السجود على الأرض

طباعة

السجود على الأرض :

من المسائل التي يعاب فيها على الشيعة ويشنّع ، السجود على الأرض مباشرة ، من دون حائل بين الجبهة والأرض ، وهو حكم شرعيّ يتميّز به أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، مع أنّ الدليل على وجوب أنْ لا يكون حائل بين الجبهة والأرض في السجود ، وكذلك السجود على ما نبتت الأرض ممّا لا يؤكل ولا يلبس واضح جليّ في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة عند العامّة ، ومع ذلك فإنّ الدنيا تقوم ولا تقعد إذا سجد أحد على الأرض مباشرة ، أو حمل معه قطعة من الأرض ليسجد عليها.

وإليك بعض من الأدلّة على وجوب السجود على الأرض بدون حائل ، أو السجود على ماينبت من الأرض ممّا لا يؤكل ولا يلبس :

1 ـ حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي يقول فيه : جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.

وفي الحديث ، فإنّ لفظة الأرض معرّفة بالألف واللام ، وهذا يعني تخصيصها بالمعنى الخاصّ بالأرض ، وليس ما يوضع على الأرض.

وأيضا استنبط العلماء من الحديث أنّ التيمّم يجبْ أن يكون على الأرض ، ولا يجوز على غيرها ، وبالتالي لا يخرج السجود عن نفس المعنى.

والسجود على الأرض هو الواجب ، ولكن جاءت نصوص أخرى أجازت السجود على ما نبت من الأرض ممّا لا يؤكل ولا يلبس كالحصير.

بالنسبة لهذه المسألة ، فإنّ فعل الشيعة الإماميّة لا يخالف قول رسول الله أو فعله أو تقريره ، بل إنّه هو الحقّ (1).

2 ـ من بعض آراء علماء العامّة :

ورد في فقه العبادات على المذهب المالكي : يكره السجود على شيء من جلوس المصلّي ، مثل كمّه أو ردائه أو كور عمامته (الكائن على جبهته) ، فإنْ سجد على كور عمامته الخفيف فلا إعادة عليه ، وإذا كان كور العمامة ثخيناً ، وليس على الجبهة منه شيء ، لكن منع وصول الجبهة إلى الأرض في السجود ، لم يصحّ سجوده. وكذلك يكره السجود على ثوب غير جلوس له ، أو على بساط أو منديل ، أو على حصير ناعم لا خشن ، لأنّ كلّ ذلك ينافي الخشوع (2).

وذكر ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد : واتّفقوا على الصلاة على الأرض ، واختلفوا في الصلاة على الطنافس وغير ذلك ممّا يقعد عليه على الأرض ، والجمهور على إباحة السجود على الحصير وما يشبهه ممّا تنبت الأرض ، والكراهيّة بعد ذلك (3).

وقال في فتح الباري شرح صحيح البخاري تعليقا على حديث ترّب وجهك قال : إنّما استفاد من قوله ترّب وجهك ، استحباب السجود على الأرض (4).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار : « وقد كره ذلك (الصلاة على الطنافس وغيرها) جماعة من التابعين ممّن بعدهم ، فروى ابن أبي شيبة في المصنّف ، عن سعيد بن المسيّب ، ومحمّد بن سيرين ، أنّهما قالا : الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة.

وعن جابر بن زيد أنّه كان يكره الصلاة على كلّ شيء من الحيوان ، ويستحِبّ الصلاة على كلّ شيء من نبات الأرض.

وعن عروة بن الزبير أنّه كان يكره أنْ يسجد على شيء دون الأرض.

وإلى الكراهة ذهب الهادي ومالك.

ومنعت الإماميّة صحّة السجود على ما لم يكن أصله من الأرض ، وكره مالك أيضاً الصلاة على ما كان من نبات الأرض فدخلته صناعة أخرى كالكتّان والقطن ... واستدلّ الهادي على كراهة ما ليس من الأرض بحديث « جعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً) بناء على أنّ لفظ الأرض لا يشمل ذلك » (5).

3 ـ وإليك مجموعة من الروايات الصحيحة من كتب العامّة وصحاحهم ، تشير إلى وجوب أنْ يكون السجود على الأرض ومباشرتها ، وهذه الروايات تقرّر ماعليه أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

أ ـ روى مسلم في صحيحه عن خبّاب ؛ قال : شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلاة في الرمضاء ، فلم يشكّنا. ورواه عدد كبير من أهل الحديث عند العامّة (6).

قال في ‏فتح الباري شرح صحيح البخاري : حديث خباب : شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكّنا. أي فلم يُزِل شكوانا ، وهو حديث صحيح رواه مسلم (7).

‏وروى في معجم الطبراني الكبير : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا إبراهيم بن الحجّاج السامي ، ثنا وهيب ، عن محمّد بن جحادة ، عن سليمان بن أبي هند ، عن خباب قال : شكونا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شدّة الحرّ في جباهنا وأكفّنا فلم يشكّنا (8).‏

وقال في سبل السلام : وعورض حديث الابراد بحديث خباب : شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا ، فلم يشكّنا أي : لم يزل شكوانا ، وهو حديث صحيح رواه مسلم (9).

‏قال في مغني المحتاج ، للخطيب الشربيني : شرعا أقلّه (أي السجود) مباشرة بعض جبهته مصلّاه ، أي : ما يصلّي عليه من أرض أو غيرها ، لخبر : إذا سجدت فمكّن جبهتك ، ولا تنقر نقراً ، رواه ابن حبّان في صحيحه. ولخبر خبّاب بن الأرت : شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكّنا ، أي لم يزل شكوانا ، رواه البيهقيّ بسند صحيح ، ورواه مسلم بغير جباهنا وأكفّنا. فلو لم تجب مباشرة المصلّي بالجبهة لأرشدهم إلى سترها (10).

‏وقال في نيل الأوطار ، للشوكاني : وفي حديث خبّاب عند مسلم قال : « شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكّنا ، أي لم يعذرنا ولم يزل شكوانا » (11).

وروى في صحيح مسلم بشرح النووي قال : « فأمّا الجبهة ، فيجب وضعها مكشوفة على الأرض ، ويكفي بعضها ، والأنف مستحبّ ، فلو تركه جاز ، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز ، هذا مذهب الشافعيّ ومالك والأكثرين.

وقال أبو حنيفة ، وابن القاسم ، من أصحاب مالك : له أنْ يقتصر على أيّهما شاء.

وقال أحمد ، وابن حبيب ، من أصحاب مالك : يجب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعاً لظاهر الحديث.

وأمّا اليدان والركبتان والقدمان ، فهل يجب السجود عليهما ؟ فيه قولان للشافعي :

أحدهما : لا يجب ، لكن يستحب استحباباً متأكداً.

والثاني : يجب ، وهو الأصحّ ، وهو الذي رجّحه الشافعي ، فلو أخلّ بعضو منها ، لم تصحّ صلاته ، وإذا أوجبناه ، لم يجب كشف القدمين والركبتين ، وفي الكفّين قولان للشافعي

أحدهما : يجب كشفهما كالجبهة ، وأصحّهما لا يجب (12).

من هذه الرواية والتعليقات عليها يتبيّن أنّ السجود الواجب في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان بمباشرة الجبهة الأرض ، وذلك بقرينة أنّ الصحابة شكوا شدّة حرّ الأرض على جباههم ، ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يستجب لشكواهم ، وهذه قرينة الوجوب.

ثمّ إنّ الرواية قد وردت في صحاحٍ ومسانيدٍ ، غير صحيح مسلم ، وكذلك كلّ التعليقات والشروحات على الرواية تذكر عبارة « حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفّنا ». وكلّهم يؤكّدون أنّ الرواية في صحيح مسلم ، مع أنّ رواية مسلم في هذه الأيّام محذوف منها عبارة جباهنا وأكفّنا ، وهذا يدلّ على أنّ يد التحريف والتزوير تصل إلى كلّ ما يريد أعداء أهل البيت إخفاءه.

ب ـ روى السيوطيّ في الجامع الصغير ، عن ابن سعد في طبقاته عن صالح بن خيران : كان رسول الله إذا سجد رفع العمامة عن جبهته (13).

وفي فيض القدير ، شرح الجامع الصغير : « كان رسول الله إذا سجد رفع العمامة عن جبهته » وسجد على جبهته وأنفه دون كور عمامته. قال ابن القيّم : لم يثبت عنه سجود على كور عمامته في خبر صحيح ولا حسن وأما خبر عبد الرزاق كان يسجد على كور عمامته ففيه متروك (14).

وروى في كنز العمال للمتقي الهندي عن عليّ قال : إذا كان أحدكم يصلّي ، فليحسر العمامة عن جبهته (15).

وروى في نصب الراية للزيعلي : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يسجد إلى جنبه ، وقد اعتمّ على جبهته ، فحسر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جبهته (16).

وروى في نيل الأوطار للشوكاني ، عن صالح بن خيوان السبائي : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يسجد إلى جنبه ، وقد اعتمّ على جبهته فحسر عن جبهته (17).

وروى ابن أبي شيبة ، عن عياض بن عبد الله قال : رأى النبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يسجد على كور العمامة ، فأومأ بيده أنْ ارفع عمامتك (18).

قال الخطابي : فيه دليل على أنّ السجود لا يجزئ على غير الجبهة ، وأنّ من سجد على كور العمامة لم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزه صلاته (19).

ج ـ روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، عن جابر بن عبد الله قال : كنت أصلّي الظهر مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فآخذ قبضة من الحصى ليبرد في كفّي ، أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدّة الحر. هذا حديث صحيح على شرط مسلم.‏ ورواه البيهقي وأبو داوود (20).

د ـ روى الترمذي في سننه عنْ أمّ سلمَةَ قالَتْ : رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غُلاَماً لنَا يُقالُ لَه أفلحُ ، إذا سجدَ نفخَ فقالَ : يا أفلحُ تَرّبَ وجهكَ (21).

‏وروى في معجم الطبراني الكبير ، عن أمّ سلمة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى غلاما لها يصلّي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ترّب وجهك يا رباح (22).

وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، عن أبي صالح قال : كنت عند أمّ سلمة فدخل عليها ذو قرابة لها شاب ذو جمة ، فقام يصلّي ، فنفخ ، فقالت : يا بنيّ لا تنفخ ، فإنّه سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعبد لنا أسود : أي رباح ترّب وجهك (23).

وفي كنز العمال : عن مصنف عبدالرزاق أنّ رسول الله قال لصهيب : ترّب وجهك يا صهيب (24).

هـ ـ قال في نصب الراية روى الأئمّة الستّة في كتبهم ، عن مُعَيقيب : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : لا تمسح الحصى وأنت تصلّي ، فإنْ كنتَ لا بدّ فاعلاً فواحدة (25).

وروى ابن أبي شيبة ، عن جابر قال : سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن مسح الحصى ، قال واحدة ، ولئن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلّها سود الحدقة (26).

وروى عبد الرزاق ، عن أبي ذرّ قال : سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن كلّ شيء ، حتّى سألته عن مسح الحصى ، فقال : واحدة أو دعْ. ورواه أحمد في المسند (27).

وروى الترمذي ، عن أبي ذرّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : إذَا قامَ أحدُكُمْ إلى الصلاةِ فلَا يَمْسَح الحصَى فإنّ الرحمةَ تواجههُ (28).

و ـ قال في فتح الباري شرح صحيح البخاري : روى سعيد بن منصور ، عن سعيد بن المسيّب وغيره ، أنّ الصلاة على الطنفسة محدث. وإسناده صحيح (29).

‏وقال في نيل الأوطار للشوكاني : روى ابن أبي شيبة في المصنّف ، عن سعيد بن المسيّب ومحمّد بن سيرين ، أنّهما قالا : الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة. وعن جابر بن زيد أنه كان يكره الصلاة على كل شيء من الحيوان (30).

‏وروي في الطبقات الكبرى ، عن أَبَانُ بنُ يَزِيْدَ قال : حَدّثنَا قتادة قال : سَأَلتُ سَعِيْداً عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الطَّنْفِسَةِ ، فَقَالَ : مُحْدَثٌ (31). (الطنافس هي البسط التي لها خمل خفيف).

ز ـ روي في سنن الترمذي عَن أَبِي سَعيدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ (32).

وروى أبو داود في سننه ، عن أنس بن مالك ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يزور أمّ سليم ، فتدركه الصلاة أحياناً ، فيصلّي على بساط لنا ، وهو حصير تنضحه بالماء (33).

قال الأحوذي في تحفته : قال العراقي في شرح الترمذي : فرّق المصنّف ، يعني الترمذي ، بين حديث أنس في الصلاة على البساط ، وبين حديث أنس في الصلاة على الحصير ، وعقد لكلّ منهما باباً. وقد روى ابن أبي شيبة في سننه ما يدلّ على أنّ المراد بالبساط الحصير بلفظ : فيصلّي أحياناً على بساط لنا وهو حصير فننضحه بالماء. قال العراقي : فتبيّن أنّ مراد أنس بالبساط ، الحصير ، ولا شكّ أنّه صادق على الحصير ؛ لكونه يبسط على الأرض ، أي يفرش (34).

‏وروي في سنن النسائي ، عن أنس بن مالك : أنّ أمّ سليم سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيها فيصلّى في بيتها ، فتتّخذه مصلّى ، فأتاها ، فعمدت إلى حصير فنضحته بماء ، فصلّى عليه وصلّوا معه (35).

ح ـ روى البخاري عن ميمونة قالت : كان رسول الله يصلّي على الخمرة. وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ميمونة ، ورواه الترمذي عن ابن عبّاس وقال : وفي الباب عن أمّ حبيبة وابن عمر وأمّ سلمة وعائشة وميمونة ، وأم كلثوم (36).

‏وروى في ‏مجمع الزوائد عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي على الخمرة. وقال : رواه أحمد ، والبزّار ، والطبراني في الكبير ، والأوسط وزاد فيه : ويسجد عليها ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، ورواه أحمد أيضاً بإسناد رجاله رجال الصحيح (37).

ط ـ روى أحمد في مسنده عن وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسجد على الأرض ، واضعاً جبهته وأنفه في سجوده (38).

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد ، وفيه : فصلّى بنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأرنبته (39).

وروى مسلم في صحيحه ، عَنْ أبي سعيد ، قال : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حِينَ انْصَرَفَ وعَلَىَ جَبْهَتِهِ وَأرْنَبَتِهِ أثَرُ الطِّينِ (40).

وروى في المعجم الأوسط ، عن أبي هريرة قال : سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يوم مطير حتّى إنّي لأنظر أثر ذلك في جبهته وأرنبته (41).

وقال السيوطيّ في الدرّ المنثور : أخرج مالك ، وابن أبي شيبة ، والطيالسي ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وابن ماجة ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج من اعتكافه فقال : من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد رأيت هذه الليلة ، ثمّ أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كلّ وتر. قال أبو سعيد : فمطرت السماء من تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فو كف المسجد. قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين (42).

وهكذا أخي الكريم ، وبعد كلّ ما ذكرنا بالنسبة للسجود ، يتبيّن أنّ السجود على الأرض مباشرة هو الواجب ، أو على ما نبت من الأرض ممّا لا يؤكل ولا يلبس ، وهو ما عليه الشيعة الإماميّة ، وهو الحقّ الذي أكّده كلّ علماء المسلمين ، فلماذا يشنّع الجاهلون على أتباع أهل البيت عليهم السلام مباشرتهم الأرض في سجودهم ؟ إنّه الجهل والمكابرة والحسد.

أمّا لماذا يحمل الشيعيّ معه قطعة من أرض كربلاء من تربة الحسين عليه السلام إذا أراد الصلاة ؟ فالجواب من عدّة وجوه وهي : أنّ الواجب هو السجود على الأرض مباشرة ، وهذا لا يتوفر اليوم في بيوتنا ومساجدنا المغطّاة بالطنافس وأنواع السجّاد ، فوجب أن تتحقّق شروط مباشرة الأرض بالسجود ، ولا يتمّ ذلك إلا إذا كان مع المصلّى قطعة من التراب الطاهر ، أو الحصير ، حتّى يتحقّق الحكم الشرعي ، وذلك أنّ السجود على هذه الأنواع من السجاد مبطل للسجود ، كما ذكر عشرات العلماء من أهل السنّة قبل الشيعة ، والوجه الثاني : أنْ يكون مكان السجود طاهراً ، وطهارة مكان السجود تتحقّق بالتأكّد من طهارة الموضع ، ولضمان الطهارة تهيّأ قطعة من الأرض أو الحصير من أجل السجود عليها.

ومن أفضل الأماكن في الأرض هي تربة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، سيّد الشهداء ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وحبيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الذي دعا لمن أحبّ الحسين عندما قال : حسين منّى وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسينا (43).

كما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان هو أول من حمل وقبّل تربة الحسين ، وأوّل من بكى عليها ، وهذا يعطي لتربة الحسين عليه السلام الأولويّة ، مع أنّ الأرض كلّ الأرض جُعلت مسجداً وطهوراً ، ولكن دائماً هناك أفضلية وأولويات وهذه هي سنّة الحياة.

روي في مجمع الزوائد ، عن أنس بن مالك : أنّ ملك القطر استأذن أنْ يأتي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأذن له ، فقال لأمّ سلمة : إملكي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد.

قال : وجاء الحسين بن عليّ ليدخل ، فمنعته ، فوثب فدخل ، فجعل يقعد على ظهر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وعلى منكبه ، وعلى عاتقه ، قال : فقال الملك للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم : أتحبّه ؟ قال : نعم. قال : إنّ أمّتك ستقتله ، وإنْ شئت أريتك المكان الذي يقتل به.

فضرب بيده ، فجاء بطينة حمراء فأخذتها أمّ سلمة فصرّتها في خمارها. قال ثابت : بلغنا أنّها كربلاء. قال الهيثمي ورواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني بأسانيد (44).

الهوامش

1. صحيح البخاري 1 : 113 ، مسند أحمد 2 : 240 ، وغيرهما كثير ، سنن ابن ماجة 1 : 188.

2. فقه العبادات على المذهب المالكي 1 : 170.

3. بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1 : 98.

4. فتح الباري 3 : 68.

5. نيل الأوطار 2 : 128.

6. صحيح مسلم 2 : 109 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 : 358 ، المعجم الكبير 4 : 72.

7. فتح الباري 3 : 68.

8. المعجم الكبير 4 : 80 وعنه في كنز العمّال 8 : 220.

9. نيل الأوطار 1 : 385.

10. مغني المحتاج 1 : 168.

11. نيل الأوطار 1 : 385.

12. شرح صحيح مسلم للنووي 4 : 208.

13. الجامع الصغير 2 : 338 ، عن الطبقات الكبرى 1 : 455 ، وفيها أن للرواي المباشر هو صالح ابن خيران.

14. فيض القدير شرح الجامع الصغير 5 : 181.

15. كنز العمّال 8 : 131.

16. نصب الراية 1 : 514 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 : 105.

17. نيل الأوطار 2 : 290.

18. المصنّف 1 : 300.

19. نقله العظيم آبادي في عون المعبود 3 : 71.

20. المستدرك 1 : 195 ، سنن البيهقي 1 : 439 ، سنن أبي داود 1 : 100.

21. سنن الترمذي 1 : 236 ، كنز العمّال 8 : 131.

22. المعجم الكبير 23 : 324 ، مسند أحمد 6 : 323.

23. المستدرك على الصحيحين 1 : 271 ، صحيح ابن حبّان 5 : 241.

24. كنز العمّال 7 : 465 ، عن المصنّف 1 : 391 ـ 392.

25. نصب الراية 2 : 99.

26. المصنّف 2 : 302.

27. المصنّف لعبدالرزاق 2 : 39 ، مسند أحمد 5 : 163.

28. سنن الترمذي 1 : 235 ، سنن النسائي 3 : 6.

29. فتح الباري 1 : 289.

30. نيل الأوطار 2 : 128.

31. الطبقات الكبرى 5 : 134.

32. سنن الترمذي 1 : 208.

33. سنن أبي داود 1 : 155.

34. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 2 : 250.

35. سنن النسائي 2 : 57.

36. سنن الترمذي 1 : 207.

37. مجمع الزوائد 2 : 56.

38. مسند أحمد 4 : 317.

39. صحيح البخاري 1 : 198 ، صحيح مسلم 3 : 172 واللفظ للأول.

40. صحيح مسلم 3 : 172.

41. المعجم الأوسط 1 : 36.

42. الدرّ المنثور 6 : 373.

43. سنن الترمذي 5 : 324 ، مسند أحمد 4 : 172.

44. مجمع الزوائد 9 : 187.

مقتبس من كتاب : [ نهج المستنير وعصمة المستجير ] / الصفحة : 416 ـ 428