مراتب التوحيد وأقسامه

طباعة

التّوحيد هو الاعتقاد بوحدانيّة الله ـ تعالى ـ بنفي التّركيب في ذاته المقدّسة وصفاته التي هي عين ذاته ، ونفي الشّريك له في خلقه وأمره ، ونفي أن يكون له والد أو ولد : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) (1) ، ( اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ) (2).

 

والتّوحيد على أقسام :

١ ـ توحيد الذّات ، أي الواحد الذي لا شبيه له ولا نظير ، والأحد الذي لا يقبل القسمة العقليّة ولا القسمة الوهميّة ، وليست وحدانيّته وحدانيّة عدديّة « واحدٌ لا بالعدد » ، ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ) (3) ، وليست وحدانيّته ـ تعالى ـ وحدانيّة نوعيّة بأن يقال : الله ـ تعالى ـ فرد من النوع الكذائي ، كما يقال : أنّ زيداً فرد من أفراد النوع الإنساني.

٢ ـ توحيد الصّفات : والمراد هنا صفات ذاته المتعالية ، دون صفات الفعل ، إذ أنّ صفات الذات عين ذاته المقدّسة كالحياة والعلم والقدرة ، إذ تعدّد الذّات والصّفات يستلزم التركيب والتجزئة ، والتركيب يستلزم حاجة المركَّب إلى أجزائه وإلى مركِّب تلك الأجزاء ، كما يستلزم زيادة الصّفات على الذّات ، المستلزم لأن يكون فاقداً لصفات الكمال محتاجاً إلى من يفيض عليه بتلك الصّفات ، وهذه الحاجة تناقض كونه ـ تعالى ـ غنيّاً بالذّات.

٣ ـ التّوحيد في الاُلوهيّة : ( وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ) (4).

٤ ـ التّوحيد الرّبوبي : أو التّوحيد في الربوبيّة ـ ( قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (5)

٥ ـ التّوحيد في الخلق : ( قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (6).

٦ ـ التوحيد في العبادة : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) (7) ، ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ) (8).

٧ ـ التّوحيد في الأمر والحكم : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (9).

٨ ـ التّوحيد في الخوف والخشية : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (10).

٩ ـ التّوحيد في الملك : ( وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) (11).

١٠ ـ التّوحيد في النّفع والضّرر : ( قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ) (12).

١١ ـ التّوحيد في الرّزق : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ ) (13).

١٢ ـ التّوحيد في التوكّل : ( اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (14).

١٣ ـ التّوحيد في العمل : ( وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ ) (15).

١٤ ـ التّوحيد في التّوجّه : ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (16) قال عليٌّ أميرالمؤمنين عليه السلام لابنه : « واعلم يا بُنيّ أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته » (17). (18)

عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : « ما من شيءٍ أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلا الله ، لأنّ الله عزّ وجلّ لا يَعْدِلُهُ شيء ، ولا يُشركه في الأمر أحد » (19).

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ما جزاء من أنعم الله عزّ وجلّ عليه بالتوحيد إلا الجنّة » (20).

وقال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (21).

والنتيجة : أنّ التوحيد والاعتقاد به مطلوب في جميع المجالات السَّابقة ، الدّليل على توحيده ـ تعالى ـ ما جاء في الآيات والأحاديث السَّابقة ، ويجب أن ينعكس ذلك على سلوك المؤمن وتصرّفاته وأعماله ، كما أنّ ثمرة هذا التوحيد والاعتقاد به يظهر في تكامل الفرد والمجتمع الموحِّد ، بعدما أشرقت أشعّة الكمال ونور السّداد في أعماق النّفس والعقل الإنساني حتى يملأ الخافقين سعادة وكمالاً بحثاً عن الحقائق والآيات الباهرات التي تعبّر عن منظومة موحَّدة ، ودُرٍّ نضيد وسلسلة مترابطة متكاملة في عالم الوجود ، وهي حقيقة تنبثق من كلمة « لا إله إلا الله » التي تتألّف من حروف يمكن أداؤها والتّلفّظ بها بالجهر والإخفات ، فهي كلمة جامعة للذكر الجليّ والذكر الخفيّ ، كما أنّ مؤداها وحقيقتها قلبية ، فهي من الأذكار القلبيّة واللّسانيّة.

والحمد لله ربّ العالمين

 

الهوامش

1. سورة الاخلاص : ١ ـ ٤.

2. سورة البقرة : ٢٥٥.

3. سورة المائدة : ٧٣.

4. سورة البقرة : ١٦٣.

5. سورة الأنعام : ١٦٤.

6. سورة الزمر : ٦٢.

7. سورة الفاتحة : ٥.

8. سورة المائدة : ٧٦.

9. سورة الأعراف : ٥٤.

10. سورة آل عمران : ١٧٥.

11. سورة الإسراء : ١١١.

12. سورة الفتح : ١١.

13. سورة سبأ : ٢٤.

14. سورة التغابن : ١٣.

15. سورة الليل : ١٩ ـ ٢٠.

16. سورة الأنعام : ٧٩.

17. ترجمة وتلخيص مع شيءٍ من التصرّف ، من مقدمة كتاب توضيح المسائل لسماحة المرجع الدّيني الأعلى آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني دام ظلّة الوارف.

18. نهج البلاغة ج ٣ / ٤٤ ، تحف العقول : ص ٧٢ ، بحار الأنوار ج ٣ / ٢٣٤.

19. التوحيد ( الصدوق ) : ص ١٩ ، ثواب الاعمال : ص ٣ ، بحار الأنوار ج ٣ / ٣.

20. التوحيد ( الصدوق ) : ص ٢٢ ح ١٧ ، مشكاة الانوار : ص ٣٧ ، بحار الأنوار ٣ ص ٥.

21. سورة الرعد : ٢٨.

 

مقتبس من كتاب كيف نفهم الرسالة العمليّة الجزء 1