الإعاقة وعدل الله ؟

طباعة
الإعاقة وعدل الله ؟
 
السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. ولد في بالي أسئلة شغلتني منذ فترة فما وجدت مَن يرفع لبسي فيها ؟... وقد تصفحت  الأنترنت حتّى حللت رحلتي عند موقعكم العامر ، فرأيت أن أطرحها عليكم ، فاسمحوا لي بذلك ، وآمل أن لا يخيّب ظنّي ... وأرجوا أن أحصل على الجواب الشافي الوافي المفصّل حسب النقاط المطروحة فيه ... وكلّي آسف على مزاحمتكم ، أتساءل ويتساءل البعض أنّه مادام الله خلقنا في أحسن تقويم ، وفي  أحسن صورة كما أخبر عزّوجلّ : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } {غافر/64} ، {التغابن/3} ، والله هو العدل الذي لايجور :
فأوّلاً : كيف نفسّر ولادة أولئك المشوّهين والمعاقين والمعتوهين والناقصين والمعلولين والمتخلّفين عقلياً ، والمعاقين جسديّاً ؟
وثانياً : فما ذنب الطفل الذي يولد أعمى ، أو أصمّ ، أو أخرس ، أو معاق ، أو متخلّف ... ألّا يصطدم هذا مع عدالة الله ؟ ومع حسن التصوير والتقويم الإلهي ؟
وثالثاً : ما ذنب أهلهم أن يرزقوا بأمثال هؤلاء الأولاد؟ مع أنّهم قد يكونوا صلحاء وملتزمين ؟
ورابعاً : على فرض إنحراف الوالدين ؟ فما ذنب أطفالهم : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } {الأنعام/164} {الإسراء/15} ، {فاطر/18} ، {الزمر/7} ؟ ولو كان هذا هو السبب  لكان أولاد المنحرفين مشوّهين ؟
وخامساً : لو كان الطعام والمآكل هي السبب لكان أولاد ـ الغرب والأروبين قديماً وحديثاً ممّن يأكل الميتة ، ويشرب الخمر ، واستمع إلى الغناءـ كلهّم أو جلّهم مشوّهين؟
وسادساً : لماذا لايؤثّر أكل الميتة ، وشرب الخمر ، ولقمة الحرام وغيرها من المعاصي والتجاوزات في نسل الكثير بينما تؤثّر في البعض الآخر ؟ لماذا هؤلاء دون هؤلاء؟
وسابعاً : وعلى ضوء هذا كلّه ما هو تفسير قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ  } {التين/4} ، وقوله تعالى : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } {غافر/64} ، {التغابن/3}؟

الجواب : من سماحة السيّد علي الحائري
 فيما يرجع إلى السؤال : لابدّ من أن نعلم أنّ هذا العالم الذي نعيش فيه ـ عالم الدنيا ـ هو عالم الأسباب والمسبّبات بمعنى أنّ أحد القوانين السائدة في عالم الدنيا هو قانون العلّية ، فالله تعالى جعل نظامه التكويني في هذه النشأة على أساس أنّ لكلّ شيء سببه الخاصّ به ، ومالم يتحقق سببه فهو لايتحقق ، وعلى هذا الأساس فإنّ ولادة الطفل السليم السوّي ـ جسدياً وعقلياً ـ لها أسبابها وعواملها الطبيعية التكوينية ، كما أنّ ولادة الطفل المشوّه والمعاق والمعتوه والمتخلّف والناقص والمعلول لها أيضاً أسبابها وعواملها الطبيعية والتكوينية ، تماماً كالثمرة السليمة والثمرة المؤفة ، فالله تعالى جعل للحصول على الثمر السليمة نظاماً وطريقاً إذا سلكه الفلّاح والزارع فسوف يقتطف ثمرة سليمة بلا آفة ، كماجعل أيضاً للحصول على الثمرة المعيبة نظاماً وطريقاً إذا سلكه الفلّاح فسوف يجني ثمرة مؤفة.
فنحن نسألكم : لو أنّ الفلّاح سلك الطريق الثاني ، واختار الأسباب والعوامل المؤدّية إلى الحصول على ثمرة ردية ومعيبة ، سواء كان سلوكه لهذا الطريق عن عمدٍ ، أو عن جهل وغفلةّ ، وعدم وعرفة بالأسباب والعوامل ؛ فإنّه على كلّ حال لم ينتهج الطريقة الزراعية العلمية الدقيقة عمداً أو جهلاً وسهواً ـ قصوراً أو تقصيراً ـ فهل هذا يرتبط بعدالة الله تعالى ؟وهل يصحّ أن نقول لماذا التبعيض بين بعض الثمار وبعضها الآخر ؟ أو لماذا التبعيض بين بعض الفلاّحين والزرّاع وبعضهم الآخر ؟ ولماذا يقطف بعض الزرّاع ثماراً سلمية وجيّدة ، بينما البعض الآخر قطفوه رديئة ومؤفة ؟
من الواضح أنّ القضية ـ لا ترتبط أبداً لا من قريب ولا من بعيد ـ بعدالة الله تعالى ، فالله عادل حكيم ، ومن حكمته وعدالته أنّه جعل لكلّ شيء نظاماً خاصّاً ، ومعادلة معيّنة ، أمّا إذا لم يطبّق الإنسان تلك المعادلة بالضبط عمداً أو خطأً ، فهذا مطلب آخر ، ومشكلة شخص الإنسان ، فولادة الطفل السليم إنّما هي نتيجة العوامل والأسباب  التكوينية التي جعلها الله تعالى بوصفها نظاماً خاصّاً ، ومعادلة معينّة للحصول على طفل سليم ، كما أنّ ولادة الطفل غير السليم هي أيضاً نتيجة العوامل والأسباب التكوينية التي أدّت إلى ذلك .
يبقى على العلم أن يطوّر نفسه ، وعلى العلماء اكتشاف المعادلة العلمية الدقيقة لولادة الطفل السليم ، وعلى الوالدين استخدام كلّ ما توصّل إليه العلم في هذا المجال كي يكون ولدهما سليماً سوّياً .
أمّا إذا وُلد الطفل وهو غير سليم ، ولم يكن ذلك بتعّمد من قبل الوالدين ، فسوف يعوّضهما الله تعالى بالأجر في الآخرة ثواباً على محنتهما إذا صبرا وشكرا ، كما أنّ الطفل نفسه أيضاً لا ذنب له ، وإذا صبر على محنته ؛ فإنّ الله تعالى لا يضيع أجر الصابرين ، ويعوّضه في الآخرة بما يرضيه.
وعلى هذا الأساس فكلّ النقاط المطروحة في السؤال قد اتضحّ الجواب عليها.
وأمّا ما يطرحه القرآن الكريم حول حسن التقويم ، والصورة الإنسانية ، فلا علاقة بالقوام الظاهري ، والصورة الظاهرية للإنسان ، بل المقصود أنّ تركيبة هذا الكائن الحيّ هي أحسن تركيبة ، وفي أحسن شكل وصورة من حيث الاعتدال والانسجام الكامل بين كلّ عناصر تركيبية ، ففيه الجانب الجسدي ، وفيه الجانب الروحي ، فيه المادّة ، وفيه ما هو مجرّد عن المادّة ، فيه العقل والإدراك ، وفيه الشهوة ، فيه الغرائز ، وفيه الملكات والقابليّات المتنوّعة والكثيرة ، وفيه .. وفيه ... ما شاء الله أن يجتمع في هذا الكائن الذي فضّله على كثيرٍ من ممّن خلقه تفضيلاً  ، وكرّمه ، فالإنسان بشكل عامّ ـ حتّى الإنسان غير السليم جسدياً وظاهرياً ـ هو كائن معتدل على أحسن ما يكون الإعتدال من حيث الجوانب التي  شرحناها ، ونظنّ أنّ  ما قلناه الكفاية في الجواب على السؤال .