السؤال :
ما الدليل الصريح من كتاب الله على أحقيّة الأئمّة بامتلاك الولاية التكوينيّة ؟ حيث ذكرت معجزات من هم أقلّ منهم منزلة ، وهم الأنبياء في القرآن ؟ فأين ولاية الأئمّة التكوينيّة في القرآن ؟
الجواب :
أوّلاً : القرآن الكريم إنّما تعرّض لمعجزات الأنبياء والرسل ، لأنّهم كانوا في الأُمم السابقة ، والقرآن يحدّثنا عن قصصهم وقصص أُممهم ليكون عبرة وموعظة لنا ، ولأجل أن يبيّن للناس أن رسالة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونبوّته ليس شيئاً جديداً ، وإنّما هو إمتداد لخطّ الأنبياء والرسل : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ ) [ الأحقاف : 9 ].
أمّا الأئمّة الأطهار عليهم السّلام فهم أوصياء وخلفاء النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وإذا ثبت نبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ورسالته بالدلائل والمعجزات ، فمن الطبيعي أن يثبت إمامتهم وولايتهم وخلافتهم بالتنصيص من قبل الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
أمّا الكرامات والمعاجز التي صدرت منهم فهي أمور متأخّرة عن نزول القرآن ، وليس بناء القرآن الكريم على الإخبار بكلّ ما سيتحقّق في المستقبل . نعم ، بعد صدور الكرامات من الأنبياء والرسل ، وثبوت الولاية التكوينيّة لهم يكون ثبوتها في حقّ الأئمّة الأطهار عليهم السّلام ممكناً وغير مستحيل عقلاً بل يثبت صدورها منهم ، لأنّهم أفضل من الأنبياء والرسل ، كما نطقت به الروايات المتواترة إجمالاً. هذا مع قطع النظر عن الآيات المفسَّرة والنازلة في حقّ أهل البيت عليهم السّلام ، وإلا فثبوت الولاية التكوينيّة للأئمّة عليهم السّلام مذكور في آيات كثيرة ولو بالدلالة الالتزاميّة منها ، قوله تعالى : ( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) [ الرعد : 43 ] ، وقد فسَّرت هذه الآية في روايات أهل البيت عليهم السّلام ، وفي جملة من روايات أهل السنّة بأنّ المراد هو علي بن أبي طالب عليه السّلام ، وبناء على ذلك ، إذاكان لآصف بن برخيا ـ الذي كان له علم من الكتاب ـ الولاية التكوينيّة ، فقد أتى بعرش بلقيس إلى سليمان في طرفة عين بالولاية التكوينيّة التي منحها الله إيّاه ، فالذي عنده علم الكتاب كلّه ، وهو أمير المؤمنين عليه السّلام أولى بأن يكون له الولاية التكوينيّة ، بل ولايته أوسع وأعظم منه ، وقس على ذلك سائر الآيات والروايات ، بل وردت روايات من طرفنا أنّ الأنبياء والرسل كانوا يتوسّلون بمحمّد وآل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في مواضع الاضطرار ، فينصرهم الله ، ويجري على أيديهم المعاجز والكرامات.
ففي حديث رواه الطبرسي في الاحتجاج عن معمّر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : أتى يهودي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقام بين يديه يحدّ النظر إليه فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يايهودي ما حاجتك » ؟
قال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبيّ الذي كلّمه الله ، وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر ، وأضلّه بالغمام ؟
فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ، ولكنّي أقول : إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهم أنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا غفرت لي ، فغفر الله له.
وإنّ نوحاً لمّا ركب السفينة وخاف الغرق قال : اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا انجيتني منها ، فنّجاه الله.
وإنّ إبراهيم لمّا ألقي في النار قال : اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا انجيتني منها ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.
وإنّ موسى لمّا أُلقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا آمنتني ، فقال الله جلّ جلاله : ( لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ) [ طه : 68 ].
يا يهودي : إنّ موسى لو أدركني ، ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئاً ، ولا نفعته النبوّة.
يا يهودي : ومن ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته ، وقدّمه وصلّى خلفه ».
وثانياً : لو كان القرآن الكريم يصرح بإمامة الأئمّة الإثنى عشر ، وبثبوت الولاية التكوينيّة لهم لكان الناس يرتدّون على أدبارهم كفّاراً ، أو كانوا يحرّفون القرآن الكريم ، لأنّ أغلب القوم كانوا منحرفين عن خطّ أهل البيت عليهم السّلام لما كان في قلوبهم من أحقاد بدريّة وحنينيّة وخيبريّة وأُحديّة تجاه علي بن أبي طالب عليه السّلام وأولاده ، وهو الذي قتل آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وأعمامهم وأبناء عشرتهم في الغزوات والحروب ، فكانوا حتّى المؤمن منهم لا يطيق تحمّل خلافة عليّ وأولاده عليهم السّلام ، كما صرحت بذلك الزهراء المعصومة عليها السّلام : « وما نقموا من أبي الحسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلّ ».
التعليقات
حسب علمي الذي استقيته من تدبر كلام الله، القرءان الكريم، أن المراد من الولاية التكوينية هي من عالم ، الأمر، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، }... وأمر الله هو الذي يتنزل على عباد الله الصالحين،، والمثل الذي ذكر في القرءان الكريم، هو العبد الصالح مع نبي الله موسى، بعد كل ما عمل، قال وما فعلت ذلك عن أمري.
والأمر قد استعمل في القرآن الكريم في معانٍ متعدّدة ولا يختصّ بالولاية التكوينيّة ، بل في كلّ مورد لابد أن نحمل لفظ الأمر على المعنى الذي يناسبه بحسب الظهور أو القرائن اللفظيّة أو العقليّة ، ومن معاني الأمر في القرآن الكريم وغيره :
1. الإبداع والخلق : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) [ الأعراف : 54 ] ، ( وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) [ فصلت : 12 ] ، ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) [ القمر : 50 ].
2. الشأن وجمعه امور : ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) [ هود : 123 ] ، ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا ) [ آل عمران : 154 ] ، ( وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) [ الكهف : 10 ].
3. الطلب سواء كان بلفظ افعل وليفعل او بجملة خبريّة ونحو ذلك : كقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ النور : 63 ] ، ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) [ البقرة : 27 ].
4. الدعاء : كقوله تعالى : ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ ) [ غافر : 44 ].
5. ولاية الأئمة الأطهار عليه السلام : « في الحديث رجل عرف هذا الأمر ».
6. القيامة : ( يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ) [ البقرة : 109 ].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة