كون الزيارة على هذا الوجه المخصوص بدعة

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 175 ـ 176
________________________________________
(175)
تيمية من الشبهة في زيارة النبي الأكرم الّتي أشرنا إليها في صدر البحث وهي:
1- كون الزيارة على هذا الوجه المخصوص بدعة.
2- كون الزيارة من تعظيم غير اللّه المفضي إلى الشرك .

أمّا الشبهة الأُولى فهي باطلة من رأس، وذلك لأنّ البدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، فهل يمكن لأحد بعد هذه النصوص المتضافرة، التقوّل بأنّه لم يرد في الدين شيء حول زيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ لم يامر بها؟ كيف وقد أمر هو بزيارة القبور؟ فهل يُتصوّر أنه لا يعادل زيارته زيارة قبر مسلم؟ (كَبُرَت كَلِمةٌ تَخْرُجُ مِنْ أفواهِهِم)وقد أمر النبي بزيارة قبور المؤمنين .
وأمّا الشبهة الثانية فنقول: كيف تكون زيارة النبي مفضية إلى الشرك مع أنّ زيارة قبر نبي التوحيد، استشعار لحقيقته، وتقديس لمعناه؟ فإنّ التقديس الّذي يتصل بالرسل إنما هو من فكرتهم وهدايتهم. فالتقديس لمحمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ تقديس للمعاني الّتي دعا إليها وَحَثَّ عليها، فكيف يتصوّر من مؤمن عرف حقيقة الدعوة المحمدية أن يكون مضمراً لأي معنى من معاني الوثنية، وهو يستعبر ويستبصر ببصيرته عند الحضرة الشريفة والروضة المنيفة؟
فإذا كان خوف ابن تيمية من أن يؤدي ذلك إلى الوثنية بمضي الأعصار والدهور فإنه خوف من غير جهة، لأنّ الناس كانوا يزورون قبر الرسول إلى أول القرن الثامن، ثم باتوا إلى العصور من بعده إلى يومنا هذا، ومع ذلك لم ينظر أحد إليه نظر عبادة أو وثنية، ولو أفرط بعض العوام فذلك لا يمنع تلك الذكريات العطرة، بل يجب إرشادهم وتفهيمهم لا منعهم من الزيارة ولا تكفيرهم .
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري :
«إنّ سعي ابن تيمية في منع الناس من زيارته يدل على ضغينة كامنة فيه نحو الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وكيف يتصوّر الإشراك بسبب الزيارة،
________________________________________
(176)
والتوسل في المسلمين الذين يعتقدون في حقّه أنّه عبده ورسوله، وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل تقدير، إدامة لذكرى ذلك، ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كل شؤونهم، ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعة في شيء، ولم يعدّوهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل، وأول من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية، وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس»(1) .
ثم إنّ آخر ما في كنانة ابن تيمية وأتباعه في عدّ الزيارة بدعة وتقسيمها إلى قسمين، ما رواه أحمد في مسنده، وهو أنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: أللّهمّ لا تجعل قبري وثناً يعبد(2).
وسيوافيك الكلام في معنى الحديث عند البحث عن الاحتفال بميلاد النبي، ولا صلة لهذا الحديث بالزيارة، والزائر المسلم لا يعبد النبي ولا يعبد قبره، كما هو واضح، بل يعبد اللّه سبحانه، وإنما يزور قبر نبيه كما يزور قبور آبائه وأجدادهم من غير فرق، غير أنّه يترتب على زيارة قبر نبي التوحيد ما لا يترتب على غيره .
* * *
(أُولَئِكَ الَّذينَ هَدَى اللّه فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه)(3) .
________________________________________
1. تكملة السيف الصقيل ص 158 .
2. مسند أحمد ج 3 ص 248 .
3. سورة الأنعام: الآية 90 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية