السؤال :
ذكر أهل البيت بركة وخير ، فهل يعني إذا مؤمن قرأ مجلس ولو بسيط في البيت هل هذا المجلس يكون فيه خير بحيث لا يصيب أهله الأمراض خاصّة مثل كروونا الذي أصاب العالم ؟ أليس نقول مجلس عاشوراء فيه بركة ؟
الجواب :
الدعاء والتوسّل وطلب البركة من مجالس أهل البيت عليهم السلام لا ينافي مع مراعات الاحتياطات والجهات الطبيّة والوقائيّة ، بل وهكذا مراعات جميع الأسباب والعلل التكوينيّة ، فانّ الله تعالى أبى ان يجري الأمور إلّا بأسبابها ، والدعاء أو التوسّل انّما هو لتحصيل هذه الأسباب الطبيعيّة أو لضمان تأثيرها.
نعم ، قد يؤثر التوسّل والدعاء وإقامة مجالس العزاء بعد اليأس عن الأسباب الظاهريّة بنحو غيبي وبإعجاز النبي والإمام المعصوم عليهما السلام ، لكن ليس لذلك ضمان قطعي ، إذ هو تابع لإرادة المعصوم عليه السلام وإعمال قدرته بإذن الله تعالى.
فالنبي عيسى عليه السلام أحيى الموتى وأبرء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى (1) ، لكن لم يحيى جميع الموتى كما لم يبرء جميع المرضى. والله تعالى وعد باستجابة الدعاء فقال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (2) ، ولكن معذلك أمرنا ان نتبع في حياتنا الأسباب الطبيعيّة بمعنى تحصيل ما نريده بالعلل التكوينيّة ، ولذا ورد انّ الله تعالى لا يستجيب لمن يدعو للرزق مع قدرته على العمل والكسب ، ولكنّه يترك ذلك ويدعو الله ان يرزقه ؛ فانّ الله يقول له ألم أعطك القدرة على الكسب ، فلماذا تترك ذلك وتدعو للرزق ؟ نعم الذي يشتغل بالكسب والعمل لأجل الرزق يمكن ان يدعو لنجاح عمله وكسبه وحصول البركة في رزقه.
وكذلك ورد انّ نبيّاً من الأنبياء مرض فصار يدعو الله لشفائه ، وقال في نفسه لا أراجع الطبيب حتّى يشفيني الله تعالى ، فأوحى الله إليه لا أعافيك إلّا بعد ان تراجع الطبيب. (3)
فنحن نعتقد ان المجالس الحسينيّة والزيارة والدعاء والتوسّل لها آثار وبركات وكرامات واعجازات ، بل تربة الإمام الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء (4) ، والاستغاثة والتمسح بالمراقد الشريفة توجب الشفاء والعافية ، لكن معذلك نوصي المؤمنين بمراعات الوقاية والاحتياطات والمعالجات الطبيّة ، وهذه وصيّة الأئمّة عليهم السلام أنفسهم.
فإن العلل الطبيعيّة ومنها الفيروسات والمكروبات تؤثر في انحراف صحّة الانسان ، فالذي ابتلي بذلك يمكنه ان يطلب الشفاء من الله تعالى أو الإمام المعصوم عليهم السلام بإذن الله بعد استعمال الأدوية لتؤثر تلك الأدوية في العلاج ، وكذلك مع اليأس عن العلاج بالأدوية إذ يصل حينئذ دور الإعجاز والشفاء بالتوسّل والتبرّك والدعاء. لكن لا ضمان لمن يلقى نفسه في معرض الإصابة بالأمراض ان يستجيب الله تعالى دعائه بالشفاء ، أو ان لا يؤثر فيه أسباب المرض ، كما لا ضمان ان يشفيه النبي أو الإمام عليه السلام بالإعجاز وان كان المأمول منهم ذلك ، لكن الكلام في الضمان وعدم الابتلاء قطعاً.
وممّا يدلّ على ما ذكرناه انّ اغلب عليهم السلام استشهدوا بالسموم التي دسّت اليهم من قبل الظالمين ، وهذا يعني انّ السم قد أثّر في جسم الإمام المعصوم عليه السلام مع انّه كان له القدرة على ان يمنع من تأثير السمّ ، كما حصل للإمام الحسن عليه السلام ذلك مرّات عديدة (5) ، لكنّهم لا يشاؤون إلّا ان يشاء الله ولا يسبقونه بالقول ويعملون ما يؤمرون.
وكذلك نرى الأئمّة عليهم السلام يعالجون أنفسهم (6) ، ويأمرون شيعتهم بعلاجات يصفونها (7) لهم مع قدرتهم على تحصيل الشفاء لهم ولشيعتهم بالإعجاز والكرامة.
وقد ورد عنهم الأمر بالوقاية ، كقولهم عليهم السلام : الحمية رأس كلّ دواء (8).
الهوامش
1. آل عمران : 49 :
أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ
2. غافر : 60.
3. راجع :
جامع السعادات « للنراقي » / المجلّد : 3 / الصفحة : 183 / الناشر : دار النعمان للطباعة والنشر.
4. الكافي « للشيخ الكليني » / المجلّد : 4 / الصفحة : 588 / الناشر : دار الكتب الإسلامية / الطبعة : 5 :
أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن يونس بن الرَّبيع ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنَّ عند راس الحسين عليه السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كلِّ داء إلّا السّام ، قال : فأتينا القبر بعد ما سمعنا هذا الحديث فاحتفرنا عند رأس القبر فلمّا حفرنا قدر ذراع ابتدرت علينا رأس القبر مثل السّهلة حمراء قدر الدِّرهم فحملناها إلى الكوفة فمزَّجناه وأقبلنا نعطي النّاس يتداوون بها.
5. المستدرك على الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : 3 / الصفحة : 173 / الناشر : دار المعرفة :
عن امّ بكر بنت المسورة قالت : كان الحسن بن علي سم مرارا كل ذلك يفلت حتى كانت المرة الاخيرة التي مات فيها ...
6. بحار الأنوار « للعلامة المجلسي » / المجلّد : 42 / الصفحة : 234 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 :
قال أبو الفرج : ثمَّ جمع له أطبّاء الكوفة ، فلم يكن منهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السّلوليّ وكان مطبّباً صاحب الكرسيّ يعالج الجراحات ، وكان من الأربعين غلاماً الّذين كان ابن الوليد أصابهم في عن التمر فسباهم ، فلمّا نظر أثير إلى جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا برية شاة حارّة ، فاستخرج منها عرقاً ثمّ نفخه ثمَّ استخرجه وإذا عليه بياض الدماغ فقال : يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإنّ عدوّ الله قد وصلت ضربته إلى اُمِّ رأسك.
7. بحار الأنوار « للعلامة المجلسي » / المجلّد : 59 / الصفحة : 72 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 :
وروي في سبب هذا الحديث أنّ رجلاً جرح على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : ادعوا له الطبيب ، فقالوا : يا رسول الله ، وهل يغني الطبيب من شيء ؟ فقال : نعم ، ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءً. وفائدة الحديث الحثُّ على التداوي والتشفّي بالمعالجة ومراجعة الطّبّ وأهل العلم بذلك والممارسة، وراوي الحديث هلال بن يساف.
8. بحار الأنوار « للعلامة المجلسي » / المجلّد : 59 / الصفحة : 290 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.