فيما ظهر من آيات الحسن بن علي عليه السلام من الإِخبار بالغائبات

البريد الإلكتروني طباعة

فيما ظهر من آياته من الإِخبار بالغائبات

وفيه : أربعة أحاديث

262 / 1 ـ عن داود الرقيّ ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : « إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام قال لولده عبد الله : يا بني ، إذا كان في عامنا هذا يدفع إليَّ هذا الطاغي جارية تسمّى « أنيس » فتسمّني بسمّ قد جعله الطاغي تحت فصّ خاتمها. قال له عبد الله : فلم لا تقتلها قبل ذلك ؟! قال : يا بني جفَّ القلم ، وأبرم الأمر فانعقد ، ولا حلّ لعقد الله [ المبرم ] (1).

فلمّا كان في العام القابل أهدي إليه جارية اسمها « أنيس » فلمّا دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ، ثمّ قال : يا أنيس ، دخلتِ النار بما تحت فصّ خاتمك ».

263 / 2 ـ عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام إلى مكّة ماشياً سنة من السنين ، فورمت قدماه ، فقال بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك بعض هذا الورم الذي برجلك.

قال : كلا ، إذا أتينا المنزل فإنّه سيستقبلك عبد أسود ، معه دهن لهذا الورم ، فاشتر منه ولا تماكسه. فقال مولاه : بأبي أنت وأمّي ، ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء ! قال : بلى ، إنّه أمامك دون المنزل.

فسارا أميالاً ، فإذا الأسود يستقبله ، فقال الحسن عليه السلام : دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه ثمنه. فقال له الأسود : ويحك يا غلام ، لمن أردت هذا الدهن ؟ قال : للحسن بن عليّ عليهما السلام قال : انطلق بي إليه.

أخذ بيده حتّى أدخله عليه ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، لم أعلم أنّك تحتاج إليه ، ولا أنّه يراد ذلك ، ولست آخذ له ثمناً ، إنّما أنا مولاك ، ولكن ادعو الله أن يرزقني ذكراً سوياً ، يحبّكم أهل البيت ، فإنّي خلّفت امرأتي وقد أخذها الطلق (1).

فقال له الحسن عليه السلام : انطلق إلى منزلك ، فإنّ الله تبارك وتعالى وهب لك ذكراً سوياً ، وهو لنا شيعة.

فرجع الأسود من فوره ، فإذا بأهله قد وضعت غلاماً سوياً ، فرجع إلى الحسن عليه السلام فأخبره بذلك ، ودعا له خيراً ، ومسح الحسن عليه السلام بذلك الدهن رجليه فما برح من مجلسه حتّى سكن ورمه ، ومشى على قدميه ».

264 / 3 ـ عن الباقر عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن حذيفة ، قال : بينا رسول الله (ص) على جبل أحد في جماعة من المهاجرين والأنصار إذ أقبل الحسن بن عليّ عليه السلام يمشي على هدوء ووقار ، فنظر إليه رسول الله (ص) فرمقه من كان معه ، فقال له بلال : يا رسول الله ، ما ترى أحداً بأحُد ؟! فقال (ص) : « إنّ جبرئيل عليه السلام يهديّه ، وميكائيل يسدده ، وهو ولدي والطاهر من نفسي ، وضلع من أضلاعي ، هذا سبطي وقرَّة عيني بأبي هو ».

وقام ، وقمنا معه ، وهو يقول : « أنت تفاحي وأنت حبيبي وبهجة قلبي » وأخذ بيده ، [ فمشى معه ] (1) ونحن نمشي حتّى جلس وجلسنا حوله ، فنظرنا إلى رسول الله (ص) وهو لا يرفع بصره عنه ، ثمّ قال : « إنّه سيكون بعدي هادياً مهدياً ، هدية من ربّ العالمين لي ، ينبئ عنّي ، ويعرّف الناس آثاري ويحيي سنّتي ، ويتولّى أموري في فعله ، وينظر الله تعالى إليه ، ويرحمه ، رحم الله من عرف له ذلك وبرّني فيه ، وأكرمني فيه ».

فما قطع صلوات الله عليه وآله كلامه حتّى أقبل إلينا أعرابي يجرّ هراوة له ، فلمّا نظر إليه (ص) قال : « قد جاءكم رجل يكلّمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم ، وإنّه يسألكم عن أمور ، ألا إنّ لكلامه جفوة » فجاء الأعرابي فلم يسلّم ، فقال : أيّكم محمّد ؟ قلنا : ما تريد ؟ فقال (ص) : « مهلاً » فقال : يا محمّد ، قد كنت أبغضك ولم أرك ، والآن قد ازددت لك بغضاً. فتبسّم رسول الله (ص) وغضبنا لذلك ، فأردنا للأعرابي إرادة ، فأومأ إلينا رسول الله (ص) أن امسكوا (2) ، فقال الأعرابي : يا محمّد ، إنّك تزعم أنّك نبيّ ، وأنّك قد كذبت على الأنبياء ، وما معك من دلائلهم شيء.

فقال النبيّ (ص) : « يا أعرابي ، وما يدريك ؟ » قال : فخبّرني ببراهينك.

قال : « إن أحببت أخبرتك كيف خرجت من منزلك ، وكيف كنت في نادي قومك ، وإن أردت أخبرك عضو من أعضائي ، فيكون ذلك أوكد لبرهاني » قال : أو يتكلّم العضو ؟! قال : « نعم ، يا حسن قم ».

فازدرى الأعرابي نفسه وقال : هو لا يأتي ويأمر صبيّاً يكلّمني ؟! قال : « إنّك ستجده عالماً بما تريد » فابتدر الحسن فقال : « مهلًا يا أعرابي :

     

ما غبياً سألت وابن غبي

 

بل فقيهاً اذن وأنت الجهول

فإن تك قد جهلت فإنّ عندي

 

شفاء الجهل ما سأل السؤول

وبحراً لا تقسّمه الدوالي

 

تراثاً كان أورثه الرسول

لقد بسطت لسانك ، وعدوت طورك ، وخادعتك نفسك ، غير أنّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء الله تعالى » فتبسّم الأعرابي وقال : هيهات (3).

فقال له الحسن عليه السلام : « قد اجتمعتم في نادي قومك ، وقد تذاكرتم ما جرى بينكم على جهلٍ ، وخرقٍ منكم ، فزعمتم أنّ محمّداً صنبور (4) ، والعرب قاطبة تبغضه ، ولا طالب له بثأره ، وزعمت أنّك قاتله وكاف قومك مؤونته ، فحملت نفسك على ذلك ، وقد أخذت قضاتك بيدك تؤمه وتريد قتله ، تعسر عليك مسلكك ، وعمى عليك بصرك ، وأبيت إلّا ذلك ، فأتيتنا خوفاً من أن يستهزئوا بك ، وإنّما جئت لخير يراد بك.

أنبئك عن سفرك : خرجت في ليلة ضحياء (5) ، إذ عصفت ريح شديدة اشتدَّ منها ظلماؤها ، وأطبقت سماؤها ، وأعصر سحابها ، وبقيت محر نجماً (6) كالأشقر إن تقدّم نُحر ، وإن تأخّر عُقر ، لا تسمع لواطئ حسّاً ، ولا لنافخ خرساً (7) ، تدالت عليك غيومها ، وتوارت عنك نجومها ، فلا تهتدي بنجم طالع ، ولا بعلمٍ لامع ، تقطع محجّة وتهبط لجّة بعد لجّة ، في ديمومة قفر ، بعيدة القعر ، مجحفة بالسفر ، إذا علوت مصعداً وأرادت الريح تخطفك ، والشوك تخبطك ، في ريح عاصف وبرق خاطف ، قد أوحشتك قفارها ، وقطعتك سلامها ، فانصرفت فإذا أنت عندنا ، فقرّت عينك وظهر زينك (8) ، وذهب أنينك ».

قال : من أين قلت ـ يا غلام ـ هذا ؟! كأنّك قد كشفت عن سويداء قلبي ، وكأنّك كنت شاهدي ، وما خفي عليك شيء من أمري ، وكأنّك عالم الغيب ، يا غلام ، لقّني الإِسلام.

فقال الحسن عليه السلام : « الله أكبر ، قل : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ».

فأسلم الرجل وحسن إسلامه ، وسرَّ رسول الله (ص) ، وسرّ المسلمون وعلّمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن ، فقال : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي وأعرّفهم ذلك. فأذن له ، فانصرف ، ثمّ رجع ومعه جماعة من قومه ، فدخلوا في الإِسلام.

وكان الحسن عليه السلام إذا نظر إليه الناس قالوا : لقد أعطي هذا ما لم يعط أحدٌ من العالمين.

265 / 4 ـ وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في الرحبة ، فقام إليه رجل ، وقال : أنا من رعيتك وأهل بلادك.

فقال عليه السلام : « لست من رعيّتي ولا من أهل بلادي ، وإنّ ابن الأصفر (1) بعث إلى معاوية بمسائل أقلقته ، فأرسلك إليّ بها ».

قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، كان في خفية وأنت قد اطّلعت عليها ، ولم يعلم غير الله.

قال : « سل أحد ابني هذين ». قال : اسأل ذا الوفرة (2) ـ يعني الحسن عليه السّلام ـ فأتاه فقال : « جئت لتسأل (3) : كم بين الحقّ والباطل ؟ وكم بين السّماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض ؟ » [ قال : نعم ] (4).

قال الحسن عليه السّلام : « بين الحقّ والباطل أربعة أصابع ، فما رأيته بعينك فهو الحقّ وما سمعته (5) بأذنيك باطل كثير ، وبين السّماء والأرض دعوة المظلوم مدّ البصر ؛ وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ؛ وقزح اسم للشيطان ، لا تقل قوس قزح ، هو قوس الله ، وعلامة الخصب ، وأمان لأهل الأرض من الغرق ، وأمّا المؤنث فهو من لا يدري أذكر هو أم أنثى ، فإنّه ينتظر فيه ، فإن كان ذكراً احتلم ، وإن كانت أنثى حاضت وبدا ثدياها ، وإلّا قيل له : بل ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهو امرأة.

وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشدّ شيء خلقه الله الحجر ، وأشدّ منه الحديد ، يقطع به الحجر ، وأشدّ من الحديد النّار ، تذيب الحديد ، وأشدّ من النّار الماء ، يطفئ النّار ، وأشدّ من الماء السحاب ، يحمل الماء ، وأشدّ من السحاب الريح ، تحمل السحاب ، وأشدّ من الريح الملك الذي يردّها ، وأشدّ من الملك ملك الموت الَّذي يميت الملك ، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشدّ من الموت أمر الله تعالى [ الذي ] يدفع الموت »

الهوامش

1 ـ مناقب ابن شهراشوب 4 : 8 ، نحوه ، مدينة المعاجز : 209 / 44.

(1) من ر.

2 ـ اثبات الوصية : 135 ، الكافي 1 : 463 / 6 ، دلائل الإِمامة : 68 ، الخرائج والجرائح 1 : 239 ، مناقب ابن شهراشوب 4 : 7 ، عيون المعجزات : 62 ، كشف الغمة 1 : 557 ، الصراط المستقيم 2 : 177 ، مدينة المعاجز : 205 / 27 ، وسائل الشيعة 8 : 55 / 8 ، مختصراً ، اثبات الهداة 2 : 556 ، وفي الكل ورد باختلاف يسير.

(1) زاد في ر : تمخض ؛ وهي بمعنى : أخذها الطلق راجع لسان العرب : 7 : 228 « مخض ».

3 ـ العدد القوية : 42 / 60.

(1) من ر.

(2) في م : اسكتوا.

(3) في م : مه.

(4) الصنبور : أي أبتر لا عقب له ولا أخ فإذا مات انقطع ذكره . « لسان العرب ـ صنبر ـ 4 : 469 ».

(5) ليلة ضحياء : مضيئة لا غيم فيها. « لسان العرب ـ ضحا ـ 14 : 479 ».

(6) أحرنجم : اجتمع . والمراد انطوىٰ على نفسه. « لسان العرب ـ حرجم ـ 12 : 130 ».

(7) ولا لنافخ خرسا : المراد ولا لأحد صدىٰ. « لسان العرب ـ نفخ ـ 3 : 63 ، و ـ خرس ـ 6 : 62 ».

(8) في بعض النسخ : ذهنك.

4 ـ الخصال : 440 / 33 ، الاحتجاج : 398 ، الخرائج والجرائح 2 : 572 ، روضة الواعظين : 57 ، تحف العقول : 228 ، الصراط المستقيم 2 : 178 ، مختصراً ، حلية الأبرار 1 : 503 ، مدينة المعاجز : 222 / 78 ، الوسائل 8 : 448 / 5.

(1) ابن الأصفر : أي ملك الروم ، لأن أباهم الأوّل كان أصفر اللون. « لسان العرب ـ صفر ـ 4 : 465 ».

(2) الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. « لسان العرب ـ وفر ـ 5 : 288 ».

(3) في بعض النسخ : أسألك.

(4) من ر.

(5) في ر : تسمعه.

مقتبس من كتاب : [ الثاقب في المناقب ] / الصفحة : 314 ـ 320

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية