كيف يمكن إثبات الإمامة عقلاًً؟
السؤال : كيف يمكن أن نثبت عقيدة الإمامة عقلا إثباتاً قطعياً خصوصاً أنّ بعض الأدلة التي نستند إليها قابلة للرد عليها ، كوجوب وجود شخص يعلم الحكم الواقعي لكل مسالة ، ويعرف التفسير الواقعي لكل محكم و متشابه في القرآن ، لكي لا تضل الاُمّة ؛ فإنّ هذا الشخص غائب ، والاُمّة تعتمد على اجتهادات فقهاء الشيعة والسنة ؛ وذلك من غير قطع بالحكم الواقعي ؟ فإن قلنا : معالم مدرسة أهل البيت قد اتضحت ، ولم تعد هنالك تلك الحاجة الملحة ؛ لأن يكون الإمام ظاهراً بيننا , قال المخالف : أن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله كانت قد اتضحت معالم الإسلام ، ويكفي الرجوع إلى اجتهادات الصحابة ، و بذلك تنتفي الحاجة لوجود إمام . فكيف نحل هذا الإشكال ؟
الجواب : من سماحة الشيخ هادي العسكري
قال الله الحكيم في كتابه الكريم:{ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ }(ص/26).
جاء في الحديث ما مضمونه ومعناه : إنّ داوود على نبينا وآله وعليه السلام عندما جلس للحكم طلب من الله أن يحكم بالواقع كما هو في علم الله ، فجاءهُ شيخ كبير مع شاب مدّعياً عليه أنّه دخل بستانه وسرق من اثماره ، والمتهم معترف بالسرقة غير منكر لها ، فهبط جبرئيل على داوود واخبره : ليس الواقع كالمعترف به ، والشاب ليس بسارق بل الشيخ قتل أباه وهو طفل صغير وغصب بستانه ، فعليه أن يحكم بالبستان للشاب ويرجعه إليه ، ويخيّر المتهم بحق القصاص لأبيه ، هذا ما هو الواقع من علمي وفي غيره أنت احكم بالظاهر وبالأيمان والبينات ، والواقع جعلته مذخوراً عندي إلى يوم الحساب ، يوم تتلى فيه السرائر ، ويوم يكشف عن ساق ، ويوم لا يغادر صغيرة ولا كبيره إلا احصاها ، وأمّا الدنيا فالحكم فيها عند مجموع الأنبياء وبما فيهم نبينا محمّد صلى الله عليه وآله الذي قال : إنّما اقضي بينكم بالأيمان والبينات بالظاهر ، وليس لهم الحكم بالواقع.
والشيعة اعلى الله كلمتها ، ورفع في الأرض اعلامها ، عندما اثبتت بالأدلة القاطعة والبراهين الواضحة الحاجة إلى الإمام ووجوده في كل عصر قالت : ولا يجوز في حكمة الله أن يخلو زمان عنه ، لم تدّعي لزوم وجوده لكي يحكم بالواقع ، بل باختصار واقتصار .
وكلمة الحق والقول الصواب ما قاله الخليل من بن أحمد عندما سئل : ما الدليل على إمامة علي عليه السلام ؟
فاجاب : غناه عن الكل ، وحاجة الكل إليه ، دليل إمامته على غيره ، وتقدمه على كل من سواه .
نعم هذا هو المعيار في شخصية الإمام ، والميزان لمعرفة القائد العام والخاص ، والحافظ لشريعة سيد الأنام ، والحامل لرسالة الإسلام ، والوحيد المسؤول عن أحكام الحلال والحرام ، وهل هذا الواقع المر، والانحطاط ، والتأخر والتخلف والتدهور الذي اصاب المسلمين ، ونحن نلمسه ونعانيه إلا من جرّاء غصب الإمامة من مستحقها ، وانحراف الحق عن أهله ، وتصدّى للخلافة من لا يعرف معنى الإب والكلالة ، ومن نادى بالإقالة ، وكان نقيض العصمة ، وحليف العثرة والزلة وجاهل ، ثمّ بعيد عن الكتاب والسنة ، ومن هو مثال الغلظة والقسوة ، والمعترف بأنّ ربّات الحجال أكثر منه علماً ومعرفة ، ولم يحفظ من القرآن سورة ، بل كان مخالفاً للقرآن، ومانعاً من تدوين السنة.
نعم ، الرجوع إلى الصحابة ، وتصحيح الخلافة ، ونسبة الاجتهاد لكل جاهل وباطل وسوقة وساقه اوجب الإمارة لمعاوية ويزيد ، ومروان والوليد ، بل كل سافل وساقط ولقيط وسفاك عتيد ، وإخوة وأبناء كل شيطان مريد ، فهنيئاً لأهل السنة وأئمتها ، ومبروك لها قادتها ؛ إذ تجعل الخلافة التي هي صنو النبوة والرسالة لكل هؤلاء الظلمة السفلة ، وتوجب الاطاعة لكل أمير تقمصّ بالإمارة براً كان أو فاجراً ، حتى لو كان مخالفاً للقرآن ومبتدعاً ، وهل غير هذا يكون عاقبة الذين اساؤوا السوء ؟ ! أو جزاء الذين لم يقبلوا أئمة الهدى ، وتركوا عترة النبي المصطفى ، كلا ثمّ كلا ، ثمّ كلا ، والعافية لأهل التقى عاقبة لمن ترك العصبية العمياء ورجع إلى الهدى .