مع الغدير الذي لا ينضب

البريد الإلكتروني طباعة

مع الغدير الذي لا ينضب

جاء في كتاب الغدير (1) للعلامة الشيخ أحمد الأميني النجفي رحمه الله زيارة مشاهد العترة الطاهرة والدعاء عندها ، والصلاة فيها ، والتوسل والتبرك بها :

قد جرت السيرة المطّردة في صدر الإسلام منذ عصر الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان على زيارة قبور ضمنت في كنفها : إمّا نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو ولياً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمتها قبر النبيّ الأقدس صلّى الله عليه وآله.

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرك والتوسل بها إلى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أي نكير من آحادهم ، وأي غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم.

حتى ولد الدهر ابن تيمية الحرّاني فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي فترة ، وأنكر تلكم السنّة الجارية ، سنّة الله التي لا تبديل لها ، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً ، وخالف هاتيك السيرة المتّبعة ، وشذّ عن تلكم الآداب الإسلامية الحميدة ، وشدّد النكير عليها بلسانٍ بذيء ، وبيان تافه ، ووجوه خارجة عن نطاق العقل السليم ، بعيداً عن : أدب العلم ، أدب الدين ، أدب الكتابة ، أدب العفّة ، وأفتى بحرمة شدّ الرحال لزيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وعَدّ السفر لأجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة ، فخالفه أعلام عصره ورجالات قومه ، فقابلوه بالطعن والردّ الشديد ، فأفرد هذا بالوقيعة عليه تأليفاً حافلاً « كشف السقام في زيارة خير الأنام » لتقي الدين السبكي ، و « الدرّة المضيّة في الردّ على ابن تيمية » للسبكي أيضاً ، و « المقالة المرضية » لقاضي قضاة المالكية تقي الدين أبي عبد الله الإخنائي ، و « نجم لمهتدي ورجم المقتدي » للفخر بن المعلّم القرشي ، و « دفع الشبهة » لتقي الدين الحصني ، و « التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة » لتاج الدين الفاكهاني المتوفّىٰ ( 834 هـ ) وتأليف بن عبدالله محمد بن عبد المجيد القاسي المتوفّىٰ ( 1229 هـ ).

وجاء بعد ذلك من يزيّف آراءه ومعتقداته في طيّ تآليفه القيّمة « كالصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية » للشيخ سليمان بن عبد الوهاب في الردّ على أخيه محمد بن عبد الوهاب النجدي ، وتلاه « الفتاوى الحديثية » لإبن حجر ، و « المواهب اللدنّية » للقسطلاني ، و « شرح المواهب » للزرقاني ، وكتب اُخرى كثيرة ، وهناك ثالث يترجمه بعُجره وبُجره ، ويعرفه للملأ ببدعه وضلالاته.

وقد أصدر الشاميون فتياً ، وكتب عليها البرهان بن الفركاخ الفزاري نحو أربعين سطراً بأشياء ، إلى أن قال بتكفيره ، ووافقه على ذلك الشهاب ابن جهبل ، وكتب تحت خطّه كذلك المالكي ، ثم عرضت الفتيا لقاضي قضاة الشافعية بمصر البدر بن جماعة ، فكتب على ظاهر الفتوى :

الحمد لله ، هذا المنقول باطنها جواب على السؤال عن قوله : إنّ زيارة الأنبياء والصالحين بدعة ، وما ذكره من نحو ذلك ومن أنّه لا يرخّص بالسفر لزيارة الأنبياء باطل مردود عليه ، وقد نقل جماعة من العلماء أنّ زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله فضيلة وسنّة مجمع عليها ، وهذا المفتي المذكور ـ يعني ابن تيمية ـ ينبغي أن يزجر من مثل هذه الفتاوى الباطلة عند أئمة العلماء ، ويمنع من الفتاوى القريبة ، ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك ، ويشهَّر أمره ليتحفّظ الناس من الاقتداء به.

وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.

وكذلك يقول محمد بن الجريري الأنصاري الحنفي : لكن يحبس الآن جزماً مطلقاً.

وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي : ويبالغ في زجره حسب ما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي : راجع دفع الشبهة « 45 ـ 47 ». وهؤلاء الأربعة هم قضاة المذاهب الأربعة بمصر أيام تلك الفتنة في سنة (726) (2).

أخي في الإسلام ، أيها القارئ العزيز :

الآن عرفت حقيقة الأمر ، وكيف أفتى قضاة المذاهب بما جاء بفتوى ابن تيمية ، فلا تكن ظالماً لنفسك ولغيرك ، وأعرض عن فكرة طعن زوّار القبور ، فإنّ أهل الإسلام لا يرون في زيارة القبور بأساً ، بل حثّ وأمر ، كما مرّ بنا سلفاً.

فراجع ما بعده ، فإنّ ماء الغدير نافع ، وإنّ على ضفاف الغدير أمر عظيم ، يفوتنّك ، فإنّ غداً لناظره قريب ، فأين الآباء والأجداد ؟ وأين المؤالف والمخالف ؟

فالكلّ شاخص بين يدي ربه ، بعد أن يزور القبر ، ويُسأَل فيه عمّا كسبت يداه ، ولفظ لسانه ، وجرى لسنانه وجوارحه ، وجنانه ، فإلى أين المفرّ ؟ ومن أين المهرَب ؟

فالقبر صندوق العمل ، وما سهل فيه من القيامة استقرّ.

وقد ذكر صاحب الغدير شطراً من الأحاديث التي وردت في الصحاح المسندة في باب زيارة قبر النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله نذكر منها :

الأوّل : عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : « من زار قبري وجبت له شفاعتي ».

أخرجته اُمّة من الحفّاظ وأئمة الحديث ، منهم :

1 ـ عبيد بن محمد أبو محمد الورّاق النيسابوري المتوفّىٰ ( 225 هـ ).

2 ـ ابن أبي الدنيا أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي المتوفّىٰ ( 281 هـ ).

3 ـ الدولابي أبو بشر محمد الرازي المتوفّىٰ (310) ، في « الكنى والأسماء » 2 / 264.

4 ـ محمد بن إسحاق ، أبو بكر النيسابوري المتوفّىٰ (311) ، الشهير بابن خزيمة ، أخرجه في صحيحه.

5 ـ الحافظ محمد بن عمرو أبو جعفر العقيلي المتوفّىٰ (322) ، في كتابه : « الضعفاء الكبير » : 4 / 170 ، رقم 1744.

6 ـ الحافظ أبو أحمد بن عدي المتوفّىٰ (365) ، في الكامل « الكامل في ضعفاء الرجال » : 6 / 351 ، رقم 1834.

7 ـ الحافظ أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني المتوفّىٰ (385) ، في سننه « سنن الدارقطني » : 2 / 278 ، ج 194.

8 ـ أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي المتوفّىٰ (450) ، في « الأحكام السلطانية » 2 / 109.

9 ـ الحافظ أبو القاسم عليّ بن عساكر المتوفّىٰ (571) ، في تاريخه في باب من زار قبره صلّى الله عليه وآله : « مختصر تاريخ دمشق » : 2 406.

10 ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (458) ، في السنن وغيره : « السنن الكبرى » : 5 / 245.

11 ـ الحافظ إبن الديبع أبو محمد الشيباني المتوفّىٰ (944) ، في « تمييز الطيّب من الخبيث » : 184 / 1395.

12 ـ زين الدين عبد الرؤوف المنّاوي المتوفّىٰ (1031) ، في « كنوز الحقائق » : 141 ، وشرح الجامع الصغير للسيوطي : 6 / 140.

الثاني : عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : « من جاءني زائراً لا تحمله إلّا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ».

وفي لفظ : « لا تحمله إلّا زيارتي ».

وفي آخر : « لم تنزعه حاجة إلّا زيارتي ».

وفي رابع : « لا ينزعه إلّا زيارتي كان حقاً على الله عزّ وجلّ ».

وفي خامس للغزالي : « لا يهمّه إلّا زيارتي » ، أخرجه جمع من الحفّاظ لا يستهان بهم وبعدّتهم ، منهم (3) :

1 ـ الحافظ الطبراني أبو القاسم المتوفّىٰ (360) ، أخرجه في معجمه الكبير.

2 ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّىٰ (385) ، أخرجه في أماليه.

3 ـ الحافظ ابن عساكر المتوفّىٰ (571) ، صاحب « تاريخ الشام ».

4 ـ الحافظ يحيى بن علي القرشي الاُموي المالكي ، المتوفّىٰ (622).

5 ـ تقيّ الدين السبكيّ الشافعيّ المتوفّىٰ (756) ، فَصَّل القول في طرق هذا الحديث ، وأخرجه من طرقٍ شتّىٰ ، وصحّحه في « شفاء السقام » : 13 ـ 16.

الثالث : عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : « من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ».

وفي غير واحدٍ من طرقه زيادة : « وصحبني ».

أخرجه جمع من الحفّاظ ، منهم (4) :

1 ـ الحافظ عبد الرزاق أبوبكر الصنعاني المتوفّىٰ (211).

2 ـ الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني المتوفّىٰ (303).

3 ـ الحافظ أبو أحمد بن عدي المتوفّىٰ (365) ، في الكامل.

4 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفّىٰ (911) ، في الجامع الكبير كما في ترتيبه : 8 / 99.

5 ـ قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، المتوفّىٰ ( 1069 ) في « شرح الشفا » للقاضي عياض : 3 / 567.

أخي القارئ العزيز :

أنت ترى هؤلاء الحفّاظ هم من عليّة العلماء ، ومن ذوي المؤلّفات القيّمة والمعتبرة ، وهم جميعاً من إخواننا ، ومن الصعب بمكان أن يوجَّه إليهم إصبع الاتّهام ؛ إذ لا مصلحة لهم في إيراد مثل هذه الأحاديث غير تثبيت الحق والتعريف بالحقيقة ليس إلّا ، أمّا أن يكون هناك من توسوس له النفس الأمّارة بالسوء على الوضع والحذف والتغيير ، فهذا ما لا اعتبار له ، وإنّ علماء الحديث والرجال ما تركوا شاردةً ولا واردةً في هذا الباب إلّا ورصدوها ، ونحن لا نقول كما قال الذهبي وهو يترجم أحد رجال الحديث بقوله : كان من رجال الصحاح ، وكان ثقة ، وكان صدوقاً ، وكان متديناً عفَّاً ورعاً ، يصوم النهار ويقوم الليل ، صادق اللسان ، ولكن يطرح قوله لأنّه شيعي (5).

الرابع : عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : « من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني ».

أخرجه جمع ، منهم :

1 ـ الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّىٰ (354) ، في الضعفاء.

2 ـ الحافظ الدارقطني المتوفّىٰ (358) في كتابه « أحاديث مالك التي ليست في الموطّأ ».

3 ـ السيد نور الدين السمهودي (6) المتوفّىٰ (911) ، في « وفاء الوفا » : 2 / 398.

4 ـ أبو العباس شهاب الدين القسطلاني (7) المتوفّىٰ (1162) ، في « المواهب اللدنّية » ، نقلاً عن ابن عدي ، وإبن حبّان ، والدارقطني.

5 ـ الشيخ محمد الشوكاني المتوفّىٰ (1250) ، في « نيل الأوطار » : 4 / 325.

عزيزي القارئ :

إقرع الحجّةَ بالحجّةِ ، والدليلَ بالدليلِ ، ولا تستسلم للنفس الأمّارة بالسوء ، ولا تتعصّب إلّا للحقّ وبالحقّ ، تجد راحةً في النفس واطمئناناً ، ودَعِ التعصّب للتعصّب ، ولا تجتهد مع النصّ فتكن من الظالمين.

نحن بأمسّ الحاجة إلى الاعتصام بحبل الله ؛ لأنّ العدوَّ يريد بنا السوء ، ويتربّص بنا الدوائر.

الخامس : عن عمر مرفوعاً : « من زار قبري ـ أو من زارني ـ كنت له شفيعاً ـ أو شهيداً ـ ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله عزّ وجلّ في الآمنين يوم القيامة ».

أخرجه (8) :

1 ـ الحافظ أبو داود الطيالسي المتوفّىٰ (204) ، في مسنده : 1 / 12.

2 ـ الحافظ البيهقي المتوفّىٰ (458) ، في « السنن الكبرى » : 5 / 245.

3 ـ الحافظ أبو الحجّاج يوسف بن خليل الدمشقي ، المتوفّىٰ (648).

4 ـ الحافظ ابن الديبع المتوفّىٰ (944) : في تمييز الطيب : « 162 ».

5 ـ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفّىٰ (1031) ، في « كنوز الحقائق » : 141.

6 ـ الشيخ إسماعيل العجلوني المتوفّىٰ (1162) ، في « كشف الخفاء » : 2 / 278.

السادس : عن حاطب بن أبي بلتعة مرفوعاً : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومن مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة من الآمنين ».

أخرجه (9) :

1 ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّىٰ (385) ، في السنن.

2 ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (458).

3 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي المتوفّىٰ (571).

4 ـ الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي المتوفّىٰ (705).

5 ـ أبو عبد الله العبدري المالكي ابن الحجّاج المتوفّىٰ (737) ، في المدخل.

6 ـ تقي الدين السبكي المتوفّىٰ (756) ، في « شفاء السقام » : 25.

7 ـ نور الدين السمهودي المتوفّىٰ (911) ، في « وفاء الوفا » : 2 / 399.

8 ـ الجرّاحي العجلوني المتوفّىٰ (1162) ، في « كشف الخفاء » : 2 / 551.

عن ابن عساكر والذهبي ، وحكي عن الأخير أنّه قال : إنّ هذا الحديث من أجود أحاديث الباب إسناداً.

السابع : عن أبي هريرة مرفوعاً : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ ، ومن زارني كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة ».

أخرجه (10) :

1 ـ الحافظ أبوبكر أحمد بن موسى بن مردويه المتوفّىٰ (416).

2 ـ أبو الفتوح سعيد بن محمد اليعقوبي المتوفّىٰ (552) ، في فوائده.

3 ـ الحافظ أبو سعد عبد الكريم السمعاني الشافعي المتوفّىٰ (562).

4 ـ ابن الأغاطي إسماعيل بن عبد الله الأنصاري المالكي المتوفّىٰ (619).

5 ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفّىٰ (911) ، في « وفاء الوفا » : 2 / 400.

عزيزي القارئ :

ما تقدّم ويأتي أحاديث من كتب إخواننا روته ثقاتهم ، وثبتت في مؤلفاتهم وصحاحهم ، نوردها لك لبيان الحقيقة.

الثامن : عن أنس بن مالك مرفوعاً : « من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً ».

وفي رواية اُخرى عنه أيضاً : « من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة ».

وفي لفظ ثالث له زيادة : « وكنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة » ، أخرجته اُمّة من الحفّاظ ، منهم (11) :

1 ـ ابن أبي فُديك محمد بن إسماعيل المتوفّىٰ (200).

2 ـ الحافظ ابن عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفّىٰ (405).

3 ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (458) ، عن « شعب الإيمان ».

4 ـ الحافظ ابن الجوزي المتوفّىٰ (597) ، في « مثير الغرام الساكن ».

5 ـ شمس الدين أبو عبد الله الدمشقي الحنبلي المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّىٰ (751) ، في « زاد المعاد » : 2 / 47.

6 ـ الشيخ منصور علي ناصيف في « التاج » : 2 / 216.

عزيزي القارئ :

وكذلك تجد بين يديك اُمّةً من المحدّثين ، منهم :

عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وهم من الصحابة ، وكل اُولئك يجوِّز ابن تيمية عليهم الوضع والكذب ، مع اُولئك العلماء الحفّاظ الذين نقلوا الأحاديث في زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله حيث قال ابن تيمية : إنّ أغلب هذه الأحاديث موضوعة.

وهو بكلّ جهالةٍ يصدّق نفسه ، فيحرِّم زيارة القبور وهي حلال ، والعجب في الأمر أنّ ابن تيمية لا يورد ولو دليلاً واحداً نقلاً ولا عقلاً على صدق ما ادّعاه ، لا من الكتاب ولا من السنّة ، مع وجود هذا العدد الهائل من الأحاديث والرواة والصحابة والعلماء ، والعشرات من المؤلّفات والصحاح المعتبرة ! وإنّي لعلىٰ ثقةٍ أنّ ابن تيمية ومن سلك مسلكه من الأولين والآخِرِين يعلمون الحقيقة ، وأنّ ما ورد هو الصواب ، ولكن يغالطون أنفسهم ، ويغالطون الناس بدوافع خارجة عن إرادتهم ، وخير ما يمكن أن يقال : خالِفْ تُعرف.

نحن نزور القبور لأنّها تذكّرنا بالموت ، والموت حق ، وتذكرنا بالآخرة ، والآخرة حق.

ونقرأ من خلال زيارتنا للقبور صفحة الماضين ، فنتّعظ ؛ لئلّا نكون عوناً للجبابرة ، وهو حقّ ، والحقّ أحقّ أن يتبع.

بل لنا بالأنبياء والأولياء والصلحاء اُسوة حسنة ، تردّ عنّا الشرَّ والظلم.

التاسع : عن أنس بن مالك مرفوعاً : « من زارني ميّتاً فكأنّما زارني حيّاً ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحدٍ من اُمّتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر » أخرجه (12) كلّ من :

1 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفّىٰ (360).

2 ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّىٰ (385).

3 ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (458).

4 ـ القاضي عياض المالكي المتوفّىٰ (544).

5 ـ قاضي القضاة الخفاجي الحنفي المتوفّىٰ (1062) ، في « شرح الشفا » : 3 / 565 ، ونقله عن البيهقي والدارقطني والطبراني وابن منصور.

6 ـ زين الدين عبد الرؤوف المنّاوي المتوفّىٰ (1031) ، في « كنوز صلّى الله عليه وآله الحقائق » : 141 ، بلفظ : « من زار قبري بعد موتي ».

أيّها القارئ الكريم :

ها هي الأحاديث تنبئ عن حقيقة ، وهي : أنّ زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد وفاته كزيارته ولقائه في حياته ، ولا يخفى أنّ الكثير ينتابهم الفخر بأنّهم رأوا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّموا عليه وكلّموه ... ولنا أن نفخر حين زيارة قبره صلّى الله عليه وآله.

العاشر : عن ابن عباس مرفوعاً : « من حجّ إلى مكة ، ثم قصدني في مسجدي كتبت له حَجّتان مبرورتان ».

أخرجه الديلمي في مسنده ، كما في « وفاء الوفا » : 4 / 1374 ، و « نيل الأوطار » : 5 / 109.

نحن نفهم من هذا الحديث أنّ زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله تعدل حجّتان مبرورتان ، كما هو النصّ فلا تصدّنّك نفسك أن لا تحصل على حجّتين مبرورتَين ، وكن على اُهبة الاستعداد ودع ما لا دليل عليه.

الحادي عشر : روي عن الرسول صلّى الله عليه وآله قال : « من وجد سعةً ولم يَفِدْ ـ يغدُ ـ إليَّ فقد جفاني » (13).

ذكره إبن فرحون في مناسكه ، والغزالي في الإحياء : 1 / 231 ، والقسطلاني في « المواهب اللدنّية » : 4 / 571 ، والعجلوني في « كشف الخفاء » : 2 / 278.

نعم ، ونحن نرى أنّ من يستطيع ولا يتشرّف لزيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله فقد جفاه ، ومن استطاع وزاره فقد فاز فوزاً عظيماً ، أقلّها حجّة مبرورة.

أمّا شفاعته فعند الله تعالى حسابها.

الثاني عشر : عن أبي عبد الله محمد بن العلاء ، قال : دخلت المدينة وقد غلب عليَّ الجوع ، فزرت قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وسلّمت عليه وعلى الشيخين رضي الله عنه ، وقلت : يا رسول الله جئتُ وبي من الفاقة والجوع ما لا يعلمه إلّا الله تعالى ، وأنا ضيفك في هذه الليلة ، ثمّ غلبني النوم فرأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله في المنام فأعطاني رغيفاً فأكلت نصفه ، ثم انتبهت من المنام وفي يدي نصفه الآخر ، فتحقق عندي قول النبيّ صلّى الله عليه وآله :

« مَن رآني في المنام فقد رآني حقّاً ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي ».

ثمّ نوديت : « يا أبا عبد الله ، لا يزور قبري أحد إلّا غُفر له ونال شفاعتي غداً ».

ذكره الشيخ شعيب الحريفيش في « الروض الفائق » : 2 / 381 ، فقال في المعنى :

مَن زارَ قبرَ محمدٍ

 

نالَ الشفاعةَ في غَدِ

باللهِ كرِّر ذِكرَهُ

 

وحديتَهُ يا مُنشِدي

واجعَلْ صلاتَكَ دائماً

 

جَهراً عليهِ تهتَدي

فهوَ الرسولُ المصطفى

 

ذو الجودِ والكفِّ الندي

وهو المشفَّعُ في الورى

 

مِن هَولِ يومِ الموعِدِ

والحوضُ مخصوصٌ بِهِ

 

في الحشرِ عذبُ المورِدِ

صلّى عليهِ ربّنا

 

ما لاحَ نَجمُ الفَرقَدِ (14)

الهوامش

1. الغدير : 5 / 133 ـ 135.

2. راجع تكملة السيف الصقيل للشيخ محمد زاهد الكوثري : 155.

3. المعجم الكبير : 12 / 225 ، ح 13149 ، إحياء علوم الدين : 1 / 231 ، مختصر تاريخ دمشق : 2 / 406 ، شفاء السقام : 16 ـ 20 ، وفاء الوفا : 4 / 1340 ، المواهب اللدنّية : 4 / 571 ، مُغني المحتاج : 1 / 512.

4. المعجم الكبير : 12 / 310 / 13497 ، الكامل في ضعفاء الرجال : 2 / 382 ، رقم 505 ، سنن الدارقطني : 2 / 278 ، ح 192 ، مختصر تاريخ دمشق : 2 / 406 ، الدرّة الثمينة : 397 ، مشكاة المصابيح : 2 / 128 / 2756 ، شفاء السقام : 20 ـ 27 ، الروض الفائق : 380 ، وفاء الوفا : 4 / 1340 ، كنز العمال : 15 / 651 / 42582 ، نسيم الرياض : 3 / 511 ، نيل الأوطار : 5 / 108.

5. من محاضرات الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله.

6. نسبةً إلىٰ سمهود ، وهي قرية كبيرة أو ناحية في غربي النيل بمصر. ( معجم البلدان : 3 / 255 ).

7. وهي نسبة إلىٰ قسطلة ، بلدة بالأندلس. ( معجم البلدان : 4 / 347 ).

8. مختصر تاريخ دمشق : 2 / 407 ، شفاء السقام : 6 / 29 ، وفاء الوفا : 4 / 1343 ، المواهب اللدنّية : 4 / 571 ، تمييز الطيب من الخبيث : 1395 / 184 ، كنوز الحقائق : 2 / 107 ، كشف الخفاء : 2 / 251 / 2489.

9. سنن الدارقطني : 2 / 278 / 193 ، السنن الكبرى : 5 / 245 ، مختصر تاريخ دمشق : 2 / 406 ، المدخل : 1 / 261 ، شفاء السقام : 8 / 32 ـ 33 ، الروض الفائق : 380 ، وفاء الوفا : 4 / 1344 ، المواهب اللدنّية : 4 / 571 ، كشف الخفاء : 2 / 280 / 2619.

10. شفاء السقام : 35 ، وفاء الوفا : 4 / 1345.

11. شعب الإيمان : 3 / 490 / 4158 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وآله : 2 / 195 ، مختصر تاريخ دمشق : 2 / 406 ، شفاء السقام : 31 ، وفاء الوفا : 4 / 1345 ، المواهب اللدنّية : 4 / 572 ، كنز العمال : 12 / 272 / 3500 ، وج 15 / 652 / 42584 ، نيل الأوطار : 5 / 195 ، مختار الأحاديث النبويّة : 179 ، مصباح الظلام : 2 / 35 / 630 ، التاج الجامع للاُصول : 2 / 190.

12. الدرّة الثمينة : 397 ، شفاء السقام : 37 ، المواهب اللدنّية : 4 / 572 ، وفاء الوفا : 4 / 1346 ، كشف الخفاء : 2 / 250 / 2489.

13. سنن الدارقطني : 2 / 278 / 194 ، وفاء الوفا : 4 / 1342.

14. انظر الغدير في الكتاب والسنّة والأدب : 5 / 164 ، طبع مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 1416 هـ ( 1995 م ).

مقتبس من كتاب : نافذة على زيارة القبور / الصفحة : 187 ـ 200

 

أضف تعليق

زيارة القبور وزيارات المعصومين عليهم السلام

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية

خمسة + اثنان =