ما الفائدة من إمام غائب ؟!

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

ما الفائدة من وجود الإمام سلام الله عليه خلال الغيبة الكبرى ؟! وكيف يستفيد أيتام آل محمّد صلى الله عليه وآله من غيبته ؟!

فبذلك ما المقصود بما ورد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام : أفضل الأعمال انتظار الفرج ؟!

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين .. وبعد ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

ألف : بالنسبة لكيفيّة استفادة الناس منه عليه السلام في غيبته نقول :

أوّلاً : لنفترض أنّ حزباً سياسيّاً يعيش في دولة قويّة ونظام متسلّط وجبّار ، وقد اضطهد هذا النظام الجبّار زعامة ذلك الحزب ، وألجأها إلى التخفي والإستتار ، فهل يمنعها ذلك من إيجاد وسائل تضمن لها مصلحة الجماعة التي هي تحت قيادتها ورعايتها ؟! أم أنّها سوف تبتكر الأساليب المختلفة ، التي تحقّق أهدافها ، وتصرف نظر الحاكم عنها ، وتخفيها عن نظره ، مهما بالغ في ملاحقتها ، وجهد لكشف أحوالها ؟!

وهذا الخضر ـ وهو نبي ـ لا يزال غائباً عن الأنظار ، طيلة مئات ، بل آلاف السنين ، ويقوم بالمهمّات التي أوكلها الله تعالى إليه ، ولم يستطع أحد كشف أمره ، أو الإطلاع على سرّه ، والأمر في الإتّصال بمن أراد ، يرجع إليه عليه السلام ، وهو الذي يملك القرار والإختيار في ذلك ، وهو الذي يحدّد الوقت والكيفيّة ، والمكان وغير ذلك ..

ولو لم يكن لوجوده فائدة ، فلماذا يبقيه الله تعالى حيّاً هذه الأزمنة المتمادية ؟!

ثانياً : قد ذكرنا في الإجابة السابقة بعض فوائد وجود الإمام عليه السلام. على أنّ الأمر لا ينحصر باستفادة البشر منه ، فإنّه إذا كان الناس مسؤولين حتّى عن البقاع والبهائم ، فإن الإمام أولى بأن يكون مسؤولاً عن ذلك وسواه أيضاً.

ثالثاً : ورد في الروايات : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ذكر المهدي عليه السلام ، فقال : ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله ، هل لشيعته انتفاع به في غيبته ؟!

فقال صلّى الله عليه وآله : إي والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، إنّهم ليستضيؤون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب (1).

رابعاً : بالنسبة لكيفيّة استفادة الناس منه في غيبته ، نقول :

إنّه هو الذي يحدّد هذه الكيفيّة لتكون بحيث تحفظ سرّه ووجوده ، وتناسب حال من يريد عليه السلام أن يتعاطى ويتعامل معه .. أو الحالة التي يريد أن يعالجها ..

ب : أمّا بالنسبة لقول الإمام الصادق عليه السلام : « أفضل الأعمال انتظار الفرج » ، فنقول :

إن هذه الروايات في تعابيرها وفي خصوصيّات كلماتها المختارة قد جاءت بالغة الدقّة ، ظاهرة الغنى ، شديدة الإيحاء ، ويمكن أن نستخلص منها الكثير ممّا ينفعنا في صيانة ديننا وإصلاح دنيانا .. ونحن نقتصر منها ههنا على ما يلي :

1 ـ إن الخطاب في هذا الحديث الشريف موجّه إلى أولئك الذين يهتمّون بمعرفة الأعمال الفاضلة والتميز فيما بينها ، ليختاروا أتمّها فضلاً ، وأكثرها أجراً ..

2 ـ إن الإمام عليه السلام قد اعتبر انتظار الفرج عملاً حقيقيّاً ، له مزيّته بين سائر الأعمال ، وله ترجيح وفضل عليها .. وليس مجرّد فراغ وسكوت وسكون ، وعطلة غير محدودة بزمان.

3 ـ إنّه عليه السلام لا يريد صرف الناس عن نصرة ومساعدة أئمّتهم في إقامة أحكام الله سبحانه ، وإصلاح الأمور ، ولا إبعادهم عن العمل تحت قيادتهم في مختلف الإتّجاهات ، ولا هو يسعى إلى شل حركتهم وتفكيرهم عن التصدّي للمشاركة في صنع الحاضر ، والتأثير الإيجابي في المستقبل.

كما أنّه لا يريد أن يجعلهم يعتمدون على الغيب ، ويتكلون على الصدف ، ويفهمون الأمور على أنّها تسير بمنطق الجبريّة التكوينيّة ، لينتهي الأمر بإعفائهم من المسؤوليّة عن هذا الطريق.

4 ـ إن الحديث الشريف قد دلّ أيضاً على وجود ضيق وشدّة يراد الخلاص منه ، ومنها ، وبذلك يكون الفرج ..

5 ـ إن هذه الشدّة وذلك الضيق ليسا من فعل الله سبحانه .. بل هما من فعل الناس ..

فهم المطالبون إذن برفع ذلك وإزالته .. وليس لهم أن ينتظروا التدخل الإلهي ، في هذا السبيل.

فعلى الناس الذين أفسدوا ، أن يصلحوا ما أفسدوه ، وعلى الذين أسهم سكوتهم في تسهيل الأمر على المفسدين أن يتحملوا مسؤوليّتهم في إعادة الأمور إلى نصابها.

ولا أقلّ من أن يعملوا على إضعاف شوكة أهل الباطل بحسن تدبيرهم ، ودقّة حركتهم في هذا الإتّجاه ..

6 ـ ثم لا حاجة إلى التذكير بأن الخطاب في أمثال هذا الحديث الشريف ، إنّما هو موجّه إلى من يدرك وجود شدائد وأزمات ، وعراقيل وعقبات ، وضيق شديد ، وبلاء ومعاناة. وإلى من يعرف : أنّه لا بدّ من السعي للخروج من ذلك كلّه إلى برّ الأمان ، حيث السلام والسكينة ، لتكون مصائر العباد والبلاد بأيد قويّة وصادقة وأمينة.

7 ـ إنّه حين يطلب من هذا الإنسان الواعي لحقيقة الأمر ، والذي يعيش روح المسؤوليّة ، ويحمل همّها ـ أن ينتظر الفرج والحلّ. فإنّه سيدرك أن هذا التوجيه إنّما يهدف إلى ضبط حركته ، واستيعاب اندفاعه ليكون في الخطّ الصحيح ، والبنَّاء والمنتج.

8 ـ إن الإنسان المؤمن والواعي ، والعارف بما يريده الله منه ، يدرك تماماً مسؤوليّته تجاه ربّه ، وتجاه نفسه ، وتجاه امامه ، وتجاه الأمّة بأسرها ..

ولا بدّ أن يكون قد راجع النصوص الشرعيّة ، واطلع على التوجيهات الإلهيّة ، التي حملها إليه القرآن ، وأبلغه إيّاها النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله والأئمّة الطاهرون المعصومون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فإذا أدرك وجود ضيق وشدّة على نفسه ، أو على إمامه ، أو على إخوانه ، أو أمّته ، فإنّه سيجد نفسه أمام مسؤوليّة شرعيّة وعقليّة ووجدانيّة ، تدعوه إلى القيام بما فرضه الله عليه من تكاليف في جميع الحقول ..

ولا بدّ أن يكون على درجة من الوعي بحيث يدرك أن أيّ حرج يتعرض له إمامه ، ويمنعه من ممارسة قيادته للامة بصورة فعليّة وفاعلة ، لا بدّ أن ينعكس آلاماً ، ومصائب ، وبلايا ونوائب على الأمّة بأسرها ، أفراداً وجماعات ، بل على كلّ مظاهر الحياة والخير فيها ..

وبديهي أن من يرى بيته يحترق ، ويشاهد النار قد علقت بثيابه ، فليس له أن يقف موقف المتفرّج غير المكترث ، بل لا بدّ له من المبادرة إلى إخماد تلك النار ، وتلافي وقوع ذلك الحريق ، بكلّ ما يملك من قدرات ، وبجميع ما يقع تحت يده من وسائل وطاقات.

9 ـ والذي يثير الإنتباه هنا أيضاً : أن هذا التوجيه لم يحدّد ذلك الذي يكون الفرج له ، وذلك لكي يكون توجيهاً شاملاً ، ويكون التعاطي معه برؤية مستوعبة ، وواعية ، تلاحق كلّ الحالات ، وتتحرّك في جميع الإتّجاهات ..

وما ذلك إلّا لأن أيّ اندفاع غير مسؤول ، لم تراع فيه الدقّة ، ولم تحكمه الموازين الإيمانيّة ، والشرعيّة ، والإعتقاديّة والتدبيريّة ، وغيرها .. فإنّه لا يؤمَنُ في مثله الوقوع في انحرافات عقائديّة خطيرة ، فضلاً عن أنّه قد يلحق بالكيان كلّه أضراراً بالغة وخطيرة ربّما يصعب تلافيها ..

الأمر الذي يحتم مراجعة الحسابات بدقّة ، وبوعي ومسؤوليّة ، والتزام ..

ولأجل ذلك نقول :

إن هذا التوجيه قد يكون ناظراً إلى زمان الحضور والغيبة على حدّ سواء.

ففي زمان الحضور أريد منه الحدّ من اندفاع الناس لتأييد من لا يستحق التأييد ، من الذين يرفعون رايات ضلالة ، من حيث إنّها تستبطن ادّعاء الإمامة لغير أهلها ، فكان الكثيرون من الناس الطيّبين يتعجلون في اتّخاذ القرارات بتأييدها والانخراط في صفوفها ، انطلاقاً من حماسهم ، لأن يعلو صوت الحقّ ، وتزول دولة الباطل ، وحبّ أن تنكشف الغمة عن الأمّة. فينجرّون وراء أمثال هؤلاء ، وتشتبه عليهم الأمور ، ويقعون في الشك والشبهة ، وفي المحذور الكبير بسبب غفلتهم ، وتسرّعهم ، وحماسهم غير المسؤول ..

فجاء هذا التوجيه الحكيم ليعالج حالة هؤلاء الناس ، ويطلب منهم أن يثبتوا على يقينهم .. وأن لا يتعجلوا الأمور ، فإنّها مرهونة بأوقاتها ..

ولا ينتهي أثر التوجيه عند هذا الحدّ ، بل تبقى له شموليّة ، وسعة ، وحاكميّة ، ودور في ضبط حركة المؤمنين في زمن الغيبة أيضاً ..

فهو من جهة يكون تهدئة وضبطاً لحركة المستعجلين منهم ، وصيانتهم من محذور الوقوع فريسة تزوير الحقائق من قبل طلّاب اللبانات ، أصحاب المطامع ، الذين يطلقون الادّعاءات الباطلة ، ويرفعون رايات الضلال ، داعين الناس إلى بيعتهم وإلى إمامة أنفسهم.

ثم يكون من جهة أخرى توجيهاً قويّاً وحاسماً ، باتّجاه الإعداد والاستعداد ، والمساهمة الفعليّة في إزالة الموانع ، وتذليل العقبات التي تعترض سبيل فرج الأمّة بظهوره صلوات الله وسلامه عليه و عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

10 ـ ثمّ إن من الواضح : أنّ للفرج بعد الشدّة لذّته ، ومحبوبيّته ومطلوبيّته ، فانتظاره يكون انتظاراً لأمر محبّب ولذيذ ، تهفو إليه النفوس ، وتشتاق إليه وتتمنّاه ..

فإذا جعل الإنسان المؤمن نفسه في موقع الطالب والمنتظر له ، فإن انتظاره هذا سيكون معناه : أن يكون دائم الفكر فيه ، والإستحضار له ، والإرتباط به.

أضف إلى ذلك : أن هذا الإنتظار سيجعل هذا المنتظر يعدّ الدقائق واللحظات التي تفصله عمّن يحبّ ، وسيشعر بحجمها وبقيمتها ، وبمداها. ثمّ هي ستكون ثقيلة عليه ، ويودّ التخلّص منها ، بأيّة وسيلة ، ليصل إلى من ، أو ما يحبّ ، ويبلغ ما يريد.

فإذا رأى أن ثمة تأخيراً في حصول ما يتمنّاه ، فسيبحث عن أسبابه ، ويعمل على إزالتها بكلّ ما يستطيع ..

أمّا النائم الغافل ، الذي يعيش حياة الإسترخاء ، والفراغ ، وعدم الشعور بالمسؤوليّة ، فلا يمكن أن يكون من المنتظرين ..

11 ـ ويبقى علينا أن نعرف السبب في أنّ الإنتظار كان هو أفضل الأعمال ، وليس هو الصلاة مثلاً ، مع أن الصلاة عمود الدين ..

ولعلّ بإمكاننا الإشارة في هذا السياق الى نقطتين :

إحداهما : أنّه قد اتّضح ممّا ذكرناه : أنّ حفظ الإمام ، وتمكينه من القيام بمهمّاته ، هو حفظ للأمّة ، وللدين ، كلّ الدين ، ولكلّ مظاهر الحياة والقوّة ، وهو يهيّء الأجواء لكلّ كائنٍ لكي يتنامى ويتكامل ، ويسير نحو الأهداف السامية التي رسمها الله سبحانه وتعالى له.

الثانية : أن هذا الإرتباط الذي يحقّقه عيش الناس لواقع الإنتظار ، هو التجسيد الواقعي والفعلي لأمر الولاية والإمامة.

وكلّنا يعلم : أنّ ولاية الأئمّة شرط أساسي لقبول جميع الأعمال ، وهي بالنسبة لها بمثابة الروح ، حين تنفخ في الجسد ، حيث إنّ هذه الروح هي التي تعطي العين القدرة على الرؤية ، وتعطي الأذن السمع ، وتجعل اللسان يتكلّم ، واليد تتحرّك ، وما إلى ذلك ..

فإن عيش الإنسان هذا الإرتباط الفعلي ، والواعي ، من شأنه أن يزيد في نشاط هذه الروح ، وسيعطيها المزيد من القوّة والحيويّة والحياة ..

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى ، محمّد وآله الطاهرين ..

الهوامش

1. راجع : كتاب الأربعين للماحوزي ص 224 وميزان الحكمة ج 1 ص 184 وكمال الدين وتمام النعمة ص 253 وبحار الأنوار ج 52 ص 92 ح 8 عنه ، وكفاية الأثر ص 54 وتفسير كنز الدقائق ج 2 ص 493 و 506 وإعلام الورى ج 2 ص 182 وقصص الأنبياء للراوندي ص 359 وكشف الغمة ج 3 ص 315 وينابيع المودة ج 3 ص 238 و 239.

المصدر : موقع سماحة السيّد جعفر مرتضى العاملي

 

أضف تعليق

الإمام المهدي عليه السلام

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية