حبس هارون للإمام الكاظم عليه السلام ـ المرّة الأولى

البريد الإلكتروني طباعة

حبس هارون للإمام الكاظم عليه السلام ـ المرة الأولى

كان هارون يعرف أن الإمام الكاظم عليه السلام إمام من الله تعالى ، بل كان كل ملوك بني أمية والعباس يعرفون جيداً أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين عاصروهم . فهم حقاً كما قال الله تعالى : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا !

ومع علم هارون بمقام الإمام عليه السلام أحضره الى بغداد واحترمه في الظاهر ، وجلس معه عدة مجالس ، وحاول قتله مراراً فلم يتيسر له ذلك ، فأطلقه !

كان ذلك في أول خلافة هارون سنة 170 ، ففي تلك السنة ولد الأمين فوضعه في حجر جعفر بن الأشعث الشيعي ( الطبري : 6 / 444 ) ، وحسده يحيى بن خالد البرمكي ، وأخذ يعمل ضد ابن الأشعث وضد الإمام الكاظم عليه السلام قال المسعودي في إثبات الوصية / 193 : « بويع لهارون الرشيد في شهر ربيع الأول في تلك السنة سنة سبعين ومائة في اثنتين وعشرين سنة من إمامة أبي الحسن ، فوجه في حمل أبي الحسن عليه السلام ، فلما وافاه الرسل دعا أبا الحسن الرضا عليه السلام وهو أكبر ولده فأوصى إليه بحضرة جماعة من خواصه ، وأمره بما احتاج إليه ، ونحله كنيته وتكنى بأبي إبراهيم ، ودفع إلى أم أحمد مالاً وكتباً وقال لها سراً : من أتاك فطلب منك ما دفعته إليك وأعطاك صفته فادفعيه إليه ، ودفع إليها رقعة مختومة وأمرها بأن تسلمها معها قبلها إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام إذا طلبها ، وأمر أبا الحسن أن يبيت في كل ليلة في دهليز داره أو على بابه أبداً ما دام حياً يعني نفسه ».

وفي مروج الذهب : 2 / 2 ، وط . مصر : 2 / 356 : « ذكر عبد الله بن مالك الخزاعي وكان على دار الرشيد وشرطته ، قال : أتاني رسول الرشيد في وقت ما جاءني فيه قط فانتزعني من موضعي ومنعني من تغيير ثيابي ، فراعني ذلك منه ! فلما صرت إلى الدار سبقني الخادم فعرَّفَ الرشيد خبري فأذن لي في الدخول عليه ، فدخلت فوجدته قاعداً على فراشه فسلمت ، فسكت ساعة فطار عقلي وتضاعَفَ الجزع عليَّ ، ثم قال لي : يا عبد الله أتدري لم طلبتك في هذا الوقت ؟

قلت : لا والله يا أمير المؤمنين ! قال : إني رأيت الساعة في منامي كأن حَبَشِيّاً قد أتاني ومعه حربة فقال لي : إن تُخَلِّ عن موسى بن جعفر الساعة ، وإلا نحرتك بهذه الحربة ! فاذهبْ فخلّ عنه !

فقلت : يا أمير المؤمنين أطلقُ موسى بن جعفر ؟! ثلاثاً ، قال : نعم ، إمض الساعة حتى تطلق موسى بن جعفر ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : إن أحببت المقام قِبَلَنَا فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضيَّ إلى المدينة ، فالإذن في ذلك إليك ! قال : فمضيت إلى الحبس لأخرجه ، فلما رآني موسى وثب إلي قائماً وظن إني قد أمرت فيه بمكروه ! فقلت : لا تخف ، وقد أمرني أمير المؤمنين بإطلاقك ، وأن أدفع إليك ثلاثين ألف درهم وهو يقول لك : إن أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب ، وإن أحببت الإنصراف إلى المدينة فالأمر في ذلك مُطْلَقٌ إليك وأعطيته الثلاثين ألف درهم وخليت سبيله وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجباً !

قال : فإني أخبرك : بينما أنا نائم إذ أتاني النبي صلّى الله عليه وآله فقال : يا موسى حُبست مظلوماً& فقل هذه الكلمات ، فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس ! فقلت : بأبي وأمي ما أقول ؟ فقال : قل يا سامع كل صوت ، ويا سابق الفوْت ، ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت أسألك بأسمائك الحسنى ، وبإسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون ، الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين ، يا حليماً ذا أناة لا يُقْوي على أناته يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً ، ولا يُحْصَى عمداً ، فرِّجْ عني . فكان ما ترى » !

أقول : وروى نحوه في وفيات الأعيان : 5 / 308 ، وتأتي روايته من مصادرنا ، وهو يدل على أمور عديدة :

منها : عنف هارون وقسوته حتى أن كبار وزرائه وموظفيه يتوقع أحدهم أن يُحضره نصف الليل ويقتله ، دون أن يعرف السبب !

ومنها ، يدل تعجب رئيس الشرطة وسؤاله لهارون ثلاثاً عن أمره بإطلاق الإمام عليه السلام ، على أن هارون كان أحضره ليقتله !

ومنها ، أن ذلك كان في حياة والدته خيزران لأنها ماتت سنة 173 ، وأنها لم تتدخل لإطلاق الإمام عليه السلام ، وقد تكون وافقت على رأي يحيى البرمكي بضرورة قتل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.

كما تدل على أن الأمر بإطلاقه عليه السلام كان في الليالي الأولى لسجنه عليه السلام في تلك المرة وربما في الليلة الأولى ، ففي مناقب آل أبي طالب : 3 / 422 : « لما حبس هارون الكاظم عليه السلام جَنَّ عليه الليل فجدد موسى طهوره ، فاستقبل بوجهه القبلة وصلى أربع ركعات ثم دعا فقال : يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده ، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص الروح من بيت الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون الرشيد ! قال : فرأى هارون رجلاً أسود بيده سيف قد سله ... الخ. »

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 87 : « لما حبس الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام جَنَّ عليه الليل ، فخاف ناحية هارون أن يقتله ، فجدد موسى بن جعفر طهوره فاستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عز وجل أربع ركعات ، ثم دعا بهذه الدعوات فقال : يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده. يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من الحديد والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون. قال : فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه ، وبيده سيف قد سله فوقف على رأس هارون وهو يقول : يا هارون أطلق موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا ! فخاف هارون من هيبته ، ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب فقال له : إذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر ! قال : فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال : من ذا ؟ قال : إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك وأطلق عنه ، فصاح السجان : يا موسى إن الخليفة يدعوك فقام موسى عليه السلام مذعوراً فزعاً وهو يقول : لا يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريده بي ، فقام باكياً حزيناً مغموماً آيسا من حياته ، فجاء هارون وهو ترتعد فرائصه ، فقال : سلام على هارون فرد عليه السلام ، ثم قال له هارون : ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذا الليل بدعوات ؟ فقال : نعم. قال : وما هن ؟ قال : جددت طهوراً وصليت لله عز وجل أربع ركعات ورفعت طرفي إلى السماء وقلت : يا سيدي خلصني من يد هارون وشره ، وذكر له ما كان من دعائه فقال هارون : قد استجاب الله دعوتك ! يا حاجب أطلق عن هذا ، ثم دعا بخلع عليه ثلاثاً وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديماً لنفسه ، ثم قال : هات الكلمات فعلمه قال : فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه الدار ويكون معه فصار موسى بن جعفر عليه السلام كريماً شريفاً عند هارون ، وكان يدخل عليه في كل خميس ، إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي شاهك وقتله بالسم ».

وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 73 ، والمفيد في الإختصاص / 59 رواية مشابهة عن وزير الرشيد الفضل بن الربيع ، وأنه طلب من الإمام عليه السلام أن يعلمه الصلاة والدعاء اللذين علمه إياهما النبي صلّى الله عليه وآله في منامه.

مقتبس من كتاب : الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد / الصفحة : 189 ـ 193

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية