السؤال : إذا كان الله تعالى هو الذي قد عصم الأنبياء ونزههم عن ارتكاب المعاصي حيث يلزم من ذلك أنّه ضمن ممارستهم للوظائف والتكاليف ، فإنّه في هذه الحالة سوف لا تثبت لهم أيّة ميّزة اختيارة ولا يستحقّون أيّ ثواب لممارستهم الوظائف والاجتناب عن المعاصي ، لأنّ الله تعالى لو جعل أيّ شخص آخر معصوماً لكان مثلهم تماماً ، لأنّه تعالى هو الذي منحة العصمة ووفّرها فيه ؟
الجواب : روى الصدوق أعلى الله مقامه في [ كتاب معاني الأخبار / 132 ] ، بسنده عن حسين الأشقر ، قال : قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم إنّ الإمام لا يكون إلّا معصوماً ؟ فقال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : « المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [ آل عمران : 101 ] » . انتهى.
وهذا الإمتناع بالله تعالى يكون بألطافه وعناياته وتوجيهه عزّ وجلّ بحيث يختار المعصوم الطاعة دائماً ولا يقع في المعصية ، وليس ذلك إجباراً من الله للمعصوم ، لأنّ قدرته على المعصية موجودة لكنّه لا يختارها أبداً ..
ولتقريب المعنى نقول : إنّ كل إنسان « معصوم نسبياً » عن عدد من الاُمور بحيث يعلم كلّ من يعرفه أنّه لا يرتكبها ، ولو جاءهم شخص وأخبرهم أنّه رآه يعمل كذا أو يقول كذا .. لقالوا له : هذا لا يكون ولا يصدر منه .. مع أنّه يقدر على ذلك.
فالعصمة الإلهيّة للأنبياء والأوصياء عليهم السلام لا تعني سلبهم القدرة على معصيته ومخالفته ، بل تعني وصولهم إلى درجة كمال لا يرتكبون معها المعصية.
أمّا قولك إنّ الله تعالى لو جعل أيّ شخص معصوماً لكان مثلهم تماماً ، فهو صحيح ، ولكن الله تعالى لا يعطي العصمة إلّا باستحقاق ، ولا يعصم إلّا من يعلم أنّه لو لم يعصمه ، لكان في درجة يستحقّ معها العصمة.
وحتّى الذين عصمهم من صغرهم ، فإنّ هذا يكشف أنّه لو لم يعصمهم من الصغر لبلغوا بطاعتهم مرتبة يستحقّون معها العصمة في الكبر .. ( إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) [ الإسراء : 30 ] ، كما أنّ نبوّة عيسى ويحيى صلّى الله عليه وآله أعطاها الله لهما بإستحقاق ، لعلمه بأنّهما لو يعطيها لاستحقاها. وهو شبيه بأن تعطى النتيجة للطالب النابغة المستقيم للثقة الكاملة به قبل أن يكمل الجامعة.
التعليقات
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة