مناظرة الشيخ سليمان البحراني مع بعض فضلاء العامة في حكم فتح باب الإجتهاد

البريد الإلكتروني طباعة

قال الشيخ سليمان عليه الرحمة : جري بيني وبين بعض فضلاء العامة كلام ، في قولهم أن زمان الاِجتهاد قد انقطع ، وأنه ليس لاَحد أن يفتي في هذه الاَعصار وما قبلها بغير المذاهب الاَربعة ، وإن كان له سند معتدٌ به من النصوص كما ذكره ابن الصلاح .

فقلت : ما دليلهم على ذلك فتعلق بالاِجماع ؟ فعرّفته ما في التعلق به من القصور ، وأريته ما حكاه جماعة منهم عن أبي حامد الغزالي من القدح في ذلك ، ودعواه الاِجتهاد المطلق ورجوعه عن تقليد الشافعي ، ومناظرته مع سعد المهنى من أعلام أهل عصره في ذلك مشهورة ، وفي كتاب تذكرة دولة شاهي مذكورة(2)،

وأيضاً فقد نصّ إمامكم الشافعي ! على أنه متى صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله شيءٌ على خلاف ما أفتى به تُرك قوله ، وعُمل بالنص مطلقاً ، وما هذا إلاّ نص في خلاف ما قالوه .

قال الشيخ صلاح الدين العلائي الشافعي في المذهب في قواعد المذهب ثبت عن الشافعي من وجوه متعددة صحيحة أنه قال : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوا قولي.(3)

وقال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : أذا وجدتم سنةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله خلاف قولي فخذوا بها ، ودعوا قولي ، فإني أقول بها ، وقال أيضاً : سمعت الشافعي يقول : كلّ مسألة تكلمت فيها صحّ الخبر فيها عن النبي صلى الله عليه وآله عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي.(4)

وهذا المعنى ثابت عنه بألفاظ كثيرة متعددة(5) ، قال ابن الصلاح : فعمل بذلك كثير من أئمّة أصحابنا ، فكان من ظفر منهم بمسألة فيها حديث ومذهب الشافعي بخلافه عُمل بالحديث ، ولم يتفقَ ذلك إلاّ نادراً .

ونقل سلوك ذلك المسلك عن أبي يعقوب البونطي ، وأبي القاسم الداركي ، وأبي الحسن الكنا الطبري ، ثمّ قال : وليس هذا بالهين ! فليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما رآه من الحديث ، ثمّ نقل عن ابن الصلاح إنه قال : من وجد من الشافعيين حديثاً يخالف مذهب الشافعي ! نظرَ فإن كملت آلات الاِجتهاد فيه ، إما مطلقاً أو في ذلك الحديث ، وإن لم تكمل ألته ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه جواباً شافياً فلينظر هل عمل بذلك الحديث إمام مستقل ؟ فإن وجده فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ويكون ذلك عذراً له عند الله تعالى في ترك مذهب إمامه في ذلك ، انتهى .

وإذا كان الاَمر على هذه الحال فأين الاِجماع على ما ذكروه ؟ !

فسكت ، ولم يأت بمقنع(6).
____________
(1) هو المرحوم الحجة الفاضل المحقّق الشيخ سليمان بن عبدالله بن علي الماحوزي البحراني ، ولد سنة 1075 هـ ، قال في منتهى المقال عنه : ووصفه الاَستاذ العلامة في أول تعليقاته بالعالم العامل والفاضل الكامل ، المحقق المدقق ، الفقيه النبيه ، نادرة العصر والزمان ،... ونقل عن تلميذه الشيخ عبدالله بن صالح البحراني أنه قال : كان هذا الشيخ أعجوبة في الحفظ والدّقة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرات وطلاقة اللسان لم أر مثله قط وكان ثقة في النقل ، ضابطاً إماماً في عصره ، وحيداً في دهره ، أذعن له جميع العلماء ، وأقر بفضله جميع الحكماء ، وكان جامعاً لجميع العلوم ، علامة في جميع الفنون ، وفي لؤلؤة البحرين أنه حفظ القرآن وله سبع سنين ، وشرع في كتب العلوم وله عشر سنين ، له مصنفات كثيرة منها : 1ـأزهار الرياض 2 ـ الشفاء في الحكمة النظرية 3 ـ الفوائد النجفية 4 ـ عدة رسائل فقهية وعقائدية ، توفي عليه الرحمة في سنة 1121 هـ . راجع ترجمته في : أعيان الشيعة : ج 7 ص 302 ، روضات الجنات : ج 4 ص 16 ترجمة رقم : 319 ، لؤلؤة البحرين : ص 7 ، أنوار البدرين : ص 150 ، موسوعة شعراء البحرين للمكباس : ج 2 ص 100 .
(2) والجدير بالذكر أنه ذكر المولى المحسن الكاشاني في المحجة البيضاء : ج 1 ص 1 أن الغزالي قد استبصر في أواخر عمره ، قال في مقدمة كتابه : وأستخيره سبحانه ثالثاً فيما انبعث له عزمي من تحرير كتاب في تهذيب إحياء علوم الدين من تصانيف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (قدس سره) فإنه وإن اشتهر في الاَقطار اشتهار الشمس في رائعة النهار ، واشتمل من العلوم الدينية المهمة النافعة في الآخرة على ما يمكن التوصل به إلى الفوز بالدرجات الفاخرة ... إلاّ أن أبا حامد لما كان حين تصنيفه عامي المذهب ولم يتشيّع بعد ، وإنما رزقه الله هذه السعادة في أواخر عمره ، كما أظهره في كتابه المسمى بسرّ العالمين وشهد به ابن الجوزي الحنبلي كان قد فاته بيان ركن عظيم من الاِيمان وهو معرفة الاَئمة المعصومين عليهم السلام ...الخ .

أقول : وقد نسب سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ص 62 نشر مكتبة نينوى وص 64 نشر مؤسسة أهل البيت ، كتاب سر العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي ، وقال آغا بزرگ الطهراني في الذريعة : ج 12 ص 168 : سر العالمين المنسوب إلى الغزالي كتاب شيعي نسبه إليه في تذكرة خواص الاَمة ، وتاج العروس ، والاتحاف في شرح الاِحياء فراجعه . والله العالم بحقائق الاَمور .
(3) مناقب الشافعي للبيهقي : ج 1 ص 472 و 475 .
(4) مناقب الشافعي للبيهقي : ج 1 ص 473 .
(5) راجع حلية الاَولياء للاَصبهاني : ج 9 ص 106 ـ 107 ، جلاء العينين للاَلوسي : ص107 ، الاِمام الصادق عليه السلام والمذاهب الاَربعة للشيخ أسد حيدر : ج 1 ص 153 ـ 175 .
(6) أزهار الرياض (كشكول) للشيخ سليمان البحراني : ص 130 (مخطوط) في مكتبة الفاضل الشيخ محمد صالح العريبي التوبلاني البحراني ، واقتبسنا المناظرة من مصورتها في مكتبة الشيخ محمد المكباس حفظه الله.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية