فضيحة عمرو بن العاص (1)
كان الحارث بن النضر الخثعمي من أصحاب علي (ع) على قدر كبير من الشجاعة والفروسية وكان بينه وبين عمرو بن العاص عدواة ، وكان علي (ع) قد تهيبته فرسان الشام وملأ قلوبهم رعباً بشجاعته ، وكان عمرو قلما يجلس مجلساً إلا ذكر فيه الحارث بن النضر وعابه ، فقال الحارث في ذلك :
ليس عمرو تبارك ذِكرهُ الحارث بالسوء أو يلاقي عليّا
واضع السيف فوق منكبه الأيمن لا يحسب الفوارس شيّا
ليت عمراً يلقاه في حومة النقع وقد أمست السيوف عصيّا
حيث يدعو للحرب حامية القوم إذا كان بالبراز مليّا
فالقه إن أردت مكرمة الدهر أو الموت كل ذاك عليا
فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمراً ، فأقسم بالله ليلقيّن علياً ولو مات ألف موتةٍ ، فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه ، فتقدم علي (ع) وهو مخترط سيفاً ومعتقل رمحاً ، فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه ، فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغراً برجليه ، كاشفاً عورته ، فانصرف عنه علي (ع) لافتاً وجهه ، مستدبراً له ! فعد الناس ذلك من مكارم أخلاقه وسؤدده وضُرِب المثل به.
وفي ليلةٍ من ليالي صفين اجتمع عند معاوية كل من عمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ، ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر ، وابن طلحة الطلحات الخزاعي.
فقال عتبة : إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجيب ! ما فينا إلا موتور مجتاح. أما أنا فقد قتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة ، وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر.
وأما أنت يا وليد ، فقتل أباك صبراً. وأما أنت يا بن عامر ، فصرع أباك وسلب عمك. وأما أنت يا بن طلحة ، فقتل أباك يوم الجمل ، وأيتم إخوتك. وأما أنت يا مروان فكما قال الشاعر :
وأفلتهن علباءٌ جريضا |
ولو أدركنه صفر الوطاب |
فقال معاوية : هذا الاقرار ، فأين الغير ؟ قال مروان : وأي غير تريد ؟& قال : أريد أن تشجروه بالرماح.
قال مروان : والله يا معاوية ما أراك إلا هاذياً أو هازئاً وما أرانا إلا ثقلنا عليك !! فقال ابن عتبة :
يقول لنا معاوية بن حرب |
أما فيكم لواترِكم طلوبُ |
|
يشد على أبي حسن عليٍّ |
بأسمر لا تهجّنهُ الكعوبُ |
|
فيهتك مجمع اللبّاتِ منه |
ونقع الحرب مطرد يؤوبُ |
|
فقلت له أتلعبُ يا بن هندٍ |
كأنك بيننا رجل غريبُ |
|
أتغرينا بحيّة بطن وادٍ |
أتيح له به أسد مهيبُ |
|
بأضعفَ حيلةً منا إذا ما |
لقيناه ولقياه عجيبُ |
|
سوى عمرو وقته خصيتاه |
وكان لقلبه منه وجيب |
|
كأن القوم لما عاينوه |
خلال النقع ليس لهم قلوبُ |
|
لعمر أبي معاوية بن حرب |
وما ظني ستلحقه العيوبُ |
|
لقد ناداه في الهيجا عليٌّ |
فاسمعه ولكن لا يجيبُ |
فغضب عمرو ، وقال : إن كان الوليد صادقاً فليلق علياً ، أو فليقف حيث يسمع صوته : ثم قال :
يذكرني الوليد دعا عليٍّ |
ونطق المرء يملأه الوعيدُ |
|
متى تذكر مشاهده قريش |
يطر من خوفه القلب السديدُ |
|
فأما في اللقاء فأين منه |
معاوية بن حرب والوليدُ |
|
وعيرني الوليد لقاء ليثٍ |
إذا ما شدّ هابته الأسود |
|
لقيت ولستُ أجهله علياً |
وقد بلّت من العلق اللبود |
|
فأطعنه ويطعنني خلاساً |
وماذا بعد طعنته أريدُ |
|
فرمها منه يا بن أبي مُعَيْط |
وأنت الفارس البطل النجيد |
|
وأقسم لو سمعتَ ندا علي |
لطار القلب وانتفخ الوريدُ |
|
ولو لاقيته شُقّت جيوبٌ |
عليك ولطمت فيك الخدود |
الهوامش
1. راجع الحاشية المستقلة.
مقتبس من كتاب : عمّار ابن ياسر / الصفحة : 218 ـ 222