الإسماعيلية وعقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

طباعة

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

المعاد بمعنى عود الإنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الإيمان بالله ، لذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على وجود المعاد بعد الموت : ( وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ). (1) ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.

نعم ، اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً وعلى فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أو جسم عنصري ؟

والإمعان في الآيات الواردة حول المعاد يثبت الأخير بلا شك ، فهلمّ معي ندرس عقيدة الإسماعيلية في المعاد وكيفيته.

1. في أنّ المعاد روحاني لا جسماني

قال الكرماني ـ بعد بيان النشأة الأُولى في الدنيا ـ : ثمّ الله ينشأ النشأة الآخرة ، بقوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ ـ التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم ـ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ) (2) فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد ، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس على مثال النشأة الأُولى. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله : كما أنّ الإنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلى عالم الدنيا ، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلى عالم الآخرة ، فكما أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلى عالم الحس عمّا فيها ، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلى عالم الآخرة وإليك عبارته :

ولما كان الأمر في وجود النفس وكمالها كالأمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم ، فالإنسان ينتقل من رتبة النطفية إلى رتبة العلقية ، ومن رتبة العلقية إلى رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد و رجل وأنف ولسان وغير ذلك من الأُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلى عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الأحشاء لا لها ، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الأحشاء من الآلات ، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلى الآخرة التي إليها إنهاؤها كمفارقة جسمها الأحشاء مصيراً إلى عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها الملاذ ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم. (3)

ومن تأمل فيما أفاض يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني ، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد ، وقال : ويعتقد انّ الله تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره ، إلى دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية وما بينهما صوري ومادي. (4)

2. في التناسخ

وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لإفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها. (5)

وربما ينسب القول بالتناسخ إلى الإسماعيليّة ، ولكن النسبة في غير محلّها.

يقول الداعي الكرماني : وأمّا من يرى الجزاء ، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ ، وانّه يكون في الدنيا ، فمن اعتقادهم انّ هذه الأنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّ وجودها بوجود أشخاصها ، ويقولون : إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلى أن تصفو وتعود ، فقد (6) أوردنا في كتابنا المعروف بـ « الرياض » و « ميزان العقل » وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف بـ « المقاييس » رداً على الغلاة وأشباههم. (7)

يقول الكاتب الإسماعيلي مصطفى غالب : ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الإسماعيليّة من القدماء والمحدثين بأنّ الإسماعيليّة يقولون بتناسخ الأرواح ، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلى إنسان آخر أو إلى حيوان أو نبات على نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً ، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الإسماعيلية السرية والعلنية دراسة دقيقة ، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ ، بل ذهبوا إلى أنّ الإنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي ( جسمه ) إلى ما يجانسه من التراب ، وينتقل عنصره الروحي ( الروح ) إلى الملأ الأعلىٰ ، فإن كان الإنسان في حياته مؤمناً بالإمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً ، وإن كان شريراً عاصياً لإمامه حشرت مع الأبالسة والشياطين وهم أعداء الإمام.

والإمام نفسه يجري على جسده مثلما يجري على سائر الأجساد بعد الموت ، حيث يتحلّل كل قسم إلى ما يناسبه ، فالجسم الترابي يعود إلى التراب ، والنفس الشريفة تعود إلى ما يجانسها ويناسبها ، فتصبح نفس الإمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم ، فلا تتناسخ ولا تتلاشىٰ أي تتقمص. (8)

3. في الحساب

والحساب تابع للبعث وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار ، والعقاب الذي هو الألم والعذاب والغم ، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا ، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.

فأمّا ما يكون وجوده في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين. (9)

4. في الجنة

يقول الكرماني : إنّها موصوفة بالسرمد والأبد ووجود الملاذ فيها أجمع ، وأنّها لا تستحيل ، ولا تتغير ، ولا يطرأ عليها حال ، ولا تتبدل ، والذي بهذه الصفة هو النهاية الأُولة من الموجودات عن المتعالى سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهى الذي هو المبدع الأوّل. (10)

5. في الملائكة

إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة ، فلا يتعدى أحد منهم بغير ما وكّل به ، كما قال وأخبر عنهم : ( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) (11)

والجوهر فيهم واحد ، وإنّما اختلفت أسماؤهم لأجل ما وكلوا به فمنهم من هو في العالم العقلي ، ومنهم من هو في العالم الفلكي ، ومنهم من هو في العالم الطبيعي لحفظ ارجائه ، ثمّ استدل بالآيات القرآنية.

منها قوله : ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ) (12) يعني الملائكة الذين قد أخفى سبحانه ذواتهم عن النظر ، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتى يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه. (13)

6. في الجن

ويعتقد انّ في الجن ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية ، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر ، إلى أن قال : فمنهم من هو في ارجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم ، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (14)

الهوامش

1. الحج : 7.

2. الواقعة : 62.

3. راحة العقل : 361 ، المشرع 13.

4. تاج العقائد : 165.

5. لاحظ شرح المنظومة للحكيم السبزواري : 312.

6. جواب لقوله : امّا.

7. راحة العقل : 364.

8. مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 16.

9. راحة العقل : 369.

10. راحة العقل : 379.

11. الصافات : 164.

12. الحاقة : 38 ـ 39.

13. تاج العقائد : 45.

14. تاج العقائد : 46.

مقتبس من كتاب : [ بحوث في الملل والنحل ] / المجلّد : 8 / الصفحة : 227 ـ 231