مناظرة الكراجكي مع بعضهم في المعصية

البريد الإلكتروني طباعة

قال الشيخ الكراجكي ـ أعلى الله مقامه ـ : وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستظرفاً له بها، وعنده جمع من الناس ، فقال رجل ممّن كان في المجلس يميل إلى الجبر : إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها، فعليكم أنتم أيضاً مسألة لهم اُخرى ، لا خلاص لكم مما يلزمكم منها.

فقلت : وما هي ؟

قال : يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية ، وإبليس يشاؤها ، ثمّ وقعت معصية من المعاصي ، فقد لزم من هذا أن تكون مشيئة إبليس غلبت مشيئة رب العالمين.

فقلت: إنّما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة، ولو كنّا نقول: إنّ الله تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة، ويضطره إليها، ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والاِلجاء إلى غيرها، لزمنا ما ذكرت، وإلاّ بخلاف ذلك، وعندنا أن الله تعالى يقدر أن يجبر عباده، ويضطرهم، ويحيل بينهم وبين ما اختاروه، فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة.

وقد أبان الله تعالى فقال : ( وَلَو شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ اُمَّةً وَاحِدَةً ) (2) ، وقال تعالى : ( وَلَو شِئنَا لاََتَيْنَا كُلَّ نَفسٍ هُدَاهَا ) (3) ، وإنّما لم يفعل ذلك، لما فيه من الخروج عن سنن التكليف ، وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم، فتأمّل ما ذكرت تجده صحيحاً.

فلم يأت بحرفٍ بعد هذا (4).
____________
(1) هو : أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان المعروف بالكراجكي نسبة إلى كراجك قرية على باب واسط ، من أجلاّء علماء وفقهاء ورؤساء الشيعة ، والكراجكي من أئمّة عصره في الفقه والكلام والفلسفة والطب والفلك والرياضيات وغيرها من العلوم ، وقد أطراه عدد من مترجميه ، فوصفوه بالشيخ المحدّث الفقيه المتكلّم المتبحّر الرفيع الشأن من أكابر تلامذة المرتضى والشيخ المفيد والديلمي والواسطي، وسلار وأبي الحسن ابن شاذان القمّي، ويعبر عنه الشهيد الاَول العاملي كثيراً في كتبه بالعلاّمة مع تعبيره عن العلامة الحلّي بالفاضل ، ومصنّفاته كثيرة جداً منها : 1 ـ روضة العابدين ، 2 ـ الرسالة الناصرية ، 3 ـ الاستنصار ، 4 ـ كنز الفوائد وغيرها. توفّي في سنة 449 هـ ، راجع ترجمته في : سير أعلام النبلاء : ج 18 ، ص 121 ، لسان الميزان : ج5 ، ص 300 ، مرآة الجنان : ج3 ، ص 70 ، تنقيح المقال ، للمامقاني : ج 3 ، ص 159 ترجمة رقم : 11134 ، كنز الفوائد : ج 1 ، ص11.
(2) سورة هود : الآية 118.
(3) سورة السجدة : الآية 13.
(4) كنز الفوائد للكراجكي : ج1 ، ص 115.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية