فيما يدلّ على نفي الخطأ والغلط والسهو والشكّ والنسيان عن النبيّ والأئمّة مطلقاً

طباعة

فيما يدلّ على نفي الخطأ والغلط والسهو والشكّ والنسيان عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام مطلقاً

من الأدلّة العقليّة وإن كان بعضها منضمّاً إلى مقدّمة نقليّة وذلك وجوه :

الأوّل :

أنّه لو جاز شيء من ذلك عليهم لزم التنفير عنهم ، وعدمم قبول أقوالهم وأفعالهم وهو نقض للغرض ، ولا يقال : كيف يلزم التنفير ولم يحصل لمجوّزي السهو عليهم في العبادة ؟ لأنّا نقول : تنفير الأكثر أو البعض كاف ، وهو معارض لوجوب العصمة ، مع أنّ من لا يقول بها لا ينفر منهم.

وهذا الوجه استدلّ به السيد المرتضى (1) وغيره وأوردوا له نظيراً وهو : انّ عبوس الوجه عند حضور الطعام منفر عن أكله ، ومع ذلك ليس بمانع منه ، لأنّ بعضهم يأكل ولا ينفر منه.

الثاني :

إنّا مأمورون باتّباع النبيّ صلّى الله عليه وآله [ والإمام عليه السلام ] (2) ، وترك الاعتراض عليهما ، فلو جاز الخطأ والسهو والنسيان ، لوجب متابعتهم ، وكنّا مأمورين به ، والأمر باتّباع الخطأ قبيح ، ولا يرد الراوي والمفتي والشاهد ، لعدم عموم حكمهم ، وعدم اشتراط العصمة هناك.

الثالث :

انّ وجه الاحتياج إلى النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام هو جواز الخطأ على الاُمّة ، فلو جاز عليهما لاحتاجا إلى نبي أو أمام لاشتراك العلّة ، ولزم الترجيح بلا مرجّح ، ثمّ أمّا أن يدور ، أو أن يتسلسل ، وهما باطلان كما تقرّر.

الرابع :

انّ تبليغ النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام عبادة ، وعبادتهما تبليغ لما علم وجوب المبايعة (3) وكون فعلهما وقولهما حجّة ، والمقدّمتان قطعيّتان ، فلا سهو ولا نسيان.

الخامس :

انّه لو جاز عليهما الخطأ والنسيان لاحتاجا إلى الرعيّة لينهوهم عن خطأهم ، فيتساوى المعصوم وغير المعصوم ، ولا يكون قول أبي بكر : إذا زغت فقوّموني ، مانعاً من إمامته ، وإن كان محتاجاً إلى رعيّته ، وهو باطل قطعاً.

 السادس :

انّه لو جاز السهو والنسيان من المعصوم في العبادة ، لجاز في التبليغ ، والفرق ليس عليه دليل قاطع ، ولا يفهمه كلّ أحد ، بل كلّ من وقف على أحدهما جواز للآخر قطعاً ، وأقلّه أنّ الأكثر الغالب لا يفرّقون بينهما ، فلا يوثق بشيء من أقواله وأفعاله ، وتختلّ عصمته ، وهو باطل قطعاً.

السابع :

انّه حافظ للشرع ، فلو جاز عليه الخطأ والسهو والنسيان ؛ لادّى إلى التضليل والإغراء بالجهل والتبديل ، وصار احتمال النسخ مساوياً لاحتمال السهو ، واحتمال الصحّة مقاوماً لاحتمال الفساد ، وهو نقيض الغرض المطلوب من العصمة.

الثامن :

انّه لو جاز السهو على المعصوم لم يوثق بشيء من أقواله ولا أفعاله وهو نقض للغرض من نصبه.

بيان ذلك : إنّ التبليغ يحصل بالمرّة الاُولى من فعله وقوله ، وهي غير معلومة لمن بعده ، ولا لأكثر الصحابة أيضاً ، فإنّ أقواله وأفعاله منقولة من غير تاريخ ، وكذا قراءته للقرآن ، فإنّها عبادة ، فيلزم أن يجوز غلطه فيه وتبديله كلّه ، وهو باطل قطعاً.

التاسع :

انّه لو جاز السهو والنسيان على المعصوم ، لجاز تركه للواجبات وفعله للمحرّمات سهواً ، لأنّ فعل الواجب عبادة ، وترك الحرام عبادة ، وإذا جاز السهو في ترك بعضها ، جاز في ترك الجميع ، فلا تصدّق العصمة التي تستلزم انتفاء المعاصي مطلقاً ، والتفصيل يحتاج إلى دليل وينافي العصمة قطعاً.

العاشر :

انّه لو جاز السهو والنسيان وترك الواجبات والاتيان بالمحرّمات عن غير عمد ، كما يقتضيه حديث ذي الشمالين من ترك ركعتين واجبتين في الواقع والاتيان بالسلام والكلام المحرّمين في الواقع ، لكان ظالماً ، لأنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، والظالم لا يكون إمام لقوله تعالى : ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (4) والمراد عهد الإمامة كما يفهم من الآية والحديث الوارد في تفسيرها ، وقد أشار إلى هذا بعض المحقّقين في استدلاله.

الحادي عشر :

انّه لو جاز السهو والنسيان والخطأ على المعصوم في العبادة دون التبليغ ، لجازت (5) جميع المعاصي والكفر عليه قبل كونه نبيّاً أَو أماماً ، واللازم باطل بالأدلّة العقليّة والنقليّة ، واعتراف الخصم هنا فكذا الملزوم.

وبيان الملازمة عدم الاحتياج إلى العصمة في الموضعين كما ادّعيتموه ؛ لأنّ الضرورة إلى استحالة الخطأ والسهو والنسيان إن كانت مخصوصة بالتبليغ ، فلا تبليغ في الحالة السابقة ، وهو واضح ، بل ذلك أولى بالجواز مع ظهور بطلانه فكذا هنا.

الثاني عشر :

لو جاز الخطأ والسهو على المعصوم لزم افحامه ، لأنّ الرعيّة لا تتّبعه إلاّ فيما علمت صوابه ، ولا يعلم صوابه إلاّ منه فيدور.

الثالث عشر :

انّه لو جاز ذلك ، لم يحصل العلم بقوله : إنّ هذا الفعل سهو أو غير سهو ، لجواز السهو على ذلك القول أيضاً ، لأنّه خارج عن التبليغ ، ألا ترى انّه على قولكم قد نفى السهو عن نفسه في حديث ذي الشمالين ، ولم يكن مطابقاً للواقع.

الرابع عشر :

انّه لو جاز عليه السهو والنسيان في غير التبليغ ، لجاز منه الكذب سهواً في غير التبليغ أيضاً ، فلا يوثق بشيء من أقواله في غيره وبطلانه قطعي.

الخامس عشر :

انّه لوكانت العصمة مختصّة بالتبليغ ، لجاز عليه وقوع المعصية سهواً بعد تبيلغ انّها معصية ، ووجب علينا أمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، وهو ينافي نصبه أو سقوط وجوبهما هنا ، وهو خلاف الأدلّة.

السادس عشر :

انّه لو جاز ذلك لما أمكن الاحتجاج والاستدلال بشيء من أفعاله ولا أقواله لاحتمالها للسهو والنسيان على قولكم ، وهو باطل قطعاً للاجماع على الاستدلال بها من غير فرق أصلاً ، ولاحتجاج أهل العصمة عليهم السلام بها في أحاديث متواترة تتضمّن استدلالهم بها على العامّة والشيعة ، وهو أظهر من أن يخفى ، وأكثر من أن يحصى ، والتبليغ يحصل بالمرّة الاُولى من القول والفعل على انّه يحتاج إلى ثبوت قصد التبليغ ، ولم ينقل ولا يمكن معرفة ذلك الآن قطعاً.

السابع عشر :

انّه إذا صدر منه فعل على سبيل السهو والنسيان ؛ فأمّا أن يجب اتّباعه ، وهو باطل قطعاً ، ومناف للغرض من نصبه ، وأمّا أن لا يجب اتّباعه ، وهو خلاف نصّ قوله تعالى ( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ) (6).

الثامن عشر :

انّه لو جاز عليه السهو والنسيان والخطأ والغلط كما تقولون ، لما قبلت شهادته وحده ، فضلاً عن دعواه لنفسه ، ولجاز تكذيبه ، وأقلّه التوقّف في تصديقه.

وقد ورد في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بيّنة في كتاب من لا يحضره الفقيه وغيره أحاديث دالّة على وجوب قتل من لم يقبل دعوى الرسول صلّى الله عليه وآله إلّا ببيّنة ، مع أنّ ذلك ليس من التبليغ قطعاً.

التاسع عشر :

انّه لو كان نصب النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام واجباً على الله سبحانه استحال عليهما الخطأ والسهو والنسيان مطلقاً ، والمقدّم حقّ فالتالي مثله.

بيان الشرطيّة : انّه لو جاز ذلك لجاز الخطأ في جميع عباداتهما ، وذلك فساد عظيم ، والله حكيم لا تجوز عليه المفسدة.

العشرون :

انّه لو جاز ذلك لأمكن وقوع اتلاف مال الغير منهما وغصبة نسياناً ولأمكن نسيانهما للحقّ الّذي في ذمّتهما ، بل يمكن حينئذ صدور القتل منهما لبعض المؤمنين نسياناً ووجوب الديّة عليهما ، وإذا ادّعى أصحاب هذه الحقوق يحتاج إلى إمام آخر يحكم عليهما ، ويدور أو يتسلسل ، وجميع ذلك باطل قطعاً.

الحادي والعشرون :

أنّه إذا وقع الشروع في مقدّمات القتل والنهب والغصب ونحو ذلك نسياناً ؛ فأمّا أن يجب الإنكار عليهما فيسقط محلّهما من القلوب ، فيصير الرئيس مرؤوساً ويحتاجان إلى غيرهما ، وأمّا ان لا يجب ، وهو خلاف النصّ والإجماع في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذا إذا تركا واجباً نسياناً.

الثاني والعشرون :

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة واجبة بالضرورة من الدين ، وأحقّ الناس بها النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام ، وليس ذلك من قسم التبليغ لاختصاصها بالآحاد والجزئيّات ، وظهور كون التبليغ بقواعد كلّية للأحكام الشرعية سلّمنا ، لكن الأمر والنهي باليد من ضرب وغيره خارج عن التبليغ قطعاً (7) ، وحينئذٍ يجوز عليهما السهو والنسيان والخطأ والغلط ، فيأمران بالمنكر وينهيان عن المعروف ، ولا يخفى فساده ، وبطلانه ضروري.

الثالث والعشرون :

انّ الجهاد عبادة لا تبليغ ، فيجوز عليهما على قولكم السهو والغلط والنسيان بأن يتركوا جهاد الكفّار ويجاهدوا المؤمنين ، بل المعصومين عليهم السلام ويقتلوهم عن غير عمد ولو بأن يرمى النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام رمحاً أو سهماً ليقتل كافراً فيخطىء أو ينسى فيصيب مؤمناً أو معصوماً ، وهكذا مرّة بعد اُخرى ، وهو أقوى فساداً ، ولا تفاوت في فساده بين العمد والخطأ ، ولا يرد أنّ الله يستحيل منه التخلية بين المعصوم وبين مثل هذا النسيان ، لأنّهما دعوى من غير دليل ، وإنّما تتمّ على قولنا على أنّ الله قد خلّى بين المكلّفين وبين تعمّد مثل ذلك.

 الرابع والعشرون :

انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لو لم يكن معصوماً من السهو والنسيان لما صلح أن يكون شهيداً على الناس ، لاحتمال نسيانه الشهاده ، فإنّها ليست من قسم التلٍبيغ مطلقاً ، فينافي قوله تعالى ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (8).

الخامس والعشرون :

الإمام يجب أن يخشى ، وإلاّ لانتفت فائدة بعثته والأمر بطاعته ، ولقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (9) ، ومن فعل معصية سهواً فهو ظالم ، وكذا كلّ من سها لأنّه وضع الشيء في غير موضعه ، والظالم لا يجوز أن يخشى لقوله تعالى : ( إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ ) (10).

السادس والعشرون :

لو جاز السهو والنسيان على المعصوم في غير تبليغ ، لجاز عليه تعدّي حدود الله سهواً ، وإذا صدر ذلك منه ، كان ظالماً لقوله تعالى : ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (11) ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (12) ، ولما تقدّم الظالم لا يناله عهد الإمامة لما مرّ.

السابع والعشرون :

لو جاز السهو والنسيان على المعصوم في غير التبليغ ، لجاز أن يقاتل المؤمنين ، بل المعصومين ويحاربهم نسياناً وسهواً ، وإذا جاز ذلك ، جاز للمؤمنين محاربته على وجه المدافعة ، لما تقرّر من أدلّتها العقليّة والنقليّة ، كقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) (13) وقوله : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) (14) وغير ذلك ، والأحاديث في ذلك كثيرة ، وإذا جار ذلك وأدّى إلى القتل ، كان قتله جائزاً ، بل واجباً ، وهو باطل قطعاً.

الثامن والعشرون :

لو جاز عليه السهو والنسيان ، لجاز عليه الكذب سهواً في غير التبليغ على قولكم ، وكلّ كاذب ظالم لقوله تعالى : ( فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (15) وبدلالة معناه اللغوي ، والظالم لا يكون إماماً لما مرّ ، ولا يظن انّ افتراء الكذب بمعنى التعمّد ؛ إذ هو غير مخصوص به لغة ، بل هو أعمّ كما يظهر من الصحاح وغيرها ، وتخصيصه بالعمد في قوله تعالى : ( أَفْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ) (16) كما ذكره بعض علماء المعاني لا يدلّ على خلاف ما قلناه ، لأنّه يمكن إرادة هذا المعنى هناك بقرينة المقابلة وسياق المقام كما لا يخفى.

التاسع والعشرون :

لو جاز ذلك على المعصوم ، لجاز نسيانه للحقوق التي في ذمّته من القرض وقيمة المبيعات وغير ذلك ، وإذا طلبوها جاز له أن يمنعهم منها لعدم علمه بثبوتها في ذمّته ، ومعلوم انّ ذلك خارج عن التلبيغ ، فيلزم أن يكون قد ظلم الناس حقوقهم ، فلا يكون إماماً لما تقدّم ، ومعلوم أنّ ترك الواجب هنا صادر عن عمد ، فيكون صدق الظلم أوضح ، والجهل ليس بموجب لعدم صدقه قطعاً.

الثلاثون :

انّ أقامة الحدود عبادة لا تبليغ ، وهو واضج ، فلو جاز عليه السهو والنسيان والغلط والخطأ في العبادة ، لجاز أن ينسى إقامة الحدود بالكلّيّة ، ولجاز تغييرها وتعدّي حدود الله وزيادتها ونقصانها ، بل إقامتها على غير مستحقّها حتى القتل نسياناً وغلطاً وسهواً ، وذلك يلزم منه غاية الفساد ، وينقض الغرض من نصب النبي والإمام.

الحادي والثلاثون :

انّه لو سها المعصوم في صلاة جماعة ، فاختلف عليه من خلفه ، فقال بعضهم : صلّيت ركعتين. وقال غيره : صلّيت أربعاً ؛ فأمّا أن يجب عليه أن يحكم بينهم ، ولا سبيل له إلى ذلك لجهله وعدم امكان الترجيح لاحتمال التساوي ، وأمّا أن لا يجب عليه ، فيجوز لهم التمادي في الخصومة ، وأن تنتهي إلى الحرب وقتل النفوس ، وهو فساد عظيم لا يجوز على الحكيم الأمر به ، ولا التعريض له على أنّه موجب لنقض الغرض من نصب المعصوم.

الثاني والثلاثون :

تلزم في الصورة المفروضة أنّه لا يجب عليهم أن يحكّموه فيما شجر بينهم ، لعدم قدرته على الحكم ، أو يجب عليهم ، وهو عبث يستحيل وجوبه ، والقسمان باطلان بقوله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (17) وغيرها.

الثالث والثلاثون :

انّه لو جاز على المعصوم السهو والنسيان ، لجاز أن يكون غير ضابط ، ويكون كثير السهو ؛ إذ لا فرق بين القليل والكثير في التجويز ، والفارق خارق للإجماع ، فإنّ مجوّز السهو لم يقيّده بالقلّة ، وكذا نافى السهو ، ولو جاز عليه ذلك لكان غير مقبول الشهادة ولا الرواية ، ولكان حاله أسوء من حال كثير من رعيّته ، فيلزم تقديم المفضول على الفاضل ، وهو باطل عقلاً ونقلاً.

الرابع والثلاثون :

انّ حديث جنود العقل والجهل ، وهو حديث الثاني المذكور سابقاً (18) يدلّ على انّه يمكن أن يترقّى غير المعصوم بسبب متابعة العقل ، والعمل بمقتضاة ، وكثرة العبادات ، واستعمال جنود العقل واكتسابها إلى حدّ ينتفي عنه السهو والنسيان ، وقد ذكروا في حقّ كثير من الفصحاء والفضلاء والعلماء نحو ذلك ، كما يظهر من كتب التواريخ والرجال فمنهم عبد الكريم بن أحمد بن طاوس (19) المذكور في الرجال أنّه ما دخل سمعه قط شيء ، فكاد ينساه ، وغير ذلك ، فيلزم على قول من جوّز السهو على المعصوم أن يكون هذا القسم كلّهم أفضل منه وأحسن حالا ، فيستحيل تقدّمه عليهم لما مرّ.

الخامس والثلاثون :

انّ كلّ فعل أو قول للنبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام حجّة ودليل على حكم من أحكام الشرع قطعاً ، وكلّ دليل يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلّا لم يكن دليلاً فقولهما وفعلهما يمتنع نقيضه ويستحيل كونه خطأ غير صواب ، وذلك يستلزم العصمة ونفي السهو مطلقاً.

السادس والثلاثون :

كلّ دليل عقلي أو نقلي دلّ على العصمة وهو أكثر من أن يحصى ، وناهيك بكتاب الألفين (20) وأمثاله ، ومعلوم أنّ العصمة تستلزم نفي المعصية عمداً وسهواً ، وتستلزم نفي السهو والنسيان مطلقاً ، كما يتبادر إلى الفهم من معناها لغة وعرفاً ، والتفصيل لا يمكن فهمه منها قطعاً ، ودليله غير تام كما ستعرفه ان شاء الله.

الهوامش

1. تنزيه الأنبياء : ١١٩.

 2. ليس في ب.

 3. في ج : المتابعة.

4. سورة البقرة : ١٢٤.

 5. في هامش ج : تأنيث المسند إلى لفظ الجميع باعتبار المضاف إليه. « منه رحمه الله ».

 6. سورة آل عمران : ٣١.

 7. في هامش ج : مطلقاً.

 8. سورة البقرة : ١٤٣.

9. سورة النور : ٦٣.

10. سورة البقرة : ١٥٠.

11. سورة الطلاق : ١.

12. سورة البقرة : ٢٢٩.

13. سورة البقرة : ١٩٤.

14. سورة البقرة : ١٩٠.

15. سورة آل عمران : ٩٤.

16. سورة سبأ : ٨.

 17. سورة النساء : ٦٥.

 18. تقدّمت تخريجاته في ص : ٨٣.

19. هو الشريف النقيب غياث الدين عبد الكريم بن جلال الدين أحمد بن سعد الدين إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله المعروف « الطاووس » ، ولد في الحائر الحسيني في شعبان سنة ٦٤٨ ه‍ ، ونشأ في مدينة الحلة المزيدية حيث كانت موطن آبائه ، وتوفّي بمشهد الإمام الكاظم عليه السلام سنة ٦٩٣ ه‍ ، وحمل نعشه إلى النجف الأشرف حيث مرقد أمير المؤمنين عليه السلام ودفن هناك.

قال عنه معاصروه : كان عالماً ، فقيهاً ، ذكياً ، امتاز بقوة حافظته ، فما دخل ذهنه شيء قط فنساه ، وحفظ القرآن وعمره إحدى عشرة سنة. « راجع في ترجمته : مجمع الرجال ٤ : ١٠٠ ، الحوادث الجامعة لابن الفوطي : ٤٨٠ ».

20. كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام للعلّامة الحلّي ، والذي ذكر فيه ما يقارب ألف وثمانية وثلاثون دليلاً في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

 مقتبس من كتاب التنبيه بالمعلوم