التشيّع حجازي المحتد والمولد

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 75 ـ 77

 


(75)


التشيّع حجازي المحتد والمولد :


التشيّع حجازي المحتد والمولد; إذ فيه نشأ ، وفي تربته غرست شجرته ، ثمّ نمت وكبرت ، فصارت شجرة طيّبة ذات أغصان متّسقة وثمار يانعة . وفيه حثّ النبيّ الأكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على ولاء الإمام عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _ وسمّى أولياءه شيعة ، وحدّث بحديث الثقلين ، وجعل أئمة أهل البيت قرناء الكتاب في العصمة ولزوم الاقتفاء والطاعة ، وفيه رَقى النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ المنبر الذي صنعوه من رحال الإبل وأخذ بيد وصيّه ووليّ عهده عليّ المرتضى وحمد الله وأثنى عليه وقال : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» فقالوا : اللّهمّ بلى ، ولما أخذ من الجمع المحتشد الإقرار بأولويّته على النفس والنفيس عرَّف عليّاً خليفة بعده وقال : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ونزل من المنبر ثمّ نزلت آيات من الذكر الحكيم تشير إلى هذه البيعة وتؤكّدها ، ومن ثمّ تبودلت التهاني والتحيّات بين الإمام والصحابة(1) .
وقد أشار إلى بعض ما ذُكر مؤلّف خطط الشام وقال : «إنّ النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _هو الذي حثّ على ولاء عليّ وأهل بيته _ عليهم السلام _ وهو أوّل من سمّى أولياءه بالشيعة ، وفي عهده ظهر التشيّع وسمّي جماعة بالشيعة(2) .
ولما ارتحل النبيّ الأكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلى دار البقاء تناسى أُولو القوّة والمنعة من الصحابة عهد النبيّ الأكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فحالوا بين النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وأُمنيته كما حالوا بين أُمّته وإمامها ، فتداولوا كُرة الخلافة بينهم ، وأخذوا بمقاليد الحكم واحداً بعد آخر ، والإمام منعزل عن الحكم ، لا عمل له إلاّ هداية الأُمّة وإرشادها بلسانه

____________
(1) لقد أفرد علماء الإمامية كتباً كثيرة أشاروا فيها إلى بيعة الغدير التي حدثت بعد عودة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ والمسلمين من حجّة الوداع ، وقد بسطوا القول فيها وعضدوها بالأدلّة القوية والثابتة ، كما أنّ كتب أهل السنّة حافلة بهذا الخبر تصريحاً أو إشارة إليه ، فمن شاء فليراجع .
(2) محمد كرد علي ، خطط الشام 5 : 251 .
________________________________________


(76)


وبيانه وقلمه وبنانه .
ولقد كان الذي دعا عليّاً إلى السكوت والانحياز ، هو مشاهدة ظاهرة الردّة الطارئة على المجتمع الإسلامي عن طريق مسيلمة الكذاب ، وطليحة بن خويلد الأفّاك ، وسجاح بنت الحرث الدجّالة ، وأتباعهم الرعاع الذين كانوا على الدين الفتيّ خطراً جدّياً كان من الممكن أن يؤدّي إلى محق الإسلام وسحق المسلمين . ويحدّث عن هذه الحقيقة الإمام في رسالته التي أرسلها مع مالك الأشتر إلى أهل مصر ، حيث يقول فيها : «فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم»(1) .
رأي الإمام أنّ صيانة الإسلام وردّ عادية الأعداء تتوقّفان على المسالمة والموادعة ، فألقى حبل الخلافة على غاربها ، تقديماً للأهمّ على المهمّ ، وتبعته شيعته صابرين على مضض الحياة ومرّها .
بقي الإمام منعزلا عن الحكم قرابة ربع قرن إلى أن قتل عثمان في عقر داره ، وانثال الناس إلى دار عليّ من كلّ جانب مجتمعين حوله كربيضة الغنم ، يطلبون منه القيام بالأمر وأخذ مقاليد الحكم ، وفيهم شيعته المخلصون الأوفياء ، فلم ير بدّاً من قبول دعوتهم لقيام الحجّة بوجود الناصر(2) .
ولمّا نكث الناكثون البيعة ، وقادوا حبيسة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ « عائشة » معهم إلى البصرة ، ارتحل الإمام بأنصاره وشيعته إلى العراق إلاّ قليلا بقوا في الحجاز لقلع مادّة الفساد قبل أن تستفحل ، ولمّا قلع عين الفتنة ، استوطن الإمام الكوفة ،

____________
(1) الشريف الرضي ، نهج البلاغة ، الكتاب 62 .
(2) إشارة إلى قوله _ عليه السلام _ : « أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر . . .لألقيت حبلها على غاربها» نهج البلاغة ، الخطبة 3 .
________________________________________


(77)


واستوطنها معه شيعته ، وصارت الكوفة عاصمة التشيّع ، ومعقله ، وفيها نما وأينع وأثمر ومنها انحدر إلى سائر البلدان ، بعد ما كان الحجاز مهبط التشيّع ومغرسه ومحتده . فكان حجازي المحتد والمغرس ، عراقي النشوء والنمو ، ولم يكن يوم ذاك يتظلّل في ظلال التشيّع إلاّ عربي صميم ، من عدنانيّ وقحطانيّ ، ولم يكن بينهم فارسيّ ولا بربريّ الأصل ولا شعوبيّ العقيدة يمقت العرب .
وهكذا فإنّا يمكننا القول بأنّ مهد التشيّع الأوّل كان في أرض الحجاز الطيّبة ومنها درج واشتد حتّى تسامق وتطاول وأصبح له وجود في كلّ بقاع المعمورة .
ولا زال الشيعة يعيشون مع إخوانهم المسلمين في مكّة المكرّمة ، والمدينة المنوّرة ، وحضرموت ، ونجران ، وغيرها ، كما توجد في أنحاء من أرض الحجاز الكثير من القبائل العربية الشيعية أمثال بني جهم ، وبنو عليّ ، وغيرهم .
وأمّا المنطقة الشرقية كالإحساء والقطيف والدمّام ، فأكثر سكّانها من الشيعة .

 

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية