كفاءة الخليفة المنتخب قطعت كيد الأعداء
إنّ تاريخ الإسلام يشهد بأنّ أعداء النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ استخدموا كلّ وسيلة ممكنة لإطفاء نور الرسالة المحمديّة ، وعرقلة مسير الدّعوة الإسلاميّة بدءاً من اتّهام النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بالسحر والشعوذة وانتهاءً بمحاولة اغتياله في فراشه ، ولكنّهم بفضل العناية الإلهيّة ، فشلوا في خططهم جمعاء ، وحفظ الله نبيّه من كيد المشركين والكافرين ، فلم يبق لهم من أمل إلّا أن يموت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيطفئوا جذوة دعوته ، ويخمدوا نور رسالته ـ خاصّة أنّه لم يخَلّف ولداً من الذكور ـ.
وقد حكى الله عن أملهم الشّرير هذا بقوله :
( أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) (1).
ولقد كانت هذه النيّة الخبيثة ، وهذه الفطرة الشّريرة تراود ذهن الكثير من المشركين والمنافقين ، ولم يكن عددهم بين أصحاب النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بقليل.
ولكنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بنصبه خليفة قوياً وجديراً بالخلافة يقود الاُمّة من بعده وقد تحلّى بسوابق جهاديّةٍ وإيمانيّةٍ مشرقةٍ ، وتمتّع بإيمانٍ ، وصدقٍ ، وثباتٍ في سبيل الإسلام ، فوّت الفرصة على المعارضين لرسالته وخيّب آمالهم ، وأبدلها باليأس والقنوط ، وبهذا ضمن بقاء الدين ، ورسّخ قوائمه وقواعده ، وأكمل الله بتعيين القائد والخليفة نعمة الإسلام ، ولهذا نزل قول الله تعالى ـ بعد نصب عليٍّ ـ عليه السلام ـ لخلافة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يوم « غدير خم » ـ :
( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (2). (3)
ثمّ إنّ هناك ـ مضافاً إلى الرّوايات المتواترة المذكورة التي تثبت أنّ مسألة خلافة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مسألة إلهيّة ، وأنّه ليس للنّاس أيّ خيارٍ فيها ـ روايات تحكي عن أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان منذ الأيّام الأولى من دعوته في مكّة ، يوم لم تُشكّل فيها حكومة في المدينة بعد ، يرى أنّ مسألة خلافته مسألة إلهيّة يعود أمر البتّ والتعيين فيها إلى الله وحده دون غيره.
فعندما أتى رئيس قبيلة « بني عامر » إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في موسم الحج مثلاً ، وقال : أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك قال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : الأمرُ إلى اللهِ يَضَعُهُ حيثُ يَشاء (4).
إنّ من البديهيّ أنّ أمر مسألة القيادة والخلافة إذا كانت متروكةً للنّاس ، وانتخابهم لكان على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أن يقول : « الأمر إلى الاُمّة » أو « إلى أهل الحلّ والعقد » ولكن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال غير هذا. وبذلك طابق كلام النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في شأن الخلافة كلام الله تعالى في شأن الرسالة إذ قال :
( أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (5).
الهوامش
1. الطور / 30.
2. المائدة / 3.
3. ولقد اعتبر فريق من الصحابة والتابعين الآية المذكورة مرتبطةً بواقعة « غدير خم » وذلك مثل : أبي سعيد الخدري ، وزيد بن الأرقم ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي هريرة ، ومجاهد المكي.
وللوقوف على روايات الأشخاص المذكورين حول الواقعة المذكورة راجع : كتاب « الولاية » لأبي جعفر الطبري ، والحافظ ابن مردويه الاصفهاني برواية ابن كثير في ج 2 ، من تفسيره ؛ والحافظ أبا نعيم في كتاب « ما نزل من القرآن في عليّ » والخطيب البغدادي في ج 8 من تاريخه ، والحافظ أبا سعيد السجستاني في كتاب « الولاية » والحافظ أبا القاسم الحسكاني في « شواهد التنزيل » ، وابن عساكر الشافعي برواية السيوطي في « الدر المنثور » 2 / 295 ، والخطيب الخوارزمي في كتاب « المناقب ». وعباراتهم موجودة في الغدير 1 / 23 ـ 236.
وقال الفخر الرازي في تفسيره [ ج 3 ص 529 ] إنه لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يعمّر بعد نزولها إلّا أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين يوماً ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ولا نسخ ، ولا تبديل البتّة.
فعلى هذا الأساس لابدّ من القول أنّ هذه الآية نزلت يوم غدير خم. أيّ اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة حجة الوداع. وحيث إنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حسب رأي أهلِ السّنّة توفي في الثاني عشر من ربيع الأوّل ، وكانت الأشهر الثلاثة « ذي الحجّة ، ومحرّم وصفر » 29 يوماً صح أنّه توفي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بعد نزول الآية المذكورة بـ 81 يوماً [ تفسير الفخر الرازي سورة المائدة ، الآية الثالثة ].
4. سيرة ابن هشام : 2 / 422.
5. الأنعام / 124.
مقتبس من كتاب : [ العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 196 ـ 198