كيف تفسّرون الوسيلة بشخص وقد نفى الله ذلك في آياته ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

استناداً على قوله تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) ، المقصود بالوسيلة هنا الطريقة المقرّبة لله. المعروف انّه ما من طريقة مقرّبة لله إلّا الإيمان به وعمل الصالح ، وذلك ذكر بقوله تعالى : ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ).

وأيضاً اُضيف على ذلك انّ الدعاء عبادة والعبادة لله وحده ، فلا يجوز إشراك أيّ شخص مهما كانت منزلته عند الله ومهما كان صالحًا تقيّاً ، فالله يقول في محكم كتابه : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ).

تأمّل في تلك الآيات كيف تشرك في عبادة جليلة كالدعاء عبداً لله مثلنا ؟ كيف لكم ان تفسّرون الوسيلة بشخص وقد نفى الله ذلك في آياته كما ذكرت سابقاً ؟

الجواب :

أمّا قوله : ( ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) ، فمن الخطأ جدّاً تخصيص الوسيلة بالعقائد والأعمال الصالحة ، فانّه مطلق يشمل كلّ ما يتوسّل به الإنسان للوصول إلى مرضات الله تعالى سواء كان بالعلم والعبادة أو تحرى مكارم الأخلاق أو الاستشفاع بالنبي وآله الأطهار عليهم السلام.

ففي النهاية لابن الأثير :

( وسل ) في حديث الأذان « اللَّهُمَّ آتِ محمداً الوَسِيلَة » هي في الأصْل ما يُتَوَصّلُ به إلى الشَّيْء ويُتَقَرِّبُ به ، وجَمْعُها وسَائِلُ. يُقال : وَسَلَ إليه وَسيلَة وتَوَسَّل. والمُراد به في الحديث القُرْبُ من الله تعالى.

وقِيل هي الشَّفاعَة يومَ القِيامة.

وقِيل : هي مَنْزِلة من مَنازِل الجنَّة كما جاء في الحديث. (1)

وكيف يكون الإيمان أو العبادة هو المراد من الوسيلة مع انّ الخطاب متوجّه الى المؤمنين ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (2) ، فقد فرض في الآية تحقّق الايمان والتقوى الذي هو عبارة عن الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات ، ومعذلك يأمر بابتغاء الوسيلة.

وقد ورد عن الزهراء عليها السلام في خطبتها انّها قالت : ونحن وسيلته في خلقه (3).

وكما ان ابن حجر نقل في الصواعق المحرقة عن الشافعي : امام الشافعيّة قوله :

آل النبي ذريعتي

 

وهم اليه وسيلتي

أرجو بأن اعطى غداً

 

بيد اليمين صحيفتي (4)

وقال الزمخشري في الكشاف :

الوسيلة : كل ما يتوسل به أي يتقرّب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك ، فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي. (5)

وقد طبّق عمر بن الخطاب الوسيلة على العبّاس بن عبد المطلب.

حديث رواه البخاري في الصحيح :

اَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كانَ اِذا قَحَطُوا اسْتَسْقى بِالْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ  فَقالَ : اللّهُمَّ كُنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِنَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتسقينا وَاِنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسْقِنا قالَ فَيُسْقَوْنَ. (6)

قال الرفاعي :

فان صح هذا الجواز شرعاً ... فنحن من أسبق الناس إلى الأخذ به ، والعمل بمقتضاه. (7)

وفي أسد الغابة :

واستسقى عُمَرُ بن الخطاب بالعباس رضي الله عنهما عام الرّمَادة لما اشتد القحط ، فسقاهُمُ الله تعالى به ، وأُخصبت الأرض. فقال عمر : هذا والله الوسيلة إلى الله ، والمكان منه. (8)

وفي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني :

قحط الناس فقال عمر أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا به في عمه العباس ، فاتخذوه وسيلة الى الله. (9)

ففيه التصريح بالتوسّل ، وبهذا يبطل قوله من منع التوسّل مطلعا بالاحياء والأموات ، وقول من منع ذلك بغير النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وهناك روايات أخرى يظهر منها انّ المراد من الآيات الناهية عن دعاء غير الله تعالى هو الطلب من غير الله مستقلّاً وبالمباشرة ، ومن دون أن يجعل وسيلة إلى الله تعالى ، فقد توسّل آدم عليه السلام بالنبي محمّد صلّى الله عليه وآله في قبول توبته ، فقال أسألك بحقّ محمّد إلّا غفرت لي ، كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (10).

روى الطبراني في المعجم الصغير :

حدثنا عبد الله بن اسماعيل المدني ، عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :

« لما أذنبَ آدمُ صلّى الله عليه وسلّم الذنبَ الذي رفعَ رأسهُ إلى العرشِ فقالَ : أسألكَ بحقّ محمدٍ الا غفرت لي. فأوحَى اللهُ اليهِ. وما محمّد ؟ ومنْ محمّد ؟ فقال : تباركَ اسمُكَ. لما خُلقتَني رفعتُ رأسي إلى عرشِكَ فإذا فيه مكتوبٌ : لا إله إلا الله محمّد رسولُ اللهِ. فعلمتُ أنَّه ليسَ أحدٌ أعظمَ عندكَ قدراً ، ممنْ جعلتَ اسمَهُ مع اسمكَ ، فأوحَى اللهُ عزَّ وجلَّ إليه : يا آدمُ إنَّه آخرُ النبيينَ مِنْ ذريتكَ ، وإنَّ أمتهُ آخرُ الأممِ من ذريتكَ ولولاهُ يا آدم ما خلقتكَ ». (11)

وهذه الروايات انّما وردت في تفسير القرآن الكريم ، وتبين انّ المراد من الوسيلة أعمّ من العبادة والعمل الصالح ، كما انّ من يتوسّل بالنبي إلى الله تعالى فقد دعا الله تعالى وطلب منه ، لا انّه دعا غير الله.

الهوامش

1. النهاية « لابن الأثير » / المجلّد : 5 / الصفحة : 185 / الناشر : مؤسسة اسماعيليان / الطبعة : 4.

2. المائدة : 35.

3. السقيفة وفدك « للجوهري » / الصفحة : 101 / الناشر : شركة الكتبي للطباعة والنشر / الطبعة : 2.

راجع :

شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : 16 / الصفحة : 211 / الناشر : دار إحياء الكتب العربية.

كشف الغمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام « للإربلي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 208 / الناشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام.

4. المناقب « لابن شهرآشوب » / المجلّد : 2 / الصفحة : 151 / الناشر : علامه / الطبعة : 1.

5. الكشاف « للزمخشري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 628 / الناشر : دار الكتب العربي / الطبعة : 3.

6. صحيح البخاري / المجلّد : 2 / الصفحة : 16 / الناشر : دار الفكر.

7. التوصل إلى حقيقة التوسل « للرفاعي » / الصفحة : 261 / الناشر : دار لبنان للطباعة والنشر.

8. أسد الغابة « لابن الأثير » / المجلّد : 3 / الصفحة : 63 / الناشر : دار الفكر / الطبعة : 1.

9. المواهب اللدنية « للقسطلاني » / المجلّد : 31 / الصفحة : 375 / الناشر : المكتبة التوفيقية.

10. البقرة : 37.

11. المعجم الصغير « للطبراني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 182 / الناشر : المكتب الإسلامي / الطبعة : 1.

راجع :

المستدرك على الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : 2 / الصفحة : 615 / الناشر : دار المعرفة.

دلائل النبوة « للبيهقي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 489 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 1.

الدرّ المنثور « لجلال الدين السيوطي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 58 / الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر.

 
 

أضف تعليق

التوسل

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية