن قيس

وهو محمد بن قيس المدني قاضي عمر بن عبد العزيز ، روى عن أبي هريرة وجابر ، ويقال : مرسل ، توفّي أيام الوليد بن يزيد. روى عنه أبو معشر. قال ابن معين : ليس بشيء لايروى عنه (3).

ج ـ ابن شهاب

وهو محمد بن مسلم الزهري ـ كان يدلّس في النادر ـ وهو أحد التابعين بالمدينة ، وقال ابن حجر : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري ، وكنيته أبو بكر وهو من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة خمس وعشرين [بعد المائة] وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين (4).

د ـ أبو العالية

وهو رفيع بن مهران الرياحي أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي بسنتين ودخل على أبي بكر وصلّى خلف عمر ... حتى قيل : إنّه أدرك عليّاً ولم يسمع منه (5).

هـ ـ سعيد بن جبير

فهو سعيد بن جبير الكوفي روى عن ابن عباس وابن الزبير وغيره ، قتله الحجاج صبراً سنة 95 (6).

و ـ الضحّاك

وهو الضحّاك بن عثمان. قال أبو زرعة : ليس بقوي ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولايحتج به. مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين (7).

هؤلاء الذين ينتهي إليهم السند كلّهم تابعون ، نعم رواه الطبري أيضاً عن ابن عباس ، فهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، مات سنة ثمان وستين بالطائف وهو أحد المكثرين من الصحابة ، و لكنّه لم يكن حاضراً في زمن القصة بل لم يكن متولّداً فيه ( لأنّ تاريخها يرجع إلى السنة الخامسة من البعثة وهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ) فتكون روايته مقطوعة.

وعلى كل تقدير فكل ما رواه الطبري في هذا المجال مراسيل أو مقطوعات لايمكن الاحتجاج بها.

الثاني : إنّ الأسانيد تشتمل على رجال ضعاف لايمكن الإحتجاج بهم سوى طريق سعيد بن جبير ، وقد عرفت أنّه أيضاً مرسل.

هذا ما لدى الطبري في تفسيره ، وأمّا ما نقله السيوطي فلايقصر عمّا نقله الطبري في الضعف والإرسال ، وقد رواه عن « أبي صالح » وأبي بكر بن عبد الرحمان ابن الحارث و « السدي » أيضاً.

أمّا الأوّل فهو مشترك بين 19 شخصاً لم يرو واحد منهم عن النبي فالجلّ لولا الكل تابعون (8).

وأمّا الثاني فهو أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ولد في خلافة عمر (9).

وأمّا الثالث فهو محمد بن مروان تابعي. قال ابن معين : ليس بثقة ، قال ابن غير : ليس بشيء وكان كذّابا (10).

نعم رواه أيضاً عن سعيد بن جبير وابن عباس وقد عرفت حالهما ، ورواه عن السدي وهو أيضاً تابعي.

مضافاً إلى اشتمال الاسناد على رجال ضعاف ، وأمّا ماذكره السيوطي من أنّه أخرج الطبراني والبزاز وابن مردويه والضياء في المختار بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فهو غير صحيح لما عرفت من أنّ المرسل والمقطوع لايوصفان بالصحة على الإطلاق ولو وصفا بالصحّة فالمراد هو الصحّة النسبية ، فلايحتج بها.

إنّ علماء الإسلام وأهل العلم والدراية من المسلمين ، قد أشبعوا هذه الرواية نقضاً وردّاً وإبراماً فوصفها السيد مرتضى بأنّها خرافة وضعوها (11).

وقال النسفي عند القول بها : غير مرضي. وقال الخازن في تفسيره : إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة ، ولاأسندها ثقة بسند صحيح ، أو سليم متّصل ، وإنّما رواها المفسّرون والمؤرّخون المولعون بكل غريب ، الملفّقون من الصحف كل صحيح وسقيم ، والذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها (12).

وقال القاضي عياض : إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحّة ولا رواه ثقة بسنده سليم متّصل ، و إنّما أولع به المفسّرون ، والمؤرّخون ، المولعون بكل غريب ، والمتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم ، و صدق القاضي بكر بن العلا المالكي حيث قال : لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير ، وتعلّق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته ، واضطراب رواياته ، وانقطاع أسناده واختلاف كلماته (13).

وقال أمين الإسلام الطبرسي : أمّا الأحاديث المرويّة في هذا الباب فهي مطعونة ومضعّفة عند أصحاب الحديث ، وقد تضمّنت ما ينزّه الرسل عنه ، فكيف يجوز ذلك على النبي وقد قال سبحانه : ( كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) وقال : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ).

وأقصى ما يمكن أن يقال : إنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ) علمت قريش من عادته أنّه كان يعيبها ، قال بعض الحاضرين من الكافرين : ( تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى ) فظنّ الجهّال أن ذلك من قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (14).

وقال السيّد الطباطبائي : إنّ الأدلّة القطعية على عصمته تكذّب متنها ، وإن فرضت صحّة سندها ، فمن الواجب تنزيه ساحته المقدّسة عن مثل هذه الخطيئة ، مضافاً إلى أنّ الرواية تنسب إليه أشنع الجهل وأقبحه فقد تلا « تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى » وجهل أنّه ليس من كلام الله ، ولانزل به جبرئيل ، وجهل أنّه كفر صريح يوجب الإرتداد ، ودام على جهله ، حتى سجد وسجدوا في آخر السورة ، ولم يتنبّه ثمّ دام على جهله حتى نزل عليه جبرئيل ، وأمره أن يعرض عليه السورة فقرأها عليه وأعاد الجملتين وهو مصرّ على جهله ، حتى أنكره عليه جبرئيل ، ثمّ أنزل عليه آية تثبت نظير هذا الجهل الشنيع والخطيئة الفاضحة لجميع الأنبياء والمرسلين وهي قوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ).

لو جاز مثل هذا التصرّف من الشيطان في لسانه بالقائه جملة أو جملتين ، في ثنايا الوحي ، لارتفع الأمن عن الكلام الإلهي ، فكان من الجائز حينئذ أن تكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان فيلقي نفس هذه الآية ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ) فيضعه في لسان النبي وذكره ، فيحسبها من كلام الله الذي نزل به جبرئيل كما حسب حديث الغرانيق كذلك ـ إلى أن قال : ـ وبذلك يرتفع الاعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة ، وتلغى الرسالة والدعوة النبويّة بالكليّة جلّت ساحة الحق من ذلك (15).

هذا كلّه راجع إلى اسناد الرواية وكلمات العلماء بشأنه ، وأمّا ما يرجع إلى متنها فنشير إلى أمرين كل واحد كاف لإبطال الرواية :

تحليل متن الرواية

1 ـ إنّ هذه الروايات أجمعت على أنّ النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قرأ سورة والنجم فلمّا بلغ إلى قوله : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ) وسوس إليه الشيطان بهاتين الجملتين ثمّ مضى في التلاوة حتى إذا بلغ آية السجدة في آخر السورة ، سجد وسجد معه المشكرون.

فنقول : إنّ الذين كانوا في المسجد كانوا على قدر من الوعي والدراية فكيف يعقل منهم أنّهم سمعوا هاتين الجملتين ، اللتين تتضمّنان مدح أصنامهم وأوثانهم ، وغاب عن سمعهم ما يتضمّن التنديد والازراء بشأن آلهتهم ، فإنّه قد جاء بعد هاتين الجملتين المدّعيتين قوله سبحانه : ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ ) ( النجم / 23 ).

فهل يتعقّل أن ينسب إلى أوتاد الفصاحة والبلاغة أنّهم أقنعوا بهاتين الجملتين ، وفاتهم ما تضمّنته الآيات الكثيرة التي أعقبتها.

فهذه حجّة بالغة على أنّ واضع القصة كان غافلاً عن تلك الآيات التي ترد على هاتين الجملتين بصلابة.

2 ـ إنّ وجود التناقض في طيّات الرواية من جهات شتّى دليل واضح على كونها مختلقة حاكتها أيدي القصّاصين.

وأمّا بيان ذلك التناقض فمن وجوه :

أ ـ تروي الروايات أنّ النبي والمسلمين والمشركين سجدوا إلّا الوليد ابن المغيرة فإنّه لم يتمكّن من السجود لشيخوخته ، وقيل : مكانه سعيد بن العاص ، وقيل : كلاهما ، وقيل : اُميّة بن خلف ، وقيل : أبو لهب ، وقيل : المطّلب.

ب ـ تضمّن بعضها أنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قرأها وهو قائم يصلّي ، وتضمّن البعض الآخر أنّه قرأها بينما هو جالس في نادي قومه.

ج ـ يقول بعضها : حدّث بها نفسه ، وآخر : جرت على لسانه.

د ـ يقول بعضها : انّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تنبّه لها حين تلاوتها ، وآخر : انّه لم يتنبّه إلى المساء حتى جاء إليه جبرئيل فعرضها عليه ثمّ تبيّن له الخطأ ، إلى غير ذلك من وجوه التناقض التي يقف عليها المتتبّع عند التأمّل وامعان النظر في متون الروايات المختلفة التي جمعها ابن جرير والسيوطي في تفسيرهما.

فحصيلة الكلام : إنّ الرواية بشتّى طرقها وصورها لايصحّ الاحتجاج بها لكون اسنادها مراسيل ومقاطيع من جانب ، وكونها متضاربة المضمون من جانب آخر ، والذي يسقط الرواية عن الحجّية أنّها تنتهي إلى قصّاصين نظير محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس ، وهما مولعان بذكر كل صحيح وسقيم في أنديتهم ومجالسهم ، لأنّ لكل غريب لذّة ، ليس في غيره ، خصوصاً أنّ محمد بن كعب ابن بيت يهودي أباد النبي قبيلته ، ولم يبق منه إلّا نفراً قليلاً ، فمن المحتمل جداً أنّه حاكها على نول الوضع لينتقم من النبي الأكرم وليشوِّه عصمته ، والآفة كل الآفة من هؤلاء المستسلمين مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه.

ثمّ إنّ الآية التي زعمت الرواية أنّها نزلت في تلك الواقعة أعني قوله سبحانه :

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّـهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / 52 ). وقد فرغنا من تفسيره في هذه الموسوعة عند البحث عن عصمة الأنبياء فلانعيد (16).

الهوامش

1. تفسير الطبري الجزء 17 ، ص 131.

2. تهذيب التهذيب ج 9 ص 421.

3. تهذيب التهذيب ج 9 ص 414.

4. ميزان الإعتدال ج 4 ص 40 ، وتقريب التهذيب ج 2 ص 207 ، ووفيات الاعلام ج 4 برقم 563.

5. تهذيب التهذيب ج 3 ص 384.

6. تهذيب التهذيب ج 4 ص 11.

7. تهذيب التهذيب ج 4 ص 447.

8. راجع تهذيب التهذيب ج 12 ص 130 ـ 131.

9. تهذيب التهذيب ج 12 ص 130 ـ 133.

10. تهذيب التهذيب ج 9 ص 436 برقم 719.

11. تنزيه الأنبياء ص 109.

12. الهدى إلى دين المصطفى ج 1 ص 130.

13. الشفاء ج 2 ص 126.

14. الطبرسي مجمع البيان ج 4 ص 61 و 62.

15. الطباطبائي : الميزان ج 14 ص 435 و 436.

16. مفاهيم القرآن ج 4 ص 373 ـ 450.

مقتبس من كتاب : [ المفاهيم القرآن ] / المجلّد : 7 / الصفحة : 190 ـ 199