استحالة رؤية الله في الآخرة
السؤال : السلام عليكم و رحمة الله
بالنسبة لموضوع رؤية الله عزّ وجلّ يوم القبامة ، فإنّ الآيات التي تمّ ذكرها في القران الكريم هي تدلّ إنّما لن نرى الله عزّوجلّ في الدنيا ، ولكن في الآخرة فالأمر مختلف ؛ لأنّ الأبعاد في الآخرة ليست مثل التي هي موجودة في الدنيا حيث نعيش على كوكب الأرض في (3) أبعاد فقط ، أمّا في الآخرة فهي مختلفة ومتعددة ، وممكن أن يكون تكوين الأنسان حينها يتوافق مع قانون جديد يضعه الله : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } {ق/22} ، والله اعلم
الجواب : من سماحة السيّد جعفر علم الهدی
دليل استحالة رؤية الله تعالى بالبصر عقليّ ، لا يختصّ بالدنيا ؛ فإنّ الله تعالى ليس جسماً لكي يمكن أن يكون مرئياً في حال من الأحوال ، ومهما كانت الدار الآخرة مختلفة في حدودها وأبعادها وخصوصّياتها عن الدنيا ، فلا أثر لذلك في استحالة رؤية الله تعالى ، ولا ترتفع هذه الاستحالة كما لا يرتفع استحالة الجمع بين النقيضين في الآخرة .
قال العلاّمة (قدّس سرّه) : « والدليل على امتناع الرؤية أنّ وجوب وجوده يقتضي تجرّده ، ونفي الجهة والحيّز عنه ، فينتفي الرؤية بالضرورة ؛ فإنّ كلّ مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنّه هنا أو هناك ، ويكون مقابلاً أو في حكم المقابل ، ولمّا انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية » .
وأمّا قوله تعالى : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } {القيامة/23}. فليس المراد منه إمكان رؤيته تعالى في الآخرة لوجهين :
الأوّل : النظر إلى الشيء لا يستلزم رؤيته ، ولذا يصحّ أن يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره ، والمعنى إنني أردت رؤيته ، فنظرت إليه ، لكن لم أره .
الثاني : ناظرة بمعنى مُنتظرة كما في قوله تعالى : { فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } {البقرة/280} . أيّ : منتظرة رحمة ربّها ، أو ناظرة إلى ثواب ربّها .
وعلى كلّ حال بعد قيام الدليل القطعي على استحالة رؤيته لابدّ أن نحمل الآيات ـ على تقدير دلالتها على إمكان الرؤية ـ على خلاف ظاهرها .
التعليقات
والدليل العقلي على ذلك انّ الرؤية لها ركنان :
الركن الأوّل : وجود الرائي.
والركن الثاني : وجود المرئي خارجاً.
إذ المراد من الرؤية هو المشاهدة الحسيّة ، لا رؤية القلب المعبّر عنها بالبصيرة. وفي المشاهدة الحسيّة لا يمكن عدم وجود مرئي في الخارج ، وعليه فلابدّ أن يكون الله تعالى جسماً خارجيّاً مقابلاً للرائي ، أو في حكم المقابل لتتحقّق الرؤية الحسيّة بالبصر الذي هو من الحواس الظاهريّة ، وبما انّ الرؤية الحسيّة لا تتعلّق بالمجرّدات ، فلا يمكن رؤية الله تعالى. مضافاً الى انّ الرائي برؤيته يكون محيطاً للمرئي ، وإلا كانت الرؤية ناقصة ، فلو كان في مقابلنا انسان أخفى نفسه خلف صخرة أو شجرة ورأينا رأسه فقط ، تكون رؤيتنا ناقصة ، اذ لا نرى ذلك الانسان بكامله ، بل نرى رأسه فقط. فادّعاء رؤية الله تعالى يلازم ادّعاء احاطتنا بوجوده وشخصه ، والحال ان المتناهي لا يمكنه الإحاطة بغير المتناهي.
وامّا انكار الرازي فلا يهمّنا ، لانّه امام المشكّكين ، يشكّك حتّى في الأمور البديهيّة.
الأوّل : « إلى رحمة ربّها ناظرة » ، من النظر بمعنى الرؤية.
الثاني : هي منتظرة لرحمة الله تعالى ، فالناظر بمعنى المنتظر ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) [ الحجر : 37 ـ 38 ].
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة