لماذا أخذ الإمام الحسين عليه السلام النساء والأطفال معه إلى كربلاء ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

كيف نرد على الذين يقولون : إنّ الإمام الحسين عليه السلام قد أخطأ عندما أخذ معه أهل بيته من نساء وأطفال إلى كربلاء و هو يعرف المصير ؟ وهل للإمام الحسين عليه السلام الحقّ في التصرّف في حياة أهله ؟

950

الجواب :

نظير هذا الإعتراض يذكر في مواجهة الصدّيقة الزهراء عندما أراد جماعة السقيفة إجبار أمير المؤمنين عليه السلام علي بن أبي طالب على بيعتهم ، فتصدّت لهم من وراء الباب ، وقد كان عليه السلام في البيت ، فيورد المعترضون أنّه كيف تسمح الغيرة الأبيّة لمثل أمير المؤمنين ولسيّد الشهداء بذلك ؟! وما الحكمة في ذلك وهما صلّى الله عليه وآله قد اتّفق ذلك منهما بوصيّة من رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كما جاء في الروايات أنّه صلّى الله عليه وآله أخذ على عليّ عليه السلام الصبر (1) ، وعلى الحسين عليه السلام إنّ الله شاء أن يراهن سبايا (2) ؟! فهل الإرادة والمشيئة إلالهيّة تتعلّق بذلك ؟! وكيف وجه الحكمة فيه ؟!

ويستعرض لنا القرآن الكريم الإجابة عن ذلك بأنّ المجاهدة في سبيل الله ومقارعة المعسكر الآخر كما تكون بالنفس والمال تكون بالمخاطرة بإهانة العرض لا بنحو الابتذال والتدنيس ، كما في قصة مريم عليها السلام.

ففي سورة آل عمران : ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (3).

وفي سورة مريم : ( فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * ‏ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (4).

وفي سورة المؤمنون : ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (5).

فمريم قد تعرّضت لوظيفة حمل النبي عيسى عليه السلام من غير أب ، لتتحقّق المعجزة الإلهيّة لإثبات نبوة عيسى عليه السلام ، وبعثته بشريعة جديدة ناسخة لشريعة موسى عليه السلام ، مع أنّ تحقيق المعجزة هذه كان يخاطر بسمعة مريم وعرضها إلى درجة مواجهة بني إسرائيل لها بالقذف والبهتان ، ولكن كل ذلك لا يعنى ابتذال وتدنيس مريم بل غاية الأمر إهانة عرضها ، فتحمّلت المسؤولية الإلهيّة وأعباء المعجزة والرسالة الجديدة ، مع أنّها أصعب من الجهاد بالنفس والقتل بالسيف للإنسان الغيور ، وبالنسبة للمرأة العفيفة التي أحصنت فرجها ؛ ولذلك قالت : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) (6) ، ولكن جهادها وتحملها أقام الحجّة على كفّار بني إسرائيل ، فجعلها الله تعالى آية حجّة تشارك ابنها النبي عيسى عليه السلام في الحجيّة.

وهناك واقعة أخرى يسردها لنا القرآن ، وهي : واقعة المباهلة : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (7).

فههنا في واقعة المباهلة احتجّ الله بالزهراء عليها السلام على حقانيّة الشريعة المحمّدية ، ونبوّة سيّد الرسل جنباً إلى جنب الاحتجاج بالأربعة بقيّة أصحاب الكساء. ففي هذه الواقعة قد تحمّلت الصدّيقة الزهراء عليها السلام بأمر من الله تعالى أنزله في القرآن ، تحمّلت المشاركة في المباهلة أمام ملأ أهل الكتاب وهو نمط من المنازلة والمواجهة.

فإذا اتّضح بعض الأمثلة المسطورة في القرآن الكريم من نماذج المجاهدة بالعرض لا بدرجة الابتذال والتدنيس ، يتّضح عدم المجال لمثل هذه الإعتراضات الناشئة من عدم الإحاطة بجهات أحكام الشريعة ، وعدم الإحاطة بملابسات الأحداث التاريخيّة في صدرالإسلام ، وقراءة الأحداث بشكل مبتور تخفى فيه الحقيقة كما هي عليه ثمّ الأخذ في الحكم على هذه الصورة المقطعة.

فإنّ الحكمة في كلّ من فعل الأمير عليه السلام والحسين عليه السلام هو لأجل تعرية وفضح الخصم ، والكشف عن جرأته على مقدّسات الدين وحريم النبي صلّى الله عليه وآله ، وأنّ الخصم لا يتقيّد بأبجدية المبادئ الدينيّة.

وكان استخدام هذا النمط من المواجهة والجهاد في ظرف اُغلقت فيه أيّ فرصة أخرى لدحض إجرام الخصم وباطله أمام أنظار وأذهان الناس المفتتنة بأكاذيب الخصم الناسية لوصايا القرآن والنبي صلى الله عليه وآله في حقّ العترة المطهّرة ، ولولا موقف الزهراء عليها السلام والعقيلة زينب عليها السلام لكان الخصم يلتف بدعايته ووسائل إعلامه على الحقيقة ويغيب على الناس في ذلك الوقت ـ فضلاً عن الأجيال اللاحقة ـ حقيقة الموقف ؛ ولأجل ذلك أوصت عليها السلام بإخفاء قبرها وتشييعها ليلاً خفية (8) ليظلّ ذلك رمزاً يطنّ في أذن التاريخ على الحقيقة التي حاولوا اخفاءها.

الهوامش

1. راجع :

كتاب سليم بن القيس الهلالي / الصفحة : 150 / الناشر : دليل ما.

خصائص الأئمّة « للسيّد الرضي » / الصفحة : 72 ـ 73 / الناشر : مجمع البحوث الإسلاميّة.

نهج البلاغة « للسيد الرضي » / الصفحة : 48 / الناشر : مركز البحوث الإسلاميّة / الطبعة : 1.

2. اللهوف في قتلى الطفوف « للسيد ابن طاووس » / الصفحة : 40 / الناشر : أنوار الهدى / الطبعة : 1.

راجع :

بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 44 / الصفحة : 364 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.

3. آل عمران : 45 ـ 47.

4. مريم : 17 ـ 30.

5. المؤمنون : 50.

6. مريم : 23.

7. آل عمران : 61.

8. راجع :

تأويل مختلف الحديث « لابن قتيبة » / المجلّد : 1 / الصفحة : 279 / الناشر : دار الكتب العلميّة ـ بيروت.

المصنف « لعبد الرزاق الصنعاني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 521 / الناشر : منشورات المجلس العلمي.

علل الشرائع « للشيخ الصدوق » / المجلّد : 1 / الصفحة : 185 / الناشر : منشورات المكتبة الحيدريّة.

طبقات الكبرى « لابن سعد » / المجلّد : 8 / الصفحة : 29 ـ 30 / الناشر : دار الصادر ـ بيروت.

 
 

التعليقات   

 
+3 -2 # د. زهور كاظم صادق زعيميان 2018-09-15 09:54
السبب هو أن الواقعة هي احدى علامات نبوة محمد ص في الكتاب المقدس والسبايا ذكروا كذلك ولا يجوز للحسين ع أن يخل باظهار تلك المعجزة
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

كربلاء وواقعة الطف

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية