ماهو المرتكز في أمر القيادة في ذهن الرسول والاُمّة

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج6 ، ص 35 ـ 40

________________________________________
(35)
الفصل الثاني
ماهو المرتكز في أمر القيادة في
ذهن الرسول والاُمّة
________________________________________
(36)
________________________________________
(37)
قد عرفت أنّ مقتضيات الظروف ومتطلّباتها كانت تستدعي تعيين الإمام من جانب الرسول، كما أنّ كمال الدين في أبعاده الثلاثة المختلفة المذكورة آنفاً تستدعي ذلك أيضاً، فهلمّ معي ندخل في الموضوع الثاني الّذي ألمحنا إليه في بداية البحث ضمن الاُمور الّتي لا مناص للمحقّق إلاّ دراستها، وهو تبيين المرتكز في الأذهان في أمر الزعامة يوم بعث الرسول وبعده.
إنّ النصوص التاريخية تشهد بأنّ الرسول الأكرم خيّب آمال الطامحين في تولّي الخلافة من بعده وقال بأنّه بيداللّه، يعني لابيدي ولا بيد الناس، ويكفي في ذلك ما نتلوه:
1- لمّا عرض الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نفسه على بني عامر في موسم الحج ودعاهم إلى الإسلام قال له كبيرهم: «أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك اللّه على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟» فقال النبي: «الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء»(1) .
________________________________________
1 . السيرة النبوية لابن هشام 2 / 424 فلو كان الأمر ملقىً على عاتق الاُمّة فما معنى كون الأمر إلى اللّه؟
________________________________________
(38)
ولم يكن ذلك الأمر مختصّاً بالنبي الأكرم، بل الامعان في تاريخ أصحابه والخلفاء الذين تعاقبوا على مسند الحكومة بعد النبي يدلّ على أنّهم انتهجوا أيضاً نهج تنصيب الخليفة، لا تفويض أمره إلى الاُمّة. فلو أغمضنا النظر عن خلافة أبي بكر وما جرى حولها من لغط وشغب، وضرب وشتم وارعاب وارهاب وغير ذلك من الاُمور الّتي تجعلها بعيدة كل البعد عن الشورى والانتخاب النزيه، فلنا في انتخاب الخليفتين الآخرين دليل واضح على أنّ المتصوّر من الخلافة عندهم هو تعيين الخليفة شخصاً لا تفويض أمر انتخابه للظروف والاُمّة .
2- قال ابن قتيبة: دعا أبوبكر عثمان بن عفّان فقال: اكتب عهدي، فكتب عثمان وأملى عليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبوبكر بن أبي قحافة آخر عهده بالدنيا نازحاً عنها و أوّل عهده بالآخر داخلا فيها، انّي أستخلف علكيم عمر بن الخطاب...(1) .
ويظهر من ابن الأثير في كامله أنّه غشي على الخليفة أثناء الاملاء وانّما أكمله عثمان وكتب فيه استخلاف عمر من عند نفسه، ثم أفاق أبوبكر فقال: اقرأ علىّ، فقرأ عليه فكبّر أبوبكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي(2).
فهل يمكن للخليفة أن يلتفت إلى الخطر الكامن في ترك الاُمّة دون خليفة، ولا يلتفت إليه النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
3- وأمّا استخلاف عثمان، فقد اتّفقت كلمة المؤرّخين على أنّ عمر طلب ستة أشخاص من أصحاب النبي وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيداللّه، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقّاص،
________________________________________
1 . الامامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 18 طبع مصر .
2 . الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 292، الطبقات الكبرى 3 / 200 طبع بيروت .
________________________________________
(39)
وعبدالرحمان بن عوف، وكان طلحة غائباً.
فقال: يا معشر المهاجرين الأوّلين، انّي نظرت في أمر الناس فلم أجد فيهم شقاقاً ولا نفاقاً، فإن يكن بعدي شقاق ونفاق فهو فيكم، فتشاوروا ثلاثة أيّام فإن جاءكم طلحة إلى ذلك، وإلاّ فأعزم عليكم باللّه أن لا تتفرّقوا في اليوم الثالث حتّى تستخلفوا(1). حتّى قال لصهيب: «صلّ بالناس ثلاثة أيّام وأدخل هؤلاء الرهط بيتاً وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما... وإن رضى ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا، فحكّموا عبداللّه بن عمر فإن لم يرضوا بحكم عبداللّه بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمان بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع فيه الناس»(2) .
وهناك كلمات صدرت من الصحابة في ثنايا خلافة الخلفاء وبعدهم تعرب عن أنّ الرأي السائد والمرتكز في أذهانهم هو تعيين الخليفة وانّ مسألة نظام الشورى شعار رفعه معاوية مقابل علي ـ عليه السلام ـ على الرغم من أنّه استخلف عندما مات، ولم يعتدّ بمنطقه وإنّما جرّده سلاحاً على علىّ، وإن كنت في ريب من هذا الأمر نتلو عليك كلماتهم الّتي صدرت عفواً وارتجالا عند موت الخليفة وارتحاله:
4- نقل أنّ عمر بن الخطاب لمّا أحسّ بالموت قال لابنه عبداللّه: اذهب إلى عائشة وأقرأها منّي السلام، واستأذن منها أن اُقبر في بيتها مع رسول اللّه ومع أبي بكر، فأتاها عبداللّه بن عمر فأعلمها... فقالت: نعم وكرامة. ثمّ قالت: يا بنىّ أبلغ عمر سلامي فقل له: لا تدع اُمّة محمّد بلا راع، استخلف عليهم، ولا تدعهم
________________________________________
1 . الامامة و السياسة 1 / 23 .
2 . الكامل لابن الأثير 3 / 35 .
________________________________________
(40)
بعدك هملا، فإنّي أخشى عليهم الفتنة(1) فأتى عبداللّه (إلى أبيه) فأعلمه(2) .
5- نقل الحافظ أبو نعيم الاصفهاني المتوفّى عام 430 انّ عبداللّه بن عمر دخل على أبيه قبيل وفاته فقال: إنّي سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، وزعموا أنّك غير مستخلف، وأنّه لو كان لك راعي إبل ـ أو راعي غنم ـ ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد(3) .
6- قدم معاوية المدينة ليأخذ من أهل المدينة البيعة ليزيد، فاجتمع مع عدّة من الصحابة إلى أن أرسل إلى ابن عمر فأتاه و خلا به فكلّمه بكلام وقال: إنّي كرهت أن أدع اُمّة محمّد بعدي كالضأن لاراعي لها(4) .
هذه النصوص تدل بجلاء على أنّ ادّعاء انتخاب الخليفة عن طريق الاستفتاء الشعبي أو بمراجعة أهل الحلّ والعقد، أو اتّفاق الأنصار والمهاجرين لم يكن له أصل ولا ذكر في دراسات المتقدّمين من أعلام التاريخ و كتّاب السيرة وعلماء المسلمين، وسيوافيك الكلام في استخلاف الصحابة بعضهم لبعض.
ولو دلّ هذا الأمر على شيء فإنّما يدلّ على أنّ الأصل الّذي كان يعتقد به جميع الصحابة والخلفاء في مسألة الخلافة والقيادة كان هو التنصيص والتعيين وعدم ترك الأمر إلى نظر الاُمّة وانتخابها.
________________________________________
1 . وهل يمكن أن تلتفت اُمّ المؤمنين إلى هذه النكتة ولا يلتفت إليها النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ !
2 . الامامة و السياسة للدينوري 1 / 32 .
3 . حلية الأولياء 1 / 44 .
4 . الامامة والسياسة 1 / 168 طبع مصر.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية