توسل آدم بحق النبي ص

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 260 ـ 264
________________________________________
(260)
ج ـ توسل آدم بحق النبي
روى البيهقي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : لمّا اقترف آدم الخطيئة قال: ربي أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال اللّه عزّوجلّ: يا آدم. كيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: لأنك يا
________________________________________
(261)
رب لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه، فعلمت أنّك لم تضف إلى إسمك إلاّ أحب الخلق إليك، فقال اللّه ـ عزّوجلّ ـ : صدقت يا آدم. إنه لأحب الخلق إلىَّ وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك. ولو لا محمد ما خلقتك .
قال البيهقي: تفرد به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه عنه، وهو ضعيف (واللّه أعلم) (1) .
إنّ الشيخ الرفاعي لما رأى صراحة الحديث في التوسل بحق النبي أخذ يناقش في الحديث من جهات أُخرى، وإليك بيانه:
1- إنّ الحديث تضمّن الإقسام على اللّه بمخلوقاته، وهو أمر خطير يقرب من الشرك، إن لم يكن هو ذاته، فالإقسام على اللّه بمحمد وهو مخلوق بل وأشرف المخلوقين لا يجوز، لأنّ الحلف بمخلوق على مخلوق حرام، وإنه شرك لأنه حلف بغير اللّه، فالحلف على اللّه بمخلوقاته من باب أولى .
يلاحظ عليه: أنّه سيوافيك جواز الحلف بالمخلوق، سواء حلف بمخلوق على مخلوق أو بمخلوق على اللّه، وأن القرآن مليء بالإقسام بالمخلوقات، فلو كان أمراً حراماً أو ذريعة إلى الشرك أو الشرك نفسه لما حلف سبحانه بمخلوقاته، وسيوافيك توضيحه، ولا يلازم الحلف بالمخلوق جعله في مرتبة الخالق، بحجة «إنّا نحلف باللّه فلو حلفنا بمخلوقه يلزم من ذلك جعله في مرتبة الخالق»، كيف ونحن نطيع اللّه سبحانه ونطيع رسوله، أفهل يتصور من ذلك أنّا جعلنا الرسول في مرتبة الخالق؟ قال سبحانه: (أَطيعوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُم...)(2)، قال سبحانه:(أَنِ اشْكُرْ لي وَلِوالِدَيكَ إلَىَّ المَصيرُ)(3)، أفيلزم من ذلك أن يكون الوالدان في رتبة الخالق
________________________________________
1. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 384 ـ م 458 هـ ) طبع دار الكتب العلمية ـ بيروت، ج 5، ص 489 .
2. سورة النساء: الآية 59 .
3. سورة لقمان: الآية 14 .

________________________________________
(262)
لأنّه سبحانه أمر بشكر نفسه وشكر الوالدين .
إنّ الحلف لا يستلزم أزيد من كون المحلوف به أمراً عظيماً عزيزاً لائقاً بالحلف به، وأمّا كونه في درجة الخالق فزعم عجيب واستدلال غريب .
وأمّا كونه شركاً فقد عرفت أنّ المقصود هو الشرك في العبادة، والعنصر المقوم لتحققها هو الاعتقاد بكونها إلهاً أو ربّاً أو مفوضاً إليه فعله سبحانه، والمفروض عدمه .
ترى أنّ الكاتب يجعل معتقده دليلا على بطلان الحديث وضعفه، أهكذا أدب النقد؟ .
2- إنّ الحوار الوارد في الحديث كان بعد اقتراب الخطيئة، ولكنّه قبل أن يخطىء، علّمه اللّه الأسماء كلها، ومن جملة الأسماء كلها اسم محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وعلم أنه نبي ورسول، وأنه خير الخلق أجمعين، فكان أحرى أن يقول آدم: ربي إنك أعلمتني به أنه كذلك، لمّا علمتني الأسماء كلها .
يلاحظ عليه: أنَّ المسكين زعم أن المراد من الأسماء أسماء الموجودات، وغفل عن أن المراد هو العلم بحقائق الكون وقوانينه وسننه ورموزه بقرينة قوله سبحانه: «ثم عرضهم على الملائكة» فلو كان المراد الأسماء لكان الأنسب أن يقول: ثم عرضها، على أنّه لا فضيلة رابية في تعلّم أسماء الموجودات وألفاظها .
سلمنا أن المراد ما ذكره، لكن الظاهر من الحديث أنه وقف على ذلك بعد الخلقة ونفخ الروح فيه، قبل أن يحظى بتعلّم الأسماء كلها، حيث قال: لمّا خلقتني بيدك ونفخت فىَّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش...
والمتبادر من العبارة أن هذا العلم كان علماً خاصاً جزئياً وقف عليه بعد فتح عينيه على الحياة في الجنة، قبل تعلمه جميع الأسماء، وأمّا هو فقد كان مرحلة أُخرى أوسع من هذا العلم، بل لا يقاس عليه .
وبالجملة: إنّ الحديث لا غبار عليه من حيث الدلالة. نعم يقع الكلام
________________________________________
(263)
في السند. فقد ورد فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ضعّفه الذهبي اعتماداً على تضعيف أحمد وغيره(1) .
ولكن الحاكم النيسابوري أورده في مستدركه، قائلا بصحته(2) .
وعلى ذلك فليس الخبر على حد يحكم عليه بالوضع والجعل، كما يصر عليه الرفاعي بل هو كسائر الأحاديث الّتي اختلف العلماء في تصحيحها، فلو لم يكن دليلا على المدعى يكون مؤيداً له، كيف وقد رواه جلال الدين السيوطي في تفسيره(3) .
وهناك نكتتان ننبه عليهما:
الأُولى:
إنّ أحاديث التوسل وإن كانت تتراوح بين الصحيح والحسن والضعيف، لكن المجموع يعرب عن تضافر المضمون وتواتره، فعند ذلك تسقط المناقشة في أسنادها بعد ملاحظة ورود كمية كبيرة من الأحاديث في هذا المجال، وأنت إذا لاحظت ما مضى من الروايات، وما يوافيك، تذعن بتضافر المضمون أو تواتره .
الثانية: نحن نفترض أنّ الحديث الراهن مجعول موضوع، ولكنه يعرب عن أنّ التوسل بالمخلوق والإقسام على اللّه بمخلوقاته ليس شركاً ولا ذريعة إليه، بل ولا حراماً .
وذلك لأنّه لو كان شركاً وذريعة إليه أو حراماً، لما رواه الرواة الثقات واحد عن واحد، وهم أعرف بموازين الشرك ومعاييره، ولما أورده الأكابر من العلماء في المعاجم الحديثية، كالبيهقي في دلائل النبوة، والحاكم في مستدركه، والسيوطي في تفسيره، والطبراني في المعجم الصغير، وأكابر
________________________________________
1. ميزان الاعتدال، ج 2 ص 564 .
2. المستدرك على الصحيحين، ج 2 ص 615 .
3. الدر المنثور، ج 1 ص 59، ونقله كثير من المفسرين عند تفسير الآية .

________________________________________
(264)
المفسرين في القرون الغابرة، لأنّ الشرك أمر بيّن الغىّ، فلا معنى ولا مسوّغ لنقله بحجة أنه رواية .
فكل ذلك يعرب عن الفكرة الخاطئة في توصيف الحلف على اللّه بمخلوقاته شركاً(1) .
* * * * *
(فَبِأَىِّ حَدِيث بَعْدَهُ يُؤمِنونَ)(2) .
________________________________________
1. قد تركنا البحث عن التوسل بجاه النبي الوارد في كلام الرفاعي لأنه ليس قسماً ثالثاً، بل داخلا في القسم الثاني، أي التوسل بحقه .
2. سورة المرسلات: الآية 50 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية