إسناد الذنب إلى النبيّ ص في القرآن؟
السؤال : قوله تعالى في سورة طه : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } . هل هناك ذنب على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب : من سماحة السيّد علي الحائري
الذنب الذي يُسنده القرآن الكريم إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض الآيات ومنها هذه الآية المذكورة في السؤال ، والتي هي ليست في سورة طه وإنّما هي في سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الآية: 19، وكذلك العصيان الذي يسنده القرآن الكريم إلى أحد الأنبياء (سلام اللّه عليهم) ، وكذلك الذنب أو العصيان الذي يسنده المعصوم إلى نفسه في بعض الأدعية الشريفة كدعاء كميل وأمثاله ، يختلف معناه تماماً عن الذنب والعصيان الذي يُسند إلى سائر الناس ، فهو ليس بمعنى إرتكاب الإثم ، وفعل الحرام ؛ فإنّ هذا بعيد غاية البُعد عن المعصومين سواء الأنبياء أو الأئمة (عليهم السلام) ؛ فإنّهم جميعاً معصومون عن المعاصي والذنوب ، وإرتكاب المحرّمات ، ومعصومون أيضاً عن الخطاً والسهو والنسيان بل معناه كما قال علماؤنا (رضوان اللّه تعالى عليهم) في عبارتهم المشهورة : « حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين » .
إنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) نظراً إلى أنّهم المقرَّبون عند اللّه تعالى ، وهم خواصّ اللّه ، وخالصته ، وصفوته ، ويرون أنفسهم دائماً في محضره تبارك وتعالى ، وما يكن أمامه وبالقرب منه ، لذا فهم يشعرون دوماً بالتقصير تجاهه ؛ فانّ القُرب من معدن العظمة والجبروت يوجب الخوف والشعور بالتقصير مهما أطاع وأمتثل وأجهد نفسه بالعبادة والانقياد وتنفيذ ما أمر اللّه تعالى به ، فهم دائماً يعتبرون أنفسهم مذنبين بالقياس إلى مقام قُربهم عند اللّه تعالى ، ويرون أدنى غفلة قلبية عن المحبوب والكمال المطلق تبارك وتعالى ذنباً وتقصيراً منهم تجاهه ، رغم أنّهم مهتمّون غاية الاهتمام بإمتثال أوامره ونواهيه ، وليس ذلك إلّا لأنّهم يرون أنّ قيمة أعمالهم إنّما هي بمقدار توجّه نفوسهم ، وانجذاب قلوبهم إليه تبارك وتعالى ، فإذا انقطعوا عن هذا التوجّه التامّ ولو لحظةً ، وبأدنى غفلة قلبية رأوا أنفسهم كأنّهم أعرضوا عن المحبوب ، وانقطعوا عن ذكره ، وأبطلوا طهارة قلوبهم بذلك ، حتّى أنّ الاشتغال بضروريات الحياة من أكل وشرب وغيرهما يُعَدّ عندهم ذنباً بالقياس إلى موقعهم القريب جدّاً من الباري تعالى نظراً إلى أنّ الاشتغال بها اشتغال بغير المحبوب ، وإعراض عنه اختياراً ، وهو ذنب في عالم الحُبّ والقُرب من المحبوب ، وإن لم يكن ذنباً في عالم التشريع والتقنين .
إذاً : فالذنب لا يعني فقط مخالفة الأوامر والنواهي المولوية الشرعية ، وبتعبير آخر مخالفة القوانين ؛ فإنّ المخالفة القانونية هي في الواقع مرتبة من مراتب الذنب ، والأنبياء والأئمة (سلام اللّه عليهم) معصومون عنها ، ومنزّهون عن إرتكابها ، لكن هناك مراتب أخرى من الذنب ، فهناك ـ وراء الذنب في عالم الشرع والقانون ـ مرتبة الذنب في عالم العقل ، وهي مخالفة المدركات العقلية العلمية ، ومرتبة الذنب في عالم الأدب ، وهي مخالفة الأدب ، ومرتبة الذنب في عالم الحُبّ ، وهي مخالفة ما يقتضيه الحُبّ ، والقُرب من الحبيب وإن لم تكن هذه المخالفة في حدّ نفسها مخالفة قانونية ومعصية ومحرّماً من المحرّمات وسيّئة من السيّئات ، بل ربّما تكون في نفسها عملاًَ حسناً وصالحاً ، لكنّها بالنسبة إلى المقرَّبين منه تبارك وتعالى ، والخاصّين لديه تُعتبر في منطق الحُبّ وعالم القرب سيّئةً وذنباً ؛ فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين .
هذا ما قد نفهم من الآية الشريفة ، وفيها وجوه أخرى مذكورة في التفاسير ، واللّه العالم.
إنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) نظراً إلى أنّهم المقرَّبون عند اللّه تعالى ، وهم خواصّ اللّه ، وخالصته ، وصفوته ، ويرون أنفسهم دائماً في محضره تبارك وتعالى ، وما يكن أمامه وبالقرب منه ، لذا فهم يشعرون دوماً بالتقصير تجاهه ؛ فانّ القُرب من معدن العظمة والجبروت يوجب الخوف والشعور بالتقصير مهما أطاع وأمتثل وأجهد نفسه بالعبادة والانقياد وتنفيذ ما أمر اللّه تعالى به ، فهم دائماً يعتبرون أنفسهم مذنبين بالقياس إلى مقام قُربهم عند اللّه تعالى ، ويرون أدنى غفلة قلبية عن المحبوب والكمال المطلق تبارك وتعالى ذنباً وتقصيراً منهم تجاهه ، رغم أنّهم مهتمّون غاية الاهتمام بإمتثال أوامره ونواهيه ، وليس ذلك إلّا لأنّهم يرون أنّ قيمة أعمالهم إنّما هي بمقدار توجّه نفوسهم ، وانجذاب قلوبهم إليه تبارك وتعالى ، فإذا انقطعوا عن هذا التوجّه التامّ ولو لحظةً ، وبأدنى غفلة قلبية رأوا أنفسهم كأنّهم أعرضوا عن المحبوب ، وانقطعوا عن ذكره ، وأبطلوا طهارة قلوبهم بذلك ، حتّى أنّ الاشتغال بضروريات الحياة من أكل وشرب وغيرهما يُعَدّ عندهم ذنباً بالقياس إلى موقعهم القريب جدّاً من الباري تعالى نظراً إلى أنّ الاشتغال بها اشتغال بغير المحبوب ، وإعراض عنه اختياراً ، وهو ذنب في عالم الحُبّ والقُرب من المحبوب ، وإن لم يكن ذنباً في عالم التشريع والتقنين .
إذاً : فالذنب لا يعني فقط مخالفة الأوامر والنواهي المولوية الشرعية ، وبتعبير آخر مخالفة القوانين ؛ فإنّ المخالفة القانونية هي في الواقع مرتبة من مراتب الذنب ، والأنبياء والأئمة (سلام اللّه عليهم) معصومون عنها ، ومنزّهون عن إرتكابها ، لكن هناك مراتب أخرى من الذنب ، فهناك ـ وراء الذنب في عالم الشرع والقانون ـ مرتبة الذنب في عالم العقل ، وهي مخالفة المدركات العقلية العلمية ، ومرتبة الذنب في عالم الأدب ، وهي مخالفة الأدب ، ومرتبة الذنب في عالم الحُبّ ، وهي مخالفة ما يقتضيه الحُبّ ، والقُرب من الحبيب وإن لم تكن هذه المخالفة في حدّ نفسها مخالفة قانونية ومعصية ومحرّماً من المحرّمات وسيّئة من السيّئات ، بل ربّما تكون في نفسها عملاًَ حسناً وصالحاً ، لكنّها بالنسبة إلى المقرَّبين منه تبارك وتعالى ، والخاصّين لديه تُعتبر في منطق الحُبّ وعالم القرب سيّئةً وذنباً ؛ فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين .
هذا ما قد نفهم من الآية الشريفة ، وفيها وجوه أخرى مذكورة في التفاسير ، واللّه العالم.