ما ذنب الولد الكافر إذا نشأ من والدين أو في بيئة بعيدة عن الدين ؟

طباعة

 

 

ما ذنب الولد الكافر إذا نشأ من والدين أو في بيئة بعيدة عن الدين ؟
 

 

     السؤال : من المعروف أنّ الله أرسل الرسل رحمة للعالمين ، وأن يهدوا الناس إلى ما هو صالحهم ، وينهونهم عما يفسدهم ، وأن يرشدوا الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات/56).
    وأنّ العبادة هي وسيلة إلى الرقي والوصول إلى حضرة الله القدسية ، والارتقاء بالإنسان إلى اعلى مراتب الكمال ، ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى ما أراده الله منه إلا بوصول الرسائل السماوية إليه .
     أو إذا كانت هذه المقدمة صحيحة نريد التكرم بالإجابة على هذه التساؤلات : من المعروف إنّ معظم البشرية على مر الدهور المؤمنون بالرسالات قليل جداً بالنسبة لغيرهم . فهل ممكن أن نقول إنّ الرسالة الحقة وصلت واضحة جلية إلى كافة الناس ؟ بحيث يكون الإنسان هو المسؤول عن هذا التقصير.  وإذا كان الجواب بنعم ، إنّ الرسالات وصلت إلى الجميع ، فكيف نتصور وصول الرسالات إلى اقصى الأرض قبل الاف السنين ، ولم تكن موجودة سبل الاتصال ؟ وإذا قلنا إنّ الرسالات لم تصل إلى هذه الأمم ، فنقول إنّ لهم حجة على الله ، وإنّ الحجة لله  ؟ ولمإذا وصلت إلينا الرسالة ولم تصل إليهم ؟ هل لأننا نحتاج إلى الرسالة بينما هم في غنى عنها ، أم هناك محاباة عند الله ، ففضل قوم على قوم ؟ أو أنّ هناك مصلحة من عدم وصول الرسالات إليهم ؟ وإذا قلنا إنّ الرسالات هي رحمة من الله وفيض إلهي ، فما هو المعنى بأن يحرم منها اناس ، وينعم بها آخرين ، وذنب هؤلاء أنّهم ولدوا هنا ، وآخرون ولدوا قريباً لمهد الرسالات . وإن قلنا أنّ الله سيعطيهم البديل ، فلا نعتقد أنّ هناك نعمة بديلة للدين ، فقد فاتهم من الخير ما لا يدرك ؟ وما هو ذنب الطفل الذي يولد من والدين مخالفين وينشأ بعيدا عن التعاليم الإلهية ، وتصله الحقائق مشوهة وغير واضحة ، ونطالبه بالبحث والتحقيق ورفض تقليد الآباء : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ
} (الزخرف/23). بينما الطفل الآخر يولد في حضن أبوين مؤمنين ، ولا يتكلف العناء الكبير في اتباع الحق ؟ وما هو ذنب الطفل الذي يعيش في كنف أبوين فاسقين ، ويخرج الطفل بعيداً عن تعاليم الدين ، بينما آخر يعيش في احضان رجل علم .أليست هذه من المفارقات ؟ وإذا عدنا وقلنا إنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق الناس للشقاء بل خلقهم للرقي وللكمال اللامتناهي ، وبما أنّ الرسالات لم تصل إلى الأغلبية العظمى من البشر،  إذاً لم يتحقق الهدف من إرسال الأنبياء ، أو أنّ نقول أن هدف الرسالات محدود على أناس دون آخرين .
    

 

     الجواب : من سماحة الشيخ باقر الإيرواني

 

     إنّ سؤالكم ينحل إلى سؤالين :
     1 ـ
  إنّ الدين لم يصل إلى الجميع ، وهذا مناف لما دلت عليه الآية الكريمة
     2 ـ ما ذنب الولد إذا نشأ من والدين أو في بيئة بعيدة عن الدين ؟


    أمّا بالنسبة إلى السؤال الأوّل : فهو مبتنٍ على أنّ الأنبياء الذين جاؤوا بالدين لا يتجاوز مقدارهم عدد الأصابع ، والحال إنّ الذي دلّت عليه بعض الروايات أنّ عددهم كبير يبلغ ( 120000 ) ، وكان البعض مرسلاً إلى قريته أو عشيرته فقط ، وبناءً على هذا فمن المحتمل أنّ الأقوام الموجودة في أماكن بعيدة قد أرسل لهم الله سبحانه نبياً ، وليس لكم من مناقشة بعد هذا إلا أن تقولوا إنّ دين الإسلام الذي هو أكمل الأديان لم يصل إليهم .

      والجواب : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قد أرسل رسله إلى الأقطار ونقاط الأرض ، وقد طبع قبل فترة كتاب يجمع رسائل النبي صلى الله عليه وآله ، ومن الطبيعي أنّ ما جمع وذكر في هذا الكتاب هو بعض ما أرسله الرسول صلى الله عليه وآله ، وعليه فالدعوة الإسلامية يمكن أن يقال بوصولها إلى جميع نقاط الأرض.
على أنّه لو سلمنا بعدم وصولها إلى جميع نقاط الأرض ، فمن المحتمل أنّ المصلحة اقتضت وصول الإسلام بنحو التدرج إلى جميع بقاع الأرض ، كما اقتضت المصلحة أن لا يكون الدين منذ اليوم الأوّل ، هو دين الإسلام بل يتدرج في الأديان إلى أن وصلت النوبة إلى الإسلام .

     وأمّا السؤال الثاني : فيمكن أن يجاب عنه بأنّ التقصير واللوم ينصبّ على الوالدين حيث عاشا في مكان بعيد ، أو لم يسلما ، أو لم يلتزما بالدين ، ولم يعيشا الأخلاق الفاضلة ، فصار ذلك سبباً لبعد الولد عن الأجواء الصالحة ، نظير ما إذا زنى الوالدان فخرج الولد منبوذاً لدى المجتمع ؛ فإنّ اللوم ينصب على الوالدين دون الله سبحانه .

     وبإمكاننا أن نقول ضمن عبارة ثانية : إنّ الله سبحانه اعطى القوة للوالدين على الانجاب والعيش في أي بقعة من الأرض ، وعلى اختيار الطريق المستقيم ، فإذا قصّرا ولم يحصل منهما التزام بالشكل المطلوب ، وقاما بانجاب الولد ، فاللوم ينصبّ على الوالدين دون الله سبحانه الذي منحهما تلك القوة ، وإلا فالإشكال يرد على صانع السكين مثلاً حيث صنعها حادّة قتّالة ، وليس من جواب إلا أن يقال أن كونها كذلك هو كمال فيها وليس نقصاً ، وإنّما النقص هو في استعمالها بشكل غير صحيح ، وهكذا الحال في محل كلامنا ، فإنّ تقصير الوالدين هو السبب في نشوء الولد في بيئة فاسدة وعلى سلوك غير إسلامي .