المعاد

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 494 ـ  500
 
________________________________________
(494)
(المعاد)
 
فصل [في الوعد والوعيد]
فإن قيل: فماذا تدين به في الوعد والوعيد؟
فقل: أدين اللّه بأنّه لابدّ من الثواب للموَمنين إذا ماتوا على الاِيمان مستقيمين، ودخولهم جنات النعيم: "لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِمُخْرَجِينَ") [الحجر: 48] "خَالِدِينَ فِيْها أَبَداً") .
________________________________________
(495)
وأدين اللّه بصحة ما وعد به من سعة الجنة، وطيب مساكنها، وسرُرها الموضوعة، ومآكلها المستلذة المستطابة، وفواكهها الكثيرة التي ليست بمقطوعة ولا ممنوعة، وأنهارها الجارية التي ليست بمستقذرة ولا آسنة، ولا متغيرة ولا آجنةٍ، وملابسها الفاخرة، وزوجاتها الحسان الطاهرة، والبهية النّاضِرة، ونحو ذلك مما بيّنه اللّه تعالى في كتابه المجيد، وهو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأدين اللّه تعالى أنّه لابدَّ من عقاب الكافرين في جهنم بالعذاب الاَليم، وشراب الحميم، وشجرة الزَّقُّوم طعام الاَثيم، وأنّهم يخلّدون فيها أبداً، ويلبسون ثياباً من نار، وسرابيل من القَطِران، كلّما نضجت جلودُهم بدّلهم اللّه جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، وكل ذلك معلوم من ضرورة الدين.
فصل [في أهل الكبائر]
فإنّ قيل: ماذا تدين به في أهل الكبائر سوى أهل الكفر؟
فقل: أُسمّيهم: فُسّاقاً، ومجرمين، وطغاة، وظالمين، لاِجماع الاَُمّة على تسميتهم بذلك، ولا أُسمّيهم كفاراً على الاِطلاق، ولاموَمنين (1) لفقد الدلالة على ذلك.
وأدين اللّه تعالى بأنّهم متى ماتوا مُصرّين على الكبائر فإنّهم يدخلون نار جهنم، ويخلّدون (2)فيها أبداً، ولا يخرجون في حال من الاَحوال، لقوله تعالى:
________________________________________
(1) عند الاِمامية أنّهم موَمنون وللاِيمان درجات ومراتب وقد أوضحنا الحال في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند الكلام عن الاَصل الرابع للمعتزلة: المنزلة بين المنزلتين.
(2) عند الاِمامية أنّهم غير مخلدين وقد أوضحنا الحال في الجزء الثاني عند الكلام في الوعد والوعيد عند المعتزلة.

________________________________________
(496)
"إنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهّنمَ خَالِدُونَ") [الزخرف: 74]، والفاسق عاصٍ، كما أنّ الكافر عاصٍ، فيجب حمل ذلك على عمومه، إلاّ ما خصّته دلالةٌ. وقوله تعالى: : "والَّذينَ لا يَدْعون معَ اللّهِ إِلهاً آخرَ لاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللّه إِلاّ بالحقّ وَلاَ يَزْنُوْنَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَخَلُد فِيهِ مُهَاناً") [الفرقان: 68 ـ 69]. وإجماع العترة على ذلك، وإجماعهم حجة.
فصل [في صفة الموَمن وما يجب في حقّه]
فإن قيل: فمن الموَمن، وما يجب في حقه؟
فقل: الموَمن من أتى بالواجبات، واجتنب المُقَبّحات، فمن كان كذلك؛ فإنّا نسميه: موَمناً، ومسلماً، وزكياً، وتقياً، وبراً، وولياً، وصالحاً، وذلك إجماع، ويجب: إجلاله، وتعظيمه، واحترامه، وتشميته، وموالاته، ومودّته، وتحرم: معاداته، وبُغضُه، وتحظر: نميمته، وغيبَتُهُ، وهو إجماع أيضاً، ومضمون ذلك أن تُحِبَّ له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، وبذلك وردت السنّة.
فصل [في صفة الكافر]
فإن قيل: فمن الكافر؟
فقل: من لم يَعْلَمْ له خالقاً، أو لم يَعْلَم شيئاً من صفاته التي يتميز بها عن غيره، من كونه قادراً لذاته، عالماً لذاته، حياً لذاته، ونحو ذلك من صفاته المتقدمة، فمن جحد شيئاً من ذلك أو شك أو قلد، أو اعتقد أنّه في مكان دون مكان، أو أنّه
________________________________________
(497)
في كل مكان، أو شكّ في ذلك، أو اعتقد له شريكاً أو أنّه يفعل المعاصي أو يُرِيدها، أو يَشُكّ في شيء من ذلك، أو جحد رَسُولَ اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أو ردّ ما عُلم من الدّين ضرورة باضطراب أو شك في شيء من ذلك، فهو كافرٌ بالاِجماع، ويجوز أن نسمّيه: فاجراً، وفاسقاً وطاغياً، ومارقاً، ومجرماً، وضالماً، وآثماً، وغاشماً، ونحو ذلك من الاَسماء المشتقة من أفعاله بلا خلاف.
وإن كان يُظهرُ الاِيمان ويبطنُ الكفر، جاز أن نسميه مع ذلك: منافقاً، بالاِجماع.
ومن كانت هذه حالته ـ أعني غير المنافق ـ جاز قتله وقتاله، وحصره، وأخذ ماله، وتجب معاملته بنقيض ما ذكرنا أنّه يجب من حقّ الموَمن، وقد ذكرنا أحكامه مفصّلة في (ثمرات الاَفكار في أحكام الكفار) .
فصل [في صفة الفاسق]
فإن قيل: فمن الفاسق وما حكمه؟
قلنا: أمّا الفاسق فهو مُرْتَكِبُ الكبائر سوى الكفر، نحو الزاني، وشارب الخمرة، والقاذف، ومن فرّ من زحف المسلمين غير متحرفٍ لقتال ولا متحيز إلى فئة، وتاركُ الجهاد بعد وجوبه عليه، وتاركُ الصلاة، والصيام، والحج، مع وجوب ذلك عليه، غيرُ مُستحلّ لتركه ولا مستخفّ، والسارق من سرق عشرة دراهم ـ أي قفلة ـ فما فوق بغير حق، ونحو ذلك من الكبائر، فمن فعل ذلك أو شيئاًمنه، فإنّه يجوز أن نسميه بالاَسماء المتقدمة قبل هذه في الكافر، إلاّ لفظ: الكافر، والمنافق، فإنّ ما عداهما إجماع أنّه يجوز تسميته به، وأمّا المنافق فلا بد من دلالة تدل على
________________________________________
(498)
جواز إطلاقه عليه، وأمّا لفظ: الكافر، فمنعه كثير من العلماء، وأجاز إطلاقه جماعةٌ مع التنبيه، فقالوا: هو كافر نعمة، وهو الصحيح؛ لاَنّه مروي عن علي ـ عليه السلام ـ، وهو إجماع العترة، ولِمُوافقة الكتاب.
وأمّا حكمه فحكم الكافر فيما تقدم إلاّ القتل والقتال، وأخذ الاَموال فلا يجوز إلاّ بالحق، ولايجوز قتله على الاِطلاق، وكذلك حصره فلا يجوز بحال من الاَحوال.
فرع [في الفرق بين فعل اللّه وفعل العبد]
فإن قيل: ما الفرق بين فعل اللّه وبين فعل العبد؟
فقل: فعل اللّه جواهر وأعراض وأجسام، يعجز عن فعلها جملة الاَنام، ومضمونه أنّ كلما وقف على قصد العبد واختياره تحقيقاً أو تقديراً فهو فعله، ومالم يكن كذا فليس بفعله.
فصل [في أنّه لا بد من الموت والفناء]
ثم قل أيُّـها الطالب للنجاة: وأدين اللّه تعالى بأنّه لا بد من الموت والفناء، والاِعادة بعد ذلك للحساب والجزاء، والنفخ في الصور، وبعثرة القبور، والحشر للعرض المشهور، والاِشهاد على الاَعمال بغير زور، ووضع الموازين، وأخذ الكتب بالشمال واليمين، والبعث والسوَال للمكلفين، وأن ينقسموا فريق في الجنّة وفريق في السعير، وكل ذلك معلوم من ضرورة الدين، وأنّه لابد من المناصفة بين المظلومين والظالمين، لدلالة العدل بيقين.
________________________________________
(499)
فصل [في الشفاعة]
فإن قيل: ما تقول في الشفاعة؟
فقل: أدين اللّه تعالى بثبوتها يوم الدين، وإنما تكون خاصة للموَمنين (1)ـ دون من مات مصـرّاً من المجرمين على الكبائر ـ ليزيدهم نعيماً إلى نعيمهم، وسروراً إلى سرورهم، ولمن ورد العَرْضَ وقد استوت حسناته وسيئاته، فيشفع له النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _؛ ليرقى درجة أعلى من درجة غير المكلفين من الصبيان والمجانين، وإنّما قلنا: إنّه لا بد من ثبوتها، لقوله تعالى: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً") [الاِسراء: 79]، قيل: هو الشفاعة، وقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «من كذب بالشفاعة لم ينالها يوم القيامة».
وأمّا أنّها تكون لمن ذكرناها، فلقوله تعالى: "مَا لِلظّالمينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَشَفِيعٍ يُطَاعُ") [غافر: 18]، "مَا لِلظّالِمينَ مِنْ أَنْصَار ") [البقرة: 270]، وقول النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «ليست شفاعتي لاَهل الكبائر من أُمتي»، وقوله تعالى: "وَلاَيَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى") [الاَنبياء: 28] كل ذلك يدلُّ على ما قلنا.
وتم بذلك ما أردنا ذكره للمسترشدين، تعرّضاً منّا لثواب ربّ العالمين، ربّنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب. وصلّ اللّهم وسلم على محمد صفيك وخاتم أنبيائك، وعلى آله سفن النجاة آمين. وتوفنا مسلمين آمين اللّهمّ آمين.
* * *
________________________________________
(1) أراد بالموَمنين العدول وعند الاِمامية يعم العادل والفاسق وقد بينا الدليل في الجزء الثالث عند الكلام في الشفاعة عند المعتزلة.
وهذه المواضع الثلاثة ، هي من مواضع الاتفاق بين المعتزلة والزيدية
________________________________________
(500)
مصباح العلوم في معرفة الحيّ القيوم
وهناك رسالة أُخرى في عقائد الزيدية باسمّ «مصباح العلوم في معرفة الحيّ القيوم» للعلامة أحمد بن الحسن الرصاص المتوفّى عام 600 ـ أو ـ 650وعلى كل تقدير فالرسالة تنتمي إلى النصف الاَوّل من القرن السابع كالرسالة السابقة وهي معروفة بالثلاثين مسألة، وقد حقّقها الدكتور محمد عبد السلام كفافي أُستاذ الآداب الاِسلامية بجامعة القاهرة وجامعة بيروت العربية وقوّم نصّها بالعثور على مخطوطات في مكتبة المتحف البرطاني بلندن، ولها نسخ في مكتبات أوربا يقول المحقق: «والظاهر من كثرة عدد النسخ أنّ هذه الرسالة كانت ذائعة بين أتباع المذهب الزيدي ولاعجب في ذلك فهي تلخص معتقداتهم تلخيصاً وافياً في صفحات قلائل» (1)
إنّ تعاصر الموَلفين وتقارب مضامين الرسالتين، ورغبة القراء إلى الاختصار حفزتنا إلى نشر الرسالة الاَُولى فقط.
________________________________________
1 ـ مصباح العلوم : المقدمة 5.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية