الدعاء التاسع والأربعون : دعاؤه عليه السلام في دفع كيد الأعداء

البريد الإلكتروني طباعة

دعاؤه عليه السلام في دفع كيد الأعداء

وكان من دعائه عليه السلام في دفاع كيد الأعداء ، وردّ بأسهم :

إِلَهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ ، ووَعَظْتَ فَقَسَوْتُ ، وأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ فَعَصَيْتُ ، ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ إِذْ عَرَّفْتَنِيهِ فَاسْتَغْفَرْتُ ، فَأَقَلْتَ فَعُدْتُ ، فَسَتَرْتَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي ، تَقَحَّمْتُ أَوْدِيَةَ الْهَلَاكِ ، وحَلَلْتُ شِعَابَ تَلَفٍ تَعَرَّضْتُ فِيهَا لِسَطَوَاتِكَ ، وبِحُلُولِهَا عُقُوبَاتِكَ ، ووَسِيلَتِي إِلَيْكَ التَّوْحِيدُ ، وذَرِيعَتِي أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً ، ولَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إِلَهاً ، وقَدْ فَرَرْتُ إِلَيْكَ بِنَفْسِي ، وإِلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسي‏ءِ ، ومَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ الْمُلْتَجِئِ.

فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضَى عَلَيَّ سَيْفَ عَدَاوَتِهِ ، وشَحَذَ لِي ظُبَةَ مُدْيَتِهِ ، وأَرْهَفَ لِي شَبَا حَدِّهِ ، ودَافَ لِي قَوَاتِلَ سُمُومِهِ ، وسَدَّدَ نَحْوِي صَوَائِبَ سِهَامِهِ ، ولَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ حِرَاسَتِهِ ، وأَضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ ، ويُجَرِّعَنِي زُعَاقَ مَرَارَتِهِ ، فَنَظَرْتَ يَا إِلَهِي إِلَى ضَعْفِي عَنِ احْتِمَالِ الْفَوَادِحِ ، وعَجْزِي عَنِ الِانْتِصَارِ مِمَّنْ قَصَدَنِي بِمُحَارَبَتِهِ ، ووَحْدَتِي فِي كَثِيرِ عَدَدِ مَنْ نَاوَانِي وأَرْصَدَ لِي بِالْبَلَاءِ فِيمَا لَمْ أُعْمِلْ فِيهِ فِكْرِي ، فَابْتَدَأْتَنِي بِنَصْرِكَ ، وشَدَدْتَ أَزْرِي بِقُوَّتِكَ ، ثُمَّ فَلَلْتَ لِي حَدَّهُ ، وصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جَمْعٍ عَدِيدٍ وَحْدَهُ ، وأَعْلَيْتَ كَعْبِي عَلَيْهِ ، وجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ مَرْدُوداً عَلَيْهِ ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ ولَمْ يَسْكُنْ غَلِيلُهُ ، قَدْ عَضَّ عَلَى شَوَاهُ ، وأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفَتْ سَرَايَاهُ.

وكَمْ مِنْ بَاغٍ بَغَانِي بِمَكَائِدِهِ ، ونَصَبَ لِي شَرَكَ مَصَائِدِهِ ، ووَكَّلَ بِي تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ ، وأَضْبَأَ إِلَيَّ إِضْبَاءَ السَّبُعِ لِطَرِيدَتِهِ انْتِظَاراً لِانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ ، وهُوَ يُظْهِرُ لِي بَشَاشَةَ الْمَلَقِ ، ويَنْظُرُنِي عَلَى شِدَّةِ الْحَنَقِ.

فَلَمَّا رَأَيْتَ يَا إِلَهِي تَبَاركْتَ وتَعَالَيْتَ دَغَلَ سَرِيرَتِهِ وقُبْحَ مَا انْطَوَى عَلَيهِ ، أَرْكَسْتَهُ لِأُمِّ رَأْسِهِ فِي زُبْيَتِهِ ، ورَدَدْتَهُ فِي مَهْوَى حُفْرَتِهِ ، فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطَالَتِهِ ذَلِيلاً فِي رِبَقِ حِبَالَتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَرَانِي فِيهَا ، وقَدْ كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِي ـ لَوْ لَا رَحْمَتُكَ ـ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ.

وكَمْ مِنْ حَاسِدٍ قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ ، وشَجِيَ مِنِّي بِغَيْظِهِ ، وسَلَقَنِي بِحَدِّ لِسَانِهِ ، ووَحَرَنِي بِقَرْفِ عُيُوبِهِ ، وجَعَلَ عِرْضِي غَرَضًا لِمَرَامِيهِ ، وقَلَّدَنِي خِلَالاً لَمْ تَزَلْ فِيهِ ، ووَحَرَنِي بِكَيْدِهِ ، وقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ.

فَنَادَيْتُكَ يَا إِلَهِي مُسْتَغِيثاً بِكَ ، وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إِجَابَتِكَ ، عَالِماً أَنَّهُ لَا يُضْطَهَدُ مَنْ أَوَى إِلَى ظِلِّ كَنَفِكَ ، ولَا يَفْزَعُ مَنْ لَجَأَ إِلَى مَعْقِلِ انْتِصَارِكَ ، فَحَصَّنْتَنِي مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ.

وكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوهٍ جَلَّيْتَهَا عَنِّي ، وسَحَائِبِ نِعَمٍ أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ ، وجَدَاوِلِ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا ، وعَافِيَةٍ أَلْبَسْتَهَا ، وأَعْيُنِ أَحْدَاثٍ طَمَسْتَهَا ، وغَوَاشِي كُرُبَاتٍ كَشَفْتَهَا.

وكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَنٍ حَقَّقْتَ ، وعَدَمٍ جَبَرْتَ ، وصَرْعَةٍ أَنْعَشْتَ ، ومَسْكَنَةٍ حَوَّلْتَ ، كُلُّ ذَلِكَ إِنْعَاماً وتَطَوُّلاً مِنْكَ ، وفِي جَمِيعِهِ انْهِمَاكاً مِنِّي عَلَى مَعَاصِيكَ ، لَمْ تَمْنَعْكَ إِسَاءَتِي عَنْ إِتْمَامِ إِحْسَانِكَ ، ولَا حَجَرَنِي ذَلِكَ عَنِ ارْتِكَابِ مَسَاخِطِكَ ، لَا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ ، ولَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ ، ولَمْ تُسْأَلْ فَابْتَدَأْتَ ، واسْتُمِيحَ فَضْلُكَ فَمَا أَكْدَيْتَ.

أَبَيْتَ يَا مَوْلَايَ إِلَّا إِحْسَاناً وامْتِنَاناً ، وتَطَوُّلاً وإِنْعَاماً ، وأَبَيْتُ إِلَّا تَقَحُّماً لِحُرُمَاتِكَ ، وتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ ، وغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي مِنْ مُقْتَدِرٍ لَا يُغْلَبُ ، وذِي أَنَاةٍ لَا يَعْجَلُ.

هَذَا مَقَامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النِّعَمِ وقَابَلَهَا بِالتَّقْصِيرِ ، وشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّضْيِيعِ.

اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفِيعَةِ ، والْعَلَوِيَّةِ الْبَيْضَاءِ ، وأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِمَا أَنْ تُعِيذَنِي مِنْ شَرِّ ـ كَذَا وكَذَا ـ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضِيقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ ، ولَا يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ ، وأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ، فَهَبْ لِي يَا إِلَهِي مِنْ رَحْمَتِكَ ودَوَامِ تَوْفِيقِكَ مَا اتَّخِذُهُ سُلَّماً أَعْرُجُ بِهِ إِلَى رِضْوَانِكَ ، وآمَنُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية