غزوات الإمام علي عليه السلام مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم

البريد الإلكتروني طباعة

غزواته مع الرسول

السلام عليك يا أمير المؤمنين

كانت هجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بداية عهد جديد للدعوة إلىٰ الله عزَّ وجلَّ، وقد دخل الاسلام القسم الأعظم من أهل المدينة المنوَّرة ، فيما أصرَّ بعضهم بادئ الأمر علىٰ الشرك.

أمَّا قريش فقد بدأت بالتحرُّك السريع لإرهاب المسلمين .. وكان من الطبيعي أن لا يقف النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من تلك التحدِّيات والتحرُّشات موقف المتخاذل الضعيف ، فجعل يرسل السرايا لمطاردتهم ، أو لقطع الطريق علىٰ تجارتهم .. وظلَّ علىٰ تلك الحال حتَّىٰ أمر الله سبحانه وتعالىٰ نبيَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بقتال المشركين ، وليكون لهم بالمرصاد ، فكانت حروب وغزوات كثيرة ، بلغت في حياة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نحو ثمانين غزوة ، وليس في كلِّها كانت تقع حروب أو مناوشات ، لأنَّ الكثير منها كان عبارة عن سرايا استطلاعية يبعثها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في أطراف المدينة أو بعض النواحي التي يحتمل تسلُّل الأعداء منها.

وكان عدد الغزوات التي خرج فيها الرسول بنفسه ٢٧ غزوة ، وقع القتال في ٩ منها ، وهذه الغزوات هي التي اشتهرت في تاريخ الإسلام دون سواها.

وفي كلِّ الغزوات التي خرج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان عليٌّ عليه السلام معه ، لم يفارقه في واحدة ، إلَّا في غزوة تبوك ، لأمر أراده الله ورسوله ، سيأتي تفصيله في محلِّه ، وفي كلِّ تلك الغزوات كان لواء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد عليٍّ عليه السلام (1).

فلنقف بإيجاز علىٰ بعض مواقف وأدوار الإمام عليٍّ عليه السلام في الغزوات والحروب :

غزوة بدر الكبرىٰ :

وهي أول معركة يحارب فيها الإمام عليٌّ عليه السلام كما أنَّ معركة بدر هي أول حروب نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وبدر اسم بئر كانت لرجل يدعىٰ بدراً ، وتقع في مكان بين مكَّة والمدينة وتبعد عنها ١٦٠ كم علىٰ التقريب (2).

وقيل : بين بدر والمدينة ثمانية بُرُد وميلان (3).

وكانت هذه الوقعة يوم الجمعة ، لثلاث عشرة بقين من شهر رمضان (4) ، أي في السابع عشر منه ، وقيل : يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت منه علىٰ رأس تسعة عشر شهراً من مهاجره (5) ، وقيل : في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك السنة الثانية من الهجرة (6).

وجاء في سبب هذه الغزوة : أنَّ أبا سفيان قدم من الشام بقافلة قريش ، تحمل أموالاً طائلة ، فخرج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ليقطع الطريق عليها ردَّاً علىٰ تحدِّياتها وتحرُّشاتها التي كانت تقوم بها بين الفينة والأُخرىٰ ، وشاءت الأقدار أن يعرف أبو سفيان بأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فغيَّر طريق القافلة ونجا بها ، وأرسل إلىٰ قريش يعلمها بالأمر ..

فاستبشرت لقتال محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وخرجت بجيش قوامه ألف رجل ـ علىٰ أصحِّ التقادير ـ وأخرجوا معهم القيان والدفوف ، وبلغت النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أخبارها واستعدادها للقتال ، فاستشار أصحابه في الأمر وأحبَّ أن يكونوا علىٰ بصيرة من أمرهم ، فوقف عمر بن الخطَّاب يحذِّره من قريش ، إذ يقول : والله إنَّها ما ذلَّت منذ عزَّت ، ولا آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلِّم عزَّها أبداً ولتقاتلك ، فتأهَّب لذلك أهبته وأعدَّ له عدَّته.

ووقف بعده المقداد فقال : يا رسول الله امضِ لأمر الله فنحن معك ، ولا نقول لك ، كما قالت بنو اسرائيل لموسىٰ : ( فَاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلأ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُون ) ، بل نقول لك : اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكم مقاتلون ، والذي بعثك بالحقِّ لو سرت بنا إلىٰ برك الغماد (7) لسرنا معك ، فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ومضىٰ نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في طريقه إلىٰ بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وقيل بأقل من ذلك ، منهم من المهاجرين واحد وثمانون ، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً (8) ، وكان معهم فرسان وسبعون بعيراً ، فبعث عليَّاً عليه السلام وسعد بن أبي وقَّاص وبسبس بن عمرو يتجسَّسون له الأخبار ، وقال : « أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب التي تلي هذا الضريب » فاندفعوا باتجاهه فوجدوا علىٰ القليب روايا قريش ، فأسروا ثلاثة منهم ، واستطاع الفرار رجل اسمه عجير فأخبر قريشاً ، بخبر محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه ..

وقبل أن يقع القتال أنزل الله علىٰ نبيِّه : ( وَإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) (9) فوقف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الطرفين يخاطب قريشاً بأُسلوب يلهب المشاعر : « ارجعوا ، فلأن يلي هذا الأمر منِّي غيركم أحبُّ إليَّ من أن تلوه أنتم ».

فأصاب كلامه مكاناً في نفس عتبة بن ربيعة ، أحد قادتهم وأبطالهم ، فقال لقريش : ما ردَّ هذا قومٌ قط وأفلحوا ، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ، إنَّ محمَّداً له آل وذمَّة وهو ابن عمِّكم فخلُّوه والعرب ، فإن يك صادقاً فأنتم أعلىٰ عيناً به ، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره. لكنَّ أبا جهل أبىٰ إلَّا القتال ، ووصف موقف عتبة بالجبن والخوف ، وظلَّ يلاحق عتبة حتَّىٰ استفزَّه.

ودفع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رايته إلىٰ عليٍّ ، وكان عمره يوم ذاك ٢٥ سنة ، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، ودعوا المسلمين إلىٰ البراز ، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار : وهم من بني عفراء : معاذ ومعوذ وعوف (10) ، فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده ، ترفَّعوا عن مقاتلتهم ، وطلب عتبة من النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يرسل له الأكفَّاء من قريش.

فالتفت نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلىٰ بني عمومته ، وأحبَّ أن تكون الشوكة ببني عمِّه وقومه وقال : « قم يا عبيدة بن الحارث ، قم يا حمزة بن عبد المطَّلب ، قم يا عليَّ بن أبي طالب » فقاموا مسرعين ، يهرولون بين الجيشين علىٰ أقدامهم ، بقلوب ثابتة ، عامرة بالإيمان ، ووقفوا أمام القوم ، فقال عتبة : تكلَّموا نعرفكم ، وكان عليهم البيض ، فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطَّلب : أسد الله ، وأسد رسوله ، فقال عتبة : كُفءٌ كريم ، وأنا أسد الحلفاء ، من هذا معك ؟ قال : عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث ، قال : كُفآن كريمان (11).

فبرز عبيدة بن الحارث ـ وكان عمره سبعين سنة ـ إلىٰ عتبة بن ربيعة ـ وقيل شيبة (12) ـ فضربه علىٰ رأسه وضرب عتبة عبيدة علىٰ ساقه فقطعها ، وسقطا معاً ، وحمل عليٌّ عليه السلام علىٰ الوليد ـ وكانا أصغر القوم سنَّاً ـ فضربه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام علىٰ حبل عاتقه ، فخرج السيف من أبطه ، وحمل حمزة علىٰ شيبة فتضاربا بالسيف حتىٰ انثلما ، فاعتنق كلُّ واحد صاحبه ، وكان حمزة أطول من شيبة ، فصاح المسلمون : يا علي ، أما ترىٰ الكلب قد بهر عمَّك ، فأقبل عليهما ، فقال عليٌّ : « طأطأ رأسك يا عم » فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة ، فضربه الإمام علىٰ عنقه فقطعها ، ثُمَّ كرَّ عليٌّ عليه السلام وحمزة علىٰ عتبة فأجهزا عليه ، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول ، فاستعبر وقال : « ألستُ شهيداً يا رسول الله ؟ » قال : « نعم ».

قال : « لو رآني أبو طالب لعلم أنَّنا أحقُّ منه بقوله :

ونُسْلمه حتَّىٰ نصرَّع حولهُ

 

ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ » (13)

ولم يلبث بعدها إلّا يسيراً ، وهو أول شهيد من المسلمين في تلك المعركة.

وبرز بعدهما حنظلة بن أبي سفيان إلىٰ عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمَّا دنا منه ضربه عليٌّ بالسيف ، فسالت عيناه ، وسقط كالذبيح علىٰ رمال بدر ، ثُمَّ أقبل العاص بن سعيد بن العاص يطلب البراز ، فبرز إليه عليٌّ عليه السلام وقتله.

ولمَّا رأت مخزوم كثرة القتلىٰ من المشركين ، أحاطوا بأبي جهل خوفاً عليه ، وألبسوا لامة حربه عبد الله بن المنذر ، فصمد له عليٌّ عليه السلام وقتله ، ثُمَّ ألبسوها الفاكه بن المغيرة ، فقتله حمزة وهو يظنُّه أبا جهل ، وألبسوها بعدهما حرملة بن عمرو فقتله عليٌّ عليه السلام أيضاً ، وأبىٰ أن يلبسها أحد بعدما رأوا صنيع عليٍّ وحمزة ..

ثمَّ التحم الجيشان ، ودار بينهما أعنف قتال ، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام.

وقَتَلَ عليٌّ عليه السلام ـ فيمن قتله يوم ذاك ـ نوفل بن خويلد ، وكان من شياطين قريش ، وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قال فيه : « اللَّهمَّ اكفني ابن العدوية » وخرج نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من العريش، ولم يبقَ فيه غير أبي بكر، ولم يرد له ولعمر بن الخطَّاب ذكر مع الذين اشتركوا في القتال ..

واشترك النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مع المسلمين ، وكبرياء مشركي قريش تتهاوىٰ تحت الأقدام ، ثمَّ أخذ كفَّاً من التراب ورمىٰ به إلىٰ جهة المشركين قائلاً : « شاهت الوجوه ، اللَّهمَّ ارعب قلوبهم » فانهزموا تاركين أمتعتهم وأسلحتهم ، وانجلت المعركة عن مقتل سبعين رجلاً من مشركي قريش ، وكانوا سادات قريش وأبطالها ، وأُسر منهم سبعون رجلاً ، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً .. ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.

وانطوت صفحة التاريخ معربة عن أول انتصار حقَّقه المسلمون علىٰ صعيد المعارك ، وتجلَّت هذه الانتصارات ببطولات بني هاشم لا سيَّما الإمام علي عليه السلام ، الذي كان متعطِّشاً لحصد أشواك الشرك وإلقائها تحت الأقدام ..

أحصت بعض مصادر التاريخ من قتلهم عليٌّ ٣٥ رجلاً ، ذكرتهم بعض المصادر بأسمائهم (14).

ومن كلام الإمام عليه السلام لمعاوية : « وعندي السيف الذي اعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد » (15) !

غزوة أُحد :

أخذ المشركون يعدُّون العدَّة للثأر ، واستطاعوا أن يؤلِّفوا جيشاً كبيراً ، يضمُّ ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل ! وتبرَّع أبو سفيان بأموال طائلة لتجهيز هذا الجيش الذي قاده بنفسه ، وقبل أن تخرج قريش إلىٰ أُحد بعث العبَّاس بن عبد المطَّلب إلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يخبره بكيد قريش واستعدادها.

وبدأ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من ساعة وصول الرسالة يستعدُّ لملاقاة الجيش الزاحف نحوهم ، وكان ذلك في شوال ، في السنة التالية لمعركة بدر.

خرج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في ألف رجل أو يزيدون قليلاً ، وكان الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام حامل لوائه ، ووزَّع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الرايات علىٰ وجوه المهاجرين والأنصار ، ولمَّا كان بين المدينة وأُحد ، عاد عبد الله بن أُبي ـ رأس النفاق ـ بثلث الجيش قائلاً : علامَ نقتل أنفسنا ؟! ارجعوا أيُّها الناس ، فرجع وبقيَ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبعمائة.

ومضىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بجيشه البالغ سبعمائة رجلٍ حتىٰ بلغ أُحداً ، فأعدَّ أصحابه للقتال ، ووضع تخطيطاً سليماً للمعركة ليضمن لهم النصر بإذن الله ، ثُم جعل أُحداً خلف ظهره ، فجعل الرماة علىٰ جبل خلف عسكر المسلمين وهم خمسون رجلاً ، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير ، وقال لهم : « احموا ظهورنا ولا تفارقوا مكانكم ، فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشاركونا ، فإنَّما نؤتىٰ من موضعكم هذا » (16).

ولمَّا التحمت المعركة تقدَّم طلحة بن أبي طلحة ـ وكان يدعىٰ كبش الكتيبة ـ وصاح : من يبارز ؛ فخرج إليه عليٌّ عليه السلام ، وبرزا بين الصفَّين ، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالس في عريش أُعدَّ له يشرف علىٰ المعركة ويراقب سيرها ، فقال طلحة : مَنْ أنت ؟ قال : « أنا عليُّ بن أبي طالب » فقال : لقد علمت أنَّه لا يجرؤ عليَّ أحدٌ غيرك ، فالتحمت سيوفهم ، فضرب عليٌّ عليه السلام رأس عتبة ضربة فلق فيها هامته ، فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يُسمع مثلها ، وسقط اللواء من يده ، ووقع يخور في دمه كالثور ، وقيل : ضربه فقطع رجله ، فسقط وانكشفت عورته ، فناشده الله والرحم فتركه (17).

فكبَّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون ، وتقدَّم بعده أخوه عُثمان بن أبي طلحة ، فحمل عليه حمزة بن عبد المطَّلب ، فضربه بسيفه ضربةً كانت بها نهايته ، ورجع عنه يقول : أنا ابن ساقي الحجيج.

وأخذ اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد بن أبي طلحة ، فحمل عليه عليٌّ عليه السلام فقتله ، ثُمَّ أخذ اللواء أرطأة بن شرحبيل ، فقتله عليٌّ عليه السلام أيضاً ، وأخذ اللواء بعد ذلك غلام لبني عبد الدار ، فقتله عليُّ بن أبي طالب عليه السلام.

وذكر المفيد في إرشاده : أنَّ أصحاب اللواء كانوا تسعة ، قتلهم عليُّ بن أبي طالب عن آخرهم ، وانهزم القوم (18).

وتؤكِّد أكثر الروايات أنَّه بعد أن قُتل أصحاب الألوية والتحم الجيشان ، لم يتقدَّم أحد من عليٍّ عليه السلام إلَّا بعجه بسيفه أو ضربه علىٰ رأسه ، ففلق هامته وأرداه قتيلاً ، وانكشف المشركون لا يلوون علىٰ شيء ، حتىٰ أحاط المسلمون بنسائهم ، ودبَّ الرعب في قلوبهم ، ولو أراد المسلمون أن يأسروا هنداً ومن معها ما وجدوا من يمنعهم من ذلك.

وإنَّ النصر الذي تهيَّأ للنبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أُحد لم يتهيَّأ له في موطنٍ قطّ ، وظلَّ النصر إلىٰ جانب المسلمين ، حتَّىٰ عصوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وانصرفوا إلىٰ الغنائم.

فقد أُصيب المسلمون من قبل الرماة الذين وضعهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من ورائهم ، ليحموا ظهورهم بالنبال إن هجم المشركون من جهة الجبل ، لكن لمَّا انهزم المشركون لا يلوون علىٰ شيء ، نزل الرماة من علىٰ الجبل ، بعد أن نظروا إلىٰ اخوانهم المسلمين ينتهبون الغنائم ، وردعهم أميرهم عبد الله بن جبير ، فأبوا الرجوع ، ثُمَّ انطلقوا للسلب والنهب ، ولم يبقَ مع ابن جبير إلَّا عشرة رجال.

ولمَّا رأىٰ خالد بن الوليد أنَّ ظهر المسلمين قد خلا ، كرَّ في مئتي فارس ، علىٰ من بقي مع ابن جبير فأبادهم ، وقُتل ابن جبير بعد أن قاتل قتال المستميت ، وتجمَّع المشركون من جديد ، وأحاطوا بالمسلمين من خلفهم ، وهم غافلون لنهب الغنائم ، واستدارت رحاهم وحالت الريح فصارت دبوراً ، وما أحسَّ المسلمون إلَّا والعدو قد أحاط بهم واختلط بينهم ، وأصبحوا كالمدهوشين ، يتعرَّضون لضرب السيوف وطعن الرماح من كلِّ جانب ، وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً ، واشتدَّ عليهم الأمر حتَّىٰ قتل بعضهم بعضاً من حيث لا يقصدون.

وفرَّ المسلمون عن نبيِّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يكن عليٌّ عليه السلام يفكِّر في تلك اللحظات الحاسمة إلَّا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا سيَّما وقد رأىٰ المشركين يتَّجهون نحوه ، وأصبح هدفهم الأول ، بعد أن أصبحت المعركة لصالحهم ، فأحاط به هو وجماعة من المسلمين ، وقد استماتوا في الدفاع عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وحمزة يهذُّ الناس بسيفه هذَّاً ، وعليٌّ عليه السلام يفرِّق جمعهم كالصقر الجائع حينما ينقضّ علىٰ فريسته ، فيشتِّتهم إرباً إرباً بسيفه البتَّار ، وهو راجل وهم علىٰ متون الخيل ، فدفعهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتَّىٰ انقطع سيفه.

وقاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قتالاً شديداً ، وقد تجمَّع عليه المشركون وحاولوا قتله بكلِّ سبيل ، ورماه ابن قمئة فكسر أنفه ورباعيته السفلىٰ ، وشقَّت شفته ، وأصابته ضربة في جبهته الشريفة ، وسال الدم علىٰ وجهه الشريف. وغلب عليه الضعف.

روىٰ عكرمة قال : سمعت عليَّاً عليه السلام ، يقول : « لمَّا انهزم الناس يوم أُحد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه ، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت : ما كان رسول الله ليفرَّ ، وما رأيته في القتلىٰ ، فأظنُّه رُفع من بيننا ، فكسَّرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لأقاتلنَّ به عنه حتَّىٰ أُقتل ، وحملت علىٰ القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقد وقع علىٰ الأرض مغشيَّاً عليه ، فقمت علىٰ رأسه ، فنظر إليَّ فقال : ما صنع الناس ، يا عليُّ ؟ فقلت : كفروا يا رسول الله وولَّوا الدبر وأسلموك ، فنظر إلىٰ كتيبة قد أقبلت فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ردَّ عنِّي يا عليُّ هذه الكتيبة ، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتَّىٰ ولَّوا الأدبار ، فقال لي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : أما تسمع مديحك في السماء ، إنَّ ملكاً يقال له : رضوان ينادي : لا سيف إلَّا ذو الفقار ولا فتىٰ إلَّا عليُّ ، فبكيتُ سروراً وحمدت الله علىٰ نعمه » (19).

نقل ابن الأثير : لقد أصابت عليَّاً يوم أحد ستُّ عشرة ضربة ، كلُّ ضربةٍ تلزمه الأرض ، فما كان يرفعه إلَّا جبريل عليه السلام (20).

وفي هذه الوقعة قُتل حمزة بن عبد المطَّلب ، رماه وحشي ـ وهو عبد لجبير بن مطعم ـ بحربة ، فسقط شهيداً ، ومثَّلت به هند بنت عتبة بن ربيعة ، وشقَّت عن كبده فأخذت منها قطعة فلاكتها ، وجدعت أنفه ، فجزع عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جزعاً شديداً ، وقال : « لن أُصاب بمثلك » ..

ولمّا يئس المشركون من قتل النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم برغم جميع المحاولات ، فترت همَّتهم وقفلوا راجعين ، بعد أن قُتل من المسلمين ثمانية وستُّون رجلاً ، ومن المشركين اثنان وعشرون رجلاً ، وكفىٰ الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين عليه السلام.

وقفل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن معه راجعين إلىٰ المدينة يوم السبت ؛ فاستقبلته فاطمة عليها السلام ومعها إناء فيه ماء ، فغسل وجهه ، ولحقه الإمام وقد خضَّب الدم يده إلىٰ كتفه ومعه ذو الفقار ، فناوله فاطمة عليه السلام فقال : « خذي السيف فقد صدقني اليوم » وقال :

« أفاطمُ هاكِ السيف غير ذميم

 

وقال فلستُ برعديد ولا بمليمِ

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمدٍ

 

وطاعة ربٍّ بالعباد عليمِ »

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « خذيه يا فاطمة ، فقد أدَّىٰ بعلك ما عليه ، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش » (21).

وقعة بني النضير :

غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع علىٰ رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره (22). وبني النضير هم فخذٌ من جذام إلَّا أنَّهم تهوَّدوا ، ونزلوا بجبل يقال له : النضير ، فسُمُّوا به.

وجاء في سبب هذه الغزوة : أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مشىٰ إلىٰ كعب بن الأشرف ووجهاء بني النضير ، يستقرضهم في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أُمية الضمري ، فقالوا : نعم ، نعينك علىٰ ما أحببت ، ثُمَّ خلا بعضهم ببعض وتآمروا علىٰ قتله ، فنزل جبرئيل عليه السلام وأخبره بما همَّ به القوم من الغدر ، وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أصحابه الخبر ، وأمر المسلمين بحربهم ، ونزل بهم ، وكانت رايته مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام (23) ، فتحصَّن اليهود في الحصون ، وأرسل إليهم عبد الله بن أُبي وجماعة معه أن اثبتوا وتمنَّعوا ، فإنَّا لن نسلمكم ..

وروي أنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام فقد في احدىٰ ليالي حصار بني النضير ، فقال رسول الله : « إنَّه في بعض شأنكم » وبعد قليل جاء عليٌّ برأس « عزوك » أحد أبطال بني النضير ، وقد كمن له الإمام حتىٰ خرج في نفر من يهود يطلبون غرَّة من المسلمين ، وكان شجاعاً رامياً ، فكمن له عليٌّ عليه السلام فقتله ، وفرَّ اليهود ، فأرسل نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا دجانة وسهل بن حنيف ، في عشرة من رجالات المسلمين ، فأدركوا اليهود الفارِّين من سيف الإمام عليٍّ عليه السلام ، وطرحت رؤوسهم في الآبار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يُجليهم ويكفَّ عن دمائهم ـ بعد أن خذلهم ابن أُبي ـ فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم محمَّد بن مسلمة إليهم : أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل من خُرثي متاعهم ، ولا يخرجون معهم بذهب ولا فضة ولا سلاح (24). وأجّلهم في الجلاء ثلاث ليال (25).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين

وقعة الأحزاب :

وتسمَّىٰ أيضاً « غزوة الخندق » وكانت في ذي القعدة ، سنة خمس من الهجرة (26) ٦٢٧ م ، وقيل : في شوال (27) ، وقيل : في السنة السادسة ، بعد مقدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً (28).

وكان سببها : لمَّا أجلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بني النضير ساروا إلىٰ خيبر ، وحزَّبوا الأحزاب علىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقدموا علىٰ قريش بمكَّة ، وألَّبوها علىٰ حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقالوا : نكون معكم حتَّىٰ نستأصله ، وما كان من أمر قريش إلَّا أن تستجيب لضالَّتها المنشودة في القضاء علىٰ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأعوانه.

وتجهَّزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب ، فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق ، ممن ذُكر من القبائل ، عشرة آلاف ، وهم الأحزاب ، وكانوا ثلاثة عساكر بقيادة أبي سفيان بن حرب.

فلمَّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خبرهم جمع المسلمين ، وحثَّهم علىٰ الجهاد والصبر والاستعداد لمقابلة الغزاة وشاورهم في الأمر ، فأشار عليه سلمان الفارسي بالخندق ، فأعجب ذلك المسلمين ، لأنَّ عملاً من هذ النوع لا بدَّ وأن يعرقل تقدُّم الغزاة ، ويخفِّف من أخطار المجابهة بين الفريقين.

وأقبل المسلمون جميعاً يحفرون خندقاً حول المدينة ، وجعل رسول الله لكلِّ عشرة أربعين ذراعاً (29) ، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم معهم يحفر وينقل التراب ، وفرغوا من حفره في ستة أيام ، وكان سائر المدينة مشبك بالبنيان ، فهي كالحصن ، وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف مقاتل.

وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لقتال قريش وأحباشها ، وهنا كانت الصدمة الكبيرة علىٰ قريش ، وهي تحسب أنَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحبه لا يثبتون لها ساعات قلائل بهذا العدد الضخم ، وإذا بها تجد بينها وبين المسلمين حاجزاً لا يمكن اجتيازه إلَّا بعد جهود شاقة ، لا سيَّما وأنَّ أبطال المسلمين وقفوا بالمرصاد لكل من تحدِّثه نفسه باجتياز ذلك الحاجز ، فأُذهلت بعد أن كانت مغرورة بقوتها الجبَّارة !

وأنكروا أمر الخندق ، وقالوا : ما كانت العرب تعرف هذا ، وأقاموا علىٰ هذه الحال ـ الرشق بالنبل والحجارة ـ مدَّة خمسة أيام (30) دون قتال ..

فلمَّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودٍّ العامري ـ وكان يعدّ بألف فارس ـ وأربعة نفر من المشركين : نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطَّاب الفهري ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، واقتحموا الخندق من مكان ضيِّق ، وركز عمرو رمحه في الأرض ـ وهو ابن تسعين سنة (31) ـ وأخذ يجول ، ويدعو إلىٰ البراز ويرتجز :

ولقد بححتُ من الندا

 

ءِ بجمعهم هل من مبارز ؟

انِّي كذلك لم أزل

 

متسرِّعاً نحو الهزاهز

إنَّ الشجاعة في الفتىٰ

 

والجود من خير الغرائز (32)

وكأنَّ هذه الكلمات نداء إلىٰ الموت ، فلم يجبه أحد من المسلمين ، وفي كلِّ مرّة يكرّر فيها نداءه كان يقوم له عليُّ بن أبي طالب عليه السلام من بينهم ليبارزه ، فيأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجلوس ، انتظاراً منه ليتحرَّك غيره ، ولكن لم ينهض أحد ؛ لمكان عمرو بن عبد ودٍّ ومن معه.

ومضىٰ عمرو يكرِّر النداء والتحدِّي للمسلمين ، فقام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخرىٰ ، فأجلسه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال له : « إنَّه عمرو » ، ونادىٰ مرَّةً أُخرىٰ، فقام عليٌّ عليه السلام ، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال له : « ادنُ منِّي » فدنا منه ، فنزع عمامته عن رأسه وعمَّمه بها وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وقال له : « امضِ لشأنك » ثُمَّ رفع يديه وقال : « اللَّهمَّ إنَّك أخذت منِّي حمزة يوم أُحد ، وعبيدة يوم بدر ، فاحفظ اليوم عليَّاً ، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ».

وقال نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمَّا دنا عليٌّ عليه السلام من عمرو : « خرج الإيمان سائره إلىٰ الكفر سائره » ..

فبرز إليه عليٌّ ، وهو يقول :

« لا تعجلنَّ فقد أتاك

 

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيَّةٍ وبصيرة والـ

 

صدق منجي كلَّ فائز

إنِّي لأرجو أن أُقيم

 

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقىٰ

 

صيتها بعد الهزاهز »

فلمَّا انتهىٰ إليه قال : « يا عمرو إنَّك في الجاهلية تقول : لا يدعوني أحدٌ إلىٰ ثلاث إلَّا قبلتها ، أو واحدة منها ». قال : أجل. قال : « فإنِّي أدعوك إلىٰ شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله ، وأن تُسلم لربِّ العالمين ». قال : يا ابن أخ ، أخِّر هذه عنِّي. فقال له عليٌّ : « أمَّا إنَّها خيرٌ لك لو أخذتها ».

ثُمَّ قال : « فها هنا أُخرىٰ » قال : ما هي ؟ قال : « ترجع من حيث جئت ». قال : لا تَحدَّث نساء قريش بهذا أبداً.

قال : « فها هنا أُخرىٰ ». قال : ما هي ؟ قال : « تنزل تقاتلني » فضحك عمرو وقال : إنَّ هذه الخصلة ما كنت أظنَّ أنَّ أحداً من العرب يرومني مثلها ، إنِّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديماً (33).

قال عليٌّ عليه السلام : « ولكنِّي أُحبُّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت ».

فغضب عمرو ونزل فضرب وجه فرسه حتىٰ رجع (34) ، وحمل علىٰ عليٍّ عليه السلام وضربه علىٰ رأسه فاتَّقاها بالدرقة ، فقدَّها السيف ونفذ منها إلىٰ رأسه فشجَّه ، وبقي محتفظاً بثباته ، وتوالت عليه الضربات وهو يحيد عنها ، ثُمَّ كرَّ عليه عليٌّ عليه السلام فضربه علىٰ حبل عاتقه ضربةً كان دويُّها كالصاعقة ، ارتجَّ له العسكران ، فسقط يخور بدمه كالثور ، وارتفعت غبرة حالت بينهما وبين الجيشين.

علىٰ أنَّ هناك رواية أُخرىٰ (35) تذهب إلىٰ أن الامام ضرب عمراً علىٰ ساقيه فقطعهما جميعاً ، فسقط الى الأرض ، فأخذ عليٌّ عليه السلام بلحيته وذبحه ، وأخذ رأسه بيده هدية إلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأقبل والدماء تسيل علىٰ وجهه من ضربة عمرو ، ورأس عمرو بيده يقطر دماً ، وكان وجه علي عليه السلام يتهلَّل فرحاً ، فألقاها بين يدي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقام أبو بكر وعمر فقبّلا رأس عليٍّ عليه السلام ، فعانقه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ودعا له ، فقال عمر بن الخطَّاب لعليٍّ عليه السلام : هلا استلبت درعه ، فليس للعرب درع خير منها ؛ فقال عليٌّ : « ضربته فاتَّقاني بسوأته فاستحييت أن أسلبه ».

وعلىٰ أيِّ حال فقد علت أصوات المسلمين بالتكبير ، بعد أن أصابهم الخوف في بادئ الأمر ، وانهزم الذين كانوا مع عمرو بن عبد ودٍّ ، واقتحمت خيولهم الخندق ، وكبا بنوفل بن عبد الله بن المغيرة فرسه ، فجعلوا يرمونه بالحجارة ، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل إليَّ بعضكم أقاتله ، فنزل إليه عليٌّ عليه السلام فضربه حتَّىٰ قتله ، وبعث الله عليهم ريحاً في ليالٍ شاتية شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم ، فانصرفوا هاربين لا يلوون علىٰ شيء ، حتَّىٰ ركب أبو سفيان ناقته وهي معقوله ! فلمَّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الله ذلك : قال : « عوجل الشيخ ».

وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في قتل عليٍّ عليه السلام لعمرو : « لضربة عليٍّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ».

قال جابر : « فما شبهت قتل عليٍّ عمراً إلَّا بما قصَّ الله تعالىٰ من قصة داود وجالوت ، حيث قال : ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ) (36) » (37).

نعم لقد قلبت ضربة عليٍّ عليه السلام لعمرو الوضع تماماً ، بعدما كان النصر حليف قريش بقوَّتها الجبَّارة ، وصدق سبحانه حيث قال : ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) (38).

بسيف عليٍّ عليه السلام كان النصر حليف المسلمين وهنا يسكت القلم ، ولا يدري ماذا يكتب عن شجاعة ابن أبي طالب عليه السلام فقد كفىٰ الله المؤمنين القتال به عليه السلام.

ولمَّا نُعي عمرو بن عبد ودٍّ إلىٰ أخته عمرة ، قالت : مَن قتله ؟ ومن الذي اجترأ عليه ؟ فقيل لها : قتله عليُّ بن أبي طالب. فقالت : لقد قتل الأبطال وبارز الأقران ، وكانت ميتته علىٰ يد كفءٍ كريم من قومه ، وأنشأت تقول :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

 

لكنت أبكي عليه دائم الأبد

لكنَّ قاتله من لا يعاب به

 

قد كان يدعىٰ أبوه بيضة البلد

من هاشم في ذراها وهي صاعدة

 

إلىٰ السماء تميت الناس بالحسد

قوم أبى الله إلَّا أن تكون لهم

 

كرامة الدين والدنيا بلا لدد

يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي

 

بكاء معولة حرّىٰ علىٰ ولد (39)

هكذا اكتسح عليُّ بن أبي طالب عليه السلام فرسان المعارك وشجعان الفلا ..

حتَّىٰ لم يعد له مثيل بين أبطال العرب ، يسابق الأسود ، ويقطع الرؤوس ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، فهو الوحيد الذي بدَّد آمال الأحزاب في الخندق ، وبثَّ في صفوفهم الرعب ، وهنا أنزل الله تعالىٰ علىٰ رسوله الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) (40).

وقعة بني قريظة :

بنو قريظة : هي فخذ من جذام اخوة النضير ، ويقال : إنَّ تهوُّدهم كان في أيام عاديا أبي السموأل ، ثُمَّ نزلوا بجبل يقال له : قريظة ، فنُسبوا إليه ، وقد قيل : إنَّ قريظة اسم جدِّهم بعقب الخندق (41).

وكانت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة خمس (42) من الهجرة ، وكان بين بني قريظة ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلح فنقضوه ، ومالوا مع قريش ، فوجَّه إليهم سعد بن معاذ وعبد الله بن رواحه وخوَّات بن جُبير ، فذكَّرهم العهد وأساءوا الإجابة ، فلمَّا انهزمت قريش يوم الخندق دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليَّاً عليه السلام ، فقال له : « قدِّم راية المهاجرين إلىٰ بني قريظة » وقال : « عزمت عليكم ألَّا تصلُّوا العصر إلَّا في بني قريظة » ثُمَّ سار إليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف ، والخيل ستة وثلاثون فرساً ، وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة.

وحاصر المسلمون بني قريظة شهراً أو خمساً وعشرين ليلة (43) أشدَّ الحصار .. فدنا منهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلقيه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : « يا رسول الله لا تدنُ » ، فقال : « أحسب أنَّ القوم أساءوا القول » ، فقال : « نعم يا رسول الله » ، فيقال : إنَّه قال بيده كذا وكذا ، فانفرج الجبل حين رأوه ، وقال : « يا عبدة الطاغوت ، يا وجوه القردة والخنازير ، فعل الله بكم وفعل » .. فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أياماً حتَّىٰ نزلوا علىٰ حكم سعد بن معاذ الأنصاري ، وقد حكم انَّه تقتل مقاتلتهم ، وتُسبىٰ ذراريهم ، وتجعل أموالهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال رسول الله : « لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ـ سماوات ـ ».

ومن مواقف أمير المؤمنين عليه السلام وهي التي تعنينا بالبحث : انَّه ضرب أعناق رؤوساء اليهود أعداء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، منهم : حُيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، بأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (44).

عمرة الحديبية :

خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للعمرة في ذي القعدة سنة ست للهجرة (45) ، ومعه ألف وأربعمئة (46) من أصحابه ، وساقَ من الهدي سبعين بدنة (47) ، كما ساق أصحابه أيضاً. ومعهم السيوف في أغمادها ، وأعلن في أكثر أنحاء الجزيرة بأنَّه لا يريد حرباً ولا قتالاً ، وبلغ المشركين خروجه ، فأجمع رأيهم علىٰ صدِّه عن المسجد الحرام ..

فسار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بأصحابه حتَّىٰ دنا من الحديبية ، وهي علىٰ تسعة أميال من مكَّة ، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رأىٰ في المنام أنَّه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ المفتاح (48).

أرسلت إليه قريش مِكرز بن حفص ، فأبىٰ أن يكلِّمه ، وقال : « هذا رجل فاجر » ، فبعثوا إليه الحُليس بن علقمة من بني الحارث بن عبد مناة ، وكان من قوم يتألَّهون ، فلمَّا رأىٰ الهدي قد أكلت أوبارها ، رجع ؛ فقال : يا معاشر قريش إنِّي قد رأيت ما لا يحلُّ صدُّه عن البيت ..

وكان آخر من بعثوا سهيل بن عمرو ليصالحه علىٰ أن يرجع عنهم عامه ذلك ، فأقبل إلىٰ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فكلَّم رسول الله وأرفقه ، ثُمَّ جرىٰ بينهم الصلح ، فدعا رسول الله عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : « أكتب بسم الله الرحمن الرحيم » (49) ، فقال سهيل : لا نعرف هذا ولكن اكتب .. باسمك اللَّهمَّ ، فكتبها. وقيل : قال عليه السلام : « لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت ».

ثُمَّ قال : « اكتب : هذا ما صالح عليه محمَّد رسول الله سهيل بن عمرو » (50) فقال سهيل : لو نعلم أنَّك رسول الله لم نقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال لعليٍّ : « امحُ رسول الله » فقال : « لا أمحوك أبداً » (51) ، فمحاها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقال له موضع رسول الله : محمَّد بن عبد الله ، وقال لعليٍّ : « لتبلينَّ بمثلها » (52) ، واصطلحا علىٰ وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، وانَّه من أتىٰ منهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بغير إذن وليِّه ردَّه إليهم ، ومن جاء قريشاً ممَّن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يردُّوه عليه ، ومن أحبَّ أن يدخل في عهد رسول الله دخل (53) ...

روىٰ ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنَّه قال :

« أقبل سهيل بن عمرو ورجلان ـ أو ثلاثة ـ معه إلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الحديبية ، فقالوا له : إنَّه يأتيك قوم من سلفنا وعبداننا فارددهم علينا ، فغضب حتَّىٰ احمارَّ وجهه ، وكان إذا غضب عليه السلام يحمارُّ وجهه ، ثُمَّ قال : لتنتهنَّ يا معشر قريش ، أو ليبعثن الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين. فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنَّه ذلكم خاصف النعل في الحُجرة. وأنا خاصف نعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الحُجرة ».

ثمَّ قال عليٌّ عليه السلام : « أما انَّه قد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : من كذب عليَّ متعمَّداً فليتبوَّأ مقعده من النار » (54).

وقعة خيبر :

غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، خيبر في جمادىٰ الأولىٰ سنة سبع من مهاجره ، وهي علىٰ ثمانية بُرُد من المدينة (55) ، أي أربعة ليال ـ علىٰ التقريب ـ (56) ، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أصحابه بالتهيُّؤ لغزوة خيبر ، وخرج معه ألف واربعمائة رجل ، معهم مائتا فارس ، وأعطىٰ لواءه لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام (57).

ومضىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، يجدُّ السير باتِّجاه خيبر ، ونزل عليها ليلاً ، ولم يعلم أهلها ، فخرجوا عند الصباح إلىٰ عملهم بمساحيهم ، فلمَّا رأوه عادوا ، وقالوا : محمَّد والخميس ، يعنون الجيش ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « الله أكبر خربت خيبر ، إنَّا إذا نزلنا بساحة قوم ( فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ ) ! » (58).

وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد سلَّم أبا بكر راية الجيش ، ولكنَّ أبا بكر عاد بالراية دون أن يصنع شيئاً فرجع ، ثُمَّ جعل القيادة لعمر بن الخطَّاب بعده ، قال الطبري والحاكم : فعاد يجبّن أصحابه ويجبنونه (59) ، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « والله لأعطينَّها غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبُّه الله ورسوله (60) ، يأخذها عنوةً » (61). وفي رواية أخرى : « لأُعطينَّ الرآية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، يفتح الله علىٰ يديه ليس بفرّار » (62).

فتطاولت لذلك الأعناق ورجا كلُّ واحد أن يكون المقصود بهذا القول.

وفيها جاء عن عمر بن الخطَّاب انَّه قال : فما أحببت الإمارة قبل يومئذٍ ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إليَّ ، فلمَّا كان الغد دعا عليَّاً فدفعها إليه ، فقال : « قاتل ولا تلتفت ، حتىٰ يفتح الله عليك » (63).

وفي تفصيل الخبر أن علياً عليه السلام كان قد أُصيب بالرمد ، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عينيه ، ثم أعطاه الراية (64) ، فما شكا وجعاً حتَّىٰ مضىٰ لسبيله ، فنهض بالراية وعليه حلَّة حمراء (65) ، إنطلق مهرولاً ، فركز رايته بين حجرين أمام الحصن ، فأشرف عليه رجل من يهود يخطر بسيفه ، فقال له : مَن أنت ؟ قال : « أنا عليُّ بن أبي طالب » ، فقال اليهودي : غُلبتم يا معشر يهود ، وخرج مرحب اليهودي ، صاحب الحصن ، وعليه مغفر يماني ، قد نقبه مثل البيضة علىٰ رأسه ، وكان مزهوّاً بشجاعته وبطولاته ، خرج يتبختر في مشيته ، وهو يقول :

قد علمت خيبرُ أنِّي مرحبُ

 

شاكي السلاح بطلٌ مجرَّبُ

اذا الحروبُ أقبلتْ تلهَّبُ

فقال عليٌّ صلوات الله عليه وبركاته :

« أنا الذي سمَّتني أُمِّي حيدرة

 

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

ليثُ بغاباتٍ شديدٌ قسورة » (66)

فاختلفا ضربتين ، فبدره عليٌّ عليه السلام فضربه فقدَّ الجحفة والمغفر ورأسه ، وشقَّه نصفين حتىٰ وصل السيف إلىٰ أضراسه ، فوقع علىٰ الأرض ، وكان لضربته عليه السلام دويٌّ كدوي الصاعقة ، فلمَّا رأىٰ اليهود صنيع عليٍّ عليه السلام بفارسهم مرحب ولَّوا هاربين ، وكان الفتح علىٰ يديه عليه السلام.

قال أبو رافع مولىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « خرجنا مع عليٍّ عليه السلام حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم برايته إلىٰ خيبر ، فلمَّا دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه يهوديٌّ فطرح ترسه من يده ، فتناول عليٌّ عليه السلام باباً كان عند الحصن فتترَّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل ، حتىٰ فتح الله عليه ، ثُمَّ ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في نفر سبعة ، أنا ثامنهم ، نجهد علىٰ أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه » (67).

وقيل : « إنَّ الباب كان حجارة طوله أربع أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع ، فرمىٰ به عليُّ بن أبي طالب عليه السلام خلفه ودخل الحصن ودخله المسلمون » (68).

ومهما يكن الحال فإن دلَّت هذه الروايات علىٰ شيءٍ ، فإنَّما تدلُّ علىٰ شجاعة الإمام وقدرته الخارقة العجيبة في بدنه ، مع قوة إلهيّة معنوية عالية ، وعليٌّ عليه السلام نفسه يقول عن هذا الحادث : « والله ما قلعت باب الحصن بقوَّة جسدية ، ولكن بقوَّة ربَّانية » (69).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « لمَّا قدم عليٌّ عليه السلام علىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خيبر قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لولا أن يقول فيك طوائف من أُمَّتي ما قالت النصارىٰ في عيسىٰ بن مريم ، لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرُّ بملأ إلَّا أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منِّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنَّك منِّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي ، وأنَّك تؤدِّي ذمَّتي ، وتقاتل علىٰ سُنَّتي ، وأنَّك في الآخرة غداً أقرب الناس منِّي ، وأنَّك غداً علىٰ الحوض خليفتي ... إلى آخره ».

فخرَّ عليٌّ عليه السلام ساجداً ، ثُمَّ قال : « الحمد لله الذي منَّ عليَّ بالإسلام ، وعلَّمني القرآن ، وحبَّبني إلىٰ خير البريَّة ، خاتم النبيِّين وسيِّد المرسلين ، إحساناً منه إليَّ ، وفضلاً منه عليَّ ».

فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند ذلك : « لولا أنت يا عليُّ لم يُعرف المؤمنون بعدي » » (70).

وقعة ذات السلاسل :

وتسمَّىٰ أيضاً وقعة وادي الرمل. وكان سببها أنَّ عدداً من الأعراب قد اجتمعوا لغزو المدينة ـ في وادي الرمل ـ علىٰ حين غفلة من أهلها ، فوفد أعرابي علىٰ نبيِّ الله وأخبره بالأمر ، وخرج أمير المؤمنين ومعه لواء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أن خرج غيره إليهم ، ورجع عنهم خائباً ، ثُمَّ خرج صاحبه وعاد بما عاد به الأول (71) ، ثُمَّ أرسل عمرو بن العاص (72) ، فعاد كما عاد صاحباه ، فمضىٰ عليه السلام نحو القوم ، يكمن النهار ويسير الليل ، حتىٰ وافىٰ القوم بسحر ، وصلَّىٰ بأصحابه صلاة الغداة ، وصفَّهم صفوفاً واتَّكأ علىٰ سيفه وانقضَّ بمن معه علىٰ القوم علىٰ حين غفلة منهم ، وقال : « يا هؤلاء ، أنا رسولُ رسولِ الله ، أن تقولوا : لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله ، وإلَّا ضربتكم بالسيف ».

فقالوا له : إرجع كما رجع صاحباك.

قال : « أنا أرجع ! لا والله حتَّىٰ تسلموا ، أو لأضربنَّكم بسيفي هذا ، أنا عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب » (73).

فاضطرب القوم ، وأمعنوا بهم قتلاً وأسراً ، حتَّىٰ استسلموا له ، وتمَّ الفتح علىٰ يده.

وعن أمُّ سلمة قالت : كان نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قائلاً في بيتي ؛ إذ انتبه فزعاً من منامه ، فقلت : الله جارك ، قال : « صدقت ، الله جاري ، ولكن هذا جبرئيل يخبرني أنَّ عليَّاً قادم ». ثمَّ خرج إلىٰ الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليَّاً ، وقام المسلمون صفَّين مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلمَّا بصر به عليٌّ عليه السلام ترجَّل عن فرسه ، وأقبل عليه يقبِّله. فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إركب ، فإنَّ الله ورسوله عنك راضيان » فبكىٰ عليٌّ عليه السلام فرحاً وانصرف إلىٰ منزله.

ونزلت علىٰ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سورة العاديات لهذه المناسبة (74).

فتح مكَّة :

كان الفتح في شهر رمضان ، سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (75). وكان سبب هذه الوقعة : أنَّ قريشاً نقضت الوثيقة التي وقعتها مع النبي في الحديبية ، وتمادت في ذلك ، حتى ذهبت إلى تحريض حلفائها بني الدؤل من بني بكر علىٰ خزاعة حلفاء النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، واستطاع هؤلاء أن يتغلَّبوا علىٰ خزاعة بمساعدة قريش ، فلمَّا وصل الخبر إلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عزم علىٰ أن ينصر خزاعة ..

فجهّز جيشه وأكد رغبته في التكتيم علىٰ هذا الأمر ، لمداهمة قريش في مكة قبل أن تتجهز لحرب ، وكان يقول : « اللَّهمَّ خُذ علىٰ أبصارهم فلا يروني إلَّا بغتةً » ! (76) ، لكن الأمر تسرّب إلىٰ حاطب بن أبي بلتعة ، فكتب كتاباً إلىٰ أهل مكَّة يطلعهم فيه علىٰ سرِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسير إليهم ، وأعطىٰ الكتاب أمرأة سوداء وأمرها أن تأخذ علىٰ غير الطريق ، فنزل بذلك الوحي.

فدعا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً عليه السلام وقال : « إنَّ بعض أصحابي قد كتب إلىٰ أهل مكَّة يخبرهم بخبرنا وقد سألت الله أن يعمّي اخبارنا عليهم ، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت علىٰ غير الطريق ، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها » وبعث معه الزبير بن العوَّام.

فمضيا علىٰ غير الطريق ، فأدركا المرأة ، فسبق إليها الزبير وسألها عن الكتاب فأنكرته ، وحلفت أنَّه لا شيء معها ، وبكت ، فقال الزبير : يا أبا الحسن ، ما أرىٰ معها كتاباً. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « يخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول : إنَّه لا كتاب معها » !

ثمَّ اخترط السيف وقال : « أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنَّك ثُمَّ لأضربنّ عنقك ».

فقالت له : اذا كان لا بدَّ من ذلك ، فأعرض يا ابن أبي طالب عنِّي بوجهك. فأعرض عنها ، فكشفت قناعها فأخرجت الكتاب من عقيصتها ، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وصار به إلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (77).

ثمَّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لفتح مكَّة في عشرة آلاف مقاتل ، وأعطىٰ الراية سعد بن عبادة ، وأمره أن يدخل بها مكَّة ، فأخذها سعد وجعل يقول :

اليوم يوم المَلحمَه

 

اليوم تسبىٰ الحُرُمَه

فسمعها رجل من المهاجرين ، فأعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « اليوم يوم المرحمة ، اليوم تحمىٰ الحرمة » لعليِّ بن أبي طالب : « أدركه فخذ الراية منه ، وكن أنت الذي تدخل بها » (78).

ومضىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقطع الطريق باتجاه مكَّة ودخلها عنوةً بهذا الجيش الهائل ، الذي لم تعرف له مكَّة نظيراً في تاريخها من قبل ، وأعلن العفو وهو علىٰ أبواب مكَّة ، وقال لهم : « اذهبوا فأنتم الطلقاء ».

وأباح دم ستة رجال ، ولو كانوا متعلِّقين بأستار الكعبة ، وأربع نسوة ، هم : عكرمة بن أبي جهل ، وهبار بن الأسود ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ومِقيس بن صُبابة الليثي ، والحويرث بن نُقيذ ، وعبد الله بن هلال بن خطل الادرمي ، وهند بنت عتبة ، وسارة مولاة عمرو بن هاشم ، وقينتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (79).

فمضىٰ عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يجدُّ في طلب أولئك الذين أهدر النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم دماءهم فقتل منهم اثنين هم : الحويرث بن نقيذ ، وسارة.

وأجارت أمُّ هانئ بنت أبي طالب حموين لها : الحارث بن هشام ، وعبد الله بن ربيعة ، فأراد عليٌّ عليه السلام قتلهما. فقال رسول الله : « يا عليُّ قد أجرنا من أجارت أمُّ هانئ » (80) وتفرّق الباقون ، ثم وفد بعضهم على النبي بعد أن أخذ الأمان.

ولم يترك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صنماً داخل الكعبة وخارجها إلَّا وحطَّمه تحت قدميه أمام قريش ..

وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو بمكَّة ـ خالد بن الوليد إلىٰ بني جذيمة بن عامر ، فقال لهم خالد : ضعوا السلاح. فقالوا : إنَّا لا نأخذ السلاح علىٰ الله ولا علىٰ رسوله ونحن مسلمون ، قال : ضعوا السلاح ، قالوا : إنَّا نخاف أن تأخذنا بإحنة الجاهلية ، فانصرف عنهم وأذَّن القوم وصلَّوا ، فلمَّا كان في السحر شنَّ عليهم الخيل فقتل منهم ما قتل وسبىٰ الذرية.

فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليك ممَّا صنع خالد » ! وبعث عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فأدَّىٰ إليهم ما أخذ منهم حتَّىٰ العقال وميلغة الكلب ، وبعث معه بمال ورد من اليمن فودىٰ القتلىٰ ، وبقيت معه منه بقية ، فدفعها عليٌّ عليه السلام إليهم علىٰ أن يحلِّلوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ممَّا علم وممَّا لا يعلم. فقال رسول الله : « لما فعلت أحبُّ إليَّ من حمر النعم » ويومئذٍ قال لعليٍّ : « فداك أبواي » (81) ، فتمَّ بذلك موادُّ الصلاح ، وانقطعت أسباب الفساد.

وقعة حنين :

وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثمان من الهجرة ، وحنين وادي بينه وبين مكَّة ثلاث ليال (82).

وقد بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّ هوازن قد جمعت بحنين جمعاً كبيراً تريد غزو المسلمين وقتالهم ، فخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في جيش عظيم عدَّتهم اثنا عشر ألفاً ، فقال بعضهم : ما نُؤتىٰ من قلَّة ، فكره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك من قولهم.

وكان لواء المهاجرين مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام (83) ، ووزَّع بقية الرايات علىٰ قوَّاد الجيش وزعماء القبائل.

ويروىٰ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنَّه قال : « لمَّا استقبلنا وادي حُنين ، انحدرنا في وادٍ أجوف حَطُوطٍ ، إنما ننحدر فيه انحداراً في عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلىٰ الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه ، قد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطُّون إلَّا والكتائب قد شدَّت علينا شدَّة رجل واحد ، فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد علىٰ أحد .. إلَّا أنَّه قد بقي مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته » (84).

وعلىٰ أيِّ الأحوال فلقد اتَّفق المؤرِّخون علىٰ أنَّ عليَّاً عليه السلام وأكثر بني هاشم ثبتوا مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في تلك الأزمة (85) ، وعليُّ بن أبي طالب عليه السلام يذبُّ الناس بسيفه ويفرِّقهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما كانت أكثر مواقفه في الحروب التي مضت ، فلم يستطع أحد أن يدنو من النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلَّا جدله بسيفه.

وكان رجل من هوازن علىٰ جمل أحمر بيده راية سوداء أمام الناس ، فإذا أدرك رجلاً طعنه ، ثُمَّ رفع رايته لمن وراءه فاتَّبعوه ، فحمل عليه عليٌّ عليه السلام فقتله (86) ، فكانت الهزيمة ، فقال رسول الله للعبَّاس : « صِحْ للأنصار » وكان صيِّتاً ، فنادىٰ : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمُرة ، يا أصحاب سورة البقرة ! فأقبلوا كأنَّهم الإبل إذا حنَّت علىٰ أولادها ، يقولون : يا لبَّيك يا لبَّيك ! فحملوا علىٰ المشركين ، فأشرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فنظر إلىٰ قتالهم فقال : « الآن حمي الوطيس » ! وهو أول من قالها ، ثُمَّ قال :

أنا النبيُّ لا كذبْ

 

أنا ابن عبد المطَّلب » (87)

واقتتل الناس قتالاً شديداً.

وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لبغلته دُلدُل : « البِدي دلدل » فوضعت بطنها علىٰ الأرض ، فأخذ حفنة من تراب فرمىٰ بها في وجوههم ، فكانت الهزيمة (88) ، وقيل : إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قتل منهم أربعين رجلاً (89) ، واستشهد من المسلمين أيمن ابن أمِّ أيمن ، ويزيد بن زَمعَة بن الأسود بن المطَّلب بن عبد العُزَّىٰ وغيرهما (90).

تبوك والاستخلاف :

ثمَّ كانت غزوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلىٰ تبوك في رجب سنة تسع من مُهاجره (91).

لمَّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّ الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام ؛ لغزو المسلمين في ديارهم ، لم يتردَّد في مواجهة تلك الجيوش ، فأمر الناس بالتجهُّز لغزو الروم ، وأعلم الناس مقصدهم ، لبعد الطريق وشدَّة الحرَّ وقوَّة العدو .. لذلك يسمىٰ بجيش العسرة ، وهي آخر غزوات الرسول.

ومضىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسير في أصحابه ، حتىٰ قدم تبوك في ثلاثين ألفاً من الناس ، والخيل عشرة آلاف. واستعمل علىٰ المدينة علياً عليه السلام وقال له : ( تقيم أو أقيم ) « إنَّه لا بدَّ للمدينة منِّي أو منك » (92) ، « إن المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك » (93).

وهذه هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها عليُّ بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ... وكان بقاؤه عليه السلام في المدينة أمر تفرضه مصلحة الإسلام ، بعدما ظهر للنبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من أمر المنافقين ، فإنَّ بقاءهم بالمدينة يشكِّل خطراً علىٰ الدعوة.

فأرجف المنافقون بعلي عليه السلام وقالوا : ما خلَّفه إلَّا استثقالاً له ! فلمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فأخبره ما قال المنافقون ، فقال : « كذبوا ، وإنَّما خلفتك لما ورائي ، أما ترضىٰ أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسىٰ ؟ إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي » (94). فقال : « قد رضيت ، قد رضيت » (95). ثُمَّ رجع إلىٰ المدينة وسار رسول الله بجيشه.

وفي رواية الشيخ المفيد ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له : « ارجع يا أخي إلى مكانك ، فإن المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ ، إلّا إنّه لا نبيّ بعدي » (96).

وجاء في طبقات ابن سعد (97) انَّه قال : أخبرنا الفضل بن دُكين ، قال : أخبرنا فضل بن مرزوق عن عطية ، حدَّثني أبو سعيد ، قال : غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غزوة تبوك وخلَّف عليَّاً في أهله ، فقال بعض الناس : ما منعه أن يخرج به إلَّا أنَّه كَرِهَ صحبته ، فبلغ ذلك عليَّاً فذكره للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : « يا ابن أبي طالب ، أما ترضىٰ أن تنزل منَّي بمنزلة هارون من موسىٰ ».

وفي احدىٰ الروايات : قال : فأدبر عليٌّ مسرعاً ، كأنِّي أنظر إلىٰ غبار قدميه يسطع .. وبلا شكٍّ لقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليٍّ عليه السلام هذه المقالة ، وقد استخلفه في المدينة وكشف عن منزلته منه ، وعن منزلته بعده صلّى الله عليه وآله وسلّم .. أمّا لماذا راجع عليٌّ عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أمر استخلافه في المدينة فالأصح والأنسب « أن يكون عليٌّ عليه السلام قد عزَّ عليه أن تفوته معركة من معارك الإسلام ، لا سيما وأنَّه يتَّجه إلىٰ عدوٍّ يفوق المسلمين بعدده وعتاده عشرات المرَّات ، فكان يتمنَّىٰ أن يبقىٰ إلىٰ جانبه يفديه بنفسه وروحه ، كما كان يصنع في بقية المعارك ، وعندما أشعر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك أجابه بتلك الكلمات التي اتَّفق عليها المؤرِّخون والمحدِّثون » (98).

هذا، ولم يكن قوله له : « أما ترضىٰ أن تنزل منَّي بمنزلة هارون من موسىٰ الا انه لا نبي بعدي » مختصّاً بهذا الموقف ، فقد قال له ذلك مرات عديدة سجّل التاريخ وكان هذا الحديث من أوضح الأدلة علىٰ استخلافه من بعده على عموم المسلمين في بحوث مفصّلة مذكورة في كتب العقائد (99).

الهوامش

1. سير اعلام النبلاء ( سيرة الخلفاء الراشدين ) : ٢٢٨.

2. فضائل الإمام علي / محمَّد جواد مغنية : ٩٦.

3. طبقات ابن سعد ٢ : ٩.

4. أي بعد قدومه المدينة بثمانية عشر شهراً، أنظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٤.

5. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ٨.

6. فضائل الإمام علي : ٩٦.

7. برك الغماد : مدينة الحبشة ، تبعد عن مكَّة مسيرة خمس ليال من وراء الساحل. انظر سيرة الأئمة الاثني عشر / الجزء الأول.

8. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٦.

9. سورة الأنفال : ٦١.

10. ذكر ابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٢٥ عوف ومعوَّذ ابنا عفراء ، وعبد الله بن رواحة ، كلَّهم من الأنصار.

11. طبقات ابن سعد ٢ : ١٢.

12. ارشاد المفيد ١ : ٦٨.

13. الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢.

14. انظر إرشاد المفيد ١ : ٧٠ ـ ٧١.

15. نهج البلاغة ، الكتاب : ٦٤.

16. انظر : الطبقات الكبرى ٢ : ٣٠ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٤٧ ، الارشاد ١ : ٨٠ باختلاف.

17. انظر الكامل في التاريخ ٢ : ٤٧.

18. ارشاد المفيد ١ : ٨٨.

19. إعلام الورىٰ ١ : ٣٧٨.

20.أُسد الغابة ٤ : ١٠٦.

21. إعلام الورىٰ ١ : ٣٧٩.

22. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ٤٣ ـ ٤٤.

23. الطبقات الكبرىٰ : ٤٤، وابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٧٤.

24. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٩.

25. إعلام الورىٰ ١ : ١٨٨.

26. طبقات ابن سعد ٢ : ٥٠.

27. الكامل في التاريخ ٢ : ٧٠.

28. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠.

29. الكامل في التاريخ ٢ : ٧٠.

30. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠.

31. طبقات ابن سعد ٢ : ٥٢.

32. ارشاد الشيخ المفيد ١ : ١٠٠.

33. قال أبو الخير أستاذ أبن أبي الحديد : « والله ما طلب عمرو الرجوع من عليٍّ إلّا خوفاً منه ، فقد عرف قتلاه ببدر وأُحد ، وعلم إن هو بارز علياً قتله عليٌّ ، فاستحىٰ أن يظهر الفشل ، فأظهر هذا الإدِّعاء ، وإنَّه لكاذب ». أنظر فضائل الإمام علي : ١١٣.

34. الارشاد ١ : ١٠٢ ، وإعلام الورىٰ ١ : ٣٨١.

35. ارشاد القلوب ٢ : ٢١٨.

36. سورة البقرة : ٢٥١.

37. انظر إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٢.

38. سورة البقرة : ٢٤٩.

39. ارشاد القلوب ٢ : ٢١٨ بتفاوت.

40. سورة الاحزاب : ٣٣ / ٩.

41. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٢.

42. طبقات ابن سعد ٢ : ٥٧.

43. الكامل في التاريخ ٢ : ٧٥.

44. انظر إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٢.

45. الطبقات الكبرىٰ لابن سعد ٢ : ٧٢.

46. الكامل في التاريخ ٢ : ٨٦.

47. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٤.

48. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٤.

49. حسب رواية ابن الأثير في الكامل في تاريخ ٢ : ٩٠.

50. إعلام الورىٰ ١ : ٣٧٢.

51. ذكر في إعلام الورىٰ ١ : ٣٧٢ انَّه قال : « إنَّه والله لرسول الله علىٰ رغم أنفك » ، فقال له صلّى الله عليه وآله وسلّم : « امحها يا علي » ، فقال له : « يا رسول الله ، إنَّ يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوَّة ».

52. « ستدعىٰ إلىٰ مثلها فتجيب ، وأنت علىٰ مضض » ، كذا ذكرها مسلم في صحيحه ٣ : ١٤٠٩ / ٩٠.

53. انظر تفاصيل ذلك في : الكامل في التاريخ ٢ : ٩٠ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٧٤.

54. صحيح الترمذي ٥ : ٦٣٤ / ٣٧١٥ ، إرشاد المفيد ١ : ١٢٢ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٢٩٨ ، إعلام الورىٰ ٢ : ٢٧٣ ، باختلاف.

55. طبقات ابن سعد ٢ : ٨١.

56. فضائل الإمام علي : ١١٦.

57. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ٨١.

58. انظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٠٠ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٨١.

59. تاريخ الطبري ٣ : ٩٣ ، المستدرك وتلخيصه للذهبي ٣ : ٣٧.

60. طبقات ابن سعد ٢ : ٨٥ ، وزاد علىٰ ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء ( الخلفاء الراشدون ) : ٢٢٨ : « ويفتح الله علىٰ يديه » ، صحيح البخاري ـ كتاب الفضائل ٥ : ٨٧ / ١٩٧ و ١٩٨ ، صحيح مسلم ـ كتاب الفضائل ٤ : ١٨٧١ / ٣٢ ـ ٣٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٨ / ٣٧٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ / ١١٧ ، مسند أحمد ١ : ١٨٥ ، ٥ : ٣٥٨ ، المستدرك ٣ : ١٠٩ ، الخصائص للنسائي : ٤ ـ ٨ ، تاريخ الاسلام للذهبي ـ المغازي : ٤٠٧ ، الاستيعاب ٣ : ٣٦.

61. الكامل في التاريخ ٢ : ١٠١.

62. ابن هشام / السيرة البوية ٣ : ٢٦٧ ( ذكر المسير إلىٰ خيبر ).

63. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ٨٤.

64. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ٨٥ ، سير أعلام النبلاء ( الخلفاء الراشدون ) : ٢٢٨.

65. ابن الأثير في تاريخه : ١٠١.

66. انظر : ابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٠١ ، وابن سعد في طبقاته ٢ : ٨٥ ، مع اختلاف يسير.

67. ابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٠٢.

68. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٦ ، وانظر : سير أعلام النبلاء ( الخلفاء الراشدين ) : ٢٢٩.

69. ارشاد القلوب ٢ : ٢١٩.

70. إعلام الورىٰ ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، ابن المغازلي / المناقب : ٢٢٧ / ٢٨٥ وقطعة منه في مجمع الزوائد ٩ : ١٣١ ، ومناقب الخوارزمي : ٢٢.

71. إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٢.

72. انظر : الكامل في التاريخ ٢ : ١١٠ وفيها اختلاف حيث لم يذكر من كان قبله !.

73. الإرشاد ١ : ١١٣ ـ ١١٦ ، إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٢.

74. انظر : إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٣ ، إرشاد المفيد ١ : ١١٦ ـ ١١٧.

75. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ١٠٢.

76. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ١٠٢.

77. الارشاد ١ : ٥٧.

78. إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٥ ، وانظر ابن الأثير / الكامل في التاريخ ٢ : ١٢٢.

79. طبقات ابن سعد ٢ : ١٠٣ ، وانظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٢٣ ، وفيه ثمانية رجال وأربع نسوة.

80. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٩ ، وانظر الطبقات لابن سعد ٢ : ١١٠.

81. انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦١ ، إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٦ ، إرشاد المفيد ١ : ٥٥.

82. ابن سعد في طبقاته ٢ : ١١٤.

83. طبقات ابن سعد ٢ : ١١٤.

84. انظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٣٦.

85. انظر : طبقات ابن سعد ٢ : ١١٥ ، ابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٣٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٢ ، إعلام الورىٰ ١ : ٣٦٨.

86. ابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٣٧.

87. طبقات ابن سعد ٢ : ١١٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٣٧.

88. ابن الأثير في تاريخه ٢ : ١٣٧.

89. إعلام الورىٰ ١ : ٣٨٧ ، وروىٰ ذلك المفيد في الارشاد ١ : ١٤٤.

90. الكامل في التاريخ ٢ : ١٣٩.

91. الطبقات الكبرىٰ ٢ : ١٢٥.

92. إعلام الورىٰ ١ : ٢٤٣.

93. الارشاد ١ : ١٥٥.

94. الكامل في التاريخ ٢ : ١٥٠ ، وانظر الاصابة في تمييز الصحابة ٢ : ٥٠٧ ترجمة الامام علي ، وسير أعلام النبلاء ( سيرة الخلفاء الراشدين ) : ٢٢٩ ، وأخرجه الترمذي ٢٩٩٩ و ٣٧٢٤ وقال : صحيح غريب.

وانظر طرق الحديث عن الصحابة في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي ١ : ٣٠٦ ـ ٣٩٠.

95. إعلام الورىٰ ١ : ٢٤٤.

96. الارشاد ١ : ١٥٦.

97. طبقات ابن سعد ٣ : ١٧.

98. سيرة الأئمة الاثني عشر ١ : ٢٣٩.

99. راجع السيد علي الميلاني / نفحات الازهار ـ حديث المنزلة.

مقتبس من كتاب : الإمام علي عليه السلام سيرة وتأريخ / الصفحة : 65 ـ 101

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية