التأويل السليم لما دلّ بظاهرة على التشبيه والتجسيم

طباعة

التأويل السليم لما دلّ بظاهرة على التشبيه والتجسيم

من المعلوم أن هناك فريقاً من المسلمين قد جمد على ظواهر القرآن ، الأمر الذي أساء إلى العقيدة الإسلاميّة ، وخاصّة في مسألة التوحيد التي تعتبر حجر الزاوية فيها ، فقد أدّى الجمود على ظواهر الألفاظ إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك ، فتصوّروا مثلاً أن لله يداً ، وعرشاً يجلس عليه ، وأن بالإمكان النظر إليه ، وأن له مكاناً يُحجَب عنه الكافرون ، وأنه يتحرك ويجيء مع المَلَك ، وما إلى ذلك من مزاعم لا تستقيم مع سكة العقل السوية ، وتتنافى مع تنزيه الله تبارك وتعالى.

ومن هنا قام إمامنا الرضا عليه السلام بواجبه المقدّس وأزاح غبش العيون لترى حقائق القرآن صافية ، مؤكّداً أن لتلك الظواهر القرآنيّة معنىً تكشف عنه آيات اُخر ، وثوابت العقيدة أيضاً ، ومن الشواهد على ذلك : قال الرضا عليه السلام : في قول الله عزَّوجلَّ : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) قال : يعني ـ مشرقة ـ تنتظر ثواب ربها (2).

ويؤكّد هذا المعنى ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام لأحد الزنادقة عندما سأل الإمام عليه السلام قائلاً : أجد الله يقول : ( إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ) وأجده يقول : ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (3).

فقال عليه السلام : « إنَّ المؤمنين يُؤمَرون بدخول الجنّة ، فمن هذا المقام ينظرون إلىٰ ربّهم كيف يثيبهم ... أي : النظر إلى ما وعدهم ـ عزَّوجلَّ ـ فذلك قوله تعالى : ( إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ). والناظرة : المنتظرة ». ثمّ قال عليه السلام : « ألم تسمع قوله تعالى : ( فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) (4) أي منتظرة » (5).

وأيضاً : سُئل عن قوله عزَّوجلَّ : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (6) فقال : « إن الله لا يُوصف بالمجيء والذهاب والانتقال ، إنما يعني بذلك : وجاء أمر ربّك » (7).

وسئل عن قوله عزَّوجلَّ : ( ... كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) (8) فقال : « إن الله تعالى لا يُوصف بمكان يحلّ فيه فيحجب عن عباده ، ولكنّه يعني : عن ثواب ربّهم محجوبين » (9).

الهوامش

1. سورة القيامة : 75 / 22 ـ 23.

2. الاحتجاج 2 : 191 ، اُنظر : أجوبة الإمام عليه السلام على أسئلة أبي الصلت الهروي.

3. سورة الأنعام : 6 / 103.

4. سورة النمل : 27 / 35.

5. التوحيد / الصدوق : 261 / 5.

6. سورة الفجر : 89 / 22.

7. الاحتجاج 2 : 193.

8. سورة المطففين : 83 / 15.

9. الاحتجاج 2 : 193.

مقتبس من كتاب : [ الإمام الرضا عليه السلام سيرة وتاريخ ] / الصفحة : 124 ـ 125