نصيحة للاباضية

البريد الإلكتروني طباعة

بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 302 ـ  307
________________________________________
(302)
نصيحة للاباضية
أظن أنّ العالم الاباضي إذا قرأ فصول هذا الجزء لايرمينا بالبخس لحقّه، والتجاهل لمذهبه، والتساهل في نقل عقائده بعدم الرجوع إلى المصادر الأصيلة لهم، كما اتّهم به غيرنا من كتّاب المقالات (1) .
وذلك لأنّا كما رجعنا إلى كتب المخالفين رجعنا إلى مصادرهم أيضاً، ولنا هنا موقف خاص و هو موقف الناصح الشفيق لاخوانه في الدين، لايريد من القاء هذا النصح سوى وجه الله ـ تبارك و تعالى ـ ودعم وحدة الاُمّة وقطع جذور الاختلاف بقدر الامكان.
إنّ كتّاب الاباضية اليوم وأمس خرجوا بهذه النتيجة أنّه لافرق بينهم وبين جميع فرق المسلمين إلاّ في أمرين:
1 ـ تخطئة التحكيم.
2 ـ نفي لزوم القرشيّة في الإمام.
________________________________________
1. علي يحيى معمّر: الاباضية بين الفرق الإسلامية 1/19 ـ 20 .
________________________________________
(303)
وأمّا سائرالاُصول التي يعتقدون بها فهم يلتقون فيها مع بعض الفرق الإسلامية، مثلا يلتقون في القول بعدم زيادة صفاته على ذاته، وامتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة، وتنزيهه سبحانه عن وصمة التشبيه بتأويل الصفات الخبرية تأويلا تؤيّده قواعد الأدب والمحاورة وحدوث القرآن، ففي هذه الاُصول يلتقون مع المعتزلة والشيعة الإمامية، وفي تفسير الشفاعة بمعنى ترفيع الدرجة، أو سرعة الدخول إلى الجنّة وخلود أهل المعاصي في النار يلتقون مع المعتزلة، وفي تفسير القدر و كون أفعال الانسان مخلوقة لله سبحانه فهو خالق و العبد كاسب يلتقون مع الأشاعرة (1) .
إذا سلّمنا أنّ هذه الاُصول من عقائدهم وسلّمنا أنّ ما كتبه كتّاب الفرق ورموهم به فرية بلامرية، نرى أنّ من الواجب أن تقوم الطائفة الاباضية بالاُمور التالية حتى يدعم الوئام ويملأ الفراغ وتصبح الاُمّة يداً واحدة، وهي:
1 ـ إنّ الإيمان بصحّة كل ما يكتبونه عن منهجهم ويفسّرون به عقائدهم مشكلٌ جدّاً لما وافاك من أنّ لهم في تبيين الدين مسالك أربعة ومن بين تلك المسالك: «الكتمان والسر» فعندئذ انّه من المحتمل أن تكون كل هذه المناشير مستقاة من هذا المبدأ وأنّها دعايات برّرتها التقيّة، وسوّغتها المصالح الزمنيّة.
فلأجل استقطاب قلوب الناس، حان حين الشطب على هذه المسالك في تبيين الدين، خصوصاً انّ القوم يعيشون في عصر الحريّة، وعندئذ لامبرّر لهم للتقّية لأنّ التقيّة شأن من يخفي عقيدته من مخالفه، ويخاف من ابداء موقفه من الهجوم والقتل والضرب، وأنتم بحمدالله أيّها الاباضيّون ملتقون مع الفرق الإسلامية في جميع المسائل إلاّ مسألتين غير هامّتين، فأجهروا بالحقيقة واشطبوا على هذه المسالك واتّخذوا مسلكاً واحداً .
________________________________________
1. علي يحيى معمّر: الاباضية بين الفرق الإسلامية 1/289 ـ 297 .
________________________________________
(304)
2 ـ إذا كان الحدّ الفاصل بينكم وبين سائر المسلمين هو الأمران المذكوران، فمن الجدير شطب القلم على هذين الأمرين ايضاً: أمّا مسألة القرشية فلو كان شرطاً فإنّما هو شرط في الخلافة الإسلامية والإمامة الدينية، وأين المسلمون من هذه المنى؟ وأين هم به من إقامة صرح الإمامة، وهم يعيشون في سحيق القومية البغيضة النامية في أقوام المسلمين، والعجب انّ الشيخ علي يحيى معمّر قد تنّبه بما ذكرنا، وقال:
«والآن قد ألغت الحياة بعض تلك الاعتبارات التي أدخلتها السياسة على الموضوع، واتّضح للناس جميعاً انّ الصراع الذي وقع بسبب اشتراط الوصية، أو الهاشمية أو القرشية، أو العروبة أو اعتبار الإمام معصوماً، أو لايجوز اسقاطه ولو كان منحرفاً، كل هذه الجوانب التي كان الخلاف بسببها بين فرق الاُمّة ثبت اليوم أنه صراع على تفصيلات لاتدخل في أصل الموضوع» (1).
إنّ فيما ذكره و إن كان إغراقاً حيث انّ البحث عن الوصاية ليس بالمرتبة التي تخيّلها، لأنّه كان يجب على المسلمين بعد رحلة النبي أن يبحثوا عن كيفيّة الاستخلاف وانّه هل هو أوصى برجل أو أدلى الأمر إلى الاُمّة، ولكن وراء ذلك كلّه مشاغبات حدثت بين المسلمين، لاتمت إلى الإسلام بصلة، فإذا كان شرط القرشية وعدمها هذا فما هو المبرّر لجعله أصلا دينياً.
أما مسألة التحكيم، فقد عرفت الحقّ فيه، ولكنّه ليس أصلا من اُصول الدين يناط به الإسلام و الإيمان وقد عاش المسلمون في عصر النبي وبعده إلى أواسط خلافة الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ ولم تكن هذه المسألة مطروحة. أفهل يصحّ أن نتّخذه شعاراً وأصلا أصيلا من الاُصول كالتوحيد، والنبوّة، والمعاد، وما جاء به النبي في مجال المعاش والحياة؟
________________________________________
1. علي يحيى معمّر: الاباضية بين الفرق الإسلامية 2/150 .
________________________________________
(305)
إنّ مسألة التحكيم مسألة تاريخية اختلف فيها الناس من حيث التصويب والتخطئة، فإذا لم تكن الإمامة عند أهل السنّة، أصلا من الاُصول فكيف يكون فرعه اصلا منها؟ وأقصى ما عند أهل السنّة قوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وهو لايدل على أزيد من لزوم معرفة الإمام الحي، فالاعتقاد بوصف فعل الإمام (صحّة التحكيم وعدمه) الذي مضى قبل أربعة عشر قرناً لايكون أصلا من الاُصول حتى تلزم الاُمّة بالاعتقاد بأحد الطرفين. نعم إنّ ذلك لايمنع عن طرح الموضوع على بساط البحث بين العلماء وبين المدارس والصفوف العلمية من دون أن يكون تحيّز كل فئة في المسألة سبباً للتفرقة.
3 ـ إنّ الاباضية يثنون على المحكّمة الاُولى كعبدالله بن وهب، وحرقوص بن زهير السعدي، وزيد بن الحصين الطائي، ومن لفّ لفّهم من المحكِّمة الاُولى ولايذكرون عنهم شيئاً سوى أنّهم خالفوا التحكيم، وانّ عليّاً حكَّم الرجال في موضوع له حكم في الكتاب والسنّة وهو قتال أهل البغي...
يذكرون ذلك ويطرون عليهم ولايذكرون من عملهم الإجرامى شيئاً وهو أنّ هؤلاء هم الذين فرضوا التحكيم على الإمام، وانّ زيد بن الحصين الطائي جاء مع زهاء عشرين ألف رجل مقّنعين في الحديد ونادوا الإمام باسمه لابإمرة المؤمنين، وقالوا له: لابد من الموافقة على وضع الحرب، وإلاّ نقتلك كما قتلنا عثمان، فاضطرّ الإمام إلى التنازل والموافقة بعد ما خالفهم واحتجّ عليهم بأنّ رفع المصاحف خدعة ومكيدة، وانّه يعرف هؤلاء وانّهم كانوا شرّ أطفال فصاروا شرّ رجال .
هذا هو زيد بن الحصين الطائي فهو بعد فترة قصيرة أصبح مخالفاً للتحكيم إلى حدّ كان هو المرشَّح الأوّل للخوارج في قضية سوق المحكّمة إلى النهروان،
________________________________________
(306)
ولمّا امتنع من قبول القيادة اقترح على حرقوص بن الزهير السعدي، ثمّ على غيره فقبل القيادة في النهاية عبدالله بن وهب الراسبي(1).
فكيف يتولّون جماعة متسرّعين في القضاء تسمّونهم أئمّة وشهداء ولاتذكرون من عملهم الاجرامي شيئاً؟! شهد الله انّي لم أر كلمةً في كتبهم تذكر عملهم الإجرامي في أمر التحكيم.
4 - إنّ الاباضية وصلت في ضوء الاجتهاد المطلق مرتبة جديرة بالذكر وآية ذلك انّهم التقوا في مسألة الرؤية، وعينيّة الصفات، وحدوث القرآن، وتفسير الصفات الخبرية، مع أهل الوعي والعقل والتفكير من المسلمين، ولاشكّ إنّهم وصلوا إلى هذه الاُصول بعد موت عبدالله بن اباض، وجابر بن زيد، ومسلم بن أبي كريمة، والربيع بن حبيب، لأنّ هذه الاُصول إنّما صفت وتنوّرت وتلألأت بفضل البحوث الجبّارة من أهل الفكر و التحقيق و من فضل ماورث علماء أهل البيت من خطب الإمام أمير المؤمنين علي ـ عليه السَّلام ـ حتى صقلوها ببراهينهم الجليّة، فإذا كان هذا حال مذهبهم فلأي مبرّر يسندون مذهبهم إلى واحد من التابعين كعبدالله بن اباض وجابر بن زيد وتلاميذه؟ مع أنّهم لم يكونوا بالنسبة إلى هذه المسائل في حلّ ولامرتحل.
أضف إلى ذلك أنّ الرجلين كانا من التابعين أخذوا عن الصحابة وبلغوا إلى ما بلغوا من العلم، ولكن بين علماء الاُمّة من كان أعلم منهما أعني اُستاذه ابن عباس، ذلك البحر الموّاج ـ حسب تعابير القوم ـ، بل وبينهم الإمامان الحسن و الحسين، وباقر العلوم، وجعفر الصادق(عليهم السلام) وغيرهم فلوكان هناك ملزم للانتساب، فالانتساب إلى الأعلم والأتقى ومن نصّ الكتاب على وجوب ودّه، أولى وألزم، فإن كان هذا الانتماء غير ممكن فالانتماء إلى
________________________________________
1. الطبري: التاريخ 4/5 .
________________________________________
(307)
جميع الصحابة والتابعين بلا رفع واحد و خفض آخر، أولى وأحق .
5 ـ إذا كان الكتاب و السنّة هما المصدران الرئيسيان لدى المسلمين ولديكم فنحن نحبّذ لكم دراسة حال حياة الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ ومناقبه الواردة في السنّة النبوية، ولعلّكم عند ذلك سترجعون عن ولاء المحكّمة الاُولى، وتخطّئون منهجهم وأعمالهم.
هذه أمنيتي واُمنية كل ناصح مشفق، عسى الله أن يجمع كلمة المسلمين ويلمَّ شعثهم، ويجعلهم يداً واحدة قبال المعتدين والمستعمرين، والله رؤوف رحيم.
***
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية