اشتمال القوانين الإسلامية على الظلم

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

لقد أصبحت قوانين وقيم حقوق الإنسان أغلى وأرقى قيم في أذهان المجتمعات البشريّة نتيجة التركيز عليها من قبل وسائل الإعلام العالميّة التي يديرها من أنتم أعرف به منّا بل أصبحت تلك القوانين والقيم المرجع الأعلى لقياس عدالة أو ظلم أيّ قوانين وقيم أخرى ، فكلّ ما خالف روح تلك القيم أو نصّ تلك القوانين عُدّ ظلماً لا يمكن صدوره من عادل ، فكيف بالعادل على الإطلاق ؟!

ويدعى إنّ القوانين الإسلاميّة في بعض جوانبها تخالف تلك القوانين كما في القوانين المتعلّقة بالمرأة ، من جواز ضربها ولو خفيفاً في حالات نادرة وجواز تزويجها في سنّ التاسعة حيث يعدّ ذلك جريمة يحاسب عليها القانون بشدّة في البلاد الغربيّة واستئذان أبيها في نكاحها ...

ومعاملة غير المسلمين من عدم حرمة دم الحربي منهم.

وعدم جواز ممارسة طقوس الذمي بصورة علنية ...

وتربية الأطفال كضرب الطفل ...

والخُمس ، حيث يختصّ عشيرة من العرب بقسط من الضرائب توزع عليهم بإعتبارها حقّاً لهم وإن وجد في غيرهم من هو أحقّ منهم ، وهذا يعد تفرقة عنصريّة عندهم ...

ولا أريد هنا ادراج كلّ الإختلافات بين قوانين وقيم الإسلام وبين تلك القوانين والقيم ، وإنّما الغرض ذكر بعض النماذج لا غير.

ولم أعثر على دراسة علميّة شاملة تقوم بالمقارنة بين قوانين وقيم الإسلام وتلك القوانين والقيم سوى بعض الأجوبة المقتضبة من هنا وهناك والكثير منها نقضي كأن يجاب أن مقنني تلك القوانين ومروّجي تلك القيم لم يعملوا بها ، وهذا لا يثبت بطلان تلك القيم وعدم عدالة تلك القوانين أو بعض الأجوبة الخطابيّة الشعاراتيّة التي يمكن للخصم صياغة شعارات أقوى منها أو يجاب إجمالاً بأنّ خالق الإنسان اعرف بصلاحه ، وإن قيم السماء هي التي ينبغي اعتبارها قيماً يعتزّ بها وما سواها لا قيمة ، وهذا الجواب وإن كان صحيحاً لا غبار عليه ، إلّا أنّه لا يقنع غير المسلم الذي يستدلّ على عدم سماويّة الإسلام لإحتوائه على تلك القوانين ، كما لا يقنع المسلم الذي يدعي أن هذه القوانين من التحريفات التي جرت على الإسلام بإعتبار أنّ الإسلام لا يخالف العقل والفطرة السليمة ، وهذه ممّا يخالف ذلك ، فهي ليست من الإسلام.

وقد ابتليت بأحد الاخوة ممّن يعتبر الخُمس قانوناً عنصرياً وهو دكتور واستاذ في إحدى الجامعات الغربيّة ذات المستوى الرفيع ، وحاولت اقناعه بشتّى الوسائل واطلعته على الجزء الذي يبحث الخُمس من كتاب وسائل الشيعة مستدلاً بأنّ الخُمس من المتواترات التي لا شكّ بصحّتها ، وإلّا بم يمكن تفسير هذا الكمّ الهائل من الروايات الواردة في الخُمس ؟ إلّا أنّه لم يقتنع بكلّ ذي وذا ، مدّعياً أنّ ذلك من إضافات الرواة جرّاً للنار إلى قرصهم ، رغم أنّه يؤدّي الخُمس لكن لا عن قناعة ولم ينفع معه حتّى التخويف بأنّ إنكاره هذا إنكار للضروري.

فالرجاء القيام ببحوث علميّة مكثفة تثبت إنّ قوانين الإسلام ، وقيمه هي المطابقة للفطرة السليمة ، ولِما تسالم عليه العقلاء بما هم عقلاء وهي القوانين التي ينبغي للعقلاء التسالم عليها ، حفظاً للنظام ولنسل البشريّة.

الجواب :

إليك أيّها السائل الكريم الإجابة على بعض الإشكالات التي تسجّل على تعاليم الدين الإسلامي .

1 ـ الأصل عندنا احترام المرأة فهي ريحانة وليست قهرمانة ، والأصل عندنا احترام الإنسان : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) [ الإسراء : 70 ] ، ولكن الإنسان ايّاً كان رجلاً أو امرأة قد يعمل عملاً يستوجب التنبيه بالقول أو الاعراض عنه أو حتّى الضرب الخفيف إذا شخّص الحاكم ذلك بعد أن تصل القضيّة الخارجيّة إليه.

والمرأة هي إنسان قد ترتكب ما يوجب التنبيه من قبل الحاكم إذا وصلت القضيّة إليه فيحكم عليها بالسجن أو بالضرب حسب الحالة التي ارتكبتها المرأة التي يعاقب عليها القانون أو الشرع.

وقد تعمل المرأة في البيت ما يستوجب أن تُنبّه عليه من قبل ولي الأمر فلا يجوز لأحد أن يقوم بتنبيهها إلّا وليّ الأمر الذي جعل الشارع له حقّ التأديب والتوجيه ، والتأديب يكون حسب ما يراه الولي الرشيد فقد يكون بالإعراض وقد يكون بالكلام وقد يكون بالوعيد وقد يكون بالضرب الخفيف بحيث لا يصل إلى حدّ الإحمرار أو الاسوداد ، فالمرأة ليست مصانة من كلّ عقوبة حتّى إذا صدر منها ما يوجب العقوبة .

نعم إذا ضربها الولي أو غيره انتقاماً أو حتّى للتأديب ، ولكنه وصل إلى حدّ الاحمرار أو الاسوداد أو الاخضرار ، ففيه الدية على الضارب وان كان وليّاً ، لأنّ جواز التأديب كحكم شرعي لا يتنافى مع الحكم الوضعي بثبوت الدية لها على الولي.

ولا أظن أنّ أحداً يقول بأنّ المرأة لا تُضرب ولا تُؤدّب ولا يحكم عليها القاضي بأيّ حكم مهما فعلت من أفعال ، فإنّ هذه صيانة لم يجعلها القانون لأحد.

2 ـ أمّا جواز تزويجها في السنّ التاسعة ، فإنّ الشارع المقدّس عندما يجوّز شيئاً فليس معنى ذلك أنّنا لا بدّ أن نعمل به بل يجب أن نلاحظ جملة أمور أخرى ، فقد تكون تلك الأمور الأخرى تجعلنا لا نقدم على ذلك الفعل الجائز ، فإذا جوّز الشارع الركض في الشارع فإنّ كثيراً من الناس لا يعملونه لأمور خاصّة تخصّهم تجعل ذلك الأمر الجائز مرجوحاً لهم أو ممتنعاً عليهم ، كما إذا كان الإنسان قد بلغ سنّ السبعين ، فليس معنى الجواز هو لا بديّة الفعل.

ثمّ إنّ هذا الجواز لأجل بيان أنّ بعض النساء إذا كان لهم جسم كبير حسب طبيعة بدنهم ومحيطهم بحيث يكون الزواج بالنسبة لها أمراً مألوفاً ، فإنّ الشارع لا يقف منه موقف كمانع ، وليس معنى ذلك إنّ المرأة إذا كان لها تسع سنين وكانت غير قادرة على الزواج بدنياً تجبر على الزواج ، فإنّ هذا هو معنى الوجوب لا الجواز.

3 ـ وأمّا استئذان الأب في تزويجها ، فهو أمر قد جعله الشارع لمصلحة المرأة ، إذ إنّ المرأة في سنينها الأولى ليست عندها تجربة في ما يصلح لها من الأزواج ، فجعل لها الشارع مرشداً يعمل على مصلحتها فهو ولي لها وليس ولياً عليها يعمل بما تشتهيه رغبته الشخصيّة ، فإنّ الولي إذا كان لا يعمل لمصلحة البنت فولايته ساقطة بل هو يعمل لما يصلحها ، فالمرأة تشارك الولي في عقله للإستفادة منه للوصول إلى الزوج الصالح ، وهذا ليس منقصة للمرأة ، إذ إنّ الشارع جعل الاستشارة مستحبّة ، وجعل هنا استشارة المرأة لوليّها في الزواج واجبة لأنّ الزواج أمر مهم والمرأة تحتاج إلى من يرشدها في سنينها الأولى ، وخير من تستشيره ويرشدها هو وليّها الذي يدأب على مصلحتها.

نعم إذا ثبت أنّ الأب ـ الولي ـ معاند لزواجها ويريد أن يعضلها من الأزواج فتسقط ولايته هنا ويكون أمرها بيدها.

4 ـ وأمّا عدم حرمة دم الحربي ، فانّنا إذا اعتقدنا بصحّة الدين الإسلامي وعالميّته ، وأنّه آخر الأديان وهو الصالح للبشريّة ، فَمَن لم يعتنق هذا الدين يكون إنساناً منحرفاً عن الطريق الصالح والسالم والهادي ، وحينئذ حكم الشارع بعدم الحرمة لدمه وماله ، إلّا أن هذا الحكم لا يسوّغ لنا التعدي عليه بالقتل أو الجرح أو السرقة لأمور له ، فإنّ هذه الأمور أيضاً محرّمة ولا تجوز ، فإذا أراد إنسان أن يعتدي على كافر حربي فلا بُدّ من أخذ إجازة من الحاكم الشرعي ، وإلّا فهو عمل محرّم أيضاً.

5 ـ أمّا عدم جواز ممارسة الحربي طقوسه بصورة علنية ، فهو أمر واضح لأنّنا عندما نعتقد عدم صحّة أديانهم وأنّها أديان منسوخة ، ونعتقد صحّة ديننا وعالميّته وإستمراره ، فبأيّ منطق نسمح لمن يؤدّي طقوساً هي منسوخة وباطلة بإعتقادنا ونجعله يدعو إليها ، فإنّ علنيتها معناه أنّه يدعو لها ، وإنّما العقل والمنطق يقول الدعاية والنشر يكون لما فيه صلاح البشريّة وهو الإسلام ، أمّا ما لا يكون صالحاً فنمنع من الدعاية له ، ومع هذا نسمح لهم بممارسة شعاراتهم سرّاً ، لأنّها تلبّي حاجاتهم الإعتقاديّة بدون دعوة الناس إليها.

6 ـ أمّا تربية الأطفال ، فإنّ التربية تختلف فقد تكون باللسان والمعاشرة وبيان الطرق الصحيحة وقد تستدعي التربية ضرباً وتأنيباً ، فإذا كان الضرب يفيد في تنبيه الطفل يكون جائزاً أمّا إذا كان الضرب لا يفيد في التربية فيكون غير جائز ، والتربية تختلف من إنسان لآخر ، فقد يكون بعض من الأطفال يُؤدّب بالكلام غير الشديد ، وقد يُؤدّب طفل بالكلام الشديد التأنيبي إذا صدر منه خطأ متعمد فيه ، وقد لا يفيد الطفل إلّا الضرب في حالات خاصّة ، فيكون الضرب جائزاً لمصلحته وتربيته لا للإنتقام منه.

ومع هذا تأتي القاعدة القائلة : إنّ الضرب لا يجوز أن يكون قد وصل إلى حدّ الاحمرار أو الاخضرار أو الاسوداد ، فإنّ فيه الديّة حينئذٍ.

7 ـ وأمّا الخمُس الذي يريد منه السائل « حقّ السادات كرّمهم الله تعالى » ، فإنّ هذا الحقّ حينما جعله الله للسادة اشترط أن يكونوا من الفقراء ، ولا يجوز أن يُعْطَوْن منه أيّ شيء إذا كانوا من الأغنياء ، وحينما يُعْطَون لا يُعْطَون إلّا بقدر ما يرفع عنهم الفقر فقط ، أمّا الزائد فيكون لمذهب الإمام يصرفه في صالح المسلمين.

وفي قبال ذلك فقد حرم الإسلام على السادة الفقراء الزكاة والفطرة فجعلهم محرومين منها فجعل لهم حق السادات بشرط الفقر ، إذ ما يُعْطى السادة الفقراء مقدار ما يرفع به فقرهم كما يعطى الفقراء من غير السادة ما يرفع به فقرهم من الزكاة والفطرة ، فإن وصل الإنسان إلى حدّ الغنى وأصبح مكتفياً أو كان صاحب مهنة أو حرفة يكتفي بها لمعاشه ، لا يجوز له أن يأخذ من حقّ السادات ، وإن كان سيّداً ، ولا يجوز له أن يأخذ من الصدقات إن لم يكن سيّداً ، فليس حقّ السادة هو مختصّاً بعشيرة من العرب يوزع عليهم ممّا توّهم.

إذا لا عنصريّة في البين ، وإنّما اهتمّ التشريع برفع مستوى الفقراء من السادة وغيرهم. والسيّد إذا لم يكن فقيراً يحرم عليه أخذ حقّ السادات باتّفاق الفقهاء.

أخي الكريم ، إن كانت عندكم شبهات من هذا النوع فلا بأس بطرحها لاستلام الجواب عليها ، وقد امتلأت المكتبات الإسلاميّة ببيان أنّ أحكام الاسلام مطابقة للعقل والفطرة السليمة ، إلا أنّكم غير مطلعين عليها ، فإذا أمكنكم الاتّصال بأهل العلم الحقيقيين الذين ألّفوا وكتبوا في التشريع الإسلامي وبيان مطابقته للفطرة وللعقل ، لاتضح لكم أنّ هذه الشبهات قد اُجيب عليها من قبل المفكّرين الإسلاميين.

وأكرّر لكم أيّها الأستاذ الكريم وللدكتور الذي يدرس في الجامعات الغربية ، إنّكم غير مطلعين على التشريع الإسلامي وتطوّره ومسايرته للعقل والفطرة ، فإنّ لهذه الأبحاث أساتذة متخصصين حبّذا لو سألتم عمّا يدور في أذهانكم من شبهات حتّى يجيب عليها أهل الإختصاص.

تنبيه : إنّ علماء الإسلام تثبّتوا في رواة الروايات ، فلم يأخذوا إلّا بمن ثبت توثيقه وعدالته ، وتركوا ما لم يثبت توثيقه وعدالته ، أو كان مجهولاً ، فأحكموا اُسس التشريع الإسلامي من الإعتماد على الرواة والعلماء الذين بذلوا كل عمرهم في حفظ التراث الديني قد يمتنعون من أخذ الحقوق الشرعية احتياطاً لدينهم ، فهم لا يجرون النار إلى قرصهم ، فإنّ هذا الدين قد ثبت بمداد العلماء والرواة وبدمائهم ، ولا يوجد من العلماء الحقيقيين من يتكلّم بكلام واحد من دون دليل من قرآن أو سُنّة.

وإذا كان الرواة قد جرّوا النار إلى قرصهم كما توهّم ، فماذا تعمل بالآية القرآنيّة القائلة : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) [ الأنفال : 41 ] ؟! فهذه الآية أثبتت الخمس من كلّ غنيمة ، فما نحصل عليه من الغنائم في حياتنا هذه أوجدت فيه الآية الخمسة ، فنصفه هو سهم الله وسهم رسوله وسهم الأئمّة وهو ما يسمّى حقّ الإمام عليه السلام ، يصرفه في ما يصلح الدين وينشر الدين ، فهو بيد المرجع يصرفه على ترويج الدين وتشييده ونشره ، وأمّا حقّ السادات الذي للفقراء ، فقد ذكر القرآن أنّه لليتامى السادة والمساكين السادة وأبناء السبيل السادة من آل محمّد صلّى الله عليه وآله بعد أن منعهم من الصدقات والزكاة والفطرة ، فإنّ سادة آل محمّد الذين حرّم الله عليهم الصدقات من أين يعيش ضعيفهم ومسكينهم ويتيمهم ؟! فهل يحكم عليه بالموت أو يكون له حق عند الناس يسمّى حق السادات كرمهم الله تعالى ؟ !

إذاً هذا القانون قانون متطوّر يرفع الفقير إلى حدّ يتمكن فيه من العيش بكرامة ولا يعطى لهم كعشيرة وإن كانوا أغنياء ، وهذا التشريع هو من أروع تشريعات الإسلام للنهوض بالفقراء إلى حدّ العيش الكريم وترويج الدين الصحيح.

 
 

أضف تعليق

الإسلام

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية