عقائد الزيدية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 465 ـ  472
________________________________________
(465)
الفصل التاسع في عقائد الزيدية
قد ساقنا الغور في حياة زيد الثائر الشهيد، إلى الحكم بأنّه لم يكن صاحب منهج كلامي، ولا فقهيّ فلو كان يقول بالعدل والتوحيد، ويكافح الجبر والتشبيه، فلاَجل أنّه ورثهما عن أبيه وجده عن علي _ عليهم السلام _ وإن كان يفتي في مورد أو موارد فقد كان يصدر عن الحديث الذي يرويه عن الرسول الاَعظم عن طريق آبائه الطاهرين وهذا المقدار من الموَهلات لا يصيّر الاِنسان، من أصحاب المناهج في علمي الكلام والفقه.
نعم جاء بعد زيد، مفكرون وعاة، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ، متفتحين في الاَُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفية الاستنباط مع الحنفية، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الاَُصول والفروع وما أرسوه هوَلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.
أين زيد ربيب البيت العلويّ، من القول بالاَُصول الخمسة التي تبناها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، ومن جاء بعدهما من أعلام المعتزلة، حتى صارت مندسّة في مذهب الزيدية، بلا زيادة ونقيصة إلى يومنا هذا؟
أين زيد الذي انتهل من المعين العذب العلويّ الذي رفض العمل بالقياس والاستحسان، من القول بأنّهما من مصادر التشريع الاِسلامي كما عليه المذهب
________________________________________
(466)
الفقهي للزيدية؟
ومن ألمّ بحياة أئمة أهل البيت ابتداءًَ بالاِمام علي _ عليه السلام _ وانتهاءً إلى حياة الاَئمة كالصادقين والكاظم والرضا، يقف على أنهم _ عليهم السلام _ في منتأى من القول بهذا وذاك، كيف وكان النزاع بينهم وبين مشايخ المعتزلة قائماً على قدم وساق وقد حفظت كتب الحديث والسير، لفيفاً منها، وكان الرفض للقياس والاستحسان والظنون التي ما أُنزل بها من سلطان، شعار مذهبهم، به كانوا يُعرفون وبه كانوا يمُيزون لكن ـ للاَسف ـ نجد دخول هذه العناصر في مذهب الزيدية الذي ينتمي إلى أئمة أهل البيت، عليّ _ عليه السلام _ ومن بعده.
اتفقت الاَُمّة الاِسلامية ولا سيما الاِمامية والزيدية على أنّ الرسول أوصى بالتمسك بالثقلين وأنّه لا يعدل بهما إلى غيرهما، وشبّه الرسول الاَعظم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أهل بيته بسفينة وقال: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق». وبالتالي أمر بركوبها في تمام الطريق، ولايشك أحد في أنّ الباقرين والكاظمين من أئمة أهل البيت، ومع ذلك فقد فارقت الزيدية هوَلاء في حياتهم العلمية والعملية وبالتالي اقتدوا ببعض الاَئمة دون البعض الآخر، وركبوا السفينة في بعض الطريق لا في جميعها وصار هذا وذاك سبباً لحدوث شقة كبيرة بين المذهب الزيدي، وماكان عليه متأخرو أئمة أهل البيت الذي وعاه عنهم شيعتهم من عصر الاِمام علي إلى آخر الاَئمة الاثني عشر _ عليهم السلام _، واشتهر باسم المذهب الاِمامي.
ولا أُغالي إذا قلت: إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة ساقتهم إلى ذلك، الظروف السائدة عليهم وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، و إن لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.
ومن ثم التقت الزيدية في العدل والتوحيد، مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ
________________________________________
(467)
شعارهم في جميع الظروف والاَدوار، رفض الجبر، والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الاَصلين عيال على الاِمام علي بن أبي طالب _ عليه السلام _.
كما أنّهم التقوا في الاَُصول الثلاثة:
1 ـ الوعد والوعيد.
2 ـ المنزلة بين المنزلتين.
3 ـ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الاَُصول في مذهبهم، وحكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة لاَنّها للعدول دون الفساق، فهي إذاً بمعنى ترفيع الدرجة لا الحط من الذنوب كل ذلك أخذاً بالاَصل الاَوّل، كما جعلوا الفاسق، في منزلة بين المنزلتين فهو عندهم لا موَمن ولا كافر بل هو فاسق، أخذاً بالاَصل الثاني، ولكنّهم تخبّطوا في الاَصل الثالث وزعموا أنّه أصل مختص بالمعتزلة والزيدية، مع أنّ الاِمامية يشاركونهم في هذه الاَُصول عند اجتماع الشرائط، أي وجود دولة إسلامية يرأسها الاِمام المعصوم أو النائب عنه بإسم الفقيه العادل.
إنّ الزيدية التقت في القول بحجّية القياس والاستحسان والاِجماع بما هو هو، دون كونه كاشفاً عن قول المعصوم، وحجية قول الصحابي وفعله، مع أهل السنّة ولذلك صاروا أكثر فرق الشيعة اعتدالاً ـ عند أهل السنّة ـ وميلاً إلى التفتح معهم.
ولكنّ العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة التي تميز هذا المذهب عما سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى التفتح مع الاِمامية والاِسماعيلية هو القول بإمامة علي والحسنين بالنص الجلي أو الخفي عن النبي الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _
________________________________________
(468)
والقول بأنّ تقدم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً.
هذا هو واقع المذاهب، وعموده الفقري، فقد أخذوا من كل مذهب ضغثاً.
نعم كانت عناية مشايخ الزيدية في العصور الاَوّلية، بالنقل عن الصادقين والاَخذ بقولهما أكثر من الذين جاءوا بعدهم. وهذا أحمد بن عيسى بن زيد، موَلف الاَمالي فقد أكثر فيها النقل عنهما وعن غيرهما من أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، ولكن أين هو من البحر الزخار لابن المرتضى (764 ـ 840هـ) أو سبل السلام للاَمير محمد بن إسماعيل الاَمير اليمني الصنعاني (1059 ـ 1182هـ) أو الروض النضير للسباعي، أو نيل الاَوطار في شرح منتقى الاَخبار للشوكاني (1173 ـ 1250هـ) ، فإنهم لايصدرون في عامـة المسائل إلاّ ما شذ، إلاّ عما يصدر عنه فقهاء أهل السنة، فالمصادر الحديثية هي الصحاح والمسانيد، والحجج الفقهية بعد الكتاب والسنّة، هي القياس والاستحسان، وكأنّه لم يكن هنا باقر ولا صادق، ولاكاظم ولا رضا _ عليهم السلام _ ونسوا وتناسوا مقاماتهم وعلومهم.
نحن نأتي في هذه العجالة بأُصول عقائدهم مستندين إلى ما ألفه الاِمام المرتضى في مقدمة البحر الزخار، مقتصرين على الروَوس دون الشعب المتفرقة منها. وفي هذه القائمة لعقائدهم يتجلى مدى انتمائهم، للمعتزلة أو للسنّة والشيعة، والنص لابن المرتضى بتلخيص منّا.
1 ـ صفاته عين ذاته، ويستحق بها صفاته لذاته لا لمعان (زائدة) خلافاً للاَشعرية حيث يقول: «لمعان قديمة بذاته ليست إياه ولا بعضه ولا غيره».
وقد أشار بذلك إلى المعاني الزائدة التي أثبتها الاَشعري وهي ثمانية مجموعة في قول بعضهم:
حياة، وعلم، وقدرة، وإرادة * كلام وإبصار وسمع مع البقاء
2 ـ لا يُرى سبحانه، ولا يجوز عليه الروَية وإلاّ لرأيناه الآن لارتفاع الموانع
________________________________________
(469)
الثمانية (1). ولا اختص بجهة يتصل بها الشعاع.
3 ـ ليس بذي ماهية: وعليه المعتزلة والزيدية وأكثر الخوارج والمرجئة.
4 ـ حسن الاَشياء وقبحها عقليان، وأكثر الزيديـة على أنّه يقبح الشيء لوقوعه على وجه من كونه ظلماً أو كذباً أو مفسدة إذ متى علمناه كذلك، علمنا قبحه.
5 ـ مريد بإرادة حادثة: هو سبحانه مريد بإرادة حادثة. خلافاً للكلابية والاَشعرية حيث قالوا بإرادة قديمة، وقالت النجارية بإرادة نفس ذاته، قلنا: إذاً للزم إيجاده جميع المرادات، إذ لا اختصاص لذاته ببعضها.
6 ـ متكلم بكلام: وكلام اللّه تعالى فعله الحروف والاَصوات.
7 ـ فعل العبد غير مخلوق فيه: وخالفت الجهمية وجعلت نسبته إلى العبد مجازاً كطال وقصر.
وقالت النجارية والكلابية وضرار، وحفص: خلق للّه وكسب للعبد، لنا وقوعه بحسب دواعيه وانتفاوَه بحسب كراهيته مستمراً بذلك يعلم تأثير الموَثر (العبد) سلمنا لزوم سقوط حسن المدح والذم، وسبّه لنفسه، تعالى اللّه عن ذلك.
8 ـ تكليف ما لا يطاق قبيح: وكانت المجبرة لا تلتزمه حتى صرح الاَشعري بجوازه، لنا تكليف الضرير بنقط المصحف ومن لا جناح له بالطيران، معلوم قبحه ضرورة وقوله تعالى: "إلاّ وسعها") .
9 ـ المعاصي ليس بقضاء اللّه.
10 ـ لا يطلق على اللّه أنّه يضل الخلق.
11 ـ الوعد والوعيد: وهو أصل في كلام المعتزلة والزيدية وقد عقد ابن المرتضى باباً وفرع عليه فروعاً والغاية المتوخاة منها، الحكم بخلود المسلم الفاسق في النار، وإن شئت قلت: خلود مرتكب الكبيرة الذي مات بلا توبة فيها
________________________________________
(1) أشار في التعليقة إلى الموانع الثمانية فلاحظ.
________________________________________
(470)
ولم أعثر على نصّ في كلام ابن المرتضى، ولكن صرّح به غير واحد من علمائهم ونأتي بنص العالم المعاصر الزيدي في كتابه «الزيدية نظرية وتطبيق» قال:
أمّا الزيدية وسائر العدلية فقالوا: من مات موَمناً فهو من أصحاب الجنّة خالداً فيها أبداً، ومن مات كافراً أو عاصياً لم يتب فهو من أصحاب السعير خالداً فيها أبداً لقوله تعالى: "ومَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيها أبَداً") (الجن ـ 23) وقوله: "وإنّ الفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ* يَصْلَوْنَها يَومَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ") (الانفطار ـ 16) وقوله تعالى: "بَلى مَنْ كسَبَ سَيِّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئتُهُ فَأُوْلئِكَ أصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدونَ") (البقرة ـ 81) (1)
13 ـ مرتكب الكبيرة لا موَمن ولا كافر: بل فاسق وفي منزلة بين المنزلتين وهذا أحد أُصول المعتزلة لكن الزيدية أدخلوه في الاَصل السابق الوعد والوعيد، قال ابن المرتضى:
والفاسق (مرتكب الكبيرة) ليس بكافر، خلافاً للخوارج، ولا موَمن خلافاً للمرجئة إذ هو مدح والفسق ذم فلا يجتمعان (2)
14 ـ الاِمامة تجب شرعاً لا عقلاً وعليه إجماع الصحابة.
15 ـ النص على إمامة عليّ والحسنين: الاَشعرية: لم ينص _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على إمام بعده، وقالت الزيدية: بل نصّ على عليّ والحسنين (3)وقالت البكرية على أبي بكر.
16 ـ عقد الاِمامة: وتعقد الاِمامة بالدعوة مع الكمال ولا تنعقد بالغلبة
________________________________________
(1) علي بن عبد الكريم: الزيدية نظرية وتطبيق: 76 وقد أوضحنا عدم دلالة الآيات على مايرونه في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند البحث عن هذا الاَصل عند المعتزلة فلاحظ.
(2) عزب عن المرتضى إنّما لا يجوز الجمع بين المدح والذم إذا كان المبدأ واحداً أي إذا ذمّ ومدح لاَجل ملاك واحد. دونما إذا كان المبدأ مختلفاً والحيثيات، متعددة فهو من حيث إيمانه في القلب ممدوح ومن حيث اقترافه المعصية مذموم.
(3) وقال محقق الكتاب: ومنها قوله _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما » رواه الاَمير الحسين في كتاب الشفا ورواه الاَمير الحسن بن بدر الدين في العقد الثمين.

________________________________________
(471)
خلاف الحشوية.
وأوضحه المحقّق في هامش الكتاب وقال مع عدم المنازع فيفوز بذلك أو بأن تحصل له البيعة من الاَكثرية مع وجود المنازع، وكل ذلك بعد سبق ترشيحه من ذوي الحل والعقد لمعرفة حصوله على الشروط الموَهلة له.
17 ـ معدن الاِمامة البطنان: الزيدية: على أنّ معدن الاِمامة البطنان، للاِجماع على صحتهما ولا دليل على غيرهما، وقالت الاِمامية: بل أولاد الحسين وقالت الاَشعرية بل قريش.
18 ـ الاِمامان في زمان واحد: أكثر الزيدية لا يصلح إمامان في زمان فقالت الكرامية والزيدية: يصح، لنا إجماع الصحابة بعد قول الاَنصار: منّا أمير ومنكم أمير وإذا عقد لاِثنين في وقت واحد بطلا ويستأنف كنكاح وليّين.
19 ـ ومن اعتبر العقد: كفى بيعه واحد برضا أربعة من أهل الحل والعقد وقال أبو القاسم البلخي: يكفي واحد وإن لم يرض غيره، لنا لم يعقد عمر و أبو عبيدة لاَبي بكر إلاّ برضا سالم وبشير وأُسيد وبايع عبد الرحمن عثمان، برضا الباقين (1).
20 ـ الاِمام بعد الرسول عليّ، ثم الحسن ثم الحسين _ عليهم السلام _ للاَخبار المشهورة.
21 ـ القضاء في فدك صحيح خلافاً للاِمامية وبعض الزيدية. لنا: لو كان باطلاً لنقضه علي ولو كان ظلماً لاَنكره بنو هاشم والمسلمون. (2)
22 ـ خطأ المتقدمـين على علـيّ في الخلافة قطعي، لمخالفتهم، ولا يقطع
________________________________________
(1) أُنظر كيف يستدل بفعل من ترك وصية الرسول حسب اعترافه على مسألة أُصولية.
(2) ولعله لم يبلغه قول علي _ عليه السلام _ في فدك: «نعم قد كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عليها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم اللّه» كما تبلغه خطبة الصديقة الطاهرة حول فدك التي كان بنو هاشم يحفظونها ويعلّمونها أولادهم.

________________________________________
(472)
لفسقهم إذ لم يفعلوه تمرداً بل لشبهة فلا تمنع الترضية عليهم لتقدم القطع بإيمانهم فلا يبطل بالشك فيه.
23 ـ خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعي لبغيهم على إمام الحقّ.
24 ـ توبة الناكثين: الاَكثر أنّه قد صحت توبتهم، وقالت الاِمامية وبعض الزيدية: لا.
25 ـ الاَكثر أنّ معاوية فاسق لبغيه، لم تثبت توبته فيجب التبرّي منه.
26 ـ يجب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر: بالقول والسيف مع اجتماع الشروط قالت الحشوية: لا وقالت الاِمامية: بشرط وجود الاِمام لنا: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّة") (آل عمران ـ 104) "فَقاتِلُوا الَّتي تَبْغِي") (الحجرات ـ 10) .
هذه روَوس عقائد الزيدية استخرجناها من كتاب القلائد في تصحيح الاعتقاد، المطبوع في مقدمة البحر الزخار ص 52 ـ 96 والموَلف ممن يشار إليه بين علماء الزيدية، وهو موَلف البحر الزخار، ومن أحد أئمة الفقه والاجتهاد في القرن التاسع.
* * *
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية