هل مشروعيّة تعدّد الزوجات معلّقة على العدل بين الزوجات ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

ورد في قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) [ النساء : 3 ] ، في الآية الشريفة مجموعة تساؤلات :

أ ـ تعدّد الزوجات رخصة معلقة على خوف عدم القسط ـ وهو العدل ـ في اليتامى ، فهل هذا صحيح ؟

ب ـ الرخصة المذكورة مستحيلة في آية أخرى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ... ) [ النساء : 129 ] ، فكيف جاز والحالة هذه زواج أكثر من واحدة ؟

ج ـ معلوم أنّ الله لا يحبّ الظلم لأحد ، ومعلوم أيضاً أنّ المرأة الأولى لا ترضى أن يتزوّج عليها زوجها ثانية ، وتحسّ بالظلم بل هو الظلم بعينه ـ كلّ إمرأة وكلّ حالة ـ فما هو تفسيركم لموقفها من هذا الحكم ؟

د ـ أنا أعرف أنّ هناك حالات تستدعي تعدد الزوجات لمكافحة النقص الحاصل من أثر الحروب ، ولكن الآن لا يوجد ما يستوجب ذلك ، فهل يعني أنّ تعدد الزوجات مشروط بظروف معيّنة ؟

هـ ـ المرأة قد تحتاج في حالات معيّنة اهتمام أكثر من رجل ، فكيف يرضى لها الشارع ربع رجل ؟

الجواب :

أ ـ ليس أصل تعدّد الزوجات معلّقاً على خوف عدم القسط في اليتامى بل إنّ نكاح النساء غير اليتامى معلق على خوف عدم القسط في نكاح اليتامى ، إذ إنّ الأقوياء من الرجال كانوا يتزوّجون النساء اليتامى طمعاً في أموالهم ، يأكلونها ثمّ لا يعدلون فيهنّ ، وربما يطلقوهن بعد أكل مالهنّ فلا يرغب بهنّ أحد ، وقد نهى القرآن عن هذه الحالة فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) [ النساء : 10 ]. فاشفق المسلمون على أنفسهم وخافوا خوفاً شديداً حتّى أخرجوا اليتامى من ديارهم خوفاً من الإبتلاء بأموالهم والتفريط فيها.

وقد سأل المسلمون النبي صلّى الله عليه وآله عن هذه الحالة الحرجة فنزلت آية : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ ... ) [ البقرة : 220 ] ، فأجاز لهم أن يؤوهم ويمسكوهم اصلاحاً لشأنهم ، ويخالطوهم فإنّهم إخوانهم ، ففرّج عنهم.

إذا اتّضح ما تقدّم ، فإنّ معنى الآية ـ والله أعلم ـ : اتّقوا أمر اليتامى ولا تبدّلوا خبيث أموالكم بطيب أموالهم ، أي لا تعطوهم مالكم الروئ وتأخذوا مالهم الطيّب ، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم حتّى إنّكم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمات ، فانكحوا نساء غيرهن.

وأمّا نكاح النساء فهو جائز مثنى وثلاث ورباع سواء كان من اليتيمات مع عدم خوف عدم القسط فيهنّ أو من غيرهنّ مع خوف عدم القسط فيهنّ.

ب ـ إنّ آية النساء رقم « 3 » يوجد في ذيلها : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) ، ومعنى ذلك أنّ الخوف من عدم العدل بين الزوجات المتعددات يوجب عدم جواز التعدّد وهذا الأمر صحيح ، لأنّ العدل المراد هنا هو إعطاء حقوق الزوجات من مسكن ولباس وطعام حسب ما فرضه الله للزوجات وهذا أمر ممكن ومقدور عليه ، فإن خاف الزوج من عدم هذا العدل بأن لا يوصل إلى الزوجات ما يلزمهنّ من طعام وكساء ومسكن فلا يجوز له تعدّد الزوجات ، وأمّا إذا تمكّن من ذلك ولم يخف من عدم العدل بهذا المعنى فالتعدّد له جائز.

وهذا أمّا يسمّى بالعدل التقريبي العملي الذي لا يوجد فيه ظلم للزوجات ولا تقصير في حقوقهنّ ولا يميل كلّ الميل إلى واحدة ويذر الأخريات معلقات.

وأمّا الآية القائلة : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... ) [ النساء : 129 ] ، فهي بمعنى أنّ العدل الحقيقي بين النساء وهو اتّخاذ حالة الوسط حقيقة ممّا لا يستطاع للإنسان تحقيقه ولو حرص عليه ، فالمنفي هو العدل الحقيقي في هذه الآية ، خصوصاً تعلّق القلب بالنساء ، فإنّه ليس اختياريّاً فلا يتمكّن أن يحبّ الزوجات بحدّ سواء فهو غير قادر على ذلك ، لأنّه ليس اختياريّاً له.

أمّا العدل الممكن الذي اُشير إليه في آية رقم « 3 » وهو ممكن فهو العدل التقريبي ، فإذا أعطى الزوجات حقوقهن الشرعيّة من غير تطرّف فهو قد عدل بينهنّ ، فيجوز له أن يتزوّج الثانية والثالثة والرابعة.

والخلاصة : إنّ الآية : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ) لا تنفي مطلق العدل حتّى ينتج بانضمامه إلى قوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) إلغاء تعداد الزواج في الإسلام كما قيل ، وذلك لأنّ ذيل الآية يدلّ على أنّ المنفي هو العدل الحقيقي الواقعي بينما المشرّع لجواز تعدّد الزوجات هو العدل التقريبي : « اعطاء حقوق الزوجات من مسكن وطعام ولباس » ، وهو ممكن ، فلا تنافي بين الآيتين أصلاً ، وذيل الآية هو : ( فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ... ) [ النساء : 129 ] ، فإنّ هذا الذيل جاء بعد : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) مباشرة ، فمعنى الآية هو :

1 ـ إنّ العدل الحقيقي بين الزوجات غير ممكن.

2 ـ الواجب في العدل بين الزوجات هو التقريبي ، أيّ عدم الميل كل الميل الى إحدى الزوجات فيذر الأخرى مثل المعلقة ، لا هي ذات زوج فتستفيد من زوجها ولا هي أرملة ، فتتزوّج وتذهب لشأنها.

ج ـ إنّ الله لا يحبّ الظلم ، ولكن معنى الظلم هو التعدّي على حقوق الآخرين أو أموالهم. ولكنّ الله سبحانه وهو الأعلم بمصالح العباد هو الذي قرر أنّ الزوج له حقّ أن يتزوّج بأكثر من زوجة بشرط أن يعطي حقّ الزوجة من المأكل والملبس والمسكن ، والمعاشرة بالمعروف ، والمبيت ليلة من أربع ليال عندها ، وغيرها من حقوق الزوجيّة ، ونفترض أنّ الزوج قد قام بهذه الحقوق كاملة ، ولكنّه يحتاج إلى زوجة ثانية ، يقوم بحقوقها أيضاً ًكاملة ، فلا ظلم ولا تعدّي على حقوق الزوجة الأولى ولا الثانية أصلاً.

نعم المرأة الأولى قد لا ترضى بزواج الزوج ثانية ، وقد لا ترضى بزواجه ثانية حتّى إذا كانت هي قد ماتت أيضاً ، إلّا إنّ عدم رضاها ليس هو ميزان ظلمها.

خذ إليك هذا المثال : إذا كان زيد الأجنبي لا يرضى بزواج عمرو من هند أو لم ترضَ اُخت عمرو بزواج عمرو من هند ، وقد تزوّج عمرو بهند على كتاب الله وسنّة الرسول فهل يكون هذا الزواج ظلماً لزيد ؟!! أو ظلماً للأخت ؟!! طبعاً لا يكون ظلماً ، لأنّه ليس فيه أيّ تعدّي على زيد أو على الاُخت أصلاً ، فكذلك زواج الزوج بزوجة ثانية إذا كان قد أعطى حقوق الزوجة الاُولى فهو ليس ظالماً لها ، وإن لم ترضَ بهذا الزواج الثاني.

د ـ إن حكم الشارع بجواز تعدد الزوجات حكم عام ليس مختصّاً بحالة معيّنة. نعم قد تفرق بعض الحالات التي تستوجب الزواج الثاني للرجل ، مثل الحروب التي تقضى على الرجال وتبقى النساء بحاجة إلى زواج مع قلّة الرجال ، وقد يكون الرجل بحاجة إلى زوجة ثانية لقوّة شهوته الجنسيّة بحيث لا تكفيه الواحدة ، إلّا أنّ هذه الحالات هي بعض حكمة الحكم الشرعي.

وأمّا علّة الحكم التي بسببها قد شُرّع الحكم فلا يعرفها إلّا الله الذي شرّع الزواج الثاني والثالث والرابع ، لأنّه هو الذي خلق هذا البشر وهو العالم بما يحتاج إليه هذا البشر من أحكام قد شرّعها له وأوجب عليه تطبيقها.

هـ ـ نعم المرأة في حالات معيّنة قد تحتاج إلى أكثر من رجل ، وهذا أمر ممكن بوجود زوجها وأولادها وإخوتها وأبيها وأعمامها وأخوالها فليس احتياج أكثر من رجل معناه لا بديّة أنّها تحتاج إلى أكثر من زوج في وقت واحد.

ثمّ إنّ احتياجها إلى الزوج ليس معناه أنّ زوجها إذا تزوّج زوجات أخرى ـ أربعة ـ ، فهو ربع رجل بل حتّى وإن تزوّج زوجات أربع ، فهو رجل كامل يجب عليه تلبية احتياجاتها بالمعروف.

 
 

التعليقات   

 
# moon 2021-12-20 05:39
الحمد لله
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
# Jinan 2019-09-16 13:08
فالاية الكريمة تتحدث عن حال اليتامى. اي اعتقد والله اعلم ان الآية تتحدث عن زواج أمهات اليتامى اي الأرامل. فحث الله على زواج الأرامل اللواتي لديهن يتامى لكي يصانوا ويعيشوا في كنف رجل هن واطفلهن اليتامى وان كان له زوجة أخرى. ويحق له الزواج بأكثر من ارملة بشرط العدل.
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
+4 # سعاد 2016-01-10 21:50
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
انا مؤمنه بالله ومؤمنه بأن الله هوا اعلم بنا من انفسنا
ولكن السؤال الذي حيرني
كما تفضلت وقلت ان الله يعلم ان الرجل بحاجه للتعدد وانه لحكمه ...الخ
سؤالي
الله يعلم ان هذا الشيء شديد جدا ومنفر للمرأه وفطرتها التي فطرها الله عليها لا تقبل هذا الامر وهو قاهر لها
فلماذا فرضه الله سبحانه ؟
فرضه الله لان الرجل بحاجه له
طيب و المرأه ؟؟؟ فطرتها ترفض ذالك
اليس هذا يعتبر فيه نوعا من الظلم وعدم العدل للمرأه ويوجب عليها ان تتقبل شيئا يقهرها وامرا لاتطيقه ؟ لماذا لم يفرض الله شيئا يتقبله الطرفين ؟؟
اعيد صياغة سؤالي:-
لماذا فرض الله التعدد وهوا يعلم سبحانه ان هذا الامر شديد على المرأه وامر قاهر لها ولقلبها ومشاعرها
وقد تصل الى بعض الاحيان ان بعض الزوجات تموت قهرا او تتضرر نفسيا وتصبح حركاتها غير متزنه او تصاب بأمراض كالضغط والسكر والقولون العصبي وغيرها من خلال هذا الامر ؟ الم يكن قادرا سبحانه على ان يفرض امرا يكون مرضي للطرفين معا ويكون العدل ؟

انا اتكلم عن خلفيه
فقد عشت في بيت ابي وهوا معدد
وامي هي التي زوجته
لكن بعد ان اخرجته من قلبها ولم تعد تكترث لامره

وهذا ما اقصده
انها لم تستطع فعل ذالك الا بعد ان اخرجته من حياتها وقلبها بالكليه ولانها حفظت له العشره الزوجيه التي عاشتها معه فقط
ولكنني اذكر ماذا حل بأمي من عناء وشقاء في بداية الامر الى ان اخرجت ابي من قلبها
ولازلت ارى المشاكل التي تحدث بين زوجات ابي الاخريات من غيره ومشاكل ومضاربات وكيد
الخلاصه :-
ان ابي لم يستفيد شيئا ولا امي ايضا سوى وجع الراس
فابي بدل من ان يستقر في حياته مع زوجته الاولى
تزوج الثانيه والثالثه والرابعه واصبح مشغولا في المشتريات والمقاضي والاطفال الجدد والمشاكل التي تحدثها الحريم والاصلاح بين هذي وهذي واذا احضر شيئا للثانيه تقول له الثالثه انت تحبها هي فقط لماذا لم تحضر لي .... ....الخ
تستطيع ان تقول ان ابي استقاد فقط من الناحيه الجنسيه فقط وانه مثل ما يقال ( شكل وغير )!
اما كتحقيق طموحات وتربية اطفال ومراقبتهم وانشاء اسره فعاله وامال عاليه اعلى بكثير من الشهوه والامور الدنيويه لم يحدث للاسف
بل انني اذكر ان ابي قبل ان يعدد كان اماما للمسجد وكان داعية يلقي الخطب ويوعظ الناس وله اعمال خير كثيره وكنا نجتمع كل يوم في حلقة ذكر نتذاكر كتابا اسمه رياض الصالحين
ولكن بعد زواجه انشغل في امور دنيويه تافهه
والله المستعان
ارجوا المعذره على الاطاله
ولكنني فعلا احتاج الاجابه
فأنا أؤمن بأن الله هو احكم الحاكمين و هو العدل الحكيم

وقال الله :- (فسألو اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) ولهذا اسألكم انتم
وجزاكم الله خيرا
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
+3 # السيد جعفر علم الهدى 2016-03-20 09:53
الكثير من الأحكام الإسلاميّة لم تشرع لملاحظة مصلحة فرد خاصّ وانّما شرّعت لأجل المصالح والمتطلّبات العامّة ، وبعبارة اُخرى صدرت بعض الأحكام الشرعيّة لأجل تحقيق سعادة المجتمع البشري ودفع احتياجاته ومسألة تعدّد الزواج من هذا القبيل ، فالشارع المقدّس نظر إلى أن المجتمع البشري لا يسوده الصلاح والسعادة والسكون والارتياح إلّا بتشريع مثل هذا الحكم.
ولعلّ وجه الحكمة في ذلك انّ عدد النساء في كلّ مجتمع يفوق عدد الرجال ، بسبب طبيعة عمل الرجال ولأجل الحروب والقتال ، ومن الطبيعي انّ كثيراً من النساء يقعن في الحرمان من الأزواج وبالنتيجة الحرمان من الحياة العائليّة وتربية الأولاد والعطف والحنان عليهم ، فلأجل مراعاة حقوق أمثال هذه النساء جوّز الشارع المقدّس تعدّد الزواج.
مضافاً إلى أنّه يمنع من وقوع الفساد الأخلاقي والزنا في المجتمع البشري ، لأنّ الكثير من النساء لا يصبرن على الحرمان من ناحية الجنس وكذلك يصبرن على الفقر ، فيبعن أنفسهنّ لأجل القوت ، فالحكم بجواز تعدّد الزواج حكم لصالح نوع المرأة وان كان فيه خلاف مصلحة الزوجة الاولى ، بل قد يكون لمصلحة الزوجة أيضاً ، فلو كانت الزوجة باردة ولا تهتمّ بأمر الجنس فالزوج امّا ان يطلّقها ويتزوّج بامرأة تستجيب لرغباته وامّا ان يبقيها ويتزوّج عليها ، ومن المعلوم انّ الثاني أولى لأنّها تبقى في ذمّة الزوج وتحت رعايته ويجب عليه الإنفاق عليها.
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

النكاح

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية