هارون يقتل الإمام الكاظم عليه السلام وينكر قتله !

البريد الإلكتروني طباعة

هارون يقتل الإمام عليه السلام وينكر قتله !

استشهاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام

1 ـ لما رأى هارون معجزات الإمام عليه السلام قرّر قتله !

في غيبة الطوسي / 24 : « عن محمّد بن عباد المهلبي قال : لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى عليه السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس ، تحيّر الرشيد فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ، ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيراً يريحنا من غمه ؟!

فقال له يحيى بن خالد البرمكي : الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمنن عليه وتصل رحمه ، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا ، وكان يحيى يتولّاه وهارون لا يعلم ذلك. فقال هارون : انطلق إليه وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عنّي السلام وقل له : يقول لك ابن عمّك : إنّه قد سبق منّي فيك يمين أنّي لا أخليك حتّى تقرّ لي بالإساءة ، وتسألني العفو عمّا سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ، ولا في مسألتك إيّاي منقصة ، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فسله بقدر ما أخرج من يميني ، وانصرف راشداً !

قال محمّد بن عباد : فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد : أنّ أبا إبراهيم عليه السلام قال ليحيى : يا أبا علي أنا ميّت ، وإنّما بقي من أجلي أسبوع ، أكتم موتي وائتني يوم الجمعة عند الزوال وصلّ عليّ أنت وأوليائي فرادى ، وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق ، لا يراك ولا تراه لنفسك ، فإنّي رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه ، أنّه يأتي عليكم فاحذروه ! ثمّ قال : يا أبا علي أبلغه عنّي : يقول لك موسى بن جعفر : رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى وستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه ، والسلام !

فخرج يحيى من عنده ، واحمرّت عيناه من البكاء حتّى دخل على هارون فأخبره بقصّته وما ردّ عليه ، فقال هارون : إن لم يدع النبوّة بعد أيّام فما أحسن حالنا !

فلمّا كان يوم الجمعة توفّي أبو إبراهيم عليه السلام وقد خرج هارون إلى الرقة قبل ذلك فأُخرج إلى الناس حتّى نظروا إليه ثمّ دفن عليه السلام ، ورجع الناس فافترقوا فرقتين : فرقة تقول : مات ، وفرقة تقول لم يمت » !

ملاحظات :

1 ـ تدلّ الرواية على أنّ هارون كان متخوّفاً من معجزات الإمام عليه السلام التي رآها منه في سجنه الأوّل والثاني ، فطلب من مستشاره يحيى البرمكي أن يقترح عليه عملاً يواجه به معجزات الإمام عليه السلام حتّى لا يعتقد الناس بإمامته !

وقد كانت هذه المشكلة مطروحة بين هارون ويحيى من أوّل خلافته ، فقد استقدم الإمام عليه السلام وناظره وحبسه ثمّ أطلقه ، ثمّ اشتدّت عندما حبسه بعد تسع سنوات. وقد يكون طرَح الموضوع مع يحيى قبل سفره إلى الرقة ، وأصدر أمره إلى رئيس وزرائه الفضل بن يحيى بأن يقتل الإمام عليه السلام !

2 ـ نصت الروايات على أنّ هارون كان عند شهادة الإمام الكاظم عليه السلام في الرقة وأنّ وزيره الفضل عصى أمره بقتل الإمام عليه السلام ووسع عليه في سجنه ، فغضب عليه هارون ولعنه ، ثمّ أرسل أباه يحيى مسرعاً على البريد ليعالج معصية ابنه ويرتب قتل الإمام عليه السلام ! وقد وقع لفظ المدائن بدل الرقّة خطأ في بعض الروايات. كما أن من البعيد أن يكون الرشيد عاد في أيّام قتله للإمام عليه السلام إلى بغداد « والطريق من بغداد إلى الرقة خمس عشرة مرحلة وطريق آخر من بغداد إلى الرقة ويؤخذ في عشر مراحل أو نحوها » [ نزهة المشتاق : 2 / 657 ].

كما أنّ الرواية تزعم أن يحيى بن خالد كان شيعيّاً يتولّى الإمام الكاظم عليه السلام ويخفي ذلك عن هارون ، مع أنّه هو الذي سعى بالإمام وحرض هارون عليه ! فلا بدّ من القول إن راويها محمّد بن عباد المهلبي تخيّل أن يحيى كان شيعيّاً. والمرجح أن موسى بن يحيى البرمكي هو الذي زعم ذلك لأبيه ، بعد أن انتقم الله منه وإخوته ! فقد كان موسى والياً على الشام وعزله هارون في غضبه على البرامكة [ تاريخ دمشق : 61 / 232 ، والطبري : 6 / 457 . وفي الأعلام 7 / 331 أن المأمون ولّاه السند ، وبقي أولاده فيها ، ومعجم البلدان : 1 / 510 ، واليعقوبي : 2 / 479 ].

وقال في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 82 : « ثمّ سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه وضيق عليه ثمّ بعث الرشيد بسمّ في رطب ، وأمره أن يقدمه إليه ويحتم عليه في تناوله منه ، ففعل فمات صلوات الله عليه » !

وقال المفيد في الإرشاد : ٢ / ٢٤٢ : « ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى وافى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شئ وأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال ، وتشاغل ببعض ذلك أياماً ، ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ! وكان الذي تولى به السندي قتله سُمَّاً جعله في طعام قدمه إليه ، ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً منه ، ثم مات في اليوم الثالث » .

وفي إعلام الورى : 2 / 61 : « فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب إليه يأمره بقتله فتوقّف عن ذلك ، فاغتاظ الرشيد لذلك وتغيّر عليه وأمر به فأدخل على العبّاس بن محمّد وجرد وضرب مائة سوط ! وأمر بتسليم موسى بن جعفر عليهما السلام إلى السندي بن شاهك. وبلغ يحيى بن خالد الخبر ففزع إلى الرشيد وقال له : أنا أكفل بما تريد ، ثمّ خرج إلى بغداد ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره ، فامتثله وسمه في طعام قدمه إليه ويقال إنّه جعله في رطب أكل منه فأحسّ بالسمّ ولبث بعده موعوكاً ثلاثة أيّام ومات عليه السلام ».

وفي تاريخ ابن خلدون : 4 / 29 : « وحبسه عند ابن شاهك ، ويقال إن يحيى بن خالد سمه في رطب فقتله وتوفّي سنة ثلاث وثمانين ومائة. وزعم شيعتهم أنّ الإمام بعده ابنه على الرضا وكان عظيماً في بني هاشم ».

2 ـ هارون يحاول إثبات براءته من دم الإمام عليه السلام

روى في الكافي : 1 / 258 : « عن الحسن بن محمّد بن بشار قال : حدّثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ببغداد ، ممّن كان ينقل عنه ، قال قال لي : قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت ، فما رأيت مثله قطّ في فضله ونسكه ! فقلت له : من وكيف رأيته ؟ قال : جمعنا أيّام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه المنسوبين إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي : يا هؤلاء أنظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنّه قد فعل به ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءً ، وإنّما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين ! وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره فسلوه. قال : ونحن ليس لنا هم إلّا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته ، فقال موسى بن جعفر : أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر ، غير أنّي أخبركم أيّها النفر أنّي قد سقيت السمّ في سبع تمرات وأنا غداً أخْضَرُّ ، وبعد غد أموت. قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السعفة » ! ورواه أمالي الصدوق / 213 ، وغيبة الطوسي / 32 ، وقرب الإسناد / 333 ، والعيون : 2 / 91 ، وفيه : « قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة ، شيخ صدوق مقبول القول ، ثقة جدّاً عند الناس ».

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 91 : « حدّثني عمر بن واقد قال : أرسل السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد يستحضرني ، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي. قال فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ ركبت إليه فلمّا رآني مقبلاً قال : يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت : نعم. قال : فليس هناك إلّا خير. قلت : فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم بخبري. قال : نعم. ثمّ قال : يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت : لا. قال : أتعرف موسى بن جعفر ؟ قلت : إي والله إنّي لأعرفه وبيني وبينه صداقه منذ دهر, فقال : مَن هاهنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله ؟ فسمّيت له أقواماً ، ووقع في نفسي أنّه قد مات ! قال : فبعث فجاء بهم كما جاء بي فقال : هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر ؟ فسمّوا له قوماً فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفر وقد صحبه ، قال ثمّ قام ودخل ، وصلّينا ، فخرج كاتبه ومعه طومار وكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحلانا ، ثمّ دخل إلى السندي قال : فخرج السندي فضرب يده فقال لي : قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا ، فقال لي : يا أبا حفص إكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميّتاً ، فبكيت واسترجعت ، ثمّ قال للقوم : أنظروا إليه فدنا واحد واحد فنظروا إليه ، ثمّ قال : تشهدون كلّكم أنّ هذا موسى بن جعفر بن محمّد ؟ قال قلنا : نعم نشهد أنّه موسى بن جعفر بن محمّد. ثمّ قال : يا غلام إطرح على عورته منديلاً واكشفه ، قال ففعل قال : أترون أثراً تنكرونه ؟ فقلنا : لا ما نرى به شيئاً ولا نراه إلّا ميّتاً. قال : فلا تبرحوا حتّى تغسلوه وتكفّنوه. قال : فلم نبرح حتّى غسل وكفن وحمل إلى المصلّى ، فصلّى عليه السندي بن شاهك ، ودفناه ورجعنا ».

وفي الإرشاد : 2 / 243 : « ولما مات موسى عليه السلام أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، وأشهدهم على أنّه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك. وأخرج ووضع على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميّت » وإعلام الورى : 2 / 34.

قال الطوسي في الغيبة / 23 : « فروى يونس بن عبد الرحمن قال : حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم عليه السلام فما وضع على شفير القبر ، إذا رسول من سندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته وكان مع الجنازة أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتّى يروه صحيحاً لم يحدث به حدث ! قال : وكشف عن وجه مولاي حتّى رأيته وعرفته ، ثمّ غطي وجهه وأدخل قبره صلّى الله عليه ».

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 96 : « عن محمّد بن صدقه العنبري قال : لما توفّي أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبيّة وبني العبّاس وساير أهل المملكة والحكّام ، وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه ، وما كان بيني وبينه ما أستغفر الله منه في أمره يعني في قتله ، فانظروا إليه فدخلوا عليه سبعون رجلاً من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليه السلام وليس به أثر جراحه ولا خنق وكان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر فتولى غسله وتكفينه ، وتحفى وتحسر في جنازته ».

أقول : كان هارون عند شهادة الإمام عليه السلام في الرقة ، ومن البعيد أنّه جاء إلى بغداد فيكون السندي بن شاهك هو الذي جمعهم وأبلغهم كلام هارون هذا.

ومن الملاحظ أنّ هارون حاول بواسطة السندي أن يبعد التهمة عن نفسه ، بأساليب متعدّدة ، لكن كيف يمكنه ذلك والإمام عليه السلام في سجنه ، وقد غضب على وزيره لأنّه لم يمتثل أمره فيه ! ولعنه وهو في الرقة ، وبعث من يهينه ويضربه وبعث أباه لينفذ ما لم ينفذه الإبن !

إن هذه النصوص كافية لإدانة هارون ، فكيف إذا ضممنا إليها غيرها وهو كثير !

مقتبس من كتاب : [ الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد ] / الصفحة : 261 ـ 268

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية