فارِسيّة التشيُّع

البريد الإلكتروني طباعة


 المصدر : هويّة التشيّع ، تأليف : الشيخ أحمد الوائلي ، ص 51 ـ 61

 


________________________________________ الصفحة 51  ________________________________________

 

 

الفصل الأول
 

فارِسيّة التشيُّع 

 

 

     هذا الموضوع من المواضيع التي كثر الحديث حولها وهي في واقعها تكوّن جزءاً من محاصرة التشيع

كما سبق أن ألمعت لذلك. إنّ خصوم الشيعة ومن تبعهم من المستشرقين وكل يضرب على وتر يستهدفه،

جعلوا هذه القضية من الاُمور المسلمة وضلع تلامذتهم في ركابهم وحشدوا كل وسائلهم لترسيخها في

الأذهان فما تركوا وسيلة لإِثبات أنّ التشيع فارسي شكلاً ومضموناً إلا وأخذوا بها مع تفاهة هذا المدعى

كما سنرى ومع أنّه من قبيل رمتني بدائها وانسلت والغريب أنّ هذه الفرية تعيش للآن مع وضوح الرؤية

وانتشار المعارف وانكشاف الحقائق وسأبحث هذا الموضوع مفصلاً نظراً لأهميته.

     إنّ التشيع في معناه اللغوي: المناصرة والموالاة، وبالمعنى الإصطلاحي هو الإعتقاد بأفكار معينة

يشكل مجموعها مضمون التشيع، فكيف والحالة هذه أن نتصوّر كون التشيع فارسياً؟

وحتى نستوعب النقاط المتصورة في هذا الموضوع لا بد من شرح اُمور ننتهي معها إلى مقدار ما في هذا

الإِدعاء من نسبة علمية أو تهريج فلا بد من ذكر اُمور:

 

     أولاً:

     إنّ المضمون الفكري للتشيع هو نفس المضمون الإِسلامي، وأي مضمون يشذ عن المضمون الإِسلامي

في العقيدة والأحكام فالشيعة منه براء
 

________________________________________ الصفحة 52  ________________________________________


 

 

بدليل أنّ مصادر التشريع عند الشيعة هي أربعة أذكرها لك على التوالي:

 

     أ ـ الكتاب الكريم:

     وهو ما اُنزل بمضامينه وألفاظه وأسلوبه واعتبر قرآناً وهو هذا المجموع بين الدفتين المتداول بأيدي

المسلمين المنزه عن النقص والتحريف والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمتواتر بكلماته

وحروفه بالتواتر القطعي من عهد النبوة حتى يومنا هذا وقد جمع على عهد النبي بوضعه الحالي وكان

جبرئيل يعرضه على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كل عام(1).

 

     ب ـ السنة الشريفة:

     وهي قول المعصوم وفعله وتقريره الواصلة إلينا بالطريق الصحيح عن الثقات العدول، والتي لا يتم لنا

الوصول إلى ملابسات الأحكام بدونها والتي جاء دليل حجيتها من القرآن الكريم بقوله تعالى:

(وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فنتهوا) 7/ا الحشر.

 

     ج ـ الإِجماع:

     الذي يكشف ضمناً عن قول المعصوم سواء قل المجمعون أم كثروا وسواء كان دليلاً مستقلاً مقابل

الكتاب والسنة والعقل أم أنّه طريق وحاك عن رأي المعصوم، وأدلة حجيته مفصلة في الكتاب والسنة

والعقل.

 

     د ـ دليل العقل:

     ويرجع إليه وإلى قواعده عند فقدان النصوص أو تعارض الأدلة في تفصيل لا داعي لشرحه هنا:

وملخصه: هو إدراك العقل بما هو عقل للحسن والقبيح في بعض الأفعال الملازم لإِدراكه تطابق العقلاء

عليه وذلك ناتج من تأدب العقل بذلك وبما أن الشارع سيد العقلاء فقد حصل إدراك حكم الشارع قطعاً

وليس

 

____________


(1) الفصول المهمة لشرف الدين ص163، والبيان للخوئي ص197.

 


________________________________________ الصفحة 53  ________________________________________


وراء القطع حجة.

     ونظراً لأهمية التعرف على تفصيل هذه المصادر فإنّي اُحيل من يريد التوسع في فهمها واستيعاب

معانيها إلى مجموعة من المصادر هي التالية (1):

     إن هذه المصادر التشريعية هي المكونات العضوية لهيكل الشريعة الاسلامية باتفاق جمهور المسلمين

على اختلاف بسيط في بعض تفاصيلها ولما كانت هي مصادر التشريع عند الإِمامية فما معنى وصف

التشيع بالفارسية.

     إذا كان الباحثون في التشيع يقصدون من الفارسية مضمون التشيع الفكري. وهذا ما أَستبعده فإنّه لا

يمكن أن يقول به قائل، إذ لا يتصور أنّ إنساناً يفترض لأحكام شرعية نوعاً من العرقية، وعليه فلا بد من

استبعاد هذا الفرض من فارسية التشيع والرجوع إلى فروض اُخرى في هذا الموضوع يفترضها الباحثون.

هناك فرض آخر لتصور فارسية التشيع: هو أن هناك مفاهيم معينة بالحضارة الفارسية انتقلت إلى التشيع

بمعناه الإِصطلاحي عن طريق من اعتنق التشيع من الفرس ولم يستوعب التشيع كل أبعادهم فجاء من

تصور هذه المعتقدات جزءاً من ماهية التشيع. وبقيت هكذا يتداولها خلف عن سلف. وهذا الفرض قد صرح

به أكثر من باحث كما سأذكره لك بعد قليل. وفيما يخص هذه الصورة وهذا الفرض لا بد من الإِشارة لاُمور:

تعقيب

     أ ـ إنّ هذا الإِشكال بناءاً على فرض حدوث مضمونه، فإنّه يرد على المضمون الإِسلامي نفسه حيث نص

على ذلك معظم من كتب في الحضارة

 

____________

      (1) الأصول العامة للفقه المقارن ص179 حتى ص300 وانظر أصول الفقه للمظفر 3/338 فصاعداً

وانظر البيان للسيد الخوئي مبحث صيانة القرآن عن التحريف.
 

 

________________________________________ الصفحة 54  ________________________________________

 

الإِسلامية وخصوصاً في الفترة الأولى من العهود الإِسلامية والتي شكلت مضامين العقيدة فيها جدولاً

انصب فيه أكثر من رافد ورافد عن طريق الاُمم التي اعتنقت الإِسلام جماعات منها ودخلت وهي تحمل

أفكارها وعقائدها التي لم تتخلص منها وظهرت في الأفكار والسلوك كجماعات الروم والفرس والصينيين

والعبريين ولعل اليهود أكثر الجماعات تأثيراً في الحضارة الإِسلامية حيث تبدو روحهم واضحة في هذه

الميادين. وذلك لأنّهم استأثروا بالتفسير بالقصص الديني لأنّهم أهل كتاب وفيهم كثير من الأحبار الذين

يحفظون أحكام التوراة وقصص الاُمم التي حفظتها الحضارة العبرية والأساطير التي رافقت تلك القصص،

ولما كانت الجزيرة العربية فقيرة إلى الأفكار الدينية والمضامين الثقافية لعب الفكر اليهودي دوراً هاماً في

ملء هذا الفراغ وخصوصاً في الفكر السني الذي حاول أن يتخلص من هذا الرداء ويخلعه على الشيعة عن

طريق الشخصية الوهمية عبدالله بن سبأ كما سنبرهن لك وهمية هذه الشخصية قريباً. ولكن حقائق

الاُمور والبحث الدقيق يثبت عكس ما ادعاه هؤلاء القوم وما نسبوه للشيعة.

     أجل إنّ آراء اليهود انتقلت إلى الفكر الإِسلامي عن طريق كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن

سلام وغيرهم وأخذت مكانها في كتب التفسير والحديث والتاريخ وتركت بصماتها على كثير من بنود

الشريعة. إنّ بوسع أي باحث الوقوف على ذلك في كتب كثيرة مثل تاريخ الطبري، وتفسيره جامع البيان،

     وفي كتاب البخاري وغيره من المؤلفات مما سنشير إلى مصادره عند ذكره. وستجد فصلاً ممتعاً في

تعليل العداوة بين الإِنسان والحية يذكره الطبري في تفسيره بسنده عن وهب بن منبه وذلك عند تفسيره

للآية السادسة والثلاثين من سورة البقرة وهي قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو) الخ،

     يقول الطبري وأحسب أنّ الحرب التي بيننا ـ أي نحن والحيات ـ كان أصله ما ذكره علماؤنا الذين قدمنا

الرواية عنهم في إدخالهنّ ـ يعني الحيات ـ إبليس الجنة بعد أن أخرجه الله منها، ويستمر في سرد أفكار

عجيبة يستحسن أن يقرأها من
 

 

________________________________________ الصفحة 55  ________________________________________

 


يريد الفائدة من تفسيره(1) ويقول الطبري في تاريخه عند شرح الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم ولده

إسماعيل بأمر الله تعالى:

     ان الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبِّل منه(2).

     وينقل في تاريخه قصصاً تلمس عليها الروح اليهودي واضحاً ومن ذلك ما ذكره فقال: تزوج اسحق امرأة

فحملت بغلامين في بطن واحد فلما أرادت أن تضعهما اقتتل الغلامان في بطنها فأراد يعقوب أن يخرج قبل

عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلي لأعترضنّ في بطن اُمي ولأقتلنّها فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله

وأخذ يعقوب بعقبه فمسي عيص عيصاً لأنّه عصى وسمي يعقوب يعقوباً لأنه خرج بعقب عيص، وكبر

الغلامان وكان عيص أحب إلى أبيه ويعقوب أحب إلى اُمه وكان عيص صاحب صيد فلما عمي إسحق قال

لعيص أطعمني لحم صيد واقترب مني حتى أدعولك، وكان عيص أشعر ـ أي كثير الشعر ـ ويعقوب أجرد

فخرج عيص يتصيد وقالت اُمه لإِسحق إذبح كبشاً ثم اشوه والبس جلده وقدمه لأبيك كي يدعو لك فلما

مسه قال من أنت؟ قال: عيص، فقال: المس مس عيص والريح ريح يعقوب فقالت اُمه: هو ابنك عيص

فادعو له الخ(3) ولست أدري كيف كان يعقوب لا يعرف أصوات أولاده وكيف تطلب الاُم البركة من دعوات

إسحق وهي تكذب وكيف يكذب أبناؤها وأي بيت نبي هذا البيت الذي يكون أعضاؤه من هذا النوع، ثم أي

اسم مشتق مثل يعقوب أو إسحق أو عيص لا يصلح لأن يشتق منه أمثال هذه الخزعبلات وهذا الهراء

والسخف.

     وأما الإِمام البخاري فإنّك تلمس الروح الإسرائيلي في كثير من رواياته

 

____________

     (1) تفسير الطبري 1/234.

     (2) تاريخ الطبري 1/142. وإذا كان يمكن لكبش أن يعيش هذه المدة الطويلة كما هو في الفكر السني

فلماذا يستكثر علينا اذا قلنا أنّ شخصاً عاش منذ ألف ومائة سنة تقريباً للآن ولا يستكثر على من يفرض أنّ

كبشاً عاش آلافاً مؤلفة من السنين.

     (3) تاريخ الطبري 1/164.
 

 

________________________________________ الصفحة 56  ________________________________________

 

     وإليك نماذج من تلك الروايات التي يتضح فيها هذا الروح:

     يقول البخاري بسنده عن أبي هريرة : «ما من بني آدم مولود يولد الا يمسه الشيطان حين يولد

فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها » (1) وما أدري إذا كان هذا فضيلة فلم حرم منها نبينا

صلى الله عليه وآله وسلّم وهو سيّد الأنبياء وإذا لم يكن ذلك فضيلة فما قيمة ذكرها، وما ذنب الأنبياء

الباقين يمسهم الشيطان.

     ويقول البخاري بسنده عن عائشة اُم المؤمنين : « إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم سحر حتى كان

يخيل إليه أنّه كان فعل الشيء ولا يفعله » (2).

     ويروي البخاري قصة موسى حين نزل إليه ملك الموت لقبض روحه فصكه موسى على عينه حتى

فقأها إلى أن قال: « قال الله تعالى لملك الموت ارجع إليه وقل له ليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة

غطتها يده عمر سنة الخ » (3).

     وفي الواقع إنّ هذه العملية طريفة فإنّ الشَّعر الذي يغطيه الكف ربما يصل إلى خمسة آلاف شعرة،

وعمر نبي الله موسى معروف فإما أن نكذب الرواية أو نكذب التاريخ.

     وذكر البخاري بسنده عن اُم المؤمنين عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مكث كذا وكذا يخيل

إليه أنّه يأتي أهله ولا يأتي إلى أن قال لي: « يا عائشة إنّ الله أفتاني في أمر استفيته فيه أتاني رجلان

فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رجلي للآخر ما بال الرجل ؟ قال: مطبوب ـ أي

مسحور ـ قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم الخ أن ذهب عنه أثر السحر بعد مدة » (4).

     ومعنى هذه الرواية أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم اُصيب بفقدان الذاكرة أو بالفصام وما أدري ما

هو حال الوحي خلال هذه المدة فإذا جاز أن يصاب النبي بمثل هذا

 

____________

     (1) البخاري 4/164.

     (2) البخاري 4/122.

     (3) البخاري 4/157.

     (4) البخاري 8/18.
 

________________________________________ الصفحة 57  ________________________________________

 

المرض فما هو مقدار الثقة بالوحي وعلى كل تبقى مسؤولية الرواية على عاتق أم المؤمنين والبخاري،

ولقد حفل كتاب البخاري بمثل هذا اللون من الفكر اليهودي وذلك من قبيل ماذكره في كتاب الإِستئذان باب

بدء السلام قال:

     بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : « خلق الله آدم على صورته ـ الضمير

يعود لله تعالى إذ لا معنى لعوده لآدم قبل أن يخلق آدم وتعرف صورته ـ طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال:

إذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنّها تحيّتك وتحية ذريتك فقال:

السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم

فلم يزل الخلق ينقصون حتى الآن » (1) إلى أمثال ذلك من هذه الروايات العبقرية، ومع هذا اللون من الفكر

الغريب عن روح الإِسلام للزومه التجسيم والهرطقة فما وجدنا من ينبر حملة هذا الفكر بالخروج عن الإِسلام

أو باليهودية لنقلهم هذا الفكر الإِسرائيلي إلى الإِسلام أما إذا قدر أن شخصاً تشيع وحمل معه شيئاً من

أفكاره للتشيع تحول التشيع فوراً إلى يهودية أو نصرانية مع أن تبعة كل فكر تقع على حامله وقد أسلفنا

أن كل ما ينافي الإِسلام يأباه التشيع جملة وتفصيلاً.

     وعلى تقدير أن هناك مجموعة من الأفكار نقلها الفرس الذين تشيعوا معهم للفكر الشيعي: كالقول

بالحق الإِلهي الذي يقول به الفرس بالنسبة لملوكهم ويقول به الشيعة بالنسبة لأئمتهم ـ مع وجود فوارق

بين الأمرين ـ وحتى أي مفهوم يحصل به التقاء بين الفكرين كما يصوّره البعض فإنّ ذلك لا يوجد قدحاً في

العقيدة ما دامت الاُصول التي يتحقق معها عنوان الإِسلام محفوظة عند الشيعة بحيث إذا وجدت كان

الإِنسان مسلماً باعتناقها ونحن نعلم أنّ الأصول التي تحدد إسلام المسلم هي ما حدده النبي نفسه كما

في صحيح البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من صلّى صلاتنا واستقبل

قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته » ، كما أخرج البخاري

عن

 


____________


     (1) البخاري 8/50.

 


________________________________________ الصفحة 58  ________________________________________

 

عليٍّ عليه السلام، أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوم خيبر على ماذا اُقاتل الناس؟ فقال

صلى الله عليه وآله وسلم: « قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك

فقد منعوا منك دماءهم » (1).

     وقال الإِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: « الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول

الله به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة من الناس» (2) فصفة الإِسلام

ثابتة لمن قال الشهادتين سواء اعتقد أنّ الإِمامة نص من الله تعالى فهي حق إلهي، أو بالشورى فهي

حق للجماعة يضعونه حيث تتوفر المؤهلات، حتى لولم يكن لمعتقد الإِمامة بالنص شبهة من دليل بل لو

ذهب إلى أبعد من ذلك فابتدع وكان من أهل البدع فإنّ علماء المسلمين لا ينبزونه ولا يكفرونه. فقد عقد

ابن حزم فصلاً مطولاً في كتابه الفصل في باب من يكفر أو لا يكفر وقد قال في ذلك الفصل: ذهبت طائفة

إلى أنّه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فعل، وأنّ كل من اجتهد في شيءٍ من ذلك

فدان بما رأى أنّه الحق فإنّه مأجور على كل حال إن أصاب فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي

ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداوود بن عليّ وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه

المسألة من الصحابة لا نعلم خلافاً في ذلك أصلاً(3).

     ويروي أحمد بن زاهر السرخسي وهو من أصحاب الإِمام أبي الحسن الأشعري وقد توفي الأشعري

بداره وقال: أمرني الأشعري بجمع أصحابه فجمعتهم له فقال اشهدوا عليَّ أنيّ لا أكفِّر أحداً من أهل

القبلة بذنب لأنّي رأيتهم كلهم يشيرون إلى معبود واحد والإِسلام يشملهم ويعمهم(4).

     وبعد ذلك كله فما هو وجه ربط التشيع باليهودية لأنّ فيه أفكاراً فارسية أو

 

____________


     (1) انظر صحيح مسلم ج2 باب فضائل علي، البخاري ج3 باب غزوة خبير.

     (2) الفصول المهمة لشرف الدين ص18.

     (3) الفصل لابن حزم 3/247.

     (4) الفصول المهمة لشرف الدين ص32.

 


________________________________________ الصفحة 59  ________________________________________


 

 

نعته بأنه أثر فارسي إذا كان هناك بضعة آفكار نقلها معه بعض من أسلم منهم ودان بها وهي لاتتعدى رأياً

أخذ به بشبهه من دليل أو حتى ببدعة كما مر عليك وقد عرفت آراء العلماء في ذلك.

إنّ هذا التهور على المسلمين والتهريج عليهم من خطل الرأي وسنوقفك عن قريب على مصادر ما ذهب

إليه الشيعة من الكتاب والسنة وإن حسبه البعض أنه اقتباس من الفرس أما لقلة اطلاع أو لسوء قصد

والله من وراء القصد.

     ج ـ إنّ هذه الدعوى المقلوبة وهي فارسية التشيع سنوقفك قريباً على إثبات عكسها وأقول على

فرض صحتها فما هو البأس في ذلك إذا كان الفارسي مسلماً ونحن نتكلم بلغة الإِسلام طبعاً وشعارنا (يا

أيها الناس إنا خلقناكم ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم) 13/

الحجرات.

     فلماذا هذا الموقف وكيف ينسجم مع روح الإِسلام ولو كان نتكلم من منطلق قومي فإنّ لغة اُخرى

ستكون لنا حينئذٍ ولا يكون لنا أيّ مناقشة مع المتكلم بها هذا مع أنّ العقل والمنطق القومي السليم يحتم

احترام القوميات الاُخرى إذا أراد احترام قوميته وما أروع كلمة الإِمام الصادق عليه السلام في هذا المقام

إذ يقول:

     ليس من العصبية أن تحب قومك ولكن من العصبية أن تجعل شرار قومك خيراً من خيار غيرهم، إنّ لغة

الإِسلام لا تفرق بين جنس وجنس فلا يعتبر مسلماً من يتكلم بهذه اللغة، أما إذا كان له دوافع وراء هذه

اللغة غير إسلامية فلا تخفى على القارئ الفطن إنّ من يعتبر الناس مغفلين لهو المغفل الأكبر وسنرى عن

قريب الدوافع من وراء هذه المزاعم.

     هناك فرض آخر في تصور فارسية التشيع وهو أنّ كل أو غالبية الشيعة فرس وقد طغت أفكارهم

الفارسية على التشيع حتى غطته وربما أدت إلى الإِصطدام مع الشريعة الإِسلامية لمخالفة تلك العقائد

للإِسلام هذا الفرض صرح به بعضهم

 


________________________________________ الصفحة 60  ________________________________________


 

 

كما ستقرأه مع ما نعرضه من آراء في هذا الموضوع ـ وسترى أنّ هذا الرأي باطل ويعلم بطلان ذلك كل من

له إلمام بتاريخ المسلمين وعقائدهم وبطلانه للأسباب التالية:

     أ ـ إنّ عقائد الشيعة تحفل بها مئات الكتب والمراجع وهي ميسورة تحت أيدي الباحثين والكتّاب في كل

مكتبات العالم، وإنّ عقائد الشيعة مصدرها الكتاب والسنة وفقه الشيعة مصدره الكتاب والسنة والإِجماع

والعقل كما مر علينا وأشرنا إلى الكتب التي تشرح ذلك مفصلاً ونضيف إليها كتاب أوائل المقالات للشيخ

المفيد و عقائد الصدوق و الدرر والغرر للسيد المرتضى و أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين، ومن كتب

الأخبار والأحاديث الكتب الأربعة وهي الاُصول المعتمدة عند الشيعة بالجملة وهي من لا يحضره الفقيه

للصدوق، و الكافي اُصولاً وفروعاً لمحمد بن يعقوب الكليني و التهذيب و الإستبصار للشيخ الطوسي، مع

ملاحظة أن ليس كل ما فيها معتمداً عندنا ولكل رواية حساب ولذلك قلت إنها معتمدة بالجملة وقد تعرضت

كتب التقريرات لنقد كثير من مضامين الكتب المذكورة. 

     ب ـ إنّ الفرس لا يكوَّنون إلا جزءاً قليلاً من ناحية الكم الشيعي فالتشيع منتشر عند العرب والهنود

والترك والأفغان والكرد والصينيين والتبتيين والخ ويشكل الفرس جزءاً من الشيعة ليس كما يصوره البعض

عن سوء فهم أو سوء نية. 

     ج ـ إنّ بذرة التشيع نشأت في مهد العرب في الجزيرة العربية وإنّ الرواد الأوائل للتشيع يشكلون

مؤشراً واضحاً في ذلك، وما كان من غير العرب في الرواد الأوائل من الشيعة عدى واحداً هو سلمان

المحمدي كما سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان فارساً. وقد ذكرنا الطبقة الأولى من الشيعة

الذين تتوزع وشائجهم على مختلف البطون والقبائل العربية، وأنت إذا تتبعت الطبقة الثانية والثالثة من

الشيعة فسوف تجدهم عرباً في الأعم الأغلب ولا اُريد الإِطالة في هذا المورد

 


________________________________________ الصفحة 61  ________________________________________


فذلك مكانه من كتب السير والتراجم، وسيرد في نهاية هذا الفصل ما يثبت دعوانا من آراء الباحثين

والمنقبين.

     ومع ما أسلفناه من كلام فما هو وجه نسبة التشيع للفارسية والذي أصبح يرسل عند بعضهم إرسال

المسلمات كأنّه من الاُمور المفروغ منها. ولأجل أن نستوعب الموضوع سنضطر إلى الخوض في جوانب

متنوعة ونستعرض آراء كثيرة وما بررت به هذه الآراء صحة هذه النسبة للتشيع وهي لا تختلف في

مستواها من العلم عن أصل صحة هذه النسبة ولا أشك أنّك ستضحك كثيراً عندما تقرأ هذه الأسباب

ويأخذك العجب كيف أنّ مثل هؤلاء الباحثين وهم على منزلة من العلم والتحقيق لا يستهان بها: يقتنعون

بوجاهة هذه الأسباب فضلاً عن أنّهم يسوقونها لإِقناع غيرهم لولا الهوى والعصبية أعاذنا الله تعالى وإياك

منها، ولولا الأسر الذي يقع فيه من نشاء على عقيدة ولا يسمح للضوء أن يسلط على عقيدته ومسبقاته

حتى يرى منها ما كان ناتجاً من مجرد تقليد أعمى ويصطدم بالمقاييس الصحيحة فينبذه وما كان على أرض

صلبة ويلتئم مع قواعد الشرع فيتمسك به.

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية