الإسماعيلية وعقيدتهم في النبوة

طباعة

عقيدتهم في النبوة

1. النبوّة أعلى درجات البشر

النبوّة : عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمل الوحي.

يقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة ، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه ، وأنّه الذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره ، وأنّ السعادة الفلكيّة ، والأشخاص العاليّة ، والمؤثرات ، خدم له في زمانه.

والوجود مكشوف له ، وبين يديه ، فنظره ثاقب ، وإحاطته كلّية ، وحدود أوضاعه مبرّأة من النقص ، وجميع ما يأتي به محرر ، لا يحتاج إلى زيادة ، وأقواله لا تردّ ، ولا يوجد فيما ينطق به خلل ، وجوهره المقدّس نهاية في الشرف ، وأنّ القوة الملكية عليه أغلب وحواسه خادمة لنفسه ، وعقله لا ينظر إلّا إلى أوامر الله تعالى خالقه ، وأنّه في نهاية من المنازل من مولودات العالم في حسنه. (1)

2. الرسالة الخاصة والعامة

إنّ الرسالة على ضربين : خاصّة ، وعامّة.

فالرسالة العامّة شاملة طبعاً ، وعقلاً ، ولولا الرسالة الأُولى العامّة ، لن تُقبل الرسالة الخاصّة ، وذلك لأنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة ، وأكمل منافعها ، وسوّاها على أحسنِ هيئة ، ووضع فيها العقل الغريزي ، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل منافعها ، فهو الرسول الأوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني ، الخاص لمنافع النفس في الآخرة ، مثلما كان الأوّل لمنافع الدنيا ، وعلى الأوّل يعول في الاغتذاء ، وطلب المصالح بغير ثواب ولا عقاب ، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة ، وعلى الثاني يكون الحساب والعقاب ، إذ هو أمرٌ ربّانيّ ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.

إلى أن قال :

فإذا أظهر الرسول الرسالة ، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها ، وذلك القادح هو الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه ، وهو لسانه فيهم ، وترجمانه في العالم السفلي بأسره ، والمتبحّر أبداً في الحكمة. (2)

أقول : إنّ تسمية العقل الإنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء ، والأولى تسميته بالحُجّة الباطنة ، في مقابل الحجّة الظاهرة ، الذي هو النبي.

3. الوحي

إنّ الوحي : إلهام خاص بالأنبياء والمرسلين ، إذا كانت لغاية التشريع ، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم ، وله طرق ثلاثة ، جاء في الذكر الحكيم ، قال سبحانه :

( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ). (3)

وأمّا الوحي عند الإسماعيليّة ، فيقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ& لوحي : هو ما قبلته نفس الرسول من العقل ، وقبله العقل من أمر باريه ، ولم يخالفه علم تألفه النفس الناطقة ، بقواها ، ثمّ تتأمّل منه النفس ما ليس لها استنباطاً بذاتها ، ولا تستخرجه بفكرها ، وتكون فيه غاية لسداد قصدها ، ومصلحة لجميع أمرها.

إلى أن قال : والفرق بين الوحي وغيره من سائر العلوم ، أنّ الوحيَ يرد على من يوحىٰ إليه مفروغاً منه ، قد استغنى عن الزيادة فيه والنقصان منه ، كما يقع الصحيح للمستمع من المتكلم ، وصفه ومعناه خارجين عن قدرة من جاء به ، وليس كذلك العلوم ، لأنّها تكون بالمقايسة ، وكثرة الذّوبِ فيها ، وإعمال الفكر و الرّويّة والتأليف والتحرير. (4)

ثمّ للداعي الكرماني كلام مفصّلٌ في الوحي لا يخلو من تعقيد. أعرضنا عن نقله. (5)

4. في أنّ الأنبياء لا يولدون من سِفاح

يقول علي بن محمد الوليد : إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لا يلدهم الكفّار ، ولا يولدون من سِفاح ، ثمّ استدلَّ ببعض الآيات ، وما جاء في التاريخ في حقّ عبد المطلب وأبي طالب. (6)

5. في صفات الأنبياء

يقول الداعي الكرماني : المؤيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة ، التي هي أسبابٌ في نيل السعادة الأبديّة ، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها ، من جودة الفهم والتصوّر لما يشار إليه ويومأ ، ومن جَودة الحفظ لما يراه الخاطر والعين على تباينه ، ويدركه السمع من الصوت على اختلافه ، ومن جودة الفِطنة والذكاء والتوقّد فيهما ، ومن جودة الذكر ، ومن جودة الأعضاء وسلامتها ، والقدرة على التأنّي بمعاناة أُمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها ، ومن جودة الفطرة والطبع ، ومن جودة النحيزة ( الخير ) في السلامة والانقياد لكلّ خير ، فيكون خالياً من الرذائل ، التي هي الشره والطمع والرغبة في المأكول والمشروب والمنكوح زيادة على الحاجة ، واللعب واللهو ، وعاطلاً في الجملة ، من الأُمور التي تعوق على النفس سعادتها.

ويكون عظيم النفس كريماً ، محبّاً للعدل ، مبغضاً للظلم والجور ، مؤثراً لما يعود على النفس منفعته من العبادة ، مقداماً في الأُمور ، جسوراً عليها ، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (7)

6. الرسول الناطق

الرسول الناطق ، هو الأصل الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل ، وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقّق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة. (8)

وفي الحقيقة ، الرسولُ الناطق عندهم ، عبارة عن أُولي العزم من الرُّسل ، غير أنّهم يعدون آدم منهم ، والمشهور عند سائر المسلمين أنّه ليس منهم ، ويضيفون إليهم محمد بن إسماعيل باسم القائم ؛ وإليك أسماءهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، القائم.

وكلّ واحد منهم رسول ناطق ، يتقدّمه إمام مقيم ويتلوه الأئمة الأساس ـ المتم ـ المستقر ـ المستودع ـ وهم يتعاملون مع القائم الذي يبتدأ به الدور ، أعني : محمد بن إسماعيل ، معاملة الرسول الناطق ، ولا يشترط أن يكون في كلّ دور إمامٌ مستودعٌ ، فإنّه إنّما يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف الاستثنائية ، وكأنّه ينوب عن الإمام المستقر كما سيتضح معنى ذلك.

ولا يخفى أنّ في صميم العقائد الإسماعيليّة تناقضاً وتعارضاً ، فمن جانب نراهم يصرّحون بخاتميّة النبوة والرسالة ، وأنّ القرآن حجّة خالدةً إلى يوم القيامة ، وأنّه لا ينسخ القرآن إلّا بالقرآن. (9)

ومع ذلك فمحمد بن إسماعيل ، المعبّر عنه بالقائم عندهم من النطقاء (10) ، ولأجل إيضاح ذلك سوف نبحث عن عقيدتهم في الإمامة إن شاء الله.

7. في المعجزات التي يأتي بها الرسل

قال علي بن محمد الوليد : إنّ المعجزات التي ترد وقت إظهار الشرائع من الرسول حقيقية ، وإنّها على ثلاثة أقسام :

الأوّل : خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعية ، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول ، ودخولها تحت أمر المعقولات ، ومن أجله يعلم أنّه متصل بالفاعل ، الذي لا يتعذّر عليه متى أراد ، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلّا بمادته وتدبيره.

الثاني : ما يأتي به الشخص المبعوث من النطق المنسوب إلى من أظهر له المعجزات ، وأعجز كافّة أهل الدور عن الإتيان بمثله.

الثالث : جميع الفضائل الموجودة في أشخاص العالم فيه حتى لا يوجد فوق كماله كمال في وقته. (11)

أقول : إنّ القسم الثاني الذي يريد به القرآن الكريم داخل تحت القسم الأوّل ، فلا وجه لعدّه قسماً ثانياً.

والقسم الثالث : كمالات النبي ، ولا تعدّ معجزة.

8. في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرّسل

يُفضَّلُ رسول الله على سائر الرسل والأنبياء من وجوه ، أفضلها الوجوه التالية :

أ : هو أنّه سبحانه جعل شريعته مؤيّدة لا تُنسخ أبداً ، وجعل الإمامة في ذريّته إلى قيام السّاعة ، ولم يُقدَّر ذلك لغيره.

ب : انّ الله عزّ وجلّ أعطاه الشفاعة في الخلق. ولم يعطها إلى نبي قبله.

ج : انّ الأنبياء قبله بطلت معجزاتهم من بعدهم ، ومعجزة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي « القرآن » ثابتة مؤيّدة لا تفنى أبداً إلى حين زوال أحكام الدنيا. (12)

9. في أنّ الشريعة موافقة للحكمة

إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة ، هي والحكمة الشرعيّة سواء ، لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء ، وعقلاء ، ومحال أن يشرع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول ، ولا يبعث برسالته وشرعه إلّا حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لِما تحتاجه العقول ، ويكلّف لها بما يسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطرها. (13)

10. في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن

يقول علي بن محمد الوليد : إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك ، مضّمنة للأُمور العقليّة والأحكام والمعاني الإلهيّة ، وما يتخصص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم ، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل ، والنفس ، وكلُّ من حقق ذلك كانت معتقداته سالمة. (14)

أقول : هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيلية المؤوّلة ، إذ كلُّ إمام وداعٍ ، يسرح بخياله فيضع لكل ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقةً ، يسمي أحدهما بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل ، فكلُّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات ، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك ، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة.

وستوافيك نظرية المثل والممثول في فصل خاص ، وتقف على تأويلاتهم.

الهوامش

1. تاج العقائد : 57 ـ 58.

2. تاج العقائد : 48 ـ 50.

3. الشورى : 51.

4. تاج العقائد : 47 ـ 48.

5. راجع راحة العقل : 409 ـ 410.

6. تاج العقائد : 51.

7. راحة العقل : 421 ـ 422.

8. مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 17.

9. تاج العقائد : 98.

10. وقد مرّ كلامهم في ذلك ص 92. وما علقنا عليه فلاحظ.

11. تاج العقائد : 97.

12. تاج العقائد : 59 ـ 60.

13. المصدر نفسه : 101.

14. تاج العقائد : 101.

مقتبس من كتاب : [ بحوث في الملل والنحل ] / المجلّد : 8 / الصفحة : 202 ـ 208