غزوة اُحد

طباعة

غزوة اُحد (1)

لقد كانت لغزوة « بدر » أصداء في عهد النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وما بعده ، وقد أوجد انتصار النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيها خوفاً ووجلاً في قلوب المشركين ، خصوصاً بعد ما شاع خبر أنّ النّبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) طرح أجساد قتلىٰ المشركين في القليب ، ووقف عليهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فخاطبهم بقوله : يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً ، فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً. فلمّا قيل لرسول الله : أتكلّم قوماً موتى ، أو أتنادي قوماً قد جيفوا ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني.

فلمّا بلغ خبر انتصار النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهزيمة المشركين إلى مكّة ، ناحت قريش على قتلاها ، ثم منعت النياحة بتاتاً في مكّة ونواحيها حذراً من شماتة المسلمين أوّلاً ، واستنهاضاً لعزائمهم لأخذ الثأر ثانياً ، فإنّ النياحة والبكاء وسكب الدّموع تهبّط العزائم ، وتثبّط الهمم.

وكان الأسود بن عبدالمطلب قد اُصيب له ثلاثة من ولده ، وكان يحب أن يبكي على بنيه ، ولكنّه كان يكبح جماح مشاعره حذراً من نقمة قريش ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة في الليل ، فقال لغلام له وقد ذهب بصره : انظر هل اُحلّ النحب لعلّي أبكي على أولادي ، فإنّ جوفي قد احترق ، فرجع الغلام وقال : إنّما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته.

فعند ذلك أنشأ يقول :

أتبكي أن يضل لها بعير

 

ويمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر ولكن

 

على بدر تقاصرت الجدود (2)

باتت قريش على تلك الحالة وصدورهم مليئة بالغيظ والحقد ، وهم بصدد العزم على أخذ الثأر ، وتحيّن الفرصة المناسبة لذلك.

ولأجل ذلك مشى عبدالله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن اُميّة ، في رجال من قريش ممّن اُصيب آباؤهم وأبناؤهم و إخوانهم يوم بدر ، فكلّموا أباسفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إنّ محمّداً قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال ( اشارة إلى العير الّتي أقبل بها أبوسفيان من الشام إلى مكّة ) على حربه ، فلعلّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا ، ففعلوا ، وفي ذلك نزل قوله سبحانه :

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) ( الأنفال / 36 ) (3).

فاجتمعت قريش لحرب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ومن أطاعهم من قبائل كنانة ، وأهل تهامة. وكان أبو عزّة عمرو بن عبدالله الجمحي قد منّ عليه رسول الله يوم بدر ، وكان فقيراً ، ذا عيال وحاجة ، وكان في الأسارى ، فقال : إنّي ذو عيال وحاجة ، فامنن عليّ صلّى الله عليك ؛ فمنّ عليه رسول الله. فقال له صفوان ابن اُميّة : يا أبا عزّة إنّك إمرؤٌ شاعر ، فأعنّا بلسانك ، فاخرج معنا ؛ فقال : إنّ محمداً قد منّ عليّ ، فلا اُريد أن اظاهر عليه. قال : بلىٰ ، فاعنا بنفسك ، فلك الله عليّ إن رجعت أنْ اغنيك ، وإن أصبتَ أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر. فخرج أبو عزّة في تهامة.

خرجت قريش بحدّها وجدّها ، وحديدها وأحابيشها (4) ومن تابعها من بني كنانة ، وأهل تهامة ، وخرجت معهم النساء في الهوادج التماس الحفيظة وألّا يفرّوا.

فخرج أبوسفيان بهند بنت عتبة ، وخرج عكرمة بأمّ حكيم ، وهكذا.

فخرجوا حتّى نزلوا على شفير الوادي مقابل المدينة ، وهم ثلاثة آلاف بمن انضم إليهم ، وكان فيهم من ثقيف مائة رجل ، وخرجوا بعدّة وسلاح كثير ، وقادوا مائتي فرس ، وكان فيهم سبعمائة دارع ، وثلاثة آلاف بعير.

ثم إنّ العباس بن عبدالمطلب أخبر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بنيّة القوم ، ومسيرهم نحو المدينة وعددهم وعُدتهم ، فكتب كتاباً وختمه ، واستأجر رجلاً من بني غفار ، واشترط عليه أن يسير ثلاثاً ، فوجد رسول الله بقباء ، فدفع إليه الكتاب ، فقرأه عليهم اُبيّ بن كعب ، واستكتم اُبيّاً ما فيه. فدخل منزل سعد بن الربيع ، فأخبره بكتاب العباس ، وجعل سعد يقول : يا رسول الله إنّي لأرجو أن يكون في ذلك خير.

فلمّا سمع رسول الله نزولهم على شفير الوادي ، شاور قومه في الخروج عن المدينة ، أو البقاء فيها ، فاختلفت آراء أصحابه ، فكان عبدالله بن اُبيّ وأصحابه يكرهون الخروج ، فقالوا : يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم ، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قطّ إلّا أصاب منّا ، ولا دخلها علينا إلّا أصبنا منه.

وكان الشّباب من أصحاب الرّسول يصرّون على الخروج ، ويقولون : « اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون إنّا جبنا عنهم وضعفنا ».

فلمّا رآى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) اصرارهم على الخروج ، وهم يقولون : ( هي احدى الحسنيين أمّا الشهادة وأمّا الغنيمة ) ، صلّى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الجمعة بالنّاس ، ثم وعظهم ، وأمرهم بالجد والجهاد ، ثم صلّى العصر ، وصفّ النّاس له ما بين منبره وحجرته ، فجاء هم سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، فقالا للنّاس : قلتم لرسول الله ما قلتم ، واستكرهتموه على الخروج ، فردّوا الأمر إليه ، فما أمركم فافعلوه ، فبينا القوم على ذلك ، إذ خرج رسول الله قد لبس لامّته ودرعه ، وحزم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم ، فقالوا يا رسول الله : استكرهناك ، ولم يكن ذلك لنا ، فإن شئت فاقعد صلّى الله عليك ، فقال رسول الله : ما ينبغى لنبيّ إذا لبس لامّته أن يضعها حتّى يقاتل ، فخرج في ألف من أصحابه (5).

عودة المنافقين القهقرى إلى المدينة :

كان عبدالله بن اُبيّ ممّن أبدى الإصرار على الإقامة في المدينة والتحصّن بها فلمّا رأى أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ترك رأيه وأخذ برأي الآخرين ، فقال : أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا ، فرجع بمن اتّبعه من قومه من أهل النفاق والريب ، وهم ثلث النّاس ، واتّبعهم عبد الله بن عمرو ، فقال : يا قوم اُذكّركم الله ألّا تخذلوا قومكم ونبيّكم عندما حضر من عدوّهم ؛ قال عبد الله بن اُبيّ : لو نعلم أنّكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنّا لا نرى أنّه يكون قتال.

فلمّا استعصوا عليه وأبوا إلّا الإنصراف عنهم ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيّه.

وفي ذلك نزل قوله سبحانه : ( وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) ( آل عمران / 167 ).

وقد أوجد رجوع رئيس النفاق في أثناء الطريق شقاقاً وخلافاً بين أصحاب النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على نحوين :

1 ـ فقال قوم من المسلمين : نقاتل قريشاً ، وقال آخرون : لا نقاتلهم ، وفي ذلك نزل قوله سبحانه ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّـهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ) ( النساء / 88 ).

فالآية تشير إلى أنّ المسلمين صاروا في أمر ما صار إليه المنافقون فرقتين مختلفتين ، فمنهم من مال إلى مقالتهم ومنهم من يخالفهم في الرأي.

2 ـ همّت طائفتان من المسلمين أن تأخذ برأي رئيس النفاق ، ويرجعا في أثناء الطريق ، وهما بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار ، و إليه يشير قوله سبحانه :

( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ( آل عمران / 121 و 122 ).

نزول رسول الله أرض اُحد :

لمّا انتهى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى اُحد ، جعل جبل اُحد خلف ظهره ، واستقبل المدينة ، وجعل عينين (6) عن يساره ، وجعل الرماة وهم خمسون رجلاً على عينين عليهم عبد الله بن جبير ، فقال لرئيسهم : انضح الخيل عنّا بالنّبل لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فأثبت مكانك لا نؤتين من قبلك.

ثم قام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وخطب الناس وقال : إنّ جهاد العدو شديد ، شديد كربه ، قليل من يصبر عليه ، إلّا من عزم الله رشده ، فإنّ الله مع من أطاعه ، و انّ الشيطان مع من عصاه ، فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد ، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله (7).

وكان للمشركين كتيبتان ميمنة عليها خالد بن الوليد ، وميسرة عليها عكرمة بن أبي جهل. وجعل رسول الله ميمنة ، وميسرة ، ودفع لواءه الأعظم إلى مصعب بن عمير ، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى سعد أو حباب بن المنذر ، والرماة يحمون ظهورهم ، يرشقون خيل المشركين بالنّبل.

وعند ذلك دنا القوم بعضهم من بعض فقدّمت قريش صاحب لوائهم طلحة بن أبي طلحة ، وصفّوا صفوفهم ، وأقاموا النساء خلف الرجال بالأكبار والدفوف ، وهند وصواحبها يحرّضن و يَذْمُرن (8) الرجال و يذكرن من اُصيب ببدر.

وصاح طلحة بن أبي طلحة : مَن لبني عبد الدار ؟ وكانت راية قريش يوم ذلك بأيدي هؤلاء ، فقال علي ( عليه السلام ) : هل لك في البراز ؟ قال طلحة : نعم ، فبرزا بين الصفّين ، ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جالس تحت الراية عليه درعان ومغفّر وبيضة ، فالتقيا ، فبدره عليّ ، فضربه على رأسه ، فمضى السيف حتّى فلق هامته حتّى انتهى إلى لحيته ، فوقع طلحة ، وانصرف علي (9).

ثمّ أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة ، فقتله علي وسقطت الراية ، فأخذها مسافع بن أبي طلحة ، فقتله علي. حتّى قتل تسعة نفر من بني عبد الدار ، حتّى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له : صوأب ، فانتهى إليه علي ، فقطع يده اليمنى ، فأخذ اللواء باليسرىٰ ، فضرب يسراه فقطعها ، فاعتنقها باليدين المقطوعتين ، فضربه على رأسه فقتله ، فسقط اللواء ، فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية ، فرفعتها (10).

وقد كان لعليّ ( عليه السلام ) مواقف مشهودة كما كان لأبي دجانة ، والزبير بن العوّام ، وفي ظل بطولة هؤلاء ، ولفيف من غيرهم انهزمت قريش هزيمة نكراء لا يلوون ، ونساؤهم يَدْعَوْن بالويل بعد ضرب الدفاف ، فلمّا انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حتّى أخرجوهم عن الساحة ثمّ اشتغلوا بعد وضع سيوفهم على الأرض بنهب ما استولوا عليه في معسكرهم.

وعند ذلك قال بعض الرماة لبعض : لِمَ تقيمون ههنا في غير شيء ؟ قد هزم الله العدو ، وهؤلاء إخوانكم ينهبون معسكرهم ، فادخلوا معسكر المشركين ، فاغنموا مع إخوانكم. فقال بعض الرماة لبعض : ألم تعلموا أنّ رسول الله قال لكم : « احموا ظهورنا ، فلا تبرحوا مكانكم ، وإن رأيتمونا نقتل ، فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا غنمنا ، فلا تشركونا » فقال الآخر : لم يرد رسول الله هذا ، وقد أذلّ الله المشركين وهزمهم ، فادخلوا المعسكر ، فانتهبوا مع إخوانكم ، فلمّا اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن الجبير ، وأمرهم بأن لا يخالفوا لرسول الله أمراً ، فعصوا ، فانطلقوا فلم يبق من الرماة مع أميرهم عبد الله بن الجبير إلّا نفراً ما يبلغون العشرة ، واشترك المنطلقون في النهب ، واشتغلوا بما إشتغل به سائر المسلمين.

الهزيمة بعد الإنتصار :

قد كان الإنتصار حليف المسلمين في الغزوة ، ولكن لمّا خالف الرماة أمر رسول الله ، وأخلوا مكانهم ، رأى العدو أنّ جبل العينين قد أضحى خالياً من الرماة والمدافعين ، وكان جبل العينين يقع على ضفّتين يتخللهما معبر ، وينتهي مداه إلى المعسكر ، وقد أمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بوقوف الرماة على الضفتين حتّى يمنعوا من دخول العدو من هذا المعبر على ساحة القتال ، والحيلولة دون هجومه عليهم من خلفهم ، ولمّا خالف الرماة باخلائهما ، رأى العدو أنّ الفرصة مساعدة لمباغتة المسلمين ، فأدار خالد بن الوليد ومن معه من وراء المسلمين (11) فورد المعسكر من هذا المعبر على حين غفلة من المسلمين بعد ما قتل من بقي من الرماة فوق الهضبة ، وعند ذلك أثخنوا المسلمين ضرباً وقتلاً ، فألقى كل مسلم ما كان بيده ممّا انتهب ، و عاد إلى سيفه يسلّه ليقاتل به ولكنّ هيهات هيهات لقد تفرّقت الصفوف ، وتمزّقت الوحدة ، بعد أن كانت تقاتل تحت لواء قيادة قويّة حازمة حكيمة ، وهي الآن أصبحت تقاتل ولا قيادة لها ، فلم يكن عجباً أن ترى مسلماً يضرب مسلماً بسيفه ، وهو لا يكاد يعرفه.

النداء بنعي النّبي :

والذي زاد في الطّين بلّة وأعان على تمزّق الصفوف ، وتفرّق المسلمين عن ساحة الحرب ، ولجوئهم إلى مخابئ الجبل وثناياه ، سماعهم خبراً مكذوباً يهتف بموت النّبي ، إذ نادى أحد المشركين أنّ محمّداً قد قتل ، فعند ذلك سقط ما في أيدي المسلمين ، وتفرّقوا في كل وجه ، وصعدوا الجبل ، والتجاءوا إلى المخابئ ، فلم يبق إلّا الأقل القليل من أصحابه.

هذه هي الحالة التّي صار إليها المسلمون. وأمّا المشركون ، فقد امتلأوا فرحاً وطرباً ، واستنهضت هممهم كل يريد أن يشفي غليله بالمساعدة على الإجهاز على النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).

وفي هذه المرحلة الرهيبة كيف يتصوّر حال النبيّ ؟ فهو بين تجرّع مرارة جلاء أصحابه من ساحة القتال ، وبين مضض هجوم عدوّه بشراسة وحماسة تجاه موقعه وموضعه الّذي ربض فيه.

فلم يصمد معه في ساحة المعركة إلّا شرذمة قليلة ، وعلى رأسهم ابن عمّه علي ابن أبي طالب ، وأبو دجانة سمّاك بن خرشة ، وكلّما حملت طائفة على رسول الله استقبلهم علي ( عليه السلام ) ، فدفعهم عنه حتّى تقطّع سيفه ، فدفع إليه رسول الله سيفه ذا الفقار ، وانحاز رسول الله إلى ناحية جبل اُحد ، فصار القتال من وجه واحد ، فلم يزل علي يقاتلهم حتّى أصابه في رأسه ووجهه ويديه سبعون جراحاً. كان علي يدافع عن ساحة النّبي ، والنّبي يريد اللجوء إلى جانب الجبل ، كان النّبي على هذه الحالة إذ عرفه أحد أصحابه وهو كعب بن مالك ، عرفه من عينيه وهما تزهران من تحت المغفر ، فنادى بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ، أبشروا ، هذا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ). فأشار إليه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : أن أنصت (12) و إذا أردت أن تقف عن كثب على حقيقة الحال ، وعلى ما حاق بالمسلمين من محنة وبلاء ، وتفرّق وتشتّت ، وهبوط معنويّاتهم ، وخوار عزائمهم ، فاستمع إلى هذا النص الّذي يرويه لنا ابن هشام حيث يقول :

انتهى أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك ، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيدالله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا ما بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) . قال : فماذا تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ثم استقبل القوم ، فقاتل حتّى قتل ، وبه سمّي أنس بن مالك (13).

قد كان يوم أحد يوم بلاء ومحنة وتمحيص. أكرم الله تعالى فيه من أكرم بالشّهادة ، ومحص فيه من لم يكن له ثبات عزم ، وقوّة شكيمة في الدّفاع عن حريم الإسلام.

ولأجل فرار المسلمين ، وجلائهم ساحة المعركة رشق العدو بالحجارة وجه النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاثقلوه جراحاً ، فشجّوا وجهه ، وكسروا رباعيته ، ولولا أنّ هنالك رجالاً مخلصين لنجدته ، لقضي الأمر ، ولكنّه سبحانه كتب على نفسه نصر المؤمنين ، وإعزاز الرّسول ، وتمكين دعوته.

إنّ النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مشى وحوله لفيف من أصحابه إلى فم الشعب ، فلمّا استقرّ به الحال جاء علي بماء غسّل عن وجه النبيّ الدّم ، وصبّ على رأسه وكان النبيّ يقول : اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه نبيّه ، ونزع أبو عبيدة بن الجرّاح حلقتي المغفر من وجه الرّسول ، فسقطت ثنيّتاه. ولمّا وقف المسلمون على أمر النبيّ ، وعلموا موضعه تقاطروا عليه تترى من كل جانب ، والتفّوا حوله.

وأمّا قريش فطارت بنصرها سروراً ، وحسبت نفسها أنّها انتقمت لبدر أشدّ الإنتقام ، حتّى بعد ما وقفوا على أنّ النبيّ حي لم يقتل ، وحينما أراد أبوسفيان الإنصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته فقال : إنّ الحرب سجال يوم بيوم أعل هبل ـ أي أظهر دينك ـ فأمر رسول الله أصحابه أن يقولوا : الله أعلى وأجلّ لا سواه ، قتلانا في الجنّة ، وقتلاكم في النار .

وقال أبوسفيان : « إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم ».

فأمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن يجيب أصحابه ويقولوا : « الله مولانا ولا مولى لكم ».

ثُمَّ رجعت قريش إلى أثقالهم ، وركّبوا الأثقال ، فتركوا ساحة المعركة. فخرج المسلمون يتبعون قتلاهم ، فلم يجدوا قتيلاً إلّا مُثّل به ، إلّا حنظلة كان أبوه مع المشركين فترك له ، ووجدوا حمزة بن عبد المطلّب عم النبيّ قد بقر بطنه ، وحمل كبده ، احتملها وحشي ، وهو قتله ، يذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. وأقبل المسلمون على قتلاهم يدفنونهم ثُمَّ رجعوا إلى المدينة. فلمّا دخل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى أزقّتها إذا النوح والبكاء في الدور. فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذه نساء الأنصار يبكين على قتلاهنّ. وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حين سمع البكاء : لكنّ حمزة لا بواكي له ، واستغفر له. فسمع ذلك سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن رواحة ، فمشوا في دورهم ، فجمعوا كل نائحة وباكية كانت بالمدينة للبكاء على حمزة.

وعند ذلك بدت شماتة اليهود وقالوا : لو كان نبيّاً ما ظهروا عليه ، ولا اُصيب منه ما اُصيب. وقال المنافقون للمسلمين : لو كنتم أطعتمونا ما أصاب الذي أصابوا منكم.

ثُمَّ قدم رجل من أهل مكّة على رسول الله ، فاستخبرهم عن أبي سفيان وأصحابه ، فقال : نازلتهم ، فسمعتهم يتلاومون يقول بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئاً أصبتم شوكة القوم وحدّهم ، ثمّ تركتموهم ولم تبروهم ، فقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم ، فلمّا كان الغد من يوم اُحد أذّن مؤذّن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في المسلمين بطلب العدو ، واستنفرهم لمطاردته على أن لا يخرج إلّا من حضر الغزوة ، وخرج المسلمون ، فوقع في روع أبي سفيان أنّ أعداءه جاءوا من المدينة بمدد جديد ، فخاف لقاءهم ، وبلغ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حمراء الأسد (14) فأقام بها ثلاثة أيّام. فكان أبو سفيان وأصحابه بالروحاء ، فمرّ به معبد الخزاعي ، وكان قد مرّ بالنبيّ ومن معه ، فسأل عن شأنهم ، فقال : إنّ محمداً قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرّقون عليكم تحرّقاً ، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم ، وندموا على ما صنعوا ، فيهم من الحنق شيء لم أر مثله. فلمّا سمع أبو سفيان مقالة معبد ، خاف على نفسه وأصحابه ، فشدّ عزيمته على الرجوع قول صفوان بن اُميّة حيث قال : إنّ محمداً وأصحابه قد غضبوا ، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان ، فارجعوا ، فرجعوا إلى مكّة.

وقد قتل من المسلمين في ساحة اُحد تسعة وأربعون رجلاً ، وقتل من المشركين ستّة عشر رجلا (15).

هذه إطلالة سريعة على غزوة اُحد تعرّضنا لذكرها لتكون معيناً على فهم ما ورد حول هذه الغزوة من آيات الذكر الحكيم ، فانّ ما ورد في المغازي والسّيرة بمثابة القرائن التي يستعان بها على رفع اجمال الآيات وما اُبهم معناه منها. وإليك إستعراض ما ورد في الذكر الحكيم مع الاشارة إلى ما يستفاد منها من عبر وعظات :

1 ـ حنكة النبيّ العسكريّة :

قد أوضحت الخاتمة التي آل إليها مصير المسلمين قيمة ما ألزم به النبيّ الرماة حيث قال : « احموا لنا ظهورنا فإنّا نخاف أن نؤتى من ورائنا ، والزموا مكانكم لا تبرحوا منه وإن رأيتمونا نهزمهم ، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ، ولا تدفعوا عنّا ، اللّهم إنّي اُشهدك عليهم ، واُرشقوا خيلهم بالنّبل ».

ولكنّ يا للأسف إنّ الرماة خالفوا الرّسول وعصوه ، فبقيت ثلّة منهم في موقفهم ، ونزل كثير منهم من الجبل للنّهب وجمع الثروة ، حتّى جاء خالد بن الوليد ، فقتل من بقي منهم ، ثّم دخل ساحة المعركة من دون مقاومة تذكر ، فأعمل السيف فيهم.

وهذا إن دَلّ على شيء فإنّما يدلّ على حنكة النبيّ العسكريّة أوّلاً ، وعلى وجود حالة عدم الرضوخ التامّ بين أصحابه لأوامره ثانياً ، حيث أوّلوا أمره ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بتأويلات لغاية اشباع نهم شهواتهم بجمع المال ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه :

( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / 152 ).

وإليك تحليل ما تضمّنته هذه الآية :

أ ـ قوله سبحانه : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ) يدل على أنّه سبحانه وعدهم بالنصر ، ولعلّ النصر هو ما ورد في قوله سبحانه :

( بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) ( آل عمران / 125 ).

نعم وعد سبحانه بالإنتصار بشرطين لا مطلقاً ، وقد ألمحت الآية إليهما في قوله :

1 ـ ( إِن تَصْبِرُوا ) .

2 ـ ( وَتَتَّقُوا ) .

ولكنّ الرماة المستقرّين على الهضبة لم يصبروا ، ولم يتّقوا مغبّة مخالفة الرّسول ، فآثروا حطام الدّنيا على الآخرة.

ب ـ قوله سبحانه : ( حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ... ) يدلّ علىٰ أنّه طرأ الفشل عليهم ، وتنازعوا في أمر البقاء والمغادرة ، وعصوا أمر الرّسول ، وكان منهم من يطمح في نيل حطام الدّنيا ، ومنهم من آثر الآخرة وطاعة الرّسول على نيل شهوات الدّنيا.

ج ـ ولكنّ رحمته الواسعة شملتكم ، فكفّكم عن المشركين بعد ظهور الفشل والتّنازع والمعصية ، وعفى عن عصيانكم كما يدلّ عليه قوله :

( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ )

د ـ ليبتليكم : أي كان هذا الخلاف مَحَكّاً قَويّاً لتمييز الطالب للدّنيا عن طالب الآخرة ، بل لتمييز المؤمن عن المنافق ، والمؤمن الراسخ في إيمانه الثّابت على عزيمته ، من المتلوّن السريع الزوال ، ومع ذلك فإنّ الله سبحانه عفا عنهم بفضله كما قال :

( وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )

2 ـ تصدّع جيش المسلمين و انحلال زمامه :

لقد مَرَّ بك أنّ خالد بن الوليد باغت المسلمين من ورائهُم ، وقد وضعوا سيوفهم على الأرض ، والتهوا بجمع الغنائم ، فعندما رأوا سيوف العدو على رؤوسهم ، وبريق أسنّة رماحهم ، أصابهم الذهول ، و تفرّقوا في كلّ حدب وصوب ، فتركوا ما كان بأيديهم ، وصعدوا الجبل من دون أن يلتفتوا ورائهم إلى النبيّ والمؤمنين ، وأنّهم تركوه أثناء المعركة الطاحنة ، مع أنّ النبيّ كان يدعوهم بقوله : إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله ، وهم لا يلتفتون ، فعند ذلك ملأت قلوبهم الهموم بعضها أشّد من بعض ، همّ الإنتكاسة غير المرتقبة ، ثمّ همّ فقد الأحبّة والأعزّة ، ثم تعالى صوت الناعي بقتل النبيّ الأكرم ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه :

( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( آل عمران / 153 ) وإليك تحليل ما تضمّنته الآية :

في قوله سبحانه : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ ) تلويح بفرارهم عن ساحة الحرب كما أنّ قوله : ( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) إشارَة إلى النداءات الّتي تعالت من فم النبيّ في تلك الأثناء ، تدعوهم للصمود والثّبات في المعركة :

وقوله : ( فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ) إشارة إلى تراكم الغموم والهموم والآلام على قلوب المسلمين ، وقوله : ( لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ) اشعار بأنّ الغموم بلغت حدّاً نسوا معه مافاتهم من الغنائم.

3 ـ على أعتاب الردّة

لم تكن زلّة القوم منحصرة بالفرار و اخلاء ساحة المعركة ، وترك النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بين يدي المشركين ، ومخالفة الرماة أوامره ، بل بلغ أمرهم إلى أبعد من ذلك غوراً ، حيث طرأ علىٰ قلوبهم ظنون أهل الجاهليّة ، فظنّوا من الظنون الّتي لا يليق بتصوّرها إلّا أهل الجاهلية ، حيث انتابتهم حالة من الشكّ ، وإلى ذلك ونحوه يشير قوله سبحانه : ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( آل عمران / 154 ).

ولأجل الوقوف على المزيد ممّا تضمّنته الآية الشريفة السابقة نتناول التعرّض لها جملة بعد جملة.

1 ـ ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ) .

النّعاس ما يسبق النوم من فتور واسترخاء ، وربّما يسمّى بالنّوم الخفيف ، وقد نزل النّعاس ، وغشىٰ طائفة من القوم ولم يعمّ الجميع بقرينة قوله : ( يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ) ، وكان هذا النّعاس بمثابة الرحمة بعد الغمّ الذي اعتراهم ، فأزال عنهم الخوف بغلبة النوم ليستردّوا ما فقدوا من القوّة ، وما عرض لهم من الارهاق والتّعب والضعف.

وكلمة ( نُّعَاسًا ) يدلّ من قوله ( أَمَنَةً ) للملازمة بين الأمنة والنوم ، وقد قيل : الأمن منوّم والخوف مسهّر ، وأمّا من هؤلاء الّذين غشيهم النّعاس دون غيرهم ؟ فيحتمل أن يكونوا هم الّذين رجعوا إلى رسول الله بعد الانهزام والانكسار لمّا ندموا وتحسّروا ، فهؤلاء بعض القوم ، وهم النادمون على ما فعلوا ، الراجعون إلى النبيّ ، المحتفّون به ، وكان ذلك حينما وصل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى فم الشعب ، ووقفت تلك الطائفة على أنّ النبيّ لا زال على قيد الحياة لم يقتل ، فرجعوا إليه يتقاطرون تترىٰ.

2 ـ ( وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ ) وهذه طائفة اُخرىٰ من المؤمنين لا من المنافقين ، فإنّهم فارقوا النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومن معه في أثناء الطريق وانخذلوا ، ولهم شأن آخر سينبّئ الله سبحانه بهم بعد ذلك ، وهذه الطائفة الثانية الموصوفة بـ ( أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ ) لم يكرمهم الله بما أكرم به الطائفة الاُولىٰ من العفو ، وإثابة الغمّ ثمّ الأمنة والنّعاس ، بل وكّلهم إلى أنفسهم ، ونسوا كلّ شيء ، ولم يهتمّوا إلّا بأنفسهم.

وهذه الطائفة قد استولى عليهم الخوف ، وذهلوا عن كلّ شيء سواهم ، ولمّا لم يكن الوثوق بالله ووعده رسوله وصل إلى قرارة أنفسهم ، لأنّهم كانوا مكذّبين للرّسول في قلوبهم لا جرم عظّم الخوف لديهم ، وحقّ عليهم ما وصفهم الله به :

أ ـ ( يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ) فكانوا يبطنون في قرارة أنفسهم : « لو كان محمد نبيّاً حقّاً ما سلّط الله عليه الكفّار » وهذه مقالة لا يتفوّه بها إلّا من دان بالكفر.

ب ـ ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ) والظّاهر أنّ المراد من الأمر هو الظّفر والنّصر في كلا الموردين ، والمقصود من الضمير في ( لَّنَا ) هؤلاء بما أنّهم يشكّلون جزءاً من المسلمين وإن لم يكونوا منهم حقيقة ، والمعنى :

يقول بعضهم لبعض على سبيل الإنكار والإستهجان : « هَلْ لَنَا مِنَ النَّصْرِ وَالفَتْحِ والظّفر نصيب » ؟! يعنون أنّه ليس للمسلمين ( لنا ) من ذلك شيء ، وإنّ الله سبحانه لا ينصر محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وبما أنّ النّصر وكون الدّين حقّاً كانا متلازمين عندهم ، فاستنتجوا أنّ الدعوة المحمّديّة ليست حقّاً .

ثمّ إنّه سبحانه أجابهم في معرض تناول ذكرهم بقوله :

( إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ) أي كلّ الاُمور بيده سبحانه حتّى النّصر والهزيمة ، وإليه دعى محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو معتقد المسلمين ، ولكن بمقتضىٰ حكمته وسننه الّتي وضعها لتسيير شؤون الخلق ، وربط فيها الأسباب بالمسبّبات ، فهو وإن وعد رسله بقوله :

( كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( المجادلة / 21 ).

وقال : ( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) ( الصافّات / 173 ).

ولكنّ تحقّق هذا الوعد مرهون بتوفّر الأسباب الكفيلة بالنصر ، فإنّه سبحانه هو الذي وضع سنّة الأسباب والمسبّبات ، فما كان سببه أقوى كان وقوعه أرجح سواء في ذلك الحقّ والباطل والخير والشر والهداية والضلالة والعدل والظلم ، ولا فرق فيه بين المؤمن والكافر ، والمحبوب والمبغوض ، ومحمد وأبي سفيان ، ولأجل ذلك كلّما توافقت الأسباب العاديّة على تقدّم هذا الدين وظهور المؤمنين كان النصر حليفهم ، وحيث لم تتوافق الأسباب كتحقّق نفاق أو معصية لأمر النبيّ أو فشل أو جزع كانت الغلبة والظهور للمشركين على المؤمنين ، وكذلك الحال في أمر سائر الأنبياء مع النّاس.

وإنّكم أيّها المنضوون تحت لواء المسلمين قد عصيتم أمر الرسول ، ولم تأتمروا بأمره ، فأخليتم مواقعكم عاصين لأمره وآثرتم حطام الدّنيا والأدنى الخسيس ، ومع ذلك تترقّبون النصر لكم والهزيمة للعدو ! فكيف يقتطف الثمرة من لم يغرس شجرتها أو غرسها ولم يقم بأمرها ؟

ثمّ إنّه سبحانه بعد هذه الإجابة يأخذ بتبيين ما كان يخامرهم من الأفكار الفاسدة.

ج ـ ( يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ).

الظّاهر أنّ قولهم : ( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ ... ) تفسير للموصول في ( مَّا لَا يُبْدُونَ ) والفرق بين ما كانوا يظهرونه وما يضمرونه واضح ، فقد كانوا يتظاهرون بالاستفسار في قولهم : « هل لنا من الأمر شيء » لغاية التشكيك ، وهي وإن كانت فكرة خاطئة ولكن لمّا غلّفت بطابع الاستفسار لم تكن ذات بأس شديد.

ولكنّهم كانوا يخفون قولهم : ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) يريدون بذلك الاستدلال على بطلان الدعوة المحمّدية بحجّة الانكسار لأنّ النبيّ الأكرم كان يقول : الأمر بيد الله وأنا رسوله ، فلو كان ما يدّعيه حقّاً بأنّ الأمر كان بيد الله لا بيد الآلهة والأرباب المعبودة بين الناس وكان محمّد من جانبه لعمّنا النصر ، ولكنّه النهاية كانت على العكس من ذلك ، فكيف يمكن أن يكون الأمر بيد الله غير مقسّم على الآلهة والأرباب المدبّرة للاُمور بزعمهم.

ولأجل انّ تلك الفكرة كانت فكرة أهل الشرك والوثنيّة سمّاها سبحانه ( ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ).

ولكنّهم تناسوا ماجرت عليه سنّته الحكيمة ، فإنّ الأمر بيد الله ولكنّها تجري وفق الأسباب والمسبّبات ، فمن لم يأخذ بأسباب النصر لم يكن حليفه.

ثمّ إنّه سبحانه أجاب عن تلك الفكرة بوجوه ثلاثة :

الأوّل : ( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ) فالآجال محدودة والأعمار مؤقّتة بوقت لا تتعدّاه ، فإن قتل من قتل منكم في المعركة ليس دليلاً على عدم كون الأمر بيد الله أو أنّ الدعوة المحمّديّة ليست على حق ، بل لأجل القضاء الإلهي الّذي لا مناص من الوقوع في نفوذه وامضائه ، فقد كان في قضائه اضطجاع هؤلاء في هذه المضاجع ، فلو لم تكونوا خرجتم إلى القتال لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ، فلا مفرّ من الأجل المسمّى الّذي إذا حان لا يتقدّم ساعة ولا يتأخّر.

الثاني و الثالث : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) أي وقع ما وقع في غزوة اُحد لظهور ما انطوت عليه سريرة كلّ نفس حتّى يتميّز المؤمن من المنافق و المجاهد من المتقاعد ، وقد جرت سنّة الله على عموم الابتلاء والتمحيص وهي حاكمة على جميع الاُمم لغاية التمحيص.

نعم ليست الغاية من ابتلائه سبحانه لعباده هو التعرّف لما يكمن في ضمائرهم فإنّه سبحانه عليم بالسرائر مطّلع على الضمائر لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، بل الغاية هي الإبتلاء و التمحيص ووصول كلّ ما بالقوّة إلى الفعل من الكفر و الإيمان ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ).

وحصيلة البحث : انّ هذه الآية تشير إلى فريقين من المسلمين والمؤمنين الملتفّين حول الرسول المتنكّبين عَن المنافقين.

( أحدهما ) : طائفة وهبهم الله عزّ وجلّ بعد الغمّ نعاساً أمنة منه لإزالة ما انتابهم من الروع والخوف والتفّوا حول الرسول بعد الندم.

( ثانيهما ) : طائفة شغلتهم أنفسهم لا يتجاوز تفكيرهم نطاق ذاتهم من دون أن يتوجّهوا قيد طرفة صوبَ قائدهم ونبيّهم ، وقد اعترتهم هواجس الجاهليّة الاُولى ، فتارة يتفوّهون بها علانية بنحو من الشك والترديد والاستفسار بقولهم : ( هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ) واُخرى بصورة الجزم والقطع واليقين بنحو الاخفاء والاسرار بقولهم : ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ).

والله سبحانه يجيب عليها :

1 ـ بأنّ أمر النصر بيد الله كما أخبر به النبيّ ( صلّى الله عليه و آله و سلّم ) ولكنّه مرهون بعوامل وأسباب غيبيّة واُخرى اكتسابيّة خاصّة ، وأنتم أيّها المعترضون قد فوّتم تحصيل تلك الأسباب والعوامل ، فلا يحق لكم الاعتراض بعد تقصيركم.

2 ـ بأنّ لكل نفس أجلاً محدّداً لا يتقدّم عليه ولا يتأخّر.

3 ـ إنّ في هذه النكسة الفادحة تمحيص لما في الصدور والقلوب فقد تميّز به المؤمن المثابر من المتظاهر بالإيمان ، وبذلك يعلم أنّ القول بأنّ الصحبة كافية في تحقيق إتّصاف الرجل بالعدالة والنزاهة والإستقامة شيء لا حقيقة له ولا أساس وقد تحقّق لديك بفضل هذه الآيات أنّ أصحاب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إنقسموا إلى طوائف : فمن منافق نكص على عقبيه في أثناء الطريق ولم يشترك في القتال وتذرّع بقولهم : ( لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ) ( آل عمران / 167 ).

ومن مؤمن كابر أمر الرسول وخرج عن طاعته وأخلى ساحة القتال ولكنّه لم تنتابه وتعتريه شبهات وظنون أهل الجاهليّة ، فتاب ورجع إلى النبيّ بعد جلاء المعركة وهم من مصاديق قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) ( الأعراف / 201 ).

ومن متظاهر بالإيمان لم يتمكّن الإيمان من قلبه حقّ التمكّن ، فلمّا حاق به البلاء ورأى الانتكاسة المروّعة الرهيبة ، ارتدّ القهقرى وصار يتفوّه بمقولات أهل الشرك والجاهلية.

أضف إلى ذلك ، الطائفة الثالثة الذين رجعوا أثناء الطريق ولم يساهموا النبيّ والمسلمين ، وهؤلاء هم أتباع عبد الله بن اُبيّ المنافقون.

أفبعد هذا يصحّ لنا القول بأنّ كلّ صحابي عادل ؟!! وانّ العدل والصحبة متلازمان ، كلّا ومن يذهب إليه فإنّما يجترئ عظيماً.

والذي يعرب عن أنّ بعضهم قد بلغ به الحال إلى المشارفة على أعتاب الرّدة قوله سبحانه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا ) ( آل عمران / 144 ).

قال أنس بن النضر : في السّاعة التي زاغت فيها الأبصار والبصائر وبلغت القلوب فيها الحناجر ، وحين فشا في النّاس أنّ رسول الله قد قتل ، وقال بعض ضعفاء المؤمنين ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن اُبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان (16) وقال ناس من أهل النّفاق : إن كان محمّد قد قتل فالحقوا بدينكم الأوّل. قال أنس : إن كان محمد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل ، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه ، ثمّ قال : اللّهم إنّي أعتذر إليك ممّا قال هؤلاء ، وأبرأُ إليك ممّا جاء به هؤلاء ، ثمَّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتل ـ رضي الله عنه ـ ، كما مرّ (17).

فمحصّل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب والتوبيخ : إنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليس إلّا رسولاً من الله مثل سائر الرّسل ليس شأنه إلّا تبليغ رسالة ربّه لا يملك من الأمر شيئاً ، وإنّما الأمر لله والدين دينه باق ببقائه ، فما معنى اتّكاء إيمانكم على حياته ، حيث يظهر منكم أنّ لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين ورجعتم إلى أعقابكم القهقرى واتّخذتم الغواية بعد الهداية.

وهذا السياق أقوى شاهد على أنّهم ظنّوا يوم أُحد بعد أن حمى الوطيس انّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد قتل فانسلّوا عند ذلك و تولّوا عن القتال.

القصاص بالقسط :

إنّ المشركين لمّا مثّلوا بقتلى المسلمين في اُحد وبحمزة بن عبد المطّلب فشقّوا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة كبده فجعلت تلوكه ، وجدعوا أنفه واُذنه ... قال المسلمون : لئن أمكننا الله منهم لنمثّلنّ بالأحياء منهم فضلاً عن الأموات ، وفي ذلك نزل قوله سبحانه : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) (18).

وروى السيوطي في الدر المنثور عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوم قتل حمزة ومثّل به : لئن ظفرت بقريش لاُمثلنّ بسبعين رجلاً منهم ، فأنزل الله : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ) الآية ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « بل نصبر يا ربّ. فصبر ونهى عن المثلة » والظّاهر أنّ الحكاية الاُولى أوثق وذلك لأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أجلّ وأعلى شأناً من أن يتمنّى قصاصاً فيه اجحاف وانتقاص بالآخرين.

وروى البيهقي عن محمّد بن كعب القرظي قال : لمّا رأى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حمزة بالحال التي هو بها حين مثّل به ، قال : لئن ظفرت بقريش لاُمثّلنّ بثلاثين منهم ، فلمّا رأى أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما به من الجزع قالوا : لئن ظفرنا بهم لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) إلى آخر السورة فعفا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (19).

والإختلاف بين الحكايتين واضح لكنّ محمّد بن كعب القرظي من بني قريظة الذين تمّت إبادتهم أيام رسول الله في المدينة ولم يبق منهم إلّا قلّة قليلة ، لا يعبأ بنقله ، ولعلّ غرضه الازدراء بالنبيّ وادّعاء عدم قيامه بمقتضى العدل.

مطاردة العدو :

ثمّ إنّه لمّا بلغ رسول الله أنّ العدو بصدد معاودة الكرّة إلى المدينة حتّى يستأصل بقية المسلمين ، فأمر رسول الله المؤذّن أن يؤذّن بالخروج إلى مطاردة العدو وأن لا يخرج إلّا من حضر الأمس في المعركة ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / 172 ـ 175 ).

و يستفاد من جملتها :

( أوّلاً ) : إنّ المؤمن إذا انتابته الهزيمة واعتراه الإنكسار الظاهري لا يصل به الأمر إلى فقد الثقة بالله سبحانه وتعالى ، فلو تمكّن من معاودة الكرّة لتحقيق الإنتصار لهبّ مسرعاً و لم يقعد به القرح ولا يكون جليس البيت لأجل ملمّة ألمّت به ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ ... ).

( وثانياً ) : لو بلغهم تأهّب العدوّ لكرّ عليهم ثانياً وجاءت النذر يخوّفونهم من بأس العدو وما زادهم إلّا إيماناً وثقة وانقطاعاً إلى الله وقالوا : ( حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

( وثالثاً ) : إنّ ما جاءت به النذر من الأنباء إنّما كانت من الشياطين الّذين يخوّفون أولياءهم ، وأمّا المؤمنون فإنّهم قد خرجوا عن نطاق تأثير تلك الإرهاصات النفسيّة.

غزوة اُحد بين السلبيات والإيجابيّات :

إنّ غزوة اُحد كسائر الغزوات التي تمخّض عنها ما هو سلبي وما هو إيجابي ، وقد ورد في الذّكر الحكيم آيات تشير إلى جملتها ، وإليك نصوصها مشفوعة بما يليق بها من التحليل :

قال عزّ وجلّ : ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ).

( وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ).

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ).

( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) ( آل عمران / 140 ـ 143 ).

( مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ( آل عمران / 179 ).

و يستفاد من هذه الآيات ما يلي :

1 ـ الانتصار والانكسار من سنن الله :

إنّ من سنن الله تعالى الطبيعية في الاُمم انّه لم يكتب على جبين اُمّة السيادة والإنتصار في جميع الأزمنة والأمكنة ، وكذلك شأن الهزيمة. فهي تعيش بين هذين مقبلة ومدبرة تارة اُخرى كما يشير إليه قوله سبحانه :

( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ... )

2 ـ التمحيص بالمحنة و البلاء :

إذا كتب النصر على جبين اُمّة على ممرّ الأعصار والدهور لم يتميّز المؤمن عن المنافق والصابر المجاهد عن المتهاون المتقاعد ، وقد كان المسلمون قبل لقاء العدوّ يتمنّون الموت ولكنّهم فشلوا في الإمتحان عند اللّقاء كما يشير إليه قوله : ( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ... ) وقد طبّقت غزوة اُحد ذلك المقياس وقد عرفت ما آل إليه جيش المسلمين حيث انقسموا إلى ثلاث طوائف أو أكثر ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا ... ) وقوله سبحانه : ( وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) وقال أيضاً : ( مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... ).

3 ـ خُلّص الغزاة شهداء على الأعمال :

وقد بلغ إخلاص بعض الغزاة إلى حدّ جعلهم يتسنّمون درجة الشهادة على الأعمال وهي درجة رفيعة تحتاج إلى بصيرة مثاليّة وكماليّة في القلب حتّى يشهد على سائر إخوانه بخير أو شرّ كما يشير إليه قوله سبحانه : ( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ) ومع ذلك فربّما يحتمل أن يراد من الشهداء في الآية هو الشهيد في المعركة والمضحّي بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الحق.

4 ـ الجنّة رهن الجهاد والصمود :

إنّ استحقاق دخول الجنّة لا يكتسب بمجرّد التفوّه بمحض عبارات اللّسان بل يحتاج إلى عظيم جهاد بالنفس والنفيس.

وإليه يشير قوله سبحانه : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ).

هذا ما يستفاد من جملة هذه الآيات ، وهناك طائفة اُخرى من الآيات وردت في شأن تلك الغزوة فيها من العظات والحكم البليغة.

5 ـ استنهاض الهمم والعزائم :

لا شكّ إنّ الهزيمة والانكسار في الحرب من أعظم عوامل تثبيط العزائم كما أنّ الإنتصار من أقوى عوامل النهوض بها وتتويجها بتاج الاستبسال والبطولة.

وبما أنّ الهزيمة كانت قد لحقت بالمسلمين في خاتمة المعركة فقد كان لها بطبيعة الحال آثار سيّئة مروّعة خصوصاً عند ظهور الأعداء عليهم فهم قد انبروا يحيكون حولها من الأراجيف ، قال علي ( عليه السلام ) : « إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه » (20) فعاد الذكر الحكيم يعالج هذا الداء المزمن الّذي استشرى في نفوس المسلمين وتمكّن في قلوبهم وذلك بإعلامهم بأنّ الموت من سنن الله سبحانه الحتميّة وأنّ لكلّ نفس كتاباً مؤجّلاً لا يتخلّف ولا يحيد عنه أبداً ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) ( آل عمران / 145 ).

6 ـ الاعتبار بالاُمم الماضية :

إنّه سبحانه من أجل رفع معنويّات المسلمين واستنهاض هممهم يذكّرهم بالاُمم الماضية وكيف انّ فئتهم القليلة كانت تغلب الفئات الكثيرة وتجعل الصبر على البلاء دثارها وذلك لأخذهم بأسباب النّصر من الصمود والمفاداة في سبيل إظهار الحق واعلاء كلمته ، قال سبحانه : ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ( آل عمران / 146 ).

( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( آل عمران / 147 ).

7 ـ إخماد ثائرة الفتنة :

ولمّا رجع المسلمون إلى المدينة بعد أن أصابهم ما أصابهم فوجئوا بشماتة المتقاعدين والمنافقين حيث خاطبوهم بقولهم : لو كنتم معنا لما قتلتم ، وذلك ما يحكيه عنهم سبحانه بقوله : ( الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( آل عمران / 168 ).

وقد ورد ذلك المضمون في موضع آخر من السورة في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّـهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّـهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( آل عمران / 156 ).

فهو سبحانه يجيب عن هذه الشبهة باُمور :

أ ـ ما أشار إليه في قوله : ( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) وحاصله أنّ قولكم « لو أطاعونا ما قتلوا » يعرب عن أنّ القائل يعتقد بأنّ الموت والحياة بيد الانسان ولو صحّ ذلك فليدفع الموت عن نفسه ، مع أنّه سنّة الله الحتميّة في جميع الكائنات.

ب ـ بأنّ موت الإنسان في ساحة القتال مع الشرك ليس موتاً حقيقياً وإنّما هو في حقيقة الأمر ارتحال من دار إلى دار ومن حياة مادّية إلى حياة مثالية وأبدية سرمدية وفي خاتمة المطاف في جنات النعيم وانّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم بما هم فيه من حياة بلا كآبة ووجل ، قال سبحانه :

( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / 169 ـ 171 ).

ثمّ إنّ المستفاد منها أنّ حياة الشهداء حياة حقيقية لها آثار جسمية ولها آثار روحية ، ومن آثارها الجسميّة هو الرزق ، ومن آثارها النفسية الاستبشار ، فمن زعم أنّ المراد من حياة الشهداء هو خلودهم في صفحة تاريخ أمجاد الشعوب فقد فسّر القرآن تفسيراً مادّياً أعاذنا الله تعالى منه ولذلك قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في جوابه لأبي سفيان ـ عندما قال : « إنّ الحرب سجال يوم بيوم » ـ :

« قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النار ».

وقال الإمام الحسين حينما أمر أصحابه بالصبر :

« صبراً بني الكرام فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، وإنّ أبي حدّثني عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كذّبت » (21).

فما جاء في كلامه ( عليه السلام ) صريح في كون الحياة حياة حقيقية.

وهذه الآيات بجملتها قد تناولت غزوة اُحد بجوانبها المختلفة وهناك آيات أخرىٰ أيضاً وردت بالتنديد بالمتقاعدين وباستنهاض هممهم مثل قوله سبحانه : ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران / 139 و 140 ).

الهوامش

1. وقعت غزوة اُحد يوم السبت لسبع خلون من شوّال في السنة الثالثة من الهجرة.

2. السيرة النبويّة ج 1 ص 648.

3. السيرة النبويّة ج 2 ص 60 ، و مجمع البيان ج 2 ص 832 ، نقلاً عن أبي إسحاق.

4. الأحابيش من اجتمع إلى العرب وانضمّ إليهم من غيرهم.

5. المغازي للواقدي ، ج 1 ص 213 ، والسيرة النبويّة ج 2 ص 63.

6. جبل باُحد له هضبتان بينهما معبر ينتهي إلى ساحة القتال.

7. راجع المغازي للواقدي ج 1 ص 222 ، وللخطبة صلة.

8. أي يحضضن الرجال باللوم على الفرار.

9. المغازي للواقدي ج 1 ص 226.

10. مجمع البيان ج 1 ص 825.

11. ولعلّه نجح لذلك بإدارتهم على ظهر جبل اُحد حتّى دخل المعسكر من هذا المعبر.

12. السيرة النبويّة ج 2 ص 83 ، و المغازي للواقدي ج 1 ص 236.

13. السيرة النبويّة لابن هشام ج 1 ص 83.

14. موضع على ثمانية أميال من المدينة.

15. لاحظ السيرة النبويّة لابن هشام ج 2 ص 85 ـ 105 ، ومغازي الواقدي ج 1 ، 239 ـ 249 ، و دلائل النبوة ص 212 ـ 219 و غيرها.

16. مجمع البيان : ج 1 ص 513.

17. لاحظ ص 351.

18. مجمع البيان : ج 3 ص 605.

19. دلائل النبوّة ، ج 3 ص 286 ، و السيرة النبويّة لابن هشام ج 2 ص 95.

20. نهج البلاغة قسم الحكم رقم 2.

21. بلاغة الحسين ص 47.

مقتبس من كتاب : مفاهيم القرآن / المجلّد : 7 / الصفحة : 343 ـ 369