تعيين الإمام والخليفة في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم

البريد الإلكتروني طباعة

تعيين الإمام والخليفة في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم

والآن وبعد أن ثبت أنّ حكمة النبيّ وعلمه كانا يقتضيان بأن يتخذ موقفاً مناسباً في مجال القيادة الإسلاميّة من بعده ، فلنرى ماذا كان الموقف الذي اتّخذه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في هذا الصعيد ؟

هناك نظريّتان في هذا المجال ندرجهما هنا ، ونعمد إلى مناقشتهما :

النظريّة الأولى : انّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ اختار بأمر الله تعالى شخصاً ممتازاً صالحاً لقيادة الأمّة الإسلاميّة ، ونَصَبَه لخلافته وأخبر النّاس بذلك.

النظريّة الثانية : أنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أوكل اختيار القائد والخليفة من بعده إلى النّاس ، أنفسهم ، لينتخبوا ـ هم بأنفسهم ـ شخصاً لهذا المنصب.

والآن يجب أن نرى أيّة واحدة من النظريّتين تستفاد من الكتاب والسّنة والتاريخ ؟

إنّ الإمعان في حياة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ منذ أن كلّف بتبليغ شريعته إلى أقربائه وعشيرته ، ثمّ الإعلان عن دعوته إلى النّاس كافّة ، يفيد أن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ سلك طريق « التنصيص » في مسألة القيادة ، والخلافة ، مراراً ، دون طريق « الإنتخاب الشعبيّ » وهذا الموضوع نثبته من خلال الأمور التالية :

1. حديث يوم الدار

بعد أن مضت ثلاث سنوات على اليوم الذي بعث فيه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، كلّفه الله تعالى بأن يبلّغ رسالته لبناء قبيلته ، وذلك عندما نزل قوله عز وجلّ : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (1).

فجمع النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ رؤوس بني هاشم وقال : « يا بني عبد المطّلب إنّي واللهِ ما أعلمُ شابّاً في العَرَبِ جاء قومَه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنيّ قد جئتكُم بخَيِر الدُنيا والآخِرة وقد أمَرَنيَ اللهُ تعالى أنْ أدعوكم إليه فأيُّكم يؤازرني على هذا الاَمر يكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم ».

ولقد كرّر النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ العبارة الأخيرة ثلاث مرّات ، ولم يقم في كلّ تلك المرّات إلّا الإمام علي ـ عليه السلام ـ ، الّذي أعلن عن استعداده في كلّ مرّة لمؤازرة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ونصرته ، وفي المرّة الثالثة قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « إنَّ هذا أخِي وَوَصيِّي وخَلِيفَتِي فِيكُمْ فَاْسمَعوا لَه وأطيعُوا » (2).

2. حديث المنزلة

لقد اعتبر النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ منزلة « عليّ ـ عليه السلام ـ » منه على غرار منزلة هارون من موسى عليهما السلام ، ولم يستثن من منازل ومراتب هارون من موسى إلّا النبوّة حيث قال : « يا عليّ أما ترضى أن تكونَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ من مُوسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي » (3) ، وهذا النفي والسلب هو في الحقيقة من باب « السالبة بإنتفاء الموضوع ». اذ لم تكن بعد رسول الله الخاتم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نبوّة حتّى يكون علي نبيّاً من بعده إذ بنبوّة رسول الإسلام ختمت النبوّات ، وبشريعته خُتِمت الشّرائع.

ولقد كان لهارون ـ بنصّ القرآن الكريم ـ مقام « النبوّة » (4) و « الخلافة » (5) و « الوزارة » (6) في زمان موسى ، وقد أثبت حديث « المنزلة » جميع هذه المناصب الثابتة لهارون للإمام عليّ ـ عليه السلام ـ ما عدا النبوّة ، على أنّه إذا لم يكن المقصود من هذا الحديث هو إثبات جميع المناصب والمقامات لعليّ إلّا النبوّة ، لم يكن أيّة حاجة إلى استثناء النبوّة.

3. حديث السّفينة

لقد شبّه النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أهل بيته بسفينة نوح الّتي من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق في الطوفان كما قال : « ألا إنّ مَثَل أهلِ بيتي فِيكم مَثلُ سَفينة نُوح في قومه مَن رَكبها نَجا ، ومَن تَخلَّفَ عَنها غرِق » (7).

ونحن نعلم أنّ سفينة « نوح » كانت هي الملجأ الوحيد لنجاة الناس من الطوفان في ذلك الوقت.

وعلى هذا الأساس فإنّ أهل البيت النبويّ ـ وفقاً لحديث سفينة نوح ـ يُعتبرون الملجأ الوحيد للأمّة للنجاة من الحوادث العصيبة والوقائع الخطيرة التي طالما تؤدّي إلى انحراف البشريّة وضلالها.

4. حديث « أمان الأمّة »

لقد وصف النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أهل بيته بكونهم سبباً لوحدة المسلمين ، وممّا يوجب ابتعادهم عن الإختلاف والتشتّت وأماناً من الغرق في بحر الفتنة ، إذ قال : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان من الإختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس » (8).

وبهذا شبّه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أهل بيته الكرام بالنجوم التي يقول عنها الله سبحانه : ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (9).

5. حديث الثقلين

إنّ حديث الثقلين من الأحاديث الإسلاميّة المتواترة ، الّتي نقلها ورواها علماء الفريقين في كتبهم الحديثية.

فقد خاطب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الأمّة الإسلاميّة قائلاً : « إنّي تاركٌ فيكُم الثَقَلَيْن كتابَ الله وَعِتْرَتي أهلَ بَيْتي ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بهما لَنْ تَضلُّوا أبَداً وإنّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ » (10).

إنّ هذا الحديث ، يثبت ـ بوضوح ـ المرجعيّة العلميّة لأهل البيت النبويّ جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم ، ويلزم المسلمين بأن يتمسّكوا ـ في الأمور الدينيّة ـ بأهل البيت إلى جانب القرآن الكريم ، ويلتمسوا رأيهم.

ولكنّ المؤسف جدّاً أن يلتمس فريق من النّاس رأي كلّ أحد إلّا رأي أهل البيت ، ويطرقوا باب بيت كلّ أحد إلّا باب بيت أهل البيت :.

إنّ « حديث الثقلين » الذي يتّفق على روايته الشيعة والسنّة يمكنه أن يجمع جميع مسلمي العالم حول محور واحد ، لأنّه إذا ما اختلف الفريقان في مسألة تعيين الخليفة والقائد ، والزعيم السياسي للأمّة بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وكان لكلّ فريق نظريّته وآل الاستنباط التاريخيّ في هذا الصعيد إلى انقسام المسلمين إلى فريقين ، فإنّه لا يوجد هناك أيّ دليل للإختلاف في مرجعيّة أهل البيت العلميّة ، ويجب أن يكونوا ـ طبقاً لحديث الثقلين المتّفق عليه ـ متّفقين على كلمة واحدة.

وأساساً كانت مرجعيّة أهل البيت العلميّة في عصر الخلفاء لعليّ ـ عليه السلام ـ أيضاً ، فقد كانوا يرجعون إليه عند الإختلاف في المسائل الدينيّة وكانت المشكلة تحلّ بواسطته.

وفي الحقيقة منذ أن عزل أهل بيت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عن ساحة المرجعيّة العلميّة ظهر التفرّق والتشرذم ، وبرزت الفِرَق الكلاميّة المتعدّدة الواحدة تلو الأخرى.

الهوامش

1. الشعراء / 214.

2. مسند أحمد : 1 / 159 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 406 ؛ تفسير الطبري ـ جامع البيان ـ : 19 / 74 ـ 75 ، تفسير الشعراء ، الآية 214.

3. صحيح البخاري : 6 / 3 طبع 1312 هـ ، باب غزوة تبوك ؛ صحيح مسلم : 7 / 120 ، باب فضائل الإمام علي ـ عليه السلام ـ ؛ سنن ابن ماجة : 1 / 55 باب فضائل أصحاب النبي ؛ مسند الامام أحمد : 1 / 173 ، 175 ، 177 ، 179 ، 182 ، 185 و 230 ؛ والسيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 163 ـ غزوة تبوك ـ.

4. ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ) [ مريم : 53 ].

5. ( وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) [ الأعراف : 142 ].

6. ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ) [ طه : 29 ].

7. مستدرك الحاكم : 3 / 351 ؛ الصواعق المحرقة ، ص 91 ؛ ميزان الاعتدال : 1 / 224 ؛ تاريخ الخلفاء ، ص 573 ؛ الخصائص الكبرى : 2 / 266 ؛ ينابيع المودة ، ص 28 ؛ فتح القدير ، ص 113 ؛ وكتب أُخرى.

8 . مستدرك الحاكم : 3 / 149.

9. النحل : 16.

10. صحيح مسلم : 7 / 122 ؛ سنن الترمذي : 2 / 307 ؛ سنن الدارمي : 2 / 432 ؛ مسند أحمد : 3 / 14 ، 17 ، 26 ، 59 ، و ج 4 / 59 ، 366 و 371 ، وج 5 / 182 و 189 ؛ الخصائص العلويّة ، للنسائي ص 20 ؛ مستدرك الحاكم : 3 / 109 ، 148 ، و 533 ، وغيرها.

ويمكن مراجعةِ رسالة « حديث الثقلين » من منشورات « دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة » القاهرة ، مطبعة مخيمر ، في هذا المجال أيضاً.

مقتبس من كتاب : [ العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 186 ـ 191

 

أضف تعليق

الإمامة والخلافة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية