التقدير مقدَّم على القضاء

طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 186 ـ 187

 

(186)

التقدير مقدَّم على القضاء


إذا كان التقدير بمعنى تحديد وجود الشيء ، والحدّ الّذي يتحدد به ، فهو
مقدَّم على القضاء بمعنى ضرورة وجوده ؛ لأنّ الشيء إنّما يتحدد بكل جزء
من أجزاء العلة ؛ فإنّ كل واحد منها يؤثّر أثره في المعلول على حدّته .  فحيث
إنّ أجزاء العلَّة تتحقق قبل تمامها ، وكل جزء منها يؤثّر أثره في محيطه ،
________________________________________


(187)

ويكون أثره تحديد الموجود ، وصبغه يجب أنْ يكون التقدير مقدماً على
القضاء ، فصانع الطائرة يهيء لمصنوعه قِطَعاً وأجزاءً صناعية مختلفة ، كل
منها من صُنع مَصْنع ، ثمّ تركب هذه الأجزاء بعضها مع بعض ، فيصل إلى
حدّ القضاء ، فتكون طائرة تحلق في السماء.
ومثله الثوب المخيط ؛ فإنَّ هناك عوامل مختلفة تعطيه صورة
واحدة ، مثل تفصيل القميص ، والخياطة الخاصة ، وغير ذلك من
الخصائص الّتي تحدد الثوب قبل وجود العلَّة التامة.
وفي ضوء هذا البيان يمكن أنْ يقال : إذا كان الشيء موجوداً مادياً ،
وكانت علته علة مركبة من أجزاء ، فتقديره مقدم على قضائه حيث إنَّ تأثير
الجزء مقدم على تأثير الكل . وأمّا الموجودات المجرّدة المتحققة بعلّة
بسيطة ، فالتقدير والقضاء العينيان فيها يكونان في آن واحد ؛ فإنّ الخلق
والإيجاد الّذي هو ظرف القضاء ، هو نفس ظرف التقدير والتحديد.
وبهذا يتضح سر تأكيد الإمام ـ عليه السَّلام ـ على تقدم القَدَر على
القضاء.
روى البرقي في المحاسن بسنده عن هشام بن سالم قال:  قال أبو عبد
الله ـ عليه السَّلام ـ : « إنَّ الله إذا أراد شيئاً قدّره ، فإذا قدّره قضاه ، فإذا
قضاه أمضاه» (1).
وروى أيضاً بسنده عن محمّد بن إسحاق قال: قال أبو الحسن ليونس
مولى علي بن يقطين : « يا يونس لا تتكلم بالقدر ، قال: إني لا أتكلم
بالقدر ، ولكن أقول : لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدر . فقال :
ليس هكذا أقول ، ولكن أقول : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر
وقضى» (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المحاسن : ص 243 ـ 244. ورواه المجلسي في البحار  : ص 121، الحديث 64 .
(2) المحاسن : ص 244. ورواه المجلسي في البحار : ص 122، الحديث 69 .