منهاج الإمام الحسين علیه السلام في الإصلاح
الماء ، الدم ، مفردتان كلّما تصوّرها الإنسان انتقل ذهنه إلى كربلاء ، تلك اللوحة الدامية التي امتزجت فيها الوحشية الأمويّة بالمنهج الذي طرحه الإمام الحسين عليه السلام في الإصلاح. هاتان المفردتان إضافة إلى مفاهيم الحريّة والثورة ، والثبات على الحقّ تعطينا صورة واضحة عما جرى في أرض الطفوف قبل ما يزيد على 1300 سنة.
فوجئ المسلمون بنبأ خلافة يزيد بعد معاوية ، عندما أرسل معاوية زياد بن أبيه وهو الظالم المتعسف إلى المدينة وعند وصوله خطب الناس : يا معشر أهل المدينة إن أمير المؤمنين حسُن نظره لكم وإنّه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه ، يزيد ابنه (1).
ويزيد بن معاوية معلوم أمره ، مشهور سيرته ، فاجر مستهزئ ، لا يتصل إلّا ببطانه السوء من خمارين وعازفين ، مع تهاونه واستهزاءه بالمؤمنين ، وكان يسكر ويترك الصلاة (2).
وعندما توفي معاوية ، أعلن الإمام الحسين عليه السلام رفضه ومعارضته لولاية العهد لابنه يزيد ، ووضع دستوره ومنهاجه في الثورة ، راسماً فيه سبل الصلاح والإصلاح ومحدداً الأسباب التي دعته إلى إعلان ثورته العظيمة ، وموضحاً النتائج التي تتمخض عنها إدارة يزيد بن معاوية لشؤون الدولة الإسلاميّة ، مؤكّداً فيه على مرجعيّة المسلمين إلى النبي صلّى الله عليه وآله وإلى علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله : « أنّي لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي.
أريدُ أن آمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحق ومن ردَّ عليَّ هذا ، اصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين وهو خير الحاكمين (3) ».
أن بنود هذا المنهج الحسيني هي بمثابة المشعل الذي لا زال ضوءه ينير الطريق أمام المؤمنين والمطرقة التي تقض مضاجع المستكبرين والمستبدين والظالمين إلى قيام يوم الدين.
وتطبيقاً لبنود منهجه عليه السلام هاجر الحسين من المدينة المنورة في العشر الأواخر من شهر رجب 60 هـ واتّجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ومنزل الوحي ، وتحدّث الناس بهذا النبأ العظيم ، وكثرة الآراء والتكهنات ، وأحاط الخوف بأعدائه ، ولا يدرون ماذا يكون بعد إعلان المنهج الحسيني والهجرة المباركة من المدينة إلى مكّة.
وبقي الحسين عليه السلام في مكّة إلى أيّام الحجّ ، وعندما أحسّ بأن الأمويين يدبرون لاغتياله في مكّة أعلن السفر وقرّر الخروج من مكّة يوم التروية حفاظاً على حرمة الحرم وقدسيّته وتوجّه إلى العراق.
ولما نزل الثعلبية بلغه نبأ الفاجعة بقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فتلقّى ذلك بصبر وأعلن المضي في أداء الرسالة ، وصمّم على مواصلة مسيرته.
وفي عشية اليوم الثاني من المحرم 61 هـ نزل عليه السلام أرض كربلاء في محلّ بعيد عن الماء ، فضرب هناك خيامه واستمرّ الإمام الحسين يعلن منهجه ويوضح بنوده إلى أعدائه ، من خلال الإجتماعات التي عقدت قبل إعلان الحرب. فقد جاء ابن سعد ومعه نحو عشرين فارساً من أصحابه ، واجتمع مع الحسين ما بين المعسكرين مخاطباً له عليه السلام : « يا ابن سعد أتقاتلني ؟ أما تتّقي الله الذي إليه معادك ؟ فأنا ابن من علمت إلا تكون معي وتدع هؤلاء فأنّه أقرب إلى الله تعالى ».
وبعد إعلان الحرب حرص الإمام الحسين سيّد الشهداء على إعلان بنود منهجه على الذين يريدون قتله وكان يعظهم في ساحات القتال ومن قوله عليه السلام : « أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا بي حتّى أعظكم بما يجب لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري ، وصدقتم قولي ، وأنصفتموني ، كنتم بذلك اسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل » (4).
الهوامش
1. تاريخ الإسلام ، الذهبي ، ج 2 ص 257.
2. تاريخ الطبري ، ج 2 ص 4.
3. مع الحسين في نهضته ، أسد حيدر ، ص 68.
4. الثورة الحسينية الخالدة ، مرتضى آل ماجد ، ص 31.