الامامة

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص  490ـ  494
________________________________________
(490)
(الاِمامة)
فصل [في إمامة الاِمام علي _ عليه السلام _ ]

فإن قيل: من أوّلُ الاَئمة بعد رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وأولى الاَُمّة بالخلافة بعده بلا فصل؟
فقل: ذلك أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب.
فإن قيل: هذه دعوى، فما برهانك؟
فقل: الكتاب، والسنّة، وإجماع العترة.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: "إِنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ") [المائده: 55]، ولم يوَتِ الزكاةَ في حالِ ركوعه غيرُ علي _ عليه السلام _، وذلك أنّ سائلاً سأل على عهد رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في حال ركوع عليٍ في الصلاة، وذلك في مسجد النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _، فلم يعطه أحدٌ شيئاً، فأشار إليه _ عليه السلام _ بخاتمه وهو راكع ونواه زكاة، فأخذه السائلُ، فنزل جبريل _ عليه السلام _ بهذه الآية على رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في الحال، فكانت في علي _ عليه السلام _ خاصة دون غيره من الاَُمّة. وهي تفيد معنى الاِمامة لاَنّ الوليّ هو: المالك للتصرّف، كما يقال هنا: ولي المرأة، وولي اليتيم، أي المالك للتصرف عليهما.
وأمّا السنّة، فخبر الغدير، وهو قوله _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خَذَلَهُ»، فقال له عمر: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل موَمن وموَمنة.
وروينا عن الموَيد باللّه بإسناده إلى الصادق جعفر بن محمد الباقر أنّه سُئِلَ
________________________________________
(491)
عن معنى هذا الخير، فقال: سئل عنها ـ واللّه ـ رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فقال: «اللّه مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا ولي الموَمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي، فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه».
وإذا ثبت ذلك فإنّه يفيد معنى الاِمامة؛ لاَنّا لا نعني بقولنا: فلان إمام إلاّ أنّه أولى بالتصرف في الاَُمّة من أنفسهم، ولاَنّ لفظ المولى لا يفهم منه [إلاّ] مالك بالتصرف، كما يقال: هذا مولى العبد، أي المالك للتصرف فيه، وهذا يفيد معنى الاِمامة كما تقدم.
ومما يدلّ على ذلك من السنّة: (خبر المنزلة) وهو معلوم كخبر الغدير، وهو قوله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لانبيّ بعدي»، فاستثنى النبوة، فدَلَّ ذلك على شموله لخصال الفضل كلها، ومن جملتها مِلْك التصرف على الاَُمّة، وأنّه أولى الخلق بالتصرف منهم، وذلك معنى الاِمامة كما تقدم.
وأمّا الاِجماع فإجماع العترة منعقد على ذلك.
فصل [في إمامة الحسنين]
فإن قيل: لمن الاِمامة بعد علي _ عليه السلام _ ؟
فقل: هي للحسن ولده من بعده، ثم هي للحسين من بعد أخيه ـ عليهما السلام ـ.
فإن قيل: فما الدليل على إمامتهما؟
فقل: الخبر المعلوم، وهو قول النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما»، وهذا نصُّ جَلِيّ على إمامتهما،
________________________________________
(492)
وفيه إشارة إلى إمامة أبيهما، لاَنّه لا يكون خيراً منه إلاّ إمام شاركه في خصال الاِمامة وزاد عليه فيها، فيكون حينئذ خيراً منه، وهذا واضح، والاِجماع منعقد على أنّه لا ولاية لهما على الاَُمّة في زمن النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _، ولا في زمن علي ـ عليه السلام ـ إلاّ عن أمرهما، وأنّه لا ولاية للحسين في زمن أخيه الحسن إلاّ عن أمره، فبقيت الاِمامة مخصوصة بالاِجماع.
فصل [في الاِمامة بعد الحسنين] (1)
فإن قيل: لمن الاِمامة بعدهما؟
فقل: هي محصورة في البطنين ومحظورة على من عدا أولاد السبطين، فهي لمن قام ودعا من أولاد من ينتمي نسبه من قِبَل أبيه إلى أحدهما، متى كان جامعاً لخصال الاِمامة، من: العِلْمِ الباهر، والفضل الظاهر، والشجاعة، والسخاء، وجودة الرأي بلا امتراء، والقوة على تدبير الاَُمور، والورع المشهور.
فإن قيل: ما الذي يدل على ذلك؟
فقل: أمّا الذي يدلّ على الحصر فهو أنّ العقل يقضي بقبح الاِمامة، لاَنّها تقتضي التصرف في أُمور ضارة من القتل، والصّلب، ونحوهما، وقد انعقد إجماع المسلمين على جوازها في أولاد فاطمة _ عليها السلام _، ولا دليل يدل على جوازها في غيرهم، فبقي من عداهم لا يصلح، ولاَنّ العترة أجمعت على أنّها لاتجوز في غيرهم، وإجماعهم حجّة.
وأمّا الذي يدلّ على اعتبار خصال الاِمامة التي ذكرنا فهو إجماع المسلمين.
فإن قيل: فسّروا لنا هذه الخصال.
فقل: أمّا العلمُ، فإنّه يكون عارفاً بتوحيد اللّه وعدله، وما يدخل تحت ذلك،
________________________________________
(1) الاِمامية قائلة بالنصّ بعدهما إلى الاِمام الثاني عشر، فالمخالفة بين الطائفتين واضحة في هذا المقام.
________________________________________
(493)
وأن يكون عارفاً بأُصول الشرائع وكونها الاَدلة، وهي أربعة: الكتاب، والسنّة، والاِجماع، والقياس، والمراد بذلك أن يكون فهماً في معرفة أوامر القرآن والسنّة ونواهيهما، وعامّهما، وخاصّهما، ومجملهما، ومبينهما، وناسخهما، ومنسوخهما، عارفاً بمواضع الوفاق، وطُرُق الخلاف في فروع الفقه، لئلاّ يجتهد في مواضع الاِجماع، فيتحرى في معرفة القياس والاجتهاد، ليمكنه ردّ الفرع إلى أصله.
وأمّا الفضل، فأن يكون أشهر أهل زمانه بالزيادة على غيره في خصال الاِمامة أو كأشهرهم.
وأمّا الشجاعة، فإنّه يكون بحيث لا يجبن عن لقاء أعداء اللّه، وأن يكون رابط الجأش وإن لم يكُثُر قَتْلُه وقِتالُه.
وأمّا السخاء، فأن يكون سخياً بوضع الحقوق في مواضعها.
وأمّا جودة الرأي، فأن يكون بالمنزلة التي يُرْجَعُ إليه عند التباس الاَُمور.
وأمّا القوة على تدبير الاَُمور، فلا يكون منه نقص في عقله، ولا آفة في جسمه، يضعف لاَجل ذلك عن النظر في أُمور الدّين وإصلاح أحوال المسلمين.
وأمّا الورع، فأن يكون كافّاً عن المقبحات، قائماً بالواجبات.
فرع [في طريق معرفة مواصفات الاِمام]
فإن قيل: فما الطريق إلى إثبات كونه على هذه الخصال؟
فقل: أمّا كونه عالماً فيحصل العلم به للعلماء بالمباحثة والمناظرة، ويحصل لغيرهم من الاَتْباع العلم بكونه عالماً بوقوع الاِطباق والاِجماع على كونه كذلك.
وأمّا سائر الخصال فلابد من حصول العلم بكونه عليها، وإن كان غائباً، فإنّه يحصل العلم التواتري بذلك، وكذلك حكم العلم إذا كان غائباً، فإن طريق العلم به
________________________________________
(494)
الاَخبار المتواترة للعلماء وغيرهم، وإن كان حاضراً فلابد من حصول العلم بكونه جامعاً لها، لاَنّها من أُصول الدين، فلايأخذ بالاَمارات المقتضية للظن بكونه جامعاً لها.
فصل [الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
فإن قيل: فماذا تدين به في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
فقل: أدين اللّه تعالى أنّه يجب الاَمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر؛ لقوله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون") [آل عمران: 104]، وإنما قلنا: إنّه يجب الاَمر بالمعروف الواجب؛ لاِجماع المسلمين أنّه لا يجب الاَمر بالمعروف المندوب، فلم يبق إلاّ القضاء بالاَمر بالمعروف الواجب مع الاِمكان وإلاّ بطلت فائدة الآية، ومعلوم خلاف ذلك، وقلنا: يجب النهي عن كل منكر لاِجماع المسلمين على ذلك؛ ولاَنّ المنكرات كلها قبائح فيجب النهي عنها جميعاً مع الاِمكان، كما يلزم الاَمر بالمعروف الواجب مع الاِمكان.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية